أكاديمي تونسي يكتشف أن محمد زاهد جول سرق أحد أبحاثه ويتّهم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العمانية
“تونس– كتب شمس الدين النقاز”- تفاجئ الباحث والإعلامي والأديب التونسي الدكتور سمير ساسي بتعرّضه إلى سرقة اقتباسات حرفيّة من أحد أبحاثه العلميّة من قبل الباحث التركي محمد زاهد جول.
وقال ساسي لـ”وطن” “قد يكون من العادي والمتوقع أن تتعرض لسرقة بيتك أو سيارتك أو أي شيء مادي يعود لك ملكه على حين غفلة منك يسطو منحرف تغريه بضاعتك فيفر بها وقد يظن نفسه جسورا فاز باللذة، لكن من غير العادي أن يقوم شخص ما يقدم نفسه على أنه كاتب أو باحث بالاستيلاء على مجهودك الفكري وينسبه إلى نفسه دون خجل أو حياء ولا توسوس له نفسه حتى بالإشارة إليك تغطية على سرقته.
وأضاف “إحساس بالمرارة رهيب لا يذوق طعمه إلا من اكتوى به وقد كنت ضحية سرقة لم أتوقعها، فقد تمت منذ ست سنوات ولم أنتبه لها إلا البارحة وأنا أبحر في الانترنت، حيث وجدت كلاما منسوبا لباحث تركي يدعى محمد زاهد جول منشورا في جريدة الوطن العمانية على أنه قدم كورقة بحثية لندوة تطور الفقه في عمان في دورة 2011 بعنوان المواطنة والتأسيس الفقهي المعاصر”.
وتابع الدكتور سمير ساسي حديثه لـ”وطن” قائلا “كنت أقرأ وأمعن النظر وأسأل نفسي هل أقرأ ملفا على حاسوبي الخاص أم من موقع جريدة في مكان قصي عن بلادي، لم يكن بد من التثبت والتدقيق، وقد أفضى ذلك التثبت إلى أن الباحث التركي أو هكذا يقدم نفسه استولى على فقرات مهمة من مقال لي نشرته في مجلة الكلمة اللبنانية سنة 2009.
وأكد سمير ساسي أن من يطلع على المقالين لن يجد صعوبة في التعرف على أوجه الاستيلاء، وهذه بعض العيّنات على ذلك: فقد ذهب محمد عابد الجابري، ومحمد أركون، وسمير أمين، وغيرهم إلى القول: “بغياب مفهوم المواطنة لدى العرب على الصعيد اللغوي والفكري والوجداني، وهم يتفقون بهذا مع ما ذهب إليه المستشرق برنارد لويس من أن “مفهوم المواطنة في الفكر العربي مفهوم غير أصيل إن لم يكن غريباً، وإن سبب غياب كلمة “مواطن” في اللغة العربية واللغات الأخرى الفارسية والتركية “يرجع إلى غياب فكرة المواطن كشريك وفكرة المواطنة كعملية مشاركة”.
إلا أن غالبية المفكرين والفقهاء والباحثين في العالم العربي الإسلامي تبنُّوا رأيًا مغايرًا، وأكَّدُوا على القول بأن جذور استعمال المفهوم ومعانيه تعود إلى فترة الإصلاحية الإسلامية الحديثة حيث غلبت الإشكالية السياسية على غيرها من الإشكاليات، وبالتحديد مع: “تخليص الإبريز في تلخيص باريز” للطهطاوي في مطلع الربع الثاني من القرن التاسع عشر إلى “الخلافة أو الإمامة العظمى” للشيخ رشيد رضا في نهاية الربع الأول من القرن العشرين.
فالناظر في التراث الفكري للإصلاحية الإسلامية لا يعدم الوقوف على جملة من المبادئ والإشارات الفكرية ذات الدلالة السياسية الواقعة في حقل المصطلح المستعمل، مع الإقرار بغياب مصطلح المواطنة بلفظه المتداول في الزمن المعاصر، وبهذا المعنى “كان طغيان المسألة السياسية في وعي الإصلاحيين استجابة تلقائية لتحدَّ هو في جوهره سياسي فهم إذ عزوا تقدم أوروبا وتفوقها إلى قوة نظامها السياسي عزوا تخلف مجتمعاتهم -بالمقابل- إلى تخلف النظام السياسي التقليدي”.
فالطهطاوي يعطي الأولوية للسياسة الليبرالية ويؤكد ضرورة إصلاح النظام السياسي، وليس أدلَّ على ذلك من ترجمته لمواد الدستور الفرنسي كاملةً في كتابه “تلخيص الإبريز” متوقفاً أمام المواد الخمس عشرة الأولى منها بالشرح والتفسير مطابقاً في الوقت ذاته بين مفهوم الحرية عند الغرب، ومفهوم العدل الإسلامي، “وما يسمونه الحرية ويرغبون فيه هو عين ما يطلق عليه عندنا “العدل والإنصاف”، وذلك لأن معنى الحكم بالحرية هو إقامة التساوي في الأحكام والقوانين بحيث لا يجور الحاكم على إنسان، بل القوانين هي المحكمّة والمعتبرة”.
ولا شك بأن الدعوة إلى المساواة أمام القانون يعني إعادة النظر في علاقة الحاكم بالمحكومين “على نحو يجري فيه الحد من سلطات الأولين وإجراء أحكام التقييد الضرورية عليها وتمتيع الآخرين بسلطات كانت في النظام القديم من مشمولات أملاك الحاكم”.
وهو ما أثار انتباه الطهطاوي حين كتب “إن ملك فرنسا ليس مطلق التصرف، وأن السياسة الفرنسية هي قانون مقيد”.
أدرك خير الدين التونسي قوة التّحدي الحضاري المفاهيمي الجديد، ولذلك دفع بالمسألة إلى أبعد من ذلك من منطلق أن “التمدن الأوروبي تدفق سيله في الأرض فلا يعارضه شيء إلا استأصلته قوة تياره المتتابع”.
لذلك على العالم الإسلامي أن يدرك سرَّ هذا التقدم ويتبعه، وهو في المجال السياسي راجع إلى “التنظيمات المؤسسة على العدل السياسي..”. ولهذا السبب “لا يسوغ أبداً أن يسلم أمر المملكة لإنسان واحد بحيث تكون سعادتها وشقاؤها بيده، ولو كان أكمل الناس وأرجحهم عقلاً وأوسعهم علماً”. وهذا هو جوهر فكرة العقد الاجتماعي،إذ لم ير خير الدين التونسي حرجاً في التأكيد عليها وتجاوز مسألة مقارنتها بالشريعة لأن “الشريعة لا تنافي تأسيس التنظيمات السياسية المقوية لأسباب التمدن والعمران”.
إن استفادة مفكري الإصلاحية الإسلامية من التجربة الأوروبية والاقتباس من الأدوات والآليات التي تخص هذه التجربة ترافق مع اعتبار “دعوتهم للإصلاح والتنظيمات والعدل والدولة الحديثة هي من صميم الإسلام ومن تفاصيل أحكامه بل هي من مقتضيات العمل بقاعدة أصولية فيه هي الاجتهاد”.
الأمر الذي يفتح مجالاً واسعًا للبحث بصوره معمقة حول سؤال المواطنة في التراث الإسلامي فكراً وفقهاً، ومدى إمكانية دخول المجتمع الإسلامي في أفق نموذج المواطنة، وهو سؤالٌ كبيرٌ يثير جملةً من المباحث التي تتعلق بنقد أصول المفهوم ودراسة خصائص المجتمع الإسلامي وخصوصيته، وتبدو هذه الإشارات مهمَّةً من جهة تأكيدها على أهمية مبحث المواطنة في الفكر العربي الإسلامي، على الرغم من أن هذا الفكر لا يزال يعاني نقصاً كبيراً فيما يتعلق بثقافة المواطنة، فالموضوع لا يزال حديثًا بالنسبة إليه، كما تزداد الحاجة إلى إثارة حوار حول المفهوم وأبعاده وغاياته وسياقاته بعد التقدم الذي حصل بهذا الميدان في الفكر الأوروبي موطن ظهور المفهوم وتطوره، خاصّة أن هذا التطور أوقفنا على حقيقة هامة وهي أن المشكلة لا تكمن في حصرية المواطنة “وإنما في دلالتها المختلفة من مرحلة إلى أخرى مع احتفاظ المفهوم ببعض هذه المعاني القديمة في طبقاته الأركيولوجية”.
ولذلك ذهب دومنيك شنابر إلى أن النجاح الذي عرفه تصنيف توماس مارشال (1893 – 1983) لمراحل تطور المواطنة: فالقرن الثامن عشر كان قرن الحقوق المدنية، والقرن التاسع عشر كان قرن المشاركة السياسية، أما القرن العشرون فهو قرن النضال من أجل الحقوق الاجتماعية، وهذا “ينطبق بشكلٍ خاص على التاريخ الإنجليزي، فبيسمارك مثلاً نظّم مؤسسات المواطنة الاجتماعية قبل أن تقام المواطنة السياسية في الرايخ الألماني
وفي نهاية حديثه مع “وطن”، حمّل الدكتور سمير ساسي مسؤولية هذا الاستيلاء لمحمد زاهد جول الذي استولى على جزء من مقاله دون إذن منه وللجهة المنظمة لندوة تطور الفقه في عمان وهي على حد علمه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العمانية، إضافة إلى جريدة الوطن العمانية التي نشرت المقال، مطالبا هذه الجهات بالاعتذار أولا وتثبيت الحق لأصحابه وإلا فإن القضاء سيكون فيصلا بينهم.
وهل ينبغي على وزارة الأوقاف والشؤون الدينية وجريدة الوطن أن يراجعوا بحوثا قدمت لهم من باحثين وعلماء – للتأكد مما إذا كانت هذه البحوث لهم أو لغيرهم …
أتصور أن المسؤول الأول والأخير هو الباحث الذي سرق البحث وقدمه على أنه له … وهو ما يجب مقاضاته أو مساءلته …