منهج الترقي بكلية الوجود الإنساني
تأليف الأستاذ الدكتور بسيوني الخولي
الطبعة الرابعة منقّحة وموسّعة
المجلد الثاني
حضارة الإسلام
(الذات الحضارية للإسلام)
الجزء الرابع
تشكيل النظام الاجتماعي
9
حضارة الإسلام
(الذات الحضارية للإسلام)
تشكيل النظام الاجتماعي
النظام الاجتماعي هو العنصر الثالث من عناصر حضارة الإسلام ، وقد لعب هذا العنصر دوراً مهماً في تشكيل تلك الحضارة وتطور معها ، فكما كان سبباً من أسباب ازدهارها وإيناعها ، كان كذلك سبباً من أسباب تدهورها وخفوت بريقها .
والنظام الاجتماعي يعني ترتيب وتوزيع القوة والنفوذ بين أفراد المجتمع وفئاته ، عن طريق وسائل خاصة ، قد تكون الإلزام القانوني أو النسق القيمي ، بما ينتج عنه شبكة من العلاقات والتفاعلات الرسمية وغير الرسمية ، تشكل مع الزمن كلاً واحداً وكياناً قائماً بذاته ، له صفات وخصائص مميزة .
وإذا كان ما تقدم هو النظام الاجتماعي ، فإن تشكيل ذلك النظام يستغرق وقتاً غير قصير ، ولقد كان المسلمون أمام أمرين :
الأول : أنهم فتحوا بلاداً ذات أنظمة اجتماعية راسخة وثابتة منذ مئات السنين ، وتتمتع بخصائص وسمات خاصة بها ، وبمنظومة التراث الثقافي والحضاري التي تشكلت لديها .
الثاني : أن المسلمين مطالبون بتغيير تلك الأنظمة الاجتماعية ، واستبدالها بأنظمة أخرى تلائم الإسلام ، وتتفق مع قيمه ومبادئه .
عندئذ وجد المسلمون أنفسهم أمام إشكال من أصعب ما صادفوه تعقيداً واستعصاءً على الحل ، واكتشفوا أنهم يتعاملون مع أهم عنصر من عناصر الوجود الإنساني والكون جميعاً ، ألا وهو النظام الاجتماعي بتركيباته وتفاعلاته التي سبق الحديث عنها ، وأنهم بتغييرهم للنظام الاجتماعي الذي وجدوه في البلاد المفتوحة واستبداله بنظام اجتماعي إسلامي ، سيؤسسون ركناً ركيناً في صرح حضارة الإسلام الشامخ ، فكيف إذن تعامل المسلمون مع هذا الإشكال ؟ وكيف حلوا عقدته ؟ .
لقد صاغ المسلمون نظامهم الاجتماعي في شكل نسق من القيم الاجتماعية ، تسنده وتدعمه أنساقاً أخرى من القيم السياسية الاقتصادية والإدارية والفكرية .. الخ ، ولم يلجئوا مطلقاً إلى الإلزام والإجبار إلا فيما يتعلق بإقامة حدود الدين ، ومن ثم جاء ذلك النظام الاجتماعي غاية في الدقة والتناسق والإحكام مع النظام المجتمعي ، وحتى مع عناصر الوجــود جميعاً ، وقد سهل ذلك إحلاله محل الأنظمة الاجتماعية التي كانت سائدة قبل الفتح الإسلامي ، والمفارقة الجديرة بالاعتبار أن النظام الاجتماعي الإسلامي دخل إلى بلاد عدة بدون فتح عن طريق الانتشار السلمـــي للإسلام .
لقد مر النظام الاجتماعي الإسلامي بأطوار أو مراحل عدة ، بدأت بالبساطة والسلاسة في مجتمع المدينة الذي أسسه الرسول الكريم ، وأستمر بعد وفاته بفترة قصيرة ، ثم تطور بعد ذلك لينتقل إلى طور أكثر تعقيداً وتشابكاً ، حيث تعددت الفتوحات الإسلامية ، وتنوعت الأنظمة الاجتماعية في البلاد التي فتحها المسلمون ، وانتهت تلك الأطوار بالنظام الاجتماعي المعقد الذي اختلف عن سابقيه ، وهو النظام الاجتماعي الذي وُجد في العصرين الأموي والعباسي ، فما هي خصائص كل طور ؟ وما هي سمات كل نظــام اجتماعي ؟ وما هي القواسم المشتركة التي حافظ عليها المسلمــون في كل نظام ؟ .
عندما ضعفت الدولة الإسلامية وتحللت إلى دويلات وإمارات وممالك متفرقة ، انعكس ذلك سريعاً على النظام الاجتماعي في تلك الدويلات ، وبات ذلك النظام يحمل صفات وسمات خاصة ، تعكس وضع الدولة الإسلامية ، وتنعكس على الحضارة ، فتقلل من شأنها ، وتضعف من قوتهـا ، فماذا عن النظام الاجتماعي في الدول الإسلامية في عصر التفكك والانهيار ؟ وماذا عن النظام الاجتماعي في الدول الإسلامية في الوقت الراهــن ؟ هل هو امتداد للنظام الاجتماعي في عصر التفكك والانهيار ؟ أم أنه أوثق صلة بالنظام الاجتماعي الإسلامي؟ أم أنه نظام اجتماعي ذو خصوصية لا ينتمي لهذا أو لذاك ؟ .
وأخيراً هل يمكن الحديث عن إحلال النظام الاجتماعي الإسلامي بالدول الإسلامية ، أملاً في أن يؤدي ذلك إلى المساهمة بقسط ولو محدود في إعادة بعث حضارة الإسلام ؟ .