ألف عدو ورا دارك ولا واحد جُوّا الدار (مثل شعبي فلسطيني)

معنى المثل:
لا بأس أن يكون لك ألف عدوّ خارج بيتك أو وطنك.. أمّا عدوّ واحد في داخله.. فلا
***
لكي تقرأ الواقع بشكل صحيح.. عليك أن تنظر إليه بعين صحيحة لا يشوبها غبش ولا ضباب.. وأنا هنا عند قراءتي لهذا المثل.. الحكمة البليغة.. لن أكشف أسرارًا بقدر ما أشير بالإصبع على مواطن الخلل والخبث الذي أثّر على شخصيتنا العربية فجعلها شخصية مهزوزة مهزومة مرتبكة حائرة غير مستقرة.. ضالّة مضلّلة ليس لها حاضر وتائهة عن ارتياد دربٍ سليم نحو المستقبل,. تعيش في الماضي وأمجاد الماضي.. وكأنّ الزمن توقف عندها.. فلم تعد تميز الفرق بين القعود والعمل.. حتى أصبحت شعوبها وحكوماتها وحكّامها من قبل.. تعيش اتكالية بالغة.. جاهلة بقدراتها مسلّمة مقدّراتها لأعدائها.. غير مدركة أنّها تنحدر انحدارًا سريعا إلى الهاوية.
نحن نعيش انكسارا ليس بعده انكسار.. تحيط بنا الأزمات وكأنها جراثيم تتزاوج وتتكاثر.. حتى بتنا لا نعلم لكثرتها ومدى مهاجمتها للجسد العربي في أي موقعٍ من الجسم هاجمت وفتكت.. مثيرة للجروح والقروح.. وآهاتنا لا يسمعها أحد.. وإن سمعها لن نثير في نفسه شفقة.. لأنه بكل بساطة لا يشعر بإنسانيتنا ولا بقيمنا ولا يعلم قيمتنا إلاّ أننا وضيعي المكانة.. ضعاف الحيلة.. عديمي المسؤولية.. مفرّطون بحقنا .. وعليه فما كان منّا ومن صنع أيدينا لن يحرك مشاعره تجاهنا.. فكيف له أن يرفض أو يستنكر ما قبلناه نحن على أنفسنا.
نحن لم نصل إلى هنا ولا وصلت بلادنا إلى هذه المحطة من عدم الاستقرار وانعدام الأمان واستقواء أعداؤنا علينا إلاّ بعد أن تمكّنوا من عقولنا ومن لُحمتنا وقطّعوا أواصرنا بقطرية بغيضة وحدود مصطنعة.. وهرطقوا أفكارنا وقيمنا.. حتى تغيّرت مقاساتنا ومعاييرنا للحق والباطل.. ومفاهيمنا نحو الصواب والخطأ.. وبعد أن أوصلونا لتكون أولوياتنا في هذه الحياة غير ما ينبغي أن تكون عليه أولوياتنا كعرب ومسلمين عجن طينتنا التاريخ وجمعتنا الجغرافيا.. فشدّت صِلاتنا القربى.. ووطّد أواصرنا الدم.. وقوّى عزائمنا الدّين .. وحقّقت وحدتنا اللغة. فما عدنا نمتّ بصلة لأنفسنا وذواتنا تعرّينا.. وانكشفت عوراتنا حتى استُبيحت واستبيح معها كل شيء.
المؤسف له حقًّا أنّ بلادنا العربية منذ تأسيسها كأقطار منفصلة بحدودٍ ملغومة ومصطنعة لتصبح أشباه دولٍ ووهم بالاستقلال.. بقيت كما بدأت منذ أوّل لبنة وُضعت في كياناتها.. دولاً تابعة خاضعة لسيّدٍ أكبر.. لم تتطور على أيّ من المستويات الأخلاقية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو العلمية ولا على المستوى السياسي والحق في الاستقلال الحقيقي والسيادة.. وبقيت بحكم مستبد وحاكمٍ مؤلّه وحكومات لا ترتقي لمستوى إدارة صغيرة في مؤسسة بسيطة تتبع لوزارة من وزارات الحكومات الغربية .. وبقيت محكومة بسلطة الفرد والمحسوبيات والواسطة والمصالح الخاصة بعيدا عن مصلحة الشعب والدولة. لذلك رافق الفسادُ الاستبدادَ والتسلط في الحكم والسلطة حتى بلغ الطاغوت مبلغه في ارهاب الناس وتجويعهم وخداعهم وتجهيلهم ليستمر الجبروت في طغيانه وسيطرته على كرسيه فاتخذ في سبيل ذلك ما فيه من الحطّة والدونية والسقوط .. ما لم يبلغه صاحب دين وضمير.. فرهن وباع الحاكمُ العربي بلا استثناء البلاد والعباد وما فيها من مقدّرات اقتصادية لصالح قوى كبرى – السيد الأكبر – تحميه وتؤمن له بقاءه على الكرسي سيّدا للعرش في داره .. ما بقي مطأطئًا لهم محققًا لأطماع هذه القوى ملبّيًا لإملاءاتهم وإرادتهم .. كان أعظمها ثمنًا فلسطين التاريخية بما فيها من مقدّسات دينية .. تم تسليمها للصهاينة دون أدنى وازع ديني أو أخلاقي أو إنساني يحفظ لأصحاب الأرض كرامتهم وإنسانيتهم وحقهم في أرض آبائهم وأجدادهم .. فكانت دولة الكيان الصهيوني في فلسطين .. الكيان الجرثومة الذي زُرع في منطقتنا العربية كجرثومة تشكل رعبا وإرهابا حقيقيًّا لكل كياناتنا المصطنعة وحارسًا أمينا لمصالح السيّد الأكبر في شرقنا الأوسط.
وإن كنّا نعلم من هم أعداء الخارج المتربصون بنا وببلادنا.. حتى لو تجاهلنا ذلك وادعينا خلاف هذه الحقيقة .. فإنّ الفساد والاستبداد وقهر الناس واستعبادهم وإرهابهم وتفقيرهم وتجهيلهم عدوّ داخلي.. لن تقوم لأي دولة في العالم قائمة ما دام هذا صراطها .. وحاكمنا العربي قديمه وحديثه هذا ديدنه ودينه.. وشعوبنا العربية قد وصل الحال بها إلى حد المتاهة والضياع بلا حاضر معلوم أو مستقبلٍ مأمول.. لا تعوّل على شيء وليس لديها من حيلة إلاّ الانتظار لما سيسفر عنه الغد وما تنجلي عنه هذه النار.. التي تأكل أخضرنا ويابسنا.. فدمّرت البلاد وشتّتت العباد.
أتطلّع إلى يومٍ نستفيق فيه من نومنا وسباتنا العميق ونشفى فيه من عللنا بدءًا من الحاكم المستبد وليس انتهاءً من الجهل والتخلف والفقر وحاجة البطون وعلة العقول والأبدان.
لا بدّ من مجدّدٍ منافحٍ عن هذه الأمة يحفظ لها كرامتها وسيادتها ويحقق لها سؤددها وريادتها.. لدينا كل ما ينبغي لذلك من مقومات وأدوات.. فقط ينقصنا الاعتقاد بقدراتنا والإيمان بإنّ الله لا بد ناصرنا إن أردنا الانتصار لحقوقنا وإنسانيتنا وحرّيتنا التي هي أساس الرسالة السماوية التي حملها لنا أنبياء الله عنه عزّ وجل وختامها القرآن وسنّة نبيه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه أجمعين.