اللاجئون السوريون على الحدود الجزائرية-المغربية.. من النار إلى الحصار وانتظار الموت

لا تزال أزمة اللاجئين السوريين العالقين على الحدود بين المغرب والجزائر مستمرة، حيث يعيشون ظروفاً بالغة الصعوبة، في وقت يتبادل البلدان الاتهامات بشأن المتسبب في الوضع القائم.

 

فمنذ أبريل/نيسان الماضي، يتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً مؤلمة لعدد من اللاجئين السوريين، بزعم أن السلطات الجزائرية طردتهم نحو الحدود المغربية، وهو ما لاقى استنكاراً واسعاً، واندلعت على إثره أزمة سياسية بين الدولتين وتبادلتا الاتهامات، ووصل الأمر إلى استدعاء خارجيتيهما للسفيرين، وتوجيه رسائل استهجان.

 

وتعيش العائلات السورية الثمانية وبينها أطفال ونساء وكبار السن أوضاعا صحية سيئة، ونفسيات متدهورة حيث يلاحقهم الموت صغارًا وكبارًا، يمكثون في الصحراء على بعد 500 متر تقريبًا من مدينة فكيك المغربية.

في تلك الصحراء يكافح اللاجئون السوريون في جو متقلب، ورياح عاتية تهب فجأةً، في ظل انعدام أي نوع من الرعاية الصحية، ويعيشون في خيم مهترئة من الأقمشة والبطانيات، تنعدم فيها أدنى مقومات الحياة، ويغطي غبار الصحراء وجوههم وأجسادهم.

 

أحوالهم وأوضاعهم

وبحسب الصور المتداولة، فقد ظهر اللاجئون، وبينهم العديد من النساء والأطفال، وهم يفترشون المنطقة الحدودية بين الجزائر والمغرب في حالة مزرية.

 

“أبو إياد” هو أحد هؤلاء المحاصرين قال – كما نقله عنه “تلفزيون العربية” – إنَّ معظمهم قصد المغرب للالتحاق بعائلاتهم المقيمة في المملكة منذ فترة، نافيًّا طردهم من الأراضي الجزائرية، إذ أكَّد أنَّهم خرجوا قاصدين المغرب للاستقرار مع ذويهم المتواجدين في المملكة وليس لجعلها معبرًا لأوروبا.

 

وللوجود السوري في الدول المغاربية حضور طغى على كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية، لكن زحف هذه المرة إلى الميدان السياسي، ونكأ جرح العلاقات المتجدد بين أكبر دولتين مغربيتين؛ وهما الجزائر والمغرب.

 

وسجّلت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى المغرب، في شهر مايو/أيار 2016، نحو 6471 لاجئاً سورياً، بيدَ أن هذا الرقم لا يجسد الواقع؛ لأن فئات كبيرة منهم غير مسجلة، بحسب منظمات مدنية.

 

وتتضارب المعلومات بشأن الحياة التي يعشيها السوريون، فبينما استقر جزء كبير منهم على امتداد المغرب العربي، فإن التقارير الحقوقية تتحدث عن أوضاع مزرية يعيشون في ظلها.

 

ففي تقرير يعود للعام 2016 أكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن اللاجئين السوريين يعيشون أوضاعاً “كارثية”، في ظل حرمانهم من الضمانات اللازمة لحماية حقوقهم الأساسية.

 

وأكدت الجمعية المغربية أن آلاف اللاجئين السوريين في المغرب تحديداً يعيشون أوضاعاً كارثية، ترجع بالأساس إلى عدم توفير الحماية الواجبة لهم، والأخذ بمتطلبات وجودهم كلاجئين في البرامج والسياسات العمومية.

 

كما أن وضع السوريين في الجزائر ليس بأفضل حال، ففي العام 2012 اتهمت المنظمة العربية لحقوق الإنسان الحكومة الجزائرية بتسليم 60 لاجئاً للسلطات السورية، ممَّن فروا نتيجة الظروف الأمنية.

 

واتهمت المنظمة “السلطات الأمنية الجزائرية بأنها تنسق مع الأمن السوري لرفض دخول بعض طالبي اللجوء، حيث إنها تحتجز العشرات من اللاجئين في منافذها البرية والجوية من المطلوبين؛ بغرض تسليمهم للسلطات الأمنية السورية”.

 

وبخلاف المغرب، تتخذ الجزائر موقفاً سياسياً مناصراً للنظام السوري، حيث وقفت إلى جانبه، وضد إدانته بجرائم الحرب التي يرتكبها في المحافل العربية والدولية.

 

اتهامات متبادلة

وزارة الخارجية المغربية قالت في بيان لها في بداية الأزمة إن 54 سورياً حاولوا دخول المغرب عبر مدينة “فجيج” الحدودية، بين 17 و19 من الشهر الجاري، واتهمت الجزائر بإجبارهم على العبور إلى المغرب، محملة إياها “المسؤولية السياسية والأخلاقية في هذا الوضع”.

 

وأوضح البيان أن “استخدام الضائقة المادية والمعنوية لهؤلاء الناس، لخلق فوضى على الحدود المغربية- الجزائرية، ليس بالأمر الأخلاقي”، قبل أن ترد الخارجية الجزائرية في بيان لها، مساء اليوم نفسه، باستدعاء السفير المغربي لديها لإبلاغه رفضها ما وصفته بـ”الاتهامات الخطيرة والكاذبة” حول طردها رعايا سوريين.

 

وتمتد حدود بطول 1500 كيلومتر بين المغرب والجزائر، من البحر المتوسط شمالاً إلى الصحراء الكبرى جنوباً، وأغلقت منذ 1994.

 

والعلاقة بين الدولتين متوترة منذ استقلالهما عن فرنسا، وأثارت النزاعات الحدودية صراعاً مسلحاً في ستينيات القرن الماضي أطلق عليه اسم “حرب الرمال”.

 

ومن بين نقاط الخلاف الكبرى بين المغرب والجزائر قضية الصحراء الغربية التي كانت مستعمرة إسبانية، وضم المغرب معظم أراضيها إليه عام 1975. وتدعم الجزائر وتستضيف جبهة البوليساريو التي تنادي باستقلال الصحراء الغربية وهو ما يثير غضب المغرب.

موقف دولي متفرج ومنظمات عاجزة

أكد الكاتب والباحث السوري ميسرة بكور أكَّدت أنَّ معاناة شديدة ووضعًا مأساويًّا يلاحق الأسر السورية العالقة بالصحراء، مشدِّدًا على أنَّ مثل هذه الأوضاع لا يمكن قبولها حالٍ من الأحوال.

 

وقال – لـ”مصر العربية” – إنَّ الخلاف السياسي بين الجزائر والمغرب ينعكس بالسلب على أزمة هؤلاء اللاجئين الذين وصفهم بـ”المستضعفين في الأرض”، مسميًّا الوضع استهتارًا بحياة المدنيين لا يتجاوز عددهم الـ100 شخص.

 

وأضاف: “إذا وفّرنا وقود سيارات المسؤولين ووسائل الإعلام الذين زاروا هذه المخيمات لربما كان بالإمكان توفير سكن مناسب لهؤلاء الناس سواء في المغرب أو الجزائر”، متسائلًا: “وزير الخارجية الجزائري قال إنَّه ليس من المقبول المتاجرة بمعاناة السوريين، ونحن نسأل الوزير عمَّا فعلوا من أجل هؤلاء اللاجئين”.

 

ربط بكور الموقف الجزائري الداعم للأسد وأزمة اللاجئين العالقين، وقال: “الجزائر تدعم بشار الأسد بكل قوة، لأنَّها في الأساس معادية لثورات الربيع العربي وتدعم كل من يحارب هذه الثورات، وأحد أشكال هذا الدعم هو عدم استقبال اللاجئين والاستمرار في تزويد الأسد بالنفط والغاز رغم العقوبات الدولية المفروضة عليه”.

 

وأشار إلى أنَّ اللاجئين أزمتهم أخلاقية إنسانية وليس فقط سياسية، معتبرًا أنَّ الجزائر تراهن رهانًا خاسرًا إذا لم تستقبل اللاجئين، حيث أنَّ الأسد لن يربح شيئًا من هذا الأمر، كون أي دولة أخرى من الممكن أن تستقبلهم”.

 

المحلل السوري وضع تفسيرًا آخرًا لهذه الأزمة، يتمثَّل في أنَّها راجعة بالأساس إلى الخلاف بين الجزائر والمغرب، ما يعني أنَّها تلعب بورقة اللاجئين السوريين في هذا الإطار.

 

إقليميًّا، يرى بكور أنَّه لا دورًا ممكنًا للجامعة العربية لدعم قضية اللاجئين، وقال: “رئيس الجامعة العربية ليس مؤيدًا لثورات الربيع العربي”.

الأمم المتحدة هي الأخرى عليها علامات استفهام بما يتعلق بموقفها وتحركها إزاء اللاجئين السوريين كما يقول بكور الذي أشار إلى أنَّها أعلنت عدم استطاعتها دخول مناطق اللاجئين  كونها في حاجة إلى تصريح من الأسد.

 

واعتبر أنَّ الدور الأممي المقدم إلى الآن غير مكتمل، بل وصفها بـ”المقصِّرة” تجاه اللاجئين، وشكّك في تعاونها مع نظام الأسد، متحدثًا عن أنَّ موظفين بها هم عملاء لبشار، ما يعني أنَّها ليس بإمكانها تقديم مساعدات داخل سوريا.

موقف عربي مستبد

السياسي السوري بشير علاو تحدَّث عن أزمة الأسر العالقة بالقول: “للأسف هذه أجندة المستبدين والحكام العرب الذين فرض عليهم شكل علاقاتهم بين بعضهم البعض”.

 

وأضاف – لـ”مصر العربية” – أنَّ المجتمع العربي لا يؤدي أي دور لدعم اللاجئين السوريين، محمِّلًا هنا الجانب الأكبر من المسؤولية على دول الخليج، متابعًا: “هذه الدول ما زالت تسمّي العربي المقيم على أرضها بالأجنبي”.

 

هذه السياسة الخليجية يقول “علاو” إنَّها وُضعت في الغرب لزيادة انقسام المجتمع العربي، داعيًّا في هذا الإطار جامعة الدول العربية للعمل على وحدة الصف، وبناء الكوادر معتمدةً على الإنسان العربي والمحافظة عليهم.

 

علاو – وهو مؤسس حزب البناء والعدالة الوطني -‏ اعتبر أنَّ العمل الإغاثي هو جديد داخل المجتمعات العربية، داعيًّا دول الخليج إلى التحلي بمسؤولياتها في دعم اللاجئين على النحو المطلوب.

 

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث