ضياع معنى الإرهاب في متاهات الأحداث

ذكرت مرغريت تاتويلر بعد تسلم وظيفتها كرئيسة الدبلوماسية العامة في الخارجية الأمريكية ” يتطلب منا العمل الشاق لسنين طويلة كي تستعيد بلادنا مكانتها المناسبة على الصعيد الدولي”.

لا يزال التعريف المرن للإرهاب يثير الحيرة والدهشة معا، على الرغم من أهميته في الوقت الحاضرة على إعتبار أن حرب القرن هي الحرب على الإرهاب، لكن التعريف ما يزال مطاطا، أي دولة تسحبه بالقدر الذي يتفق مع مصالحها، فالرئيس الأمريكي بوش أصدر في 24/10/2001 قائمة بأسماء (11) منظمة ارهابية هي: القاعدة، جماعة ابو سيف، الجماعة الاسلامية المسلحة في الجزائر، حركة مجاهدي كشمير، حركة الجهاد في مصر، الحركة الاسلامية الاوزبكية، عصبة الانصار اللبنانية، المجموعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر، مجموعة القتال الاسلامية الليبية، الاتحاد الاسلامي الصومالي، جيش عدن الاسلامي في اليمن اضافة الى (12) شخص واربع منظمات خيرية لاغيرها. هذه هي التنظيمات الإرهابية فقط من وجهة نظره آنذاك؟ ولكن الحال تغير الآن، هناك محاولات امريكية وأوربية مستمرة لشمول حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني وميليشيات الحشد الشعبي والإخوان المسلمين وتنظيمات أخرى كإرهابية.

الغريب ان بعض الدول عرفت الإرهاب بشكل طريف لأنه ينطبق على سياستها سواء تجاه شعبها أو الشعوب الأخرى. فقد ذكر جندي المارينز الامريكي (مايك برسنر) الذي شارك في غزو العراق”  قيل لنا أننا نحارب الإرهابيين لكني كنت أنا ذاك الإرهابي، الإرهاب الفعلي هو احتلالنا للبلد”. كما صرح البروفيسور فيرماج استاذ القانون الدولي في جامعة يوتا الامريكية ” ان الرئيس بوش يقود البلاد الى حرب غير دستورية كما انها تمثل خرقا للقانون الدولي، وإعتداءا صارخا على حقوقنا المدنية وتهديدا لأمنا القوميـ وإنتهاكا مريعا لمعايير المنطق السليم” (عراق المسقبل لجيف سيمونز/21) وهو نفس ما عبر عنه روبرت فيسك بقوله” هذه هي حقيقة الحرب! نحن نقصف وهم يعانون”. ( الاندبندنت في آذار/2003)

بلا أدنى شك أن أعتى التنظمات الإرهابية في العالم هي وليدة الدول التي تحاربه في الوقت الحاضر، وهذا ما عبر عنه مفكرو الغرب والولايات المتحدة الأمريكية. فقد ذكرنعوم تشومسكي في مقابلة له في شهر مارس 2015 بأن ” العنف الأمريكي زاد الطين بلة ونحن جميعًا على دراية بتلك الجرائم، التي ساعدت على بزوغ الكثير من القوى القاتلة والعنيفة، وداعش هي إحداها، أن استمرار الولايات المتحدة في سياساتها العسكرية لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة”. ونقلت صحيفة (ديلي ستار 19/9/2012)  عن النائب جورج غالاوي ” أن القوات البريطانية درّبت إرهابيي تنظيم القاعدة في المملكة المتحدة”. وأشارت الصحيفة إلى أن غالاوي ” يعتقد أن تنظيم القاعدة هو من صنع بريطانيا، وفي رسالة صوتية في موقع يوتيوب قال” أن بريطانيا موّلت وسلّحت ودرّبت نشطاء الإرهاب لمحاربة الروس في عقد الثمانينيات من القرن الماضي. وإن تنظيم القاعدة ظهر في أفغانستان لأننا ساهمنا بإرساله إلى هناك، وسلّحنا وموّلنا مقاتليه وأسميناهم مناضلين من أجل الحرية”. وهو ما عبر عنه الرئيس رونالد ريغان في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي بقوله ” كل المقاتلين ضد الغزو السوفيتي في أفغانستان هم مقاتلون من أجل الحرية”

2. جدلية تعريف الإرهاب

يمثل تعريف الإرهاب إشكالية من الصعب حلٌها في ضوء إخفاق الشرعية الدولية المتمثلة في الأمم المتحدة وخبراء القانون الدولي من حصره في حدود ضيقة على الخارطة الدولية. على الرغم من تأكيد الأمم المتحدة عبر ميثاقها وصكوكها الدولية على ضرورة إتخاذ التدابير اللازمة لحفظ الأمن والسلم الدوليين، ووضع حد للإرهاب الذي يعصف بحياة الناس الأبرياء ويفني قاعدة الحريات الأساسية والعهود الخاصة بحقوق الإنسان من أساسها. يُستشف من هذا التعريف أن الإرهاب يعني تهديد حياة الناس الأبرياء وحرياتهم الأساسية وحقوقهم الواردة في الصكوك الدولية وميثاق حقوق الإنسان. ورغم عمومية التعريف وشموليته لكن الأمم المتحدة إستطاعت تحديد أوصافة وأشكاله بصورة وافية يمكن الإستدلال عليه بسهولة، ولكنها لم تجرأ على تصنيف الكثير من الأوضاع المأساوية التي ينطبق عليها تعريفها في خانة الإرهاب، سيما عندما يتعلق الأمر بمصالح الدول الكبرى. ومنها على سبيل المثال العدوان الأمريكي على لاوس، فقد وصفت (اللجنة المركزية المينونيتية) وهي تعمل في لاوس منذ عام 1977 القصف الامريكي الهمجي للاوس”معظمه يستهدف الاطفال وان نصف الأموات هم من الاطفال”. كما وصفها ماركوس وارن بقوله ” الحرب الامريكية غير المعلنة التي تقتل الاطفال” ووصفها رونالد بولادسكي ” القنابل الامريكية المقذوفة من السماء تشوه وتقتل الاف الضحايا الابرياء ومعظمهم من الاطفال”. كما تحدث المحلل ( ريتشارد داودن) في صحيفة الاندبندنت في ك1/1998 عن” إصابة ما بين 6000 ـ 8000  مدني صومالي عام 1993 وكان ثلث الضحايا من الاطفال والنساء رغم ان التقديرات الحقيقية أضعاف هذه الارقام. وصرح الجنرال الامريكي ( انتوني زيني) قائد العمليات في الصومال للصحفيين” لا أعد الجثث فهذا الأمر لا يهمني”! وهذا القائد هو نفسه الذي قاد حملة القصف الامريكي على العراق، وقد وصفته صحيفة نيويورك تايمز كانون الاول/1998 بأنه “حساسا تجاه القيم العربية”. ولا يخفي على أحد ما أدلت به العقرب الأمريكية (مادلين أولبرايت) وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة عندما سُئلت عن الحصار الأمريكي  للعراق الذي تسبب في وفاة  نصف مليون طفل حتى عام 1996  فأجابت بكل استهتار ولا مبالاة ” أن الثمن يستأهل”! لذا ليس من المعقول أن لا تصنف الأمم المتحدة هذه الأفعال والمئات غيرها في خانة الإرهاب، على أقل تقدير إحتراما لميثاقها ومصداقيتها.

أما التعريف الفرنسي للإرهاب فهو” خرق للقانون، يقدم عليه فرد من الأفراد، أو تنظيم جماعي بهدف إثارة اضطراب خطير في النظام العام عن طريق التهديد بالترهيب”. لكن ما يؤخذ على هذا التعريف أنه يسري على أية جريمة أخرى لا تتعلق بالإرهاب، فالسائق المتهور الذي يتجاوز السرعة المقررة ولايبالي بإشارات المرور يثير أيضا إضطراب في النظام العام، لكن لا يمكن تصنيفه كأرهابي، وكذلك الكثير من الجرائم والمخالفات، كما ان التعريف يتحدث عن التهديد بالإرهاب وليس إرتكابه.

إنفردت الولايات المتحدة بتفسيرها الأحادي المعنى للإرهاب بالطبع بما يتوافق مع رؤيتها ومصالحها السياسية فقط. فهو وفقا لقانونها ( U.S Code Section 2656f”d ) يتمثل” بالعنف المتعمد المدفوع بعوامل سياسية والمرتكب ضد أهداف مدنية على أيدي جماعات لا تتمتع بالمواطنة أو عملاء سريين، ويكون هدفه عادة التأثير في جمهور معين”. كما وصفه البنتاغون بأنه الإستعمال غير قانوني لأعمال العنف أو التهديد باستخدامها ضد الأشخاص والممتلكات بغرض إشاعة الخوف وإجبار الحكومة أو الشعب على أمر ما بهدف تحقيق أهداف سياسية أو دينية أو ايديولوجية محددة. المثير في الأمر إننا إذ طبقنا هذه المعايير على الممارسات الامريكية في فيتنام ولاوس والصومال سابقا، وافغانستان والعراق لاحقا، ستكون الولايات المتحدة الامريكية اكثر دولة ارهابية أو راعية للإرهاب في العالم وفق تعريفها.

فقد دمرت الولايات المتحدة معمل أدوية الشفاء في السودان بذريعة سخيفة وهي إنتاج أسلحة كيماوية تزود به أسامة بن لادن وادعى البعض أن ابن لادن من الشركاء في ملكية المصنع وبعدها تبين انه ليس له أي علاقة بالمعمل وانه لم يكن ينتج أسلحة كيماوية. وغزت افغانستان والعراق ثأرا لضحايا الحادي عشر من سبتمبر، مع انه لايوجد من بين المنفذين عراقي أو إفغاني الجنسية، بل كان الإرهابيون من دول حليفة للولايات المتحدة. وربطت على الشك فقط العراق بتنظيم القاعدة، وجاء في شهادة ريتشارد كلارك منسق أعمال مكافحة الإرهاب سابقا أمام لجنة التحقيق المستقلة في 24/3/2004 بانه ” حاول الرئيس بوش جاهدا أن يربط بين العراق وهجمات 11 سبتمبر، ولكن انقشع الغيم فتبين إن الطيارين الانتحاريين تلقوا تدريباتهم في مدارس أمريكية للتدريب على الطيران في فلوريدا واريزونا واوكلاهوما منيسوتا”. كما علق المحلل السيسي (فير ريفز) بالقول عن غزو افغانستان” اذا كان الامريكيون يعتقدون إنهم حققوا النجاح في افغانستان! فلابد ان يكون الفشل التام أمرا مروعا”.( الاندبندنت/ فبراير3200).

ان الحروب الأمريكية هي التي شجعت على تفاقم وتوسع مشكلة الإرهاب في العالم، وهذه حقيقة بإعتراف كبار المسؤولين الامريكان، فقد  ذكر (ريتشارد كلارك) وهو من كبار مسؤولي مكافحة الإرهاب في ثلاث حكومات أمريكية متعاقبة في بيان سبب استقالته عام 2002 ” إن سبب انتقادي الصارخ لسياسة الرئيس بوش هو أن غزو العراق قد زعزع حربه ضد الإرهاب”. ( نيويورك تايمز 25/3/2004). كما وصفت (سيندي شيهان) الناشطة الامريكية في مجال حقوق الإنسان الولايات المتحدة بأنها” امبراطورية الكذب والقتل”. كما وصف المحلل السياسي غور فيدال (Gore Vidal ) في 25/1/2003 حكومة الرئيس السابق بوش بأنها ” عصابات غير منتخبة من رجال البترول والغاز”. ( هيئة الاذاعة البريطانية).

حتى الحروب الدينية والطائفية أشغلتها الولايات المتحدة الأمريكية، فغزو العراق اعتبره الرئيس بوش (حرب مقدسة) خلال كلمة في المعهد الوطني للديمقراطية وصفتهاّ صحيفة نيوزويك الاسبوعية (القنبلة العقائدية). وفي تلك الخطبة، استخدم بوش للمرّة الأولى تعيبر الإسلام الفاشي بقوله “الأيديولوجيا الإجرامية للإسلاميين الفاشيين هي محكّ القرن الجديد الذي نعيشه. غير أنّ هذه المعركة تشبه، في أوجه كثيرة، الكفاح ضدّ الشيوعية خلال القرن المنصرم. فالراديكالية الإسلامية، تماماً كالأيديولوجيا الشيوعية، تتصف بأنها نخبوية، تقودها طليعة تعيّن ذاتها بذاتها، تنطق باسم الجماهير المسلمة”. وأعلن البيت الأبيض في وقت لاحق أن” الرئيس بوش شعر لأسف لاستخدامه ذلك التعبير”، إلا أن التعبير البشع عاد مجددا في حملة بوش الانتخابية عام 2004 مما يشير إلى أنه لم يكن هفوة ندم عليها ساسة الأمريكان، بل هي المكنون الحقيقي لأمريكا في عدائها للأمة الإسلامية (العربية نت في 14/4/2004). علاوة على المعارك الطائفية في المنطقة، فقد ذكر الكاتب والصحفي الأمريكي (بن نورتون) في مقال له نشر على موقع صالون في 15 يناير 2016 بأنّ ” دعم الولايات المتحدة للحكومة الشيعية الاستبدادية والميليشيات الشيعية العنيفة والمتوحشة أدّى إلى تأجيج حرب أهلية طائفية في البلاد التي عاش السنة والشيعة فيها لقرون متجاورين ومتآلفين”.

لذا فأن التعريف الأمريكي للإرهاب يدين الأمريكان قبل غيرهم، هذا أذا اخذنا بنظر الإعتبار ان الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي رفضت قرار مجلس الأمن الذي دعا الى احترام القانون الدولي واستخدمت حق الفيتو لنقضه؟ كما انها رفضت إعلان الأمين العام للأمم المتحدة بعدم شرعية غزو العراق، وأجبرته على الركوع لإرادتها، ذكر جيف سيمونز” لقد دأب الامين العام للأمم المتحدة كوفي عنان على التأكيد بأن دوره لا يتجاوز الخادم لمجلس الأمن، وان منصبة لا يزيد عن سلطة أدبية فقط، لكنه موقف يرضي الولايات المتحدة”. (عراق المسقبل/337). بل الإسفاف الأمريكي الى درجة كبيرة بعد أن ادان وزير الخارجية (جون كيري) في 2/3/2013 العدوان الروسي على اوكرانيا بقوله” لايمكن ان تتصرف في القرن الواحد والعشرين باسلوب القرن التاسع عشر بغزو دولة اخرى بحجج كاذبة تماما”، متجاهلا أن غزو العراق قد تم بحجج كاذبة أيضا بإعتراف الإدارة الأمريكية نفسها. إنها سياسة المكاييل المتعددة وليس المزدوجة فحسب، وفعلا كما قال الرئيس كلنتون في خطاب له في الأول من نيسان عام 1999 ” في بعض الاوقات يكون غض النظر امرا وليس خيارا” (نيويورك تايمز 2/4/1999). ..للموضوع بقية.

علي الكاش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى