“زواج الوشم” .. رباط سري يُكتب بالدم ولا يزال إلا بالنار
“خاص- وطن”- كتب وعد الأحمد- زواج الوشم مفهوم جديد بدأ يدخل مجتمعاتنا العربية مع انتشار ألوان من السلوك الاجتماعي الغريب على ديننا وعاداتنا وتقاليدنا، وطريقة الزواج هذه تمثل عند البعض ما يشبه الرباط الوثيق بين المحبين ، وتقوم فكرته على أن يقوم الراغبان بالزواج بوشم جسميهما إيذاناً ببدء حياتهما الزوجية التي عادة ما تكون قصيرة جداً ، ويحاولان قدر الإمكان الإبقاء على الأمر سرياً خشية الفضيحة إن اكتشف أحدٌ غيرهما هذا الأمر، فالزواج سري يقوم على أساس عدم معرفة أحد به كما هي أنواع الزواج السرية الأخرى
حول ظاهرة الوشم وانعكاساتها السلبية على مستوى الشباب والمجتمع كان لـ”وطن” هذا التحقيق : إذا كان هذا النوع من الرباط الزوجي المزيف لم يدخل إلى المجتمع السوري بسبب تركيبة هذا المجتمع وطبيعة أبنائه شبه المحافظة ، فإن هذا لا يمنع من القول أنه موجود وإن بأشكال غير مباشرة ، فالكثير من الشبان الذين يرتبطون بعلاقات عاطفية مع فتيات يقومون بوشم أذرعهم أو صدورهم بصور رمزية لهن أو يدوُّنون بالدم الحروف الأولى من أسمائهن كدلالة على حبهم وارتباطهم ، سواء تحقَّق هذا الارتباط على أرض الواقع أو لم يتحقق ، ويكتسب هذا النوع من التعبير العاطفي ما يشبه الديمومة لأن ما يكتبونه أو يرسمونه يصعب إزالته إلا بماء النار أوالفضة أو بواسطة الليزر أوغيرها من الطرق الأخرى .
الوشم هو عبارة عن ثقوب في الجلد تحصل بواسطة الوخز يضاف إليها بعد حدوث النزف مواد وأصباغ تكسبه ألواناً ثابتة تدوم لفترات طويلة ، ويتم اختيار صورة الوشم المراد من خلال نماذج معدة سلفاً على ورقٍ، وبعد ذلك يتم طبع هذا النموذج على المكان الذي يختاره الزبون من جسده شريطة المواءمة بين حجم الوشم والمساحة المخصصة له، ثم يأتي عمل الإبرة المتصلة بقلم دوار، وتقوم هذه الإبرة بإدخال الصبغة في الطبقة السفلية للجلد بدقة لنحصل في النهاية على الوشم المطلوب وفي المساحة المخصصة من الجسد .
ويمثل الوشم حسب اعتقاد نسبة كبيرة من الشباب الذين يلجأون إليه وسيلة للحصول على جسم أجمل أو صورة أبهى للذراع أو الجسد، أو للفت الانتباه إلى مكان وجود الوشم وإبراز القوة والصلابة، وهو باعتقادهم يعبرعن قوة الشخصية وخصوصاً إذا حمل معاني ودلالات مرعبة كصور الجماجم والأفاعي والعقارب والتماسيح وغيرها، وبعضهم يعتبره تخليداً لذكرى معينة تحمل في أنفسهم أثرا ًكحب جارف أو ثأر دفين أو عرفان بالجميل لشخص معين أو الشكوى من الزمن وغدر الأيام وأنى يكن ذلك فالوشم لدى الشباب محاولة للتعبير عن السخط والتميز في المجتمع دون إدراك واعٍ لمعنى ما يفعلون .
لوحات متنقلة !
أنى توجهت في أنحاء متعددة من المدن العربية تواجهك لافتات كُتب عليها عبارات مثل (أرسم الوشم الذي تريد ) أو ( أوشم ) وبالقرب من هذه اللافتات ترى شباناً صغاراً وقد بدا عليهم الانبهار والاندهاش بهذه الصرعة الغريبة عن مجتمعاتنا العربية، وإذا سألت أحدهم عن أصل هذا الوشم أو الفائدة منه فإن إجابتهم تأتي بعدم المعرفة، ولكن ما يدفعهم لهذه الصرعة اعتقادهم أنها تعطيهم شكلاً جميلاً ومختلفاً كما يقولون ، وانتشار مظاهر الوشم بين صفوف الشباب والفتيات في في عدد من الدول العربية خلال السنوات الأخيرة حوّل جلودهم إلى لوحات متنقلة تحمل الكثير من الرموز ذات الدلالات الخاصة والغامضة والخادشة للحياء في كثير من الأحيان ، ورغم التحذيرات التي يطلقها الاختصاصيون من احتمال نقل الأمراض بواسطة الوشم، مازال الكثير من هؤلاء الشباب يقبلون عليه دون الوعي بخطورته، ورغم أن الأشخاص الذين يَشِمُون أجسادَهم يجدون صعوبة كبيرة من جرَّاء ذلك حيث ينزّ الدم من الجسم من أثر الوخز المتلاحق إلا أنهم يتحملون ذلك في سبيل أن يظهروا بشكل مميز ولافت حسب اعتقادهم .
جماجم وأفاعٍ !
” طه الحبال ” أحد الوشامين المعروفين في مدينة عمان الأردنية يعمل على طبع صور معينة بعد أن يحدد مكانها على الجسد، ثم يقوم بزرق الألوان داخل بشرة الجسم عن طريق إبرة مثبتة إلى غلاف خارجي لقلم جاف عادي، مربوط في نهايته بمحرك مسجلة صغير يدفع الإبرة حالما يتصل قطبي المحرك ببطارية صغيرة، وبهذه الطريقة تدفع الإبرة الحبر إلى الأمكنة المحددة المراد حقنها داخل الجلد، راسمة الشكل الذي يريده الزبون .
يقول طه ل “وطن”ـ : هذه العملية تتطلب دقة متناهية وتستغرق من ساعة إلى ساعتين تقريباً حسب مهارة الواشم وصعوبة أو سهولة الرسم ، ولا يجب أن يقوم بهذه العملية أي شخص لا يمتلك جرأة وخبرة كافيتين .
وعن طبيعة الرسومات التي يختارها زبائنه عادة يضيف قائلاً : هناك أنواع عدة من رسومات الوشم أغلبها رسومات من الطبيعة، فالبعض يختار الرسومات التي تعبر عن القوة والصلابة، وأحياناً القوة الشخصية التي تعبر عنها رسومات مثل الجماجم والأفاعي والعقارب وهناك بعض الشبان الذين يأتون إلي لاختيار الرسومات التي تعبر عن الحب ، وبعضهم يقلد مشاهير النجوم في رسوماتهم المجنونة سواء كانت من فروع الشجر أو الورود في مناطق ظاهرة من الجسد، وهناك من يطلب أن يكون الوشم حرفاً معيناً أو اسماً لمعشوقته الوهمية أو الحقيقية .
وتتراوح أسعار الوشم كما يقول طه ما بين 100 إلى 5000 ليرة والرقم الأخير خاص برسمات كبيرة مثل الديناصورات وهي تُنقش عادة على الظهر أو الأخطبوط والعقارب, أما بقية الرسوم فهي توشم على الذراعين أو الصدر أو الرسغين عادة .
وحول تفسيره لظاهرة الوشم وإقبال شريحة واسعة من الشباب عليه يرى الدكتور “حسان المالح” – استشاري الطب النفسي في جامعة دمشق أن لأنواع الموضة المتعلقة بشكل الجسم وأجزائه أو زينة الثياب وملحقاتها جاذبيتُها الخاصة بالنسبة للشباب والشابات، ومن المفهوم أن يبحث الشاب أو الشابة عن القبول الاجتماعي من الآخرين ، وأن يكون موضع اهتمام وانتباه منهم ، وأن يكون متميزاً وله وجوده الخاص المستقل .. وهذا طبيعي بل مطلوب وصحي إذا كان في الحدود المقبولة ..فقليل من التمرد في المظهر والشكل لابأس فيه أما ما نراه اليوم من صرعات الوشم فهو أمر شاذ وغير مقبول.
ويؤكد الباحث الاجتماعي د . طلال عبد المعطي مصطفى – جامعة دمشق أن هناك حالات من الوشم تكون ناتجة عن إحباطات وحالات نفسية معينة فيأتي الوشم كنوع من التغيير والتقليد ويكون بمثابة متنفس لهذه الحالات ، وقد يكون هذا الوشم بعد فترة من التقبل الاجتماعي سبباً لرفض تلك الشخصية في حال إقدامها على الزواج ما يسبب إحساساً بالندم واضطرابات نفسية تؤثر على مجرى حياتها .
وحول إمكانية إزالة الوشم والطرق المستخدمة في ذلك ، يقول الدكتور نزير سلوم المختص بالوشم الطبي من جامعة ليفربول – بريطانية : يمكن إزالة الوشم دون آثار بواسطة التقشير وهي عملية إزالة للطبقة الخارجية من الجلد وله أنواع منها التقشير الميكانيكي والتقشير الكيميائي وحديثاً تطورت أنواع من الليزر لإزالة الوشم وهي من الطرق الفعالة ذات الألم الخفيف ونتائجها جيدة ، كما يمكن إزالة الوشم بالليزر بأنواع متعددة منها ” ياغ ” ليزر لإزالة الألوان الحمراء والزرقاء والخضراء ويُستعمل ” الكزاندريت ” ليزر لإزالة اللون الأخضر بشكل خاص وعموما تتطلب الإزالة – كما يؤكد د سلوم – من خمس إلى ست جلسات لإزالة الوشم كاملاً ولا يحتاج الأمر إلى تخدير .