في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، استضاف الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» نظيره المصري «عبد الفتاح السيسي» في البيت الأبيض. وفي اجتماعهما، أكد «ترامب» للسيسي أنهما سيكافحان الإرهاب معا، وكانت هذه أخبارا طيبة للرئيس المصري. وبعد أعوامٍ من العلاقات الثنائية المتوترة، تتبنى إدارة «ترامب» مصر كشريك في مكافحة الإرهاب. ولكن من غير الواضح إن كانت مصر نفسها في الواقع أصلًا تركز على المعركة الأكثر إلحاحًا ضد الإرهاب، وفي القلب منها محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
ويبرز مقطع فيديو ظهر قبل أسبوعين المشكلة. وبثت شبكات الإخوان المسلمين مقطعًا مصورًا أظهر مجموعة من الجنود المصريين في شبه جزيرة سيناء يقومون بإعدام عدد من السجناء يُزعم أنهم إسلاميين. وبعيدًا عما بدا أنّه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، فقد أظهرت القاهرة حتى الآن نقصًا مذهلًا في الإرادة والكفاءة للقضاء على تنظيم الدولة في الأراضي المصرية. وإذا كانت إدارة «ترامب» تريد شريكًا، فيجب أن تستخدم علاقتها مع حكومة «السيسي» لمساعدة القاهرة على تحسين ممارساتها لمكافحة الإرهاب.
ومنذ عام 2011، فقدت مصر الأرض لصالح قوات صغيرة في سيناء. وعلى الرغم من جيشها الدائم البالغ قوامه 440 ألفًا والذي يتلقى 1.3 مليار دولار كمساعدة عسكرية أمريكية سنوية، إلا أنّ مصر لم تتمكن خلال الأعوام الخمسة الماضية من احتواء ما يقدر بنحو 600 إلى 1000 من المتمردين. وفي الواقع، فإن المتمردين في سيناء لديهم قائمة مثيرة للإعجاب ومتزايدة من الإنجازات. ومنذ عام 2014، عندما أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس المحلية عن ولائها لتنظيم الدولة، قامت الجماعة بإسقاط مروحيةٍ عسكريةٍ مصرية، ودمرت دبابة قتالية من طراز إم-60، وأغرقت زورقًا مصريًا، وقصفت طائرة ركاب روسية، مما أسفر عن مقتل 224 مدنيًا.
وخلال نفس الفترة، قتل التنظيم ما يقدر بنحو 2000 من ضباط الجيش ورجال الشرطة المصريين في سيناء. لكنّهم لم يكونوا الضحايا الوحيدين. فقد استهدف التنظيم المسيحيين أيضًا، مما أدى إلى نزوحٍ جماعيٍ لتلك الأقلية من شبه الجزيرة. وقبل أسابيعٍ قليلة، هاجمت ولاية سيناء سانت كاترين، وهو واحد من أقدم الأديرة في العالم.
كما لم يتمكن الجيش المصري نفسه من حماية ما يقرب من 1700 مراقب من القوة متعددة الجنسيات المتمركزة في المنطقة لمراقبة أحكام معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية. وبناءً على ذلك، انتقلت القوة التي تضم نحو 700 جندي أمريكي من قاعدتها في الشمال إلى جنوب سيناء الأكثر أمنًا نسبيًا. ويهدد تنظيم الدولة الأمن الإسرائيلي أيضًا، ويطلق دوريًا الصواريخ عبر الحدود باتجاه مدينة إيلات. وفي المقابل، حظرت (إسرائيل) الشهر الماضي مواطنيها من دخول سيناء. وفي الوقت نفسه، ينتشر الإرهاب من شبه الجزيرة إلى وادي النيل والدلتا، حيث أصبحت الهجمات ضد رجال الشرطة وتفجيرات الكنائس القبطية أمرًا روتينيًا.
تتطور استراتيجية تنظيم وتكتيكاته وقيادته. ومع تحول البدو المحليين المتضررين لحمل السلاح اليوم، تتجه المنطقة اليوم لتتحول إلى رقة جديدة. ونتيجةً لذلك، فإنهم تلقوْا تمويلًا إضافيًا وعملوا على حملة إعلامية أكثر احترافية، وتحول تركيزهم إلى قتل المسيحيين دون مواربة. كما يتكيف تنظيم الدولة في مصر مع التكنولوجيات الأكثر فتكًا، مثل المتفجرات الخارقة، من أجل تأثيرٍ أكبر على القوات الحكومية، مع اتباع أسلوب التنظيم الأم بإذكاء الطائفية.
ركود عسكري
وفي حين نرى أنّ ما يسمى بولاية سيناء آخذة في التطور، فإنّ النهج العسكري في مصر يعاني من الركود. وتركز القوات المصرية على المساعي الاقتصادية والحفاظ على القوة السياسية، ولا تشارك تشتبك بشكلٍ استباقي مع العدو. وبدلًا من ذلك، تعتمد على الكمائن وقنابل الطريق.
وعلاوةً على ذلك، تعتمد مصر بشكلٍ متزايدٍ في أمنها على القوات الجوية الإسرائيلية، التي لديها الآن قائمة انتقائية لاستهداف الإرهابيين عن طريق الطائرات المأهولة وغير المأهولة التي تعمل في المجال الجوي المصري. وتقوم (إسرائيل) بدور آلة جز العشب في سيناء، لكنّها لا تحقق تقدمًا في سحب مكاسب تنظيم الدولة من الأراضي، وهو هدف يتطلب أحذية (غير إسرائيلية) على الأرض.
وبالنسبة للكثيرين في واشنطن، تعد القوة النسبية لتنظيم الدولة أمرًا مقلقًا. وقد تكون إدارة «ترامب» قادرة على إزالة الطابع السياسي أو تجاهل القضايا الشائكة حول حقوق الإنسان مع القاهرة، ولكن لا يمكنها فعل الشيء نفسه تجاه صعود تنظيم الدولة في الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان. ولكن بعد ما يقرب من 40 عامًا و50 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية منذ كامب ديفيد، أصبح من الواضح أنّ المساعدات الأمريكية لصالح القوات المسلحة المصرية لم تنجح في جعل هذا الجيش يصل حتى للحد الأدنى من القدرة اللازمة، كما أنّها لم تعزز عزم القيادة في القاهرة على نشر قواتها في مهماتٍ قتاليةٍ صعبة.
ومن المؤكد أنّ المعونة قد تساعد على منع بعض السيناريوهات الأسوأ. فعلى سبيل المثال، قد تثني المساعدة العسكرية الأمريكية القاهرة عن الاقتراب أكثر من موسكو. وقد تساعد أيضًا على منع انهيار الدولة، وما قد ينتج عنها من هجرة الملايين من المصريين إلى أوروبا. لكنّ واشنطن بحاجة إلى إيجاد طرق مبتكرة لتشجيع القيادة السياسية في القاهرة على دعم الجيش للقيام بعمله بشكلٍ أكثر فعالية، وخاصةً عمليات مكافحة التمرد. وفي الآونة الأخيرة، طلبت مصر وتلقت تدريبًا في الولايات المتحدة للكشف عن العبوات الناسفة والتخلص منها. واستنادًا إلى أدائه، يحتاج الجيش المصري أيضًا بشدة إلى التدريب على تكتيكات مكافحة التمرد، وربما يتلقى على أرض الواقع المساعدة والتدريب من أفراد جيش الولايات المتحدة. وقد يتجاوز هذا الدعم الفني الأمريكي العمليات الحركية ليشمل جوانب أخرى من تقنيات مكافحة التمرد الحديثة، والحملات، مثل التنمية الاقتصادية والرسائل الدبلوماسية العامة.
تغييرات عسكرية
كما يتعين على الولايات المتحدة أن تحث مصر على إجراء تغييراتٍ على مشترياتها من المعدات العسكرية الأمريكية التي تشتريها بمساعدة مالية أمريكية. وبالنظر إلى التهديدات التي تواجهها مصر والتي ترتبط حصريًا بالإرهاب وبأمن الحدود، لا يوجد سبب منطقي لهذا النوع من الأصناف الكبيرة التي تمتلكها القاهرة منذ فترة طويلة، بما في ذلك الدبابات والطائرات المقاتلة والسفن والمروحيات والصواريخ بعيدة المدى. وسيكون من المفيد جدًا أن تشتري القاهرة المزيد من الطائرات المروحية من طراز بلاك هوك لتحسين قدرات الجيش على الرد السريع، وأن تنفق المال على تحسين المراقبة والاستحواذ على الأهداف والاستطلاع من خلال أنظمة «عشتار» التي قد تعزز عمليات مكافحة التمرد.
ومن المؤكد أنّ الجيش المصري سوف يرفض قبول الاقتراحات الأمريكية في هذا الصدد. وبما أنّ وضع الشروط على المساعدات الأمريكية لم ينجح في الماضي، يتعين على إدارة «ترامب» التركيز على الحوافز، بما في ذلك الاستفادة من تمويل «التدفق النقدي»، وهو شرط كان يسمح لمصر حتى عام 2015 باستخدام المساعدات المالية الأمريكية في المستقبل كائتمانٍ لشراء أنظمة أسلحة باهظة الثمن. ويمكن لواشنطن أن تعيد تمويل التدفق النقدي الذي ألغي عام 2015 بعد الانقلاب العسكري، ولكن فيما يخص فقط المعدات التي تعتبرها وزارة الدفاع الأمريكية متعلقة بعمليات مكافحة الإرهاب وأمن الحدود.
كما ينبغي على واشنطن أن تنظر في زيادة التمويل لبرامج التعليم والتدريب العسكري المتواضع في مصر. وفي عام 2016، خصصت وزارة الخارجية الأمريكية 1.8 مليون دولار فقط لهذا المسعى. وبالمقارنة، في نفس العام، حصلت الأردن، التي يبلغ حجم جيشها 15% فقط من حجم جيش مصر، على 3.8 مليون دولار للتدريب العسكري. ويتعين على الإدارة أن تنظر في إعادة برمجة أو تخصيص بعض من مبلغ الـ 1.3 مليار دولار لتعزيز هذه البرامج، مع التركيز بشكلٍ خاص على تعريض المزيد من الضباط المصريين للتقنيات الحديثة لمكافحة التمرد.
وأخيرًا، وعلى الرغم من ارتباط مصر بعمليات تدريبٍ عسكرية واسعة النطاق تهدف إلى التحضير لمحاربة الدول القومية، يجب على واشنطن أن تخفض أو تعيد تصميم تدريبات «النجم الساطع» السنوية. وفي الماضي، كانت الولايات المتحدة تعقد هذه التدريبات التي تستمر لأسابيع مع مصر، والتي تنطوي في مختلف الأوقات على تدريبات الهبوط البرمائي، والقفز من الجو، ومناورات الدبابات واسعة النطاق. والمشكلة بالطبع هي أنّ مصر ليس لديها أعداء من الدول، مما يجعل هذه التدريبات إلى حدٍ كبيرٍ ليس لها معنى. ونظرًا للمصالح المكتسبة بين القاهرة وواشنطن، قد يكون من الصعب إنهاء النجم الساطع تمامًا، ولكن يجب إعادة تخصيص جزء كبير من التمرين للتركيز على عمليات مكافحة الإرهاب، وهو ما تحتاجه مصر حقًا.
لن تتغير مصر بسهولة، حتى وإن بدا التغيير في مصلحة مصر ذاتها. ومع ذلك، يجب على واشنطن أن تواصل الضغط على القاهرة للقيام بذلك، لأنّ نجاحها ضد تنظيم الدولة في سيناء وفي جميع أنحاء الدولة هو في مصلحة الأمن القومي الأمريكي.
وقال «السيسي» لـ«ترامب» في اجتماعه الذي عقد بالبيت الأبيض في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر: «سوف تجدني ومصر بجانبكم في تنفيذ استراتيجية مواجهة الإرهاب والقضاء عليه». ولا شك أنّ «السيسي» صادقٌ في دعمه للولايات المتحدة في حربها على تنظيم الدولة. وفي هذا الصدد، فهو يؤيد أيضًا الجهود العسكرية الإسرائيلية. لكنّ السؤال الحقيقي، هو مدى التزام مصر بقتالها هي نفسها ضد الإرهاب.
المصدر: ترجمة وتحرير الخليج الجديد