لماذا لا يعترف أطباء تونس بأن بعضهم “تجّار ومجرمون”؟

عجيب أمر هؤلاء، فلا هم يعترفون بأخطائهم ولا هم يقبلون النقد مثلهم مثل غيرهم من العالمين، عن بعض الأطباء أتحدث، أو لنقل عن تجّار الطب الذين عرفهم القاصي والداني بالماديين المتخلين عن مبادئهم، أكتب.

فاجعة جديدة هزت الرأي العام التونسي قبل أيام، تمثلت في وفاة مولود حديث الولادة بمستشفى فرحات حشاد بسوسة، في ظروف غامضة، وفق رواية والده الذي أكد أنه تفاجئ أثناء إخراج جثة ابنه بأنه لا يزال على قيد الحياة.

القصة لم تنته عند هذا الحد، فوالد الرضيع، أوضح في تصريحات إعلامية أن إدارة المستشفى سلمته وثيقة استظهر بها تحت بند “إخراج جثة من بيت الأموات”، لكنه اكتشف أن ابنه قضى ليلة كاملة في علبة كرتونية، وأنه على قيد الحياة عندما هم بإخراجه، مضيفا أنّه حين قام بإعلام إدارة المستشفى بأنّ ابنه لا يزال على قيد الحياة، طلبوا منه في المقابل انتظار وفاته ومن ثم دفنه.

رواية والد الطفل الضحية المصر على صحة الوقائع التي سردها، كذبتها وزيرة الصحة سميرة مرعي، بقولها إن التحريات الأولية أوضحت عدم اقتراف خطأ طبي في وفاة رضيع بمستشفى فرحات حشاد، لكن القضاء أصدر تعليماته بالاحتفاظ بالطبيبة “المورطة” إلى حين استكمال التحقيق في الحادث.

زملاء الطبيبة الموقوفة، نظموا وقفة احتجاجية صباح الإثنين أمام إحدى محاكم مدينة سوسة الساحلية للمطالبة بالإفراج الفوري عن زميلتهم، رافعين شعارات تنتصر لقطاعهم وتتهم الإعلام بمغالطة الشعب، كما رددوا هتافات تختزل ضحالة تفكيرهم ومستواهم الأخلاقي مثل “يا إعلام يا جبان الطبيب لا يهان” و”يا مواطن فيق فيق الإعلام يكذب عليك” و”يا مواطن فيق فيق الطبيب يخدم فيك”.

إن شرف الطب لا يناله من هب ودب، ويعلم الله كم نجل هذه المهنة والعاملين في حقلها، العاملين بإخلاص ومهنية وحب لإنقاذ الروح البشرية، لكننا في نفس الوقت نحتقر بعض الأطباء أشد الإحتقار، لأنهم ليسوا أطباء بقدر ما هم “تجار” و”مافيات” و”مجرمون” وغيرها من الأوصاف اللائقة بهم.

الطب في تونس أصبح سلعة رائجة، والمستشفيات والمصحات الخاصة، أضحى الكثير منها “مسالخ” بشرية، يدخل إليها المريض عليلا فيخرج منها معلولا بأكثر من علة، هذا إن خرج منها أصلا، ولو استعرضنا الأمثلة على ما نقول لطال المقال كثيرا.

في فترة النظام السابق، كان بعض الأطباء شركاء في الجرائم التي ارتكبها نظام ابن علي ضد معارضيه، فقد كان الجلاد يقوم بحفلات التعذيب الفردية والجماعية ثم يأذن لمجرمين ارتدوا زورا وبهتانا لباس الأطباء، لإبداء آرائهم “هل نواصل حفلة التعذيب أم نوقفها؟، وهو ما تسبب في وفاة أكثر من سجين ناهيك عن التسبب في عاهات مستدامة لآخرين.

بعض هؤلاء المجرمين البعيدين كل البعد عن كونهم أطباء، لا يزالون في مناصبهم الآن، بينما كان جديرا بهياكلهم المسؤولة المهددة بتنفيذ إضراب عام، أن تحيلهم إلى المحاسبة وأن تتخذ اللازم في حقهم بدل التستر عليهم وعلى أمثالهم من “تجار الطب”.

قد يقول قائل إن الأطباء لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا أثناء عملهم تجهيزات قديمة ومعظمها غير صالحة للإستعمال، لكننا نجيبه بأن مثل هذه الأجهزة كانوا هم أنفسهم سببا في إعطابها وإحالتها إلى التقاعد الوجوبي بسبب تقاعسهم وتعاملهم مع مؤسسات الدولة بمنطق “رزق البيليك”، ناهيك أن عددا لا محدودا من التجهيزات يتم إخفاؤه وعدم العمل به إلا في أوقات الضرورة القصوى أو عند زيارة مسؤول كبير.

من المؤكد أن أطباء تونس في معظمهم شرفاء ومهنيون ويشهد لهم الجميع بالإتقان، إلا أن البعض منهم ممن اختار طريق الانتهازية والربح المادي السريع والفاحش، كانوا سببا في تشكيل صورة سلبية لدى المواطن التونسي الذي أصبح يصدق كل الإشاعات التي تستهدفهم، ما ساهم في خلق رأي عام سريع الاشتعال.

إن عددا من الحوادث التي وردت على مسامعي من إطارات طبية وشبه طبية وأطباء، قد كشفت لي شخصيا عن حجم الإجرام الذي يمارس يوميا في المستشفيات والمصحات، بل إنني في إحدى المرات صدمت لما ورد على مسامعي ولم أشأ تصديقه لهول ما يحدث في غرف العناية المركزة وبعض الأقسام التي تشكو اكتظاظا كبيرا.

في الأخير نقول، عندما يتخلى الأطباء عن شعار “انصر أخاك ظالما أو مظلوما” ويفعّلون أخلاقيات مهنتهم ويطبقون ما تعلّموه بعيدا عن منطق “المرابحة” و”الغنيمة” وشتم الغير ولمز خصومهم، ستتحسن أوضاعهم المادية والمعنوية، وسيكونون سببا في إنقاذ آلاف الأرواح البشرية التي راحت ضحية تقصيرهم تزامنا مع تقصير الدولة التونسية، لذلك فليريحوا أنفسهم ويطهروا قطاعهم بدل سب الإعلام وشتم الإعلاميين الذين يقومون بدورهم في إنارة الرأي العام وكشف تجاوزات الجميع أطباء كانوا أم وزراء.

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث