قبل نحو شهرين ظهر المُمثل الهوليودي «ريتشارد غير» على شاشة القناة الثانية (الإسرائيلية) يتجول في شوارع مدينة الخليل الفلسطينية وملامح الصدمة على وجهه برفقة ناشطي حركات السلام (الإسرائيلية) منتقدًا الاحتلال (الإسرائيلي) بشدة.
وقارن «غير» الفصل العنصري ومنع أهل البلد الفلسطينيين من الوصول إلى محلاتهم في مناطق قريبة بالمُستوطنين العنصريين ضد السود في جنوب الولايات المتحدة في القرون الماضية.
وفي حديث معه قبل أسبوعين في هوليود قال: «هم يدركون أن هذا الاحتلال ظلم فظيع. إنه يقتلهم من الداخل كما يقتل الآخرين».
وهذه ليست المرة الأولى، التي يعبر فيها المُمثل وناشط السلام عن استنكاره للاحتلال (الإسرائيلي)، إذ كرر ذلك في زياراته السابقة إلى فلسطين.
لماذا زار (إسرائيل)؟
وفي إجابة لـ«غير» عن سؤال: لماذا سافر إلى (إسرائيل)، رغم مناشدة أعضاء حركة المقاطعة له بالامتناع من ذلك؟
«زملائي الفلسطينيين حثوني على عدم الذهاب، بسبب المقاطعة وزملائي (الإسرائيلين) قالوا لي إن ذهابي إلى هناك والحديث عن الاحتلال سوف يضر أكثر ما يفيد لأن الوضع كان سيئًا جدًا»، بحسب «القدس العربي».
ويكشف «غير»، الذي يعترف بأن قرار الذهاب لم يكن سهلًا له. ولكن سفره إلى (إسرائيل) لم يكن خيارًا وإنما التزامًا بعقد شغله في فيلمه الأخير «نورمان»، الذي يقوم ببطولته.
ويضيف المُمثل الهوليودي: «أنا لم أكن أدرك أن (نورمان) كان مُمولًا من قبّل الحكومة (الإسرائيلية) من خلال صندوق القدس للفن؛ وأحد شروط الدعم كان تقديم عرض الفيلم الأول في القدس تحت رعاية ذاك الصندوق».
فيلم «نورمان»، من اخراج (الإسرائيلي) «جوسيف سيدار»، يؤدي فيه «غير» دور «نورمان»، اليهودي الأمريكي الغريب الأطوار الذي يشتري حذاء فاخرًا من متجر راق في نيويورك لنائب وزير (إسرائيلي) يساري، الذي يصبح رئيس الوزراء بعد عامين ويُتهم بقبول رشوة منه.
قصة الفيلم تستحضر ما حدث لرئيس الوزراء (الإسرائيلي) السابق، «أيهود أولمرت»، الذي يقبع حاليًا بالسجن بسبب قبول رشوة من رجل أعمال نيويوركي.
صفقة سلام
ويُؤكد «غير» على «أنا شاهدت (أولمرت) برفقة فلسطينيين وأعتقد أنه كان بامكانه أن يحقق صفقة سلام».
والفيلم يُلمح إلى أن اتهام الرشوة اُصطنع لكي يمنع رئيس الوزراء من توقيع اتفاقية سلام مع الفلسطينيين.
وقبل ثلاثة أعوام عبر «غير» عن تفاؤوله في تحقيق السلام بين (الإسرائيليين) والفلسطينيين، ولكن يبدو أن زيارته الأخيرة قلبت تفاؤوله إلى تشاؤوم: «أنا لم أدرك مدى تدهور الوضع إلى الأسوأ. لا يمكن لأحد هناك أن يتكلم عن مصالحة وسلام. المُعارضة باتت مخاطرة وعرضة للاتهام بالخيانة من الجهتين»، وقضى «غير» وقته هناك يجري مقابلات مع مجموعات وحركات سلام مثل «مقاتلين من أجل السلام»، المُكونة من جنود (إسرائيليين) رفضوا أداء الخدمة العسكرية في المناطق الفلسطينية وفلسطينيين قضوا معظم حياتهم على وجه الأرض في سجون الاحتلال، ومجموعة «كسر الصمت» المكونة من جنود (إسرائيليين) خدموا في المناطق الفلسطينية وقرروا الكشف عن جرائم جيشهم ضد الفلسطينيين، ومجموعة «النساء من أجل السلام» ومجموعة «يا الله» التي تضم أطفالًا يهودًا وعربًا.
سبر أعماق الصراع
وبينما كان المُمثل «غير» مُنهمكا في سبر الصراع (الإسرائيلي) – الفلسطيني، كان نقاد السينما في الولايات المتحدة يكيلون المدح له على أدائه في «نورمان»، واصفينه بأنه أفضل أداء قام به منذ بداية سيرته المهنية. من المفارقات أن النجم العالمي لم يشعر أن الدور كان مُلائما له عندما عرضه عليه منتج الفيلم (الإسرائيلي)، «اورين موفيرمان»: «أنا طلبت من أورين أن يجد لي دورًا في فيلم يتعلق بالشرق الأوسط. وبعد 10 أيام بعث لي سيناريو (نورمان)؛ ولكني أصبتُ بالدهشة عندما قرأتُه. وقلت لـ(موفيرمان): هذا غير منطقي؛ لو كنتُ مُخرجًا لما عرضتُ هذا الدور على نفسي؛ أنا لستُ يهوديًا وهناك كثير من الممثلين اليهود في نيويورك كان بإمكانهم تقديم أفضل تجسيد لهذا الدور. لماذا تريدني أن أقوم به؟».
ورد عليه المنتج بأنه فعلًا أراد مُمثلًا غير مُتوقع يمنح الدور عمومية عوضًا من أن يكون محدودًا بيهوديته.
ومن أجل فهم وتقمص شخصية «نورمان»، كرس «غير» تسعة أشهر من وقته لدراستها وتطويرها برفقة «موفيرمان» قبل الشروع بالتصوير: «كنا نمضي ساعات طويلة في غرفة بدون نوافذ ونناقش كل شيء عن الشخصية والفيلم، ولكن أحيانا كنا نناقش ماذا سنطلب للغداء».
خلفية «نورمان» و«العشاء»
الغريب هو أننا لا نعرف شيئًا عن خلفية «نورمان»، هل هو أعزب؟ أم مثلي؟ أم مطلق؟ من هم أهله؟ ما هو مصدر رزقه؟ هل يقول الحقيقة أم هو وهمي؟ ولكن التجارب المُذلة والمُحرجة والطريفة، التي يمر فيها مع شخصيات الفيلم تشعل فضولنا به وتثير تعاطفنا وتماهينا معه وكل ذلك بفضل أداء «غير، الذي يذوب تماما في هذا الدور ويمنحه حساسية وهشاشة إنسانية: «نورمان شخص مميز»، يقول المُمثل: «أنا لم أقابل شخصا مثله من قبل وعلى الأرجح أن لا أقابله في المستقبل».
ولكن شخصية عضو الكونغرس الأمريكي «ستان لومان»، التي يجسدها في فيلم «العشاء»، الذي أخرجه «موفيرمان» وسينطلق الأسبوع المقبل، هي مألوفة جدا لـ«غير»: «أنا قضيت كثيرًا من الوقت في واشنطن ومع سياسيين من أنحاء العالم، لهذا أنا أعرف الناس الذين يقومون بهذا العمل. هم دائما على التليفون ودائما هناك شخص يريد أن يتكلم معهم ودائمًا هناك مشروع قانون يعملون على سنّه. كلما شاركت سياسيًا على وجبة عشاء كان دائما يقوم بخمسين مهمة في الوقت نفسه، وكان دائما هناك مساعد يوشوش في اذنه. وهذا ما جلبته لشخصية (لومان)».
فيلم «العشاء» مستوحى من رواية المؤلف الهولندي «هيرمان كوخ»، ولكن خلافًا للرواية، أحداث الفيلم تدور في الولايات المتحدة وليس في هولندا. أخوان وزوجتاهما يجتمعون حول مائدة عشاء لمناقشة حل لجريمة ارتكبها ولديهما المراهقين. وتدريجيا تتفاقم الأمور ويتحول النقاش إلى جدل صاخب بين الأخوين حول خلافاتهما الشخصية.
«الفيلم وجد صدى عندي لأن ابني في الـ 17 من العمر وعندما تقوم بفيلم مثل هذا، تتساءل: ماذا ستفعل لو أن ذلك حدث لابنك؟ كيف ستتعامل مع ذلك؟ وهذه قضية عالمية»، يعلق «غير»، الذي أنجب طفلاً واحدًا من زوجته الثانية، عارضة الأزياء «كاري لوويل».
المصدر: القدس العربي