تقرير منظمة العفو الدولية وصمة عار على جبين السلطات التونسية و”ثورة” التونسيين

By Published On: 14 فبراير، 2017

شارك الموضوع:

وقع المحظور، وكشفت إحدى أكبر المنظمات الحقوقية الدولية فظاعة ما يحدث في تونس، تعذيب واغتصاب وترويع للآمنين وصل إلى حد إسقاط نسوة لجنين كان بعضهنّ ينتظرنه منذ سنين.

إنها حقيقة تونس، ذاك البلد الآمن المطمئن الخالي من الظلم كما يصوره لنا إعلام العار، ممن رضع الذُل والهوان وتغيير الحقائق لسنوات طوال، بفضل جينات العبودية المتغلّبة عليهم، وبإشراف مباشر من غرفة عمليات وزارة الداخلية وقصر الحكومة وقصر قرطاج.

ليس المكان محل حديث عن سقطات إعلام العار هنا، ولكن الأمر يتعلّق مباشرة بالفظائع المخفيّة التي كشفتها منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر صباح الإثنين، تقرير يشيب له الولدان وترتعد منه الفرائص بسبب خطورة المعطيات التي ورد في ثنايا صفحاته الخمسين.

في حقيقة الأمر لم نكن من المتفاجئين بما ورد في هذا التقرير، بل نحن نؤكد ما ورد فيه حرفا حرفا، فمن خلال عملنا الذي يستوجب منا الاتصال بمحامين وحقوقيين وناشطين صلب المجتمع المدني وعدد كبير ممن وقع عليه الظلم المسلط من الأجهزة الأمنية، تأكدنا أن انتهاكات حقوق الإنسان في تونس ما بعد 14 يناير، أصبحت حقيقة لا يمكن تغطيتها حتى وإن حاول بعض الوزراء والبرلمانيين والمسؤولين في أعلى أجهزة الدولة إغفالها والتقليل من خطورتها.

ففي أكثر من مناسبة، أكّد لنا مجموعة من الحقوقيين والمحامين، تواصل التعذيب النفسي والجسدي الوحشي، إضافة إلى الهرسلة الأمنية المتكرّرة حتى بعد تبرئة القضاء لبعض المتّهمين، فصب الماء البارد والحرمان من النوم وسب الجلالة والأم والأب والعائلة وهتك العرض والحرمان من النوم ووضع “الدجاجة” وأخذ فرد من العائلة كرهينة من أجل الضغط والتهديد بالإغتصاب وغيرها من الطرق البشعة التي يجرّمها القانون والاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها تونس بدون استثناء، كان سياسة تنتهجها فرق أمنية متخصّصة، رغم ادعاء وزراء الداخلية المتعاقبين أن زمن التعذيب ولّى بدون رجعة وأن ما يحدث لا يعدو أن يكون حالات فرديّة معزولة.

محامون عرفوا منذ زمن المخلوع بن علي بدفاعهم عن الحريات الفردية ومرافعاتهم عن المعتقلين والناشطين السياسيين، صرّحوا في أكثر من ظهور إعلامي بأن الأوضاع داخل السجون ازدادت سوءا، ومنهم من قال إن سجن المرناقية فاق في وحشيته معتقل غوانتنامو، بسبب رداءة الغرف وغلظة السجانين والاكتظاظ الرهيب، ناهيك عن حالات الوفاة المشبوهة التي راح ضحيتها عدد من المساجين والموقوفين في أكثر من مرّة.

على صعيد متّصل، تواصل معنا عدد من ضحايا الهرسلة الأمنية شريطة عدم الكشف عن أسمائهم خوفا من مزيد التضييق عليهم خاصة وأنهم فقدوا وظائفهم بسبب الاستدعاءات الأمنية المتكرّرة بدون أي داعي، فالموقوف الذي تعلن وزارة الداخلية عن أنه “تكفيري” أو “إرهابي” بسبب محاضر تحقيق ملفّقة وكيديّة، سرعان ما يفرج القضاء عنه، لعدم استيفاء القرائن، حيث أن بعض القرائن المضحكة التي تعتمدها بعض الفرق الأمنية لا تتجاوز كتيّب “أذكار وأدعية” أو كتبا فقهية وسيرة نبويّة، وفي جعبتنا الكثير من هذه الأمثلة.

فعندما تصبح كتب على غرار “الأجرومية” في علم النحو و”الرحيق المختوم” في السيرة النبوية للمباركفوري وكتب أخرى لا يتسع المجال لذكرها، كتبا تكفيريّة يحال بمقتضى تحوّزها المشتبه فيهم، إلى التحقيقات المطوّلة والإيقافات المتكرّرة، فهذه فضيحة كبرى تفوق فضيحة بحث المخابرات الأمريكية عن الإمام أحمد بن حنبل.

الناشط الحقوقي التونسي مروان جدّة، كان قد كشف في أكثر من مناسبة عن تناقضات عجيبة وتهم غريبة تستند عليها وزارة الداخلية بهدف تحطيم مستقبل عائلات بأسرها أصبح خبزها اليومي الاقتحامات والمداهمات الليلية، فتدوينة على “الفيسبوك” قد تكون دليل إدانة يعتمد عليه “المفتّش كورمبو” للاحتفاظ بمن لا يعجبه مظهره لأيام طويلة في مراكز إيقاف فاقت بشاعتها أقبية وزارة الداخلية، ولعلّ خليّة “الحمّام” لن تكون آخرها.

الأخطر من كل هذا، أن هناك تقارير إعلامية أكدها محامون تتحدث عن تلفيق وإيهام ببعض الأحداث الإرهابية المفتعلة، وفق ما كشفته صحيفة “الثورة نيوز” الأسبوعية ولمّح إليه المحامي “سيف الدين مخلوف”، وهو ما يبعث على عدم الإطمئنان والخوف، خاصة إذا ما كانت الجهات الرسمية تعرف ذلك ولا ترغب في التدخّل وإيقاف المتورّطين مثلما تفعل مع الضعفاء الذين ينطبق عليهم القانون لأنهم مواطنون درجة ثالثة.

إن الناس سواسية أمام القانون، فالضعيف والقوي يجب عليهما الانصياع للقضاء المكلّف بإرساء العدالة، ولكن دولة القانون التي ظنّ التونسي أنه بدأ بإرسائها بفضل دماء مئات الشهداء والجرحى الذين سقطوا برصاص أمن السلطة، يبدو أنها ما تزال بعيدة المنال بسبب زمرة فاسدة متغلغلة في كل مفاصل الدولة، بل إن هذه الزمرة تحظى بدعم داخلي وخارجي كبير يعيق محاسبة أفرادها وإيقافهم عن ارتكاب جرائم انتهاك أعراض الأبرياء والتي فضحتنا أمام العالم بأسره.

زوّار السفارات وعاشقي “الgعدات” حان وقت رحيلهم غير مأسوف عليهم، ولكن هذا الرحيل، تمنعه استقطابات حزبية مقيتة خلنا أنها زالت بعد 14 يناير، ولعلّ استقالة المدير العام للأمن الوطني عبد الرحمان الحاج علي أبرز دليل على خطورة ما وصلت إليه الأمور داخل أروقة وزارة الداخلية، وفق ما صرّح بذلك الوزير الهادي مجدوب، والذي بدوره يقف عاجزا أمام تنفيذ برامج إصلاح وتطهير شامل في إحدى أكبر الوزارات السيادية التي لا يثق فيها كثير من التونسيين.

نعلم جيدا أن هذا المقال لن يعجب كثيرين، ولكنّه لن يكون أكثر من تذكير بخطورة ما وصلت إليه الأمور، ولن يتجاوز في عدد أسطره أو الحقائق التي وردت فيه، صفحتين من “تقرير العار” لمنظمة العفو الدولية المستقلّة والتي سبق وأن فضحت قبل أسبوع، جرائم الحرب التي ارتكبها نظام بشار الأسد في سجن صيدنايا طيلة 5 سنوات من 2011 و2015، حتّى لا يخيّل إلى مسؤولينا أنّها تستهدفنا وتحرّض العالم علينا لكونهم مغرمين بنظريّة المؤامرة.

يعرف جميع المتابعين لسير الأحداث في تونس، أنّ هناك أطرافا ترغب في تكرار مجازر صيدنايا في سجوننا بسبب حقدهم على كل ما يمتّ للهوية العربية الإسلامية بصلة، مكرّرين بذلك محرقة الإسلاميين التي عرفتها البلاد في سنوات التسعينات، ولكنّ وعي التونسيين منعهم من ذلك، إلا أنّ الوعي المجرّد من إرادة سياسية إصلاحيّة حقيقية لإرساء دولة القانون والمؤسسات، لن يكون كافيا لتحصين البلاد من حلول قانون الغاب.

في الأخير أوجّه رسالتي إلى جميع المسؤولين بدون استثناء “طبّقوا القانون ولا تعملوا بالمثل الشعبي “عزوزة ما يهمها قَرْصْ”، فإنكم تسيرون بالبلاد إلى الهاوية التي لا تليق بنا كتونسيين والتي ينتظرها كثير من المتربّصين.

شارك هذا الموضوع

Leave A Comment