صراع محتدم بين التيارين المحافظ والليبرالي على الساحة السعودية هذه الأيام بشأن الأنشطة التي تقيمها وتشرف عليها «الهيئة العامة للترفيه»، التي تم إنشائها بتاريخ 7 مايو/أيار 2016.
فبين مقالات على الصحف، ووسومات على موقع «تويتر».. تواصلت المعركة بين الجانبين خلال الأيام الماضية، وفجرتها أنشطة نظمتها الهيئة الجديدة في مدن سعودية وبيها جدة (غرب) والرياض (وسط) والدمام (شرق)، وتضمنت حفلات راقصة وغنائية، وهو ما رأي فيه التيار المحافظ «تغريباً» و«مسخاً» لهوية المجتمع السعودي المحافظ بطبعة، بينما دافع عن ذلك التيار الليبرالي بشدة.
ويعكس هذا الصراع جانبا مهما من التحديات التي تواجه ما تطلق عليه الدولة خطط الإصلاح؛ والتي – حسب مراقبين – ستصطدم بأنماط الثقافة والاجتماع السائدة في المملكة منذ عقود، خاصة أنها لا تقتصر على إصلاح الاقتصاد، بل تمس بصورة مباشرة دور رجال الدين الرسميين والمستقلين في المجال العام.
التيار المحافظ يهاجم
وحسب تقرير نشره موقع “الخليج الجديد” فإن التيار المحافظ من جهته رأى أن «هيئة الترفيه» وأنشطتها سبب من أسباب نشر الرذيلة والفساد بين شباب وشابات المجتمع السعودي؛ حيث أنها تقوم برعاية حفلات غنائية وثقافية لم يعتد عليها المجتمع السعودي.
وللدفاع عن وجهة نظره، أطلق التيار المحافظ عدة وسومات، تصدر بعضها قائمة الوسوم في المملكة خلال الأيام الأخيرة، ومن بينها #هييه_الترفيه_تسعي_للتغريب ، و #نبرأ_لله_من_هيئة_الترفية ، و #نحو_ترفيه_بناء ، #هييه_الترفيه_تخالف_الدستور .
وعبر هذه الوسوم تحدث عدد من أبرز ممثلي التيار المحافظ منتقدين أنشطة «هيئة الترفية».
إذ قال الدكتور في أصول الفقه جامعة أم القرى في مكة المكرمة (غرب) «محمد السعيدي» منتقدا «هيئة الترفيه» وأنشطتها: «معاندة الأمة في دينها ورؤيتها وتاريخها وعاداتها وأعرافها لا تؤدي إلى ترفيهها بل إلى ترهيفها عبر انقسامها وتخاصمها وحفر البؤر في جنباتها».
على النحو ذاته، قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، الدكتور «حسين آل الشيخ»: «أذهلنا هذا التصرف المشين من هيئة الترفيه بهذه الفعاليات المقامة في جدة والتي لا يقرها خلق كريم ولا دين عظيم، وعلى المسؤولين أن يتقوا الله».
وأضاف: «من العار أن يكون في بلاد التوحيد مثل هذه الفعاليات التي تقوم عليها هيئة رسمية فكيف يحصل النصر ومثل هذه الفعاليات المستهجنة دينا وخلقا تُقام!».
ودعا «كل أب وكل مواطن (إلى) أن يقاطع مثل هذه الفعاليات الغير مسؤولة؛ فكل إنسان مسؤول عن نفسه ورعيته واذا قاطع الناس الفساد انقطع بنفسه».
وتساءل مستنكرا: «هل انعدم الترفيه البريء والذي يوافق ديننا ومجتمعنا حتى تسعى هيئة الترفيه إلى جلب ما لا يليق! فاتق الله يا من توليت هذه المسؤولية وعودوا للصواب».
واعتبر الداعية السعودي الشهير «عبدالرحمن بن ناصر البراك» أن «هيئة الترفيه هدفها تغيير هوية هذه البلاد التي سلمها الله من الاستعمار»، مناشدا الجميع «مقاومة هذا التوجه».
أيضاً غرد الإعلامي والأكاديمي السعودي الدكتور «مالك الأحمد» منتقدا أنشطة هيئة الترفيه، قائلا: «رأيت مقاطع (فيديو لأنشطة الهيئة) ظننتها بلندن للأسف في جدة ! وأعلنت هيئة الترفيه دعمها الكامل لفعالياته. هناك من لا يريد للبلد خير».
بدورة دعا الإعلامي السعودي «مساعد بن حمد الكثيري» إلى ترفيه بناء بدلاً من الأنشطة التي تقيمها «هيئة الترفيه»، مخاطبا الأخيرة بقوله: «نحو ترفيه بناء يا هيئة الترفيه؛ فديننا ثم وطننا هي أغلى ما نملك. والله لا يدفعنا للإنكار إلا خشيتنا على وطننا والنعم التي فيه لا تحصى».
بينما قال «سعد عبدالله بن غنيم»، وهو محامي ومستشار شرعي وقانوني معلقا على أنشطة «هيئة الترفيه»: «أردد بحرقة قول الشاعر: ستطحننا مؤامرة الأعادي إذا لم يفطن الرجل الأريب اللهم الهمنارشدنا وقنا شر أنفسنا».
أيضاً، انتقد «عصام بن صالح العويد»، وهو محاضرً في كلية أصول الدين بـ«جامعة الإمام محمد بن سعود» بالرياض، أنشطة الهيئة، قائلا: «أي صاحب قرار يظن أنه سيغير عقيدة وهوية هذه البلاد بفتح أبواب الفساد فقد دعا لحرب هو الخاسر الأكبر فيها كائنا من كان».
واعتبر «تجميد الهيئة (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ثم شرعنة الفساد سيرسل رسائل ضمنية مدمرة ستتخطى كل القيود المزعومة (وفق الضوابط الشرعية)».
وأكد أنه «لم يكن النهي عن المنكر يوما في تاريخنا الطويل قصرا على فئة محددة بل هو واجب على كل قادر شهد المنكر ووقف عليه».
وبعدها بأيام تم اعتقال الرجل بتهمة تتعلق بـ«تمويل جماعات إرهابية».
وفي ظل صمت رسمي على أسباب اعتقال الرجل كما هو الحال في حالات مشابهة سابقة، أرجع مغردون سبب اعتقاله إلى انتقاده الشديد لـ«هيئة الترفيه».
وفي هذا الصدد قال «أبوبدر»: «القبض_علي_الارهابي_عصام_العويد عندما انتقد فساد هيئة الترفية ومن يريد إنحلال البلاد أصبح داعشي الشيخ من أهل العلم الثقات ولكن هذه سنة الله».
الليبراليون يدافعون
على الجانب الأخر وقف الكثر من الليبراليين مدافعين عن «هيئة الترفيه» وأنشطتها.
وبنى هؤلاء موقفهم على ضرورة الترفيه وأهميته، معتبرين أن ما تقوم «هيئة الترفيه» برعايته من أنشطة ليس له علاقة بالانحلال الأخلاقي وما هو إلا حق مشروع من حقوق الإنسان.
أيضاً، رأى أصحاب هذا التيار أن الحفلات الغنائية ليست بشيء غريب وجديد على المجتمع السعودي وذلك لوجودها قبل سنوات عدة ومن أشهر الحفلات الغنائية هي تلك التي كانت تقام تحت ظل «مهرجان أبها الغنائي» الذي انطلق في عام 1998 على مسرح المفتاحة والذي امتد لعام 2005 ، وأوقف آنذاك بسبب وفاة الملك «فهد بن عبد العزيز»، وكذلك تم إيقافه في العام الذي يليه بسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان، وعادت الحفلات الغنائية من جديد في العام الحالي منطلقة من مدينة جدة برعاية «الهيئة العامة للترفيه».
وكما كان لتيار المحافظين وسوما كان لتيار الليبراليين وسوما أخرى دافعوا بها موقفها، ومن أبرزها وسم«#كلنا_مع_الترفيه»، و«#هييه_الترفيه_تجمعنا»، و«#هييه_الترفيه_تسعدنا».
وعبر هذه الوسوم جاءت المشاركات المدافعة عن أنشطة «هيئة الترفية» والمهاجمة لمنتقديها.
ومن ذلك مشاركة «عبدالله بن عقيل»، مدير تحرير صحيفة «أصل الخبر»، الذي هاجم وسم «#نبرأ_لله_من_هيئة_الترفية»، وقال ساخرا: « أنا عارف أن أبو قتادة خلف هذا الهاشتاق ،وأنا اقول #تبا_لك_ترفيهنا_باقي».
أيضا، قالت الكاتبة الليبرالية «نورة شنار»: «المعارضون للترفيه يريدوا باختصار قلب حياتنا مثل حياة داعش (تنظيم الدولة الإسلامية)… غلو في غلو حتى تموت السعادة في قلوبهم».
أيضا دافع عن أنشطة «هيئة الترفيه» حساب «أبو خالد» قائلا: «#هييه_الترفيه_تجمعنا نعم تجمعنا وتفرحنا ونشوف فرحة الناس. صحيح فيه أخطاء، لكن نتعاون سوياً من اجل تلافيها مستقبلاً. إلى الأمام هييه لترفيه».
وقال حساب «أسال السعودية» مبررا داعما أنشطة «هيئة الترفيه»، قائلا: «السعوديون الأكثر إنفاقاً على السياحة في العالم، وتعمل هيئة الترفية على جذب هذا الانفاق داخلياً».
وفي السياق ذاته، قال حساب «هشام»: «عمل هيئة الترفيه جبار وان شاء الله راح يتطور اكثر وكلنا مع الترفيه يا شرذمة #الصحوه هذا ترفيه الصحونجيه المخزي».
وغرد «خالد الكثيري» قائلا: «لا والله لن نبرأ من هيئة المتعة والترفيه ولكن نبرأ من أفكاركم الصحونجية (الداعشية)، والتي تسعى لنشر الكبت والكآبه» .
وقال «خالد النفيس» :«#هييه_الترفيه_تخالف_الدستور ما تخالف ولا شيء وكلنا مع الترفيه ونبي (نريد) ننبسط بالترفيه».
وإضافة إلى الوسوم، استخدم الليبراليون في معركتهم صفحات الصحف، التي يملكون زمامها.
فعلى صحيفة «عكاظ» كتب المحامي الليبرالي «عبد الرحمن اللاحم» مقالاً بعنوان: «لماذا يحاربون الهيئة».
وقال عبره: «لا أعلم سبب انزعاج البعض من أن يروا مجموعة من الناس يجتمعون ليمارسوا طقوسا طبيعية من الترفيه، وهي ذات الطقوس التي يمارسها كافة البشر في هذا العالم؛ حيث ما زال مجموعة من المتشددين يشنون الحملات المنظمة ضد هيئة الترفيه بسبب برامجها الترفيهية الاختيارية، والتي لم تلزم بها أحدا من الناس وإنما أعلنتها للجميع»».
وأضاف: «من شاء أن يحضر تلك الفعاليات فالأبواب مشرعة ومن أراد أن يمكث في بيته ويتابع قناة بداية وأخواتها بما فيها الشيلات وخلطات التقشير فلن يرغمه أحد على الخروج من منزله».
«كبار العلماء صامتون»
وبين هذا التيار وذاك وقفت صامتة «هيئة كبار العلماء»؛ الجهة الرسمية المعنية بالإفتاء في المملكة وإبداء الرأي في مدى اتساق الفعاليات والأنشطة مع الشرع الإسلامي.
إذ حاول عدد من المتصلين على برامج الفتاوى التي يكون الضيف فيها أحد أعضاء «هيئة كبار العلماء»، المعينين من قبل الملك، أن يجروا الفتوى لصالحهم إلا أن نباهة كبار العلماء لم تحقق لهم مرادهم والتزموا الحياد في إجابتهم.
وسأل أحد المتصلين باسم – «أبو عبد الله» – المفتي العام للملكة الشيخ «عبد العزيز آل الشيخ» في أحد هذه البرامج قائلا: «قبل أيام اجتمعت هيئة الترفيه وطالبوا بإنشاء السينما وكذلك الحفلات الغنائية وبعد أيام ستقام حفلة غنائية بالقرب من الحرم المكي ماحكم ذلك وتوجيهكم لهيئة الترفيه والبلاد تعيش حالة من الإطراب في جنوب المملكة؟».
ورد المفتي عليه بحكمة حيث قال: «يا أخي المملكة في أمن واستقرار ولله الحمد وهذه الأمور ستحل بحكمة إن شاء الله أرجوا أن يوفقوا لإتباع الحق إن شاء الله وأن يقدموا دائما ما ينفع الأمة إن شاء الله».
«الهيئة تدافع عن نفسها»
في المقابل، لم تقف صامتة إزاء سيل الانتقادات المتدفق عليها وعلى أنشطتها.
إذ اعترفت قبل أيام برصد مخالفة في فعالية «كوميك كون» التي جذبت الآلاف من السعوديين في جدة، وكشفت عن معاقبة الجهة المنظمة، دون أن توضح طبيعة المخالفة، مؤكدة في الوقت نفسه أنها تسعى لمراعاة القيم والتقاليد.
وقالت الهيئة، في سلسلة تغريدات عبر حسابها الرسمي على موقع «تويتر» إنه «بالرغم من نجاح فعالية كوميك كون من ناحية المحتوى والتنظيم، تؤكد الهيئة حدوث مخالفة من الجهة المنظمة للفعالية في نشاط مصاحب لها».
وأضافت: «أخلّت الجهة المنظمة بأحد بنود التصريح المبرم معها، وتم رصد هذه المخالفة من موظفي هيئة الترفيه في وقتها وإيقافها، وتم العمل على إصدار الجزاءات بما يتوازى مع هذه المخالفة».
وأكدت الهيئة أنها «تُعنى بتنظيم قطاع الترفيه في بلادنا الحبيبة وتطويره، والارتقاء به، حيث دعمت حتى الآن أكثر من ١٠٠ نشاط ترفيهي»، مضيفة أنها «تسعى لمراعاة القيم والأخلاق والتقاليد، كما ترحب بأي نقد بنّاء أو مقترحات عبر قنواتها لإيمانها بأن المواطن هو المستفيد الأول».
أيضا كان لمسؤول في وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد موقفا من القضية ذاتها.
إذ قلل «توفيق السديري» نائب وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، من كثرة الخطباء الذين انتقدوا أداء هيئة الترفيه في خطبة الجمعة يوم 23 فبراير/شباط الجاري، مشيرا إلى أن تعميم هذا الأمر على الخطباء فيه ظلم.
وأوضح «السديري» في تصريح لصحيفة «الوطن» السعودية أن «انتقاد أي جهة حكومية من الخطباء سواء كان موجها إلى هيئة الترفية أو غيرها من الجهات الحكومية، فهذا أمر مرفوض ويحاسب عليه الخطيب، لافتا إلى أن مديري الفروع في كل منطقة لديهم الصلاحيات الكاملة لاتخاذ الإجراء اللازم مع الخطيب المخالف.
يذكر أن «الهيئة العامة للترفيه هي هيئة سعودية تم إنشاؤها في 7 مايو/أيار 2016 وتُعنى هذه الهيئة بكل ما يتعلق بنشاط الترفيه، وأول رئيس لها هو «أحمد بن عقيل الخطيب».
كان قرار إنشاء هذه الهيئة إحدى القرارات الملكية التي تأتي تماشيًا مع إعلان المملكة لرؤيتها المستقبلية 2030، لما يمثله قطاع الترفيه من أهميّة كبرى في تنمية الاقتصاد الوطني السعودي، ومنح المدن قدرة تنافسيّة دوليّة.
وكان ولي ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، في 25 أبريل/نيسان 2016 قد أشار يوم تدشينه رؤية السعودية 2030 إلى دفع الحكومة لتفعيل دور الصناديق الحكومية المختلفة في تأسيس وتطوير المراكز الترفيهية، وتشجيع المستثمرين من داخل وخارج المملكة العربية السعودية، وعقد الشراكات مع شركات الترفيه العالمية، وتخصيص الأراضي لإقامة المشروعات الثقافية والترفيهية من مكتبات ومتاحف وفنون وغيرها.
المصدر: الخليج الجديد..