نشر موقع “ميدل إيست مونيتور” الأمريكي تقريرا عن ثورة الياسمين التي هزت تونس وخلعت زين العابدين بن علي من سدة الحكم وكانت بمثابة تمهيد للربيع العربي الذي شهدته العديد من الدول العربية بعد تونس, مشيراً إلى أن الربيع العربي تحول إلى شتاء في بعض الدول العربية الا أن هذا الشتاء لم يصل تونس.
وأضاف الموقع انه على الرغم من الأثار المدمرة للربيع العربي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الا ان تونس وحدها قصة نجاح من حيث الحفاظ على انتقالها الديمقراطي، حتى إذا كانت هناك عقبات كثيرة في طريق التحول الديمقراطي، خاصة على الجانب الاقتصادي.
وتابع الموقع البريطاني في تقرير ترجمته وطن أنه في 28 يناير، أصدرت دار الحرية في واشنطن تقريرا جاء فيه أن تونس أصبحت أول بلد عربي حر لعقود من الزمن فيما يتعلق بتحسينها للحقوق السياسية؛ قائلة: لقد انتقلت تونس إلى ديمقراطية عاملة يتمتع فيها المواطنون بحقوق سياسية لم يسبق لها مثيل في الحريات المدنية. ومع ذلك يثير التقرير أيضا مخاوف بشأن الفساد والتحديات الاقتصادية والتهديدات الأمنية التي تشكل العقبات الرئيسية أمام عملية الانتقال.
واستطرد ميدل إيست أن تونس عانت من أزمة سياسية أدت إلى اشتباكات عنيفة واضطرابات اجتماعية بعد اغتيال اثنين من زعماء المعارضة في عام 2013، وعلى عكس الدول العربية الأخرى، فإن هذه المواجهة لم تؤدِ إلى حرب أهلية. وعندما فاز حزب نداء تونس العلماني بالانتخابات التي جرت في أكتوبر 2014 كان المجتمع يخشى أن تعود تونس إلى حكم الديكتاتور بن علي بسبب بعض العناصر في الأحزاب المرتبطة بالنظام السابق، ومع ذلك وبعد أربعة أشهر فقط من الحل الوسط والتحالف مع حركة النهضة، قال أحد رؤساء نداء تونس إن القضية الرئيسية ليست مواجهة النهضة ولكن يمكن إقامة علاقات وثيقة بين الطرفين في المستقبل؛ لآن أعداء تونس الرئيسيون هم الفقر والأمية والتخلف والنهضة تسير على الطريق نفسه للتعاون.
وفي 20-22 مايو من العام الماضي، صدقت النهضة على هذه الرؤية لتغيير اتجاه الحزب وفصلت سياستها عن أيديولوجيتها، وشرح مسؤولو الحزب الوضع كضرورة لتحقيق هدف مشترك مع التعاون السياسي، وهذا الهدف هو انتقال ديمقراطي ناجح بغض النظر عن الصراعات الأيديولوجية، وعلى الرغم من الصراعات أو الانقسامات داخل الأحزاب، إلا أن الحل القائم على الفكر الأيديولوجي المفصل بين الأحزاب قد عمل بطريقة ما في تونس حتى الآن.
وأشار ميدل إيست إلى أنه في عام 2013، توقف الصراع بين الأحزاب عن طريق إطلاق الحوار الوطني وتوقيع الميثاق الاجتماعي بين اتحاد العمال، والاتحاد التونسي للتجارة والصناعة والحرف اليدوية والجمعية التونسية لحقوق الإنسان، كما عمل الحوار الوطني جنبا إلى جنب مع الحكومة وأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني الأخرى من أجل التحول السلمي في البلاد، ولعب المجتمع المدني دورا هاما في صياغة الدستور التونسي الذي يشكل جزءا حاسما في التحول الديمقراطي للبلاد، وشارك أكثر من 300 عضوا من منظمات المجتمع المدني و 320 من ممثلي الجامعات وقدموا إسهامات في الدستور الجديد الذي تم بناؤه بتوافق واسع في الآراء.
ولفت الموقع إلى أنه لا يمكن أن تكون الفترة الانتقالية ناجحة حقا، وإن كانت تقتصر على الجانب السياسي فقط، متجاهلة آليات العدالة الانتقالية، حتى لو كان المجتمع المدني جزءا منه، وإدراكا منها لذلك أنشأت تونس لجنة الحقيقة والكرامة، وهي هيئة حكومية مستقلة وممولة من القطاع العام تم تفعيلها بعد اعتماد البرلمان للعدالة الانتقالية في عام 2013، وتتولى لجنة الحقيقة والمصالحة البحث في جرائم الدولة مثل انتهاكات حقوق الإنسان والتمييز والفساد في الفترة التي سبقت الثورة، وفي نوفمبر عقدت اللجنة جلسات استماع علنية، أذيعت على شاشات التلفزيون والإذاعة الوطنية.
وأكد ميدل إيست أنه على الرغم من كل هذه التحسينات خلال الفترة الانتقالية، فإنه ليس من الصعب أن نرى عدم رضا الشعب عن الثورة التونسية، وفي يناير الماضي احتفلت البلاد بالذكرى السنوية للاحتجاجات ضد ارتفاع الأسعار والفساد والبطالة بدلا من الاحتفالات، وكانت القضايا الأمنية والمشاكل الاقتصادية هي الدوافع الرئيسية وراء هذا السخط، وأدت الهجمات الوحشية والضرر بوجهتين سياحيتين هما متحف باردو وسوسة في عام 2014 إلى انخفاض هائل في السياحة، حيث غادرت أكثر من 500 شركة أجنبية تونس منذ الثورة مما أدى إلى ارتفاع البطالة، خاصة بين الشباب.
ومن الواضح أن الإصلاحات الاقتصادية في البلاد تخلفت عن الإصلاحات السياسية، حيث لا يزال الفساد يمثل مشكلة كبيرة؛ وفي أرقام البنك الدولي بلغ الفساد الاقتصاد التونسي نسبة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الماضي، وفي الوقت الذي تنتشر فيه البطالة بجميع شرائح المجتمع التونسي، ارتفعت فاتورة الأجور إلى حوالي 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو من أعلى المعدلات في العالم، وتستثمر الأموال بشكل رئيسي في توليد فرص عمل قصيرة الأمد، وتدفع الدولة الآن رواتب 800 ألف موظف في القطاع العام، وهو ما يمثل 38 في المائة من الميزانية.
وكانت المشاكل الأمنية عادة معضلة لعملية إرساء الديمقراطية بسبب احتمال عدم الاستقرار والفوضى العامة، وهناك بعض الترابط بين قضية الأمن والمشاكل الاقتصادية، وفي تحليل أجراه معهد السلام والاقتصاد في عام 2015، ثبت أن هناك ارتباط بين ارتفاع النمو الاقتصادي الصناعي وانخفاض مستويات العنف الإرهابي الدولي والمحلي، حيث تؤدي البطالة المنتشرة بين الشباب التونسي إلى وقوعهم في قبضة الجماعات الإرهابية، حيث أن التونسيين الذين يقاتلون في الخارج يعودون إلى البلاد وينظمون هجمات تؤدي إلى عدم الاستقرار وتعمق الأزمة الاقتصادية التي تؤدي إلى زيادة عدد المجندين لهذه الجماعات، حيث أن هناك المزيد من التونسيين الذين يقاتلون مع داعش أكثر من أي جنسية أخرى، ولمواجهة ذلك تبذل الحكومة جهدا كبيرا للتعامل مع المقاتلين العائدين، حيث خصص نحو 20 في المائة من الميزانية العامة للأمن في عام 2016.
ولإيجاد حل لمشاكلها الاقتصادية، عقدت تونس مؤتمرا استثماريا في نوفمبر الماضي حضره أكثر من 1500 شريك اقتصادي من جميع أنحاء العالم من أجل توليد الدعم وفرص العمل للتونسيين، وحصل المؤتمر على 14 مليار دولار في شكل مساعدات واستثمارات مباشرة، حيث كان من المعترف به أن الحكومة تدرك المطالب الاقتصادية للثورة وعلى هذا النحو من المهم أن يؤمن جيل الشباب بالانتعاش الاقتصادي.