قال هارون الرشيد لمعن بن زائدة: كيف زمانك يا معن؟ قال: يا أمير المؤمنين، أنت الزمان؛ فإن صلحت صلح الزمان، وإن فسدت فسد الزمان.
غالبا ما يتبجح رئيس وزراء العراق حيدر العبادي بأن الحشد الشعبي خط أحمر لا يمكن لأحد أن يتجاوز عليه وعلى مهماته ويؤكد على دوره الوطني، على الرغم من الموقف الأمريكي المعلن تجاه الحشد الشعبي والذي عبر عنه السفير الامريكي في بغداد (دوغلاس سيليمان) في مؤتمر صحفي عقده في بغداد بتأريخ 3/4/2017 ” قلقنا ليس من دمج الحشد مع المؤسسات وانما ان لا يكون ولاؤه خارج اطار القائد العام للقوات المسلحة”. بمعنى ان الرؤية الأمريكية للحشد ان ولائه ليس للحكومة وإنما لنظام الملالي في إيران، ولم يعد سرا بأن احدى أهم توصيات الرئيس الأمريكي ترامب خلال لقائه الأخير بالعبادي هو حل الحشد الشعبي والميليشيات المنطوية تحت جناحه. وتدور في الكواليس ان العبادي أطلع ترامب بأن هذا الأمر صعب تحقيقه سيما في الوقت الحاضر لأنه بصراحة لا يقوى على الحشد، وان نظام الملالي يضع كل ثقلة في دعم الحشد، وهذه مشكلة كبيرة، ويبدو ان الرئيس الأمريكي طمأن العبادي بأنه سيدعمه ويخرجه من الأسر الحشدي ـ الإيراني، وفعلا بدأ الإدارة الأمريكية بتعزيز تواجدها في العراق عدة وعددا، ومؤخرا شُوهدت الكثير من القطعات الامريكية على الحدود العراقية ـ السورية وفي محيط العديد من المحافظات سيما في ديالى والأنبار مما أزعج الجارة اللدود ونبهت العبادي عليه.
مع هذا فأن العبادي يلبس القناع التنكري عندما يتحدث عن الحشد، ربما عملا بالتقية لكن هذه المرة التقية الامريكية وليست الإثنى عشرية، فما زال العبادي بسبب ضعف موقفه تجاه الحشد وربيه نظام الملالي يشيد بالحشد ومنجزاته، ويردد نفس الإسطوانة المشروخة بأنه لولا الحشد لإحتل تنظيم الدولة العراق، وهو يعلم علم اليقين بأن نظام الملالي هو الداعم الرئيس لتنظيم الدولة، وهذا ما يتجلى بوضوح من موقف الأخير من نظام الملالي. كلما تعرض نظام الملالي لأزمة دولية نشط تنظيم الدولة في عملياته الإرهابية في الخارج، منوها للعالم بأن خطره أشد من خطر نظام الملالي، في تنسيق واضح مع الأخير، وهناك الكثير من المؤشرات التي تؤكد صحة هذا المنحى.
مع ان إطروحة لولا الحشد لضاع العراق أول من رددها هو نظام الملالي في ايران، ثم بدأ اقزامه في العراق يعزفزن على نفس الوتر، والمصيبة ان العبادي نفسه لم يشذ عن هذا العزف الممل، مع أن هذا الأمر يدعو للسخرية لإنه إعتراف ضمني بضعف الجيش العراقي، بمعنى أن الفشل والضعف يشمل أيضا القائد العام للقوات المسلحة. كما انه من الخزي والعار ان يسحب العبادي منجزات الجيش العراقي في إلحاق الهزائم بتنظيم الدولة وينسبها للحشد الشعبي ناكرا تضحيات الجيش وهي أضعاف مضاعفة لتضحيات حشده، مع ان الحشد غالبا ما يدخل المناطق بعد تحريرها من قبل القوات المسلحة، او يقوم بمهمة الحصار، من ثم يتفرغ للنهب والحرق والإعتقال. كما أن إضفاء الإنتصارات على الحشد فيها إستهانة ونكران جميل لدور دول التحالف الدولي أيضا، فلولا الطائرات والصواريخ والمدفعية الثقيلة والمعلومات الإستخبارية للتحالف لما تمكنت القطعات العسكرية والحشد من التقدم خطوة واحدة لتحرير الأراضي من التنظيم، بل وصلت الأمور في الموصل بإستعانة الجيش بطائرات التحالف للقضاء على قناص واحد من داعش يعتلي سطح منزل ما، وغالبا ما يدفع المدنيون الأبرياء الفاتورة الباهضة من دمائهم الزكية لهذا الأسلوب الوحشي في الحرب! فقوات التحالف وقطعات الجيش لا يختلفون بذلك عن تنظيم الدولة في إسلوب التعامل مع المدنيين، الأبرياء يقعون دائما بين مطرقة إرهاب التنظيم وسندان إرهاب التحالف والجيش.
سوف نضع هذه الأمور جانبا، ونتحدث عن الولاء الوطني للحشد كما يزعم حيدر العبادي، كأنه يضع قطنا سميكا في إذنيه ولا يسمع تصريحات قادة الحشد الذين يفترض أن يكونوا تحت قيادته ويلتزموا بتوجهاته لا يخرجوا عنها قيد أنملة، احترما لقائدهم المزعوم من جهة، وعدم احراجه أمام الرأي العام العربي والدولي من جهة ثانية، على إعتبار أنه لا قيمة للرأي العام المحلي من وجهة نظر الحشد.
يمكن تلخيص موقف رئيس الوزراء بعاملين احدهما أشر من الآخر:
الأول: انه لا يمتلك سلطة حقيقية على زعماء الحشد، وهو غير قادر على لجم السنتهم وهم يهينون حكومته نفسها، علاوة على تهجمهم السافر على دول الجوار بشكل مقزز إنسجاما مع توجيهات نظام الملالي.
الثاني: ان زعماء الحشد لا يحترمون العبادي ولا يقيمون له اي وزن يُذكر، وهم لا يخضعون لسلطانه كما يدعي وإنما لسلطة ولاية الفقيه كما إعترف ابرز قادتهم جهارا أمام وسائل الإعلام بلا وجل او احترام لمن يدعي انه قائدهم.
ليس من المعقول ان يكون القائد العام للقوات المسلحة قائدا فعليا للحشد وقد أعلن زعماء الحشد مرارا التمرد عليه وتهديده بطريقة سمجة، بل أعلن أبرز قادة الحشد بأن ولائهم للولي الفقيه ونمره الورقي (الجنرال سليماني) ولم يعلق العبادي تعليقا واحدا على التحديات والتهديدات التي طالته ولا على ولاءات ميليشيات الحشد الشعبي لغيره! وهذا أمر يدعو الى الحيرة ليس ثأرا لكرامته المهدورة وإنما إحتراما لحكومته على أقل تقدير. بل وصلت الوقاحة والتحدي بأن يصرح أوس الخفاجي في 10/4/2017 وهو قائد ميليشيا أبوالفضل العباس، إحدى فصائل الحشد” إن الانقلاب العسكري وعزل حكومة العبادي، هو السبيل الوحيد لاستعادة القرار العراقي المرتهن لواشنطن”، متهما العبـادي” بالتستر على انتشار الآلاف من الجنود الأميركيين في عدد من المواقع داخـل العـراق، لا سيمـا شـرق محـافظة ديالى قرب الحـدود مـع إيـران، وغـرب محـافظة الأنبار الحدودية مع كل من سوريا والأردن”. فأي كرامة بقيت لرئيس الوزراء؟
كما صرح قائد مليشيات الحشد الشعبي المدعو ( أبو مهدي المهندس) ” ولولا فتوى المرشد ودعم إيران لما تمكنا من إنشاء وتأسيس الحشد الشعبي، والأوربيون يعلمون ذلك”، مضيفا “في الحرب العراقية- الإيرانية، تأسس الحرس الثوري الإيراني عندما فشل الجيش الإيراني في صد هجمات الجيش العراقي، وعلى هذا الأساس وهذه التجربة قمنا بإنشاء وتشكيل قوات الحشد الشعبي في العراق”. وأضاف” نجاحنا نحن مرتبط بدعم إيران والجنرال قاسم سليماني، وأكثر شخصية أحبها بعد المرشد هو الجنرال قاسم سليماني، الذي تربطني به علاقة الجندي بقائده، وهذا فخر لي ونعمة إلهية”. والكارثة في قوله ” نحارب من أجل إيران، ومن أجل العراق والإسلام، ولا توجد لدينا أي خشية من قول ذلك؛ لأن إيران بالنسبة لنا كأم القرى”، لاحظ الخسيس يحارب من أجل إيران بدماء عراقية، كما أنه قدم ايران على العراق والإسلام! من ثم نفى ان الحشد تأسس حسب فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني وإنما بتوصية من الخامنئي.
في الوقت الذي زعم فيه العبادي بأن الحشد سوف لا يتدخل في الشأن السوري الداخلي، وان الموجودين حاليا من عناصر الحشد في سوريا لا علاقة لهم بحشده، إنبرى زعماء الحشد بالقول انه حالما يتم القضاء على تنظيم الدولة في العراق سينصرف الحشد الى مقاتلتهم في سوريا، في تحدِ سافر للعبادي، الأغرب منه ودلالة على ضعف العبادي فقد وجه بنفسه شن غارات على مواقع التنظيم في سوريا فناقض نفسه بشكل يدعو الى السخرية.
الكارثة لا تتعلق بالعبادي نفسه فهو أعرف من غيره بضعفه سوا إعترف بذلك أو أنكر، لأن النقلة السريعة والمفاجئة في حياته عبر إنتقاله من صاحب محل لبيع الكبه الى رئيس وزراء يجعله يتقبل برضا أو على مضض التحديات والتهديدات التي يوجهها إليه زعماء الحشد. لكن المشكلة ليست في عدم ولاء الحشد الشعبي للعبادي، بل في ولاء الحشد لنظام ولاية الفقيه مما يشكل خطرا جديا على أمن وسيادة العراق. لو كان ولاء الحشد للوطن ليذهب رئيس الوزراء وحكومته الى الجحيم! لكن أن تكون القوة التي يتبجح بها هو نفسه ويشيد بإنتصاراتها الوهمية ويضخمها بأعلى عدسات الزوم ذات ولاء خارجي، فهذا الأمر يستحق التوقف والدراسة والتحليل ثم الإستنتاج. فإلى أين يسير العبادي وحشده بالعراق!
لقد كان أحد أهم أخطاء حيدر العبادي هو أن نصب نفسه قائدا عاما للحشد الشعبي رغم عدم إعتراف زعماء الحشد بقيادته هذه الا عند المحاججة الكلامية مع الآخرين في وسائل الإعلام. فموقعه كقائد للحشد سيرتب عليه مسؤوليات كان في غنى عنها، سيما ان هناك من هو قادر على أن يحل محله من العناصر الموالية لإيران مثل نوري المالكي وهادي العامري وابو مهدي المهندس وقاسم الأعرجي وغيرهم من أقزام ولاية الفقيه. منصبه كقائد للحشد سيجعله مسؤولا مسؤولية مباشرة عن كافة التصرفات العدوانية التي يقوم بها عناصر من الحشد كالتصفيات والإختطاف والإعتقالات وعمليات السلب والنهب. كما ان كافة التصريحات التي يطلقها زعماء الحشد سواء المتعلقة بالعراق او الإساءة الى الدول المجاورة او قوات التحالف ستقع على مسؤوليته مباشرة، فلا هو قادر على ضبطهم، ولا هو قادر على الإعتراف بأنه لا يسطيع ضبطهم، لكن هذين الأمرين لا يعفيانه من المسؤولية القانونية حسب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
فهناك الكثر من الإنتهاكات التي قام بها عناصر الحشد وتم توثيقها من قبل المنظمات الدولية ومنها التقرير الذي نشرته منظمة العفو الدولية في 5/1/2017 بعنوان (العراق: غض الطرف عن تسليح ميليشيات الحشد الشعبي) حيث دعت فيه” إلى فرض ضوابط أكثر صرامة على عمليات نقل الأسلحة وتخزينها ونشرها٬ وذلك منعا لوصولها إلى أيدي فصائل الحشد الشعبي٬ لان تلك الفصائل ارتكبت بواسطة هذا الاسلحة (جرائم حرب).كما ان الميليشيات شبه العسكرية٬ التي تضم أغلبية شيعية٬ وتعمل تحت مظلة الحشد الشعبي٬ قامت بعمليات إعدام خارج نطاق القضاء٬ وتعذيب واختطاف آلاف الرجال والفتيان وارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وانتهاكات للقانون الدولي الإنساني٬ بما في ذلك جرائم حرب دونما أدنى خشية من العقاب”.
أن كانت الولايات المتحدة حاليا تقف وراء العبادي، فأن ورقته ستسقط عندما تنتهي مهمته وهكذا فعلت مع من كانوا أهم منه مثل أنور السادات وشاه ايران وغيرهم، سيما انه بريطاني الجنسية ويمكن ملاحقته قضائيا في المحاكم الأوربية بإعتبارة قائدا للحشد ويدعي الحشد أنه يعمل بأوامره، بمعنى ان كل الجرائم التي يرتكبها عناصر الحشد يتحملها العبادي وكبار زعماء الحشد.
طرفة بن العبد:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً … ويأتيك بالأخبار من لم تزود