تراجعت الأغاني الشعائرية التي تحتوي على شعار “الموت لأمريكا” في السنوات الأخيرة. وكانت الحشود ضد أمريكا ضعيفة، وبدا بعض المتظاهرين المعارضين لموجة العم سام الذين يحملون لافتات متهكمة على أمريكا أقل من السابق.
ولكن بعد ذلك وبفضل «دونالد ترمب» فإن التجمع السنوي لهذا العام للاحتفال بيوم الثورة الإسلامية في 10 فبراير/شباط في طهران يبدو أنه كان واحدا من أكبر التجمعات في إيران.
وقد أزعجت تغريدة السيد «ترمب» حتى الطبقة الوسطى العلمانية وقد قال «ترمب» على سبيل المثال: «إيران تلعب بالنار، فهم لا يقدرون أنهم يتعاملون الآن معي وليس مع أوباما». وقد فرض الرئيس الجديد أيضا عقوبات جديدة وأصدر أمرا تنفيذيا (تم وقف تنفيذه حاليا من قبل المحاكم) بمنع الإيرانيين من السفر إلى أمريكا.
ويقول المتشددون الذين حذروا من أن أمريكا تستهدف الشعب الإيراني، وليس فقط نظامها بأن حكومتهم لن تثق بأمريكا مرة أخرى. وقد سخر «آية الله علي خامنئي»، المرشد الأعلى، في خطاب الذكرى قائلا: «شكرا لكسيد ترمب لإظهار الوجه الحقيقي لأمريكا». والآن حتى الإصلاحيين، الذين تمكنوا من تفكيك البرنامج النووي الإيراني وسلموا مواد انشطارية كافية لبناء عشر قنابل نووية كجزء من الصفقة، يشعرون بالخيانة.
حيث يبدو أن كلا من «جواد ظريف» وزير الخارجية الإيراني و «منوشهر متكي»، الذي تفاوض على اتفاق مع القوى العالمية الست، قد فقدوا ابتسامتهم. إيران لديها أيام صعبة قادمة. حتى «محمد خاتمي»، الرئيس السابق الذي كان قد حاول رأب الصدع مع الغرب، دعا الإصلاحيين للانضمام إلى المتشددين في شجب أمريكا.
ويبدو من المرجح أن ذلك سيمتد إلى الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار للتعبير عن هذا الغضب. كان رئيس الجمهورية «حسن روحاني» يأمل بأن فرصته ستتعزز في أعقاب الاتفاق النووي. حيث ساعد التخفيف من العقوبات في نمو الاقتصاد الإيراني بنسبة 4٪ في عام 2016، وقد توقع صندوق النقد الدولي أن يصل النمو إلى 6٪ هذا العام. ولكن خطاب السيد «ترمب» قد أبعد المستثمرين المحتملين ولاسيما الشركات الكبرى التي كانت متحمسة للفرص. ولهذا فإن السيد «روحاني» قد يفشل، وسيقوم بالتسليم لخصومه.
والمتشددون الآن لديهم فرصة لاختيار مرشح للرئاسة. فقد كانت «مرضية وحيد دستجردي»، الوزيرة في الجمهورية الإسلامية، قد طرحت لتكون أول مرشحة للرئاسة على أمل أن تكسب أصوات النساء. ولكن الآن يبدو أن المحافظين سيميلون إلى الدفع برجل عسكري. يقول أحد المقربين من «خامنئي»، في إشارة إلى رئيس فيلق القدس، في الحرس الثوري الإيراني: «إذا تم اختيار قاسم سليماني، فإنه سوف يفوز».
حتى بدون وجود الرئيس المحافظ، فإن المتشددين سيستعرضون عضلاتهم. فقد حظروا المهرجان السينمائي السنوي في إيران الذي يعرض عشرة أفلام المحلية هذا العام، بما في ذلك أحد الأفلام الذي يستبدل حجاب المرأة بشعر مستعار. وقال أحد المنظمين للمهرجان بأن المهرجان كان نسويا أيضا. وفي الماضي، كان السيد «روحاني» قد ألغى الرقابة. ولكن هذه المرة، ليس لديه حتى الآن قوة لتأمين موافقة مجلس صيانة الدستور، وهو هيئة يهيمن عليها المحافظون و يفحص أوضاع المرشحين في الانتخابات البرلمانية ويقيم القوانين.
هل يوجد مفر من المزيد من التدهور في العلاقات بين إيران وأمريكا؟ كثيرون في حاشية السيد «ترمب» يرون في التجارب الصاروخية الإيرانية ليس مجرد أفعال محلية ولكن هي من أجل توسيع نفوذها الإقليمي. وهؤلاء يريدون مساعدة (إسرائيل) والدول العربية السنية لإعادة إيران مرة أخرى إلى وضعها السابق.
لم ينس «جيمس ماتيس»، وزير دفاع السيد «ترمب» والقائد السابق للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، أن الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران قتلت العديد من جنوده في العراق. ويرى خصوم إيران السنة أيضا في ذلك فرصة حيث يقول «خميس الخنجر»، أحد زعماء السنة في العراق: «نحن نتفق مع ترمب حيث أن الذي أعطى الضوء الأخضر لإيران للقيام بكل ما يحب في المنطقة هو الاتفاق النووي».
ولكن آخرين، بما في ذلك بريطانيا، يقولون أن التعامل بشكل أكثر تشددا مع إيران سوف يشجع المتشددين فيها، فيما يبدو أن العقوبات الأخيرة التي أقرها السيد «ترمب» رمزية إلى حد كبير، فهي تؤثر فقط في 25 من الأشخاص والشركات. ويبقى القرار المنتظر من «ترمب» حول الاتفاق النووي، أما الآن فإن الحرب تدور بالكلمات فقط.
المصدر: ترجمة وتحرير الخليج الجديد نقلاً عن إيكونوميست