كشف الدكتور خليل العناني الباحث المتخصص فى النظم السياسية والعلاقات الدولية وأستاذ للعلوم السياسية بكلية الدراسات الدولية المتقدمة، في جامعة “جونز هوبكنز” الأمريكية بواشنطن في مقال ناري له حقيقة تصريحات سفير الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة عن “العلمنة”.
وكشف “العناني” في مقاله، أن المدّقق في كلام العتيبة يجد أنه يروّج مفهوماً خاصاً بالعلمانية، ليس له علاقة بالعلمانية الغربية، موضحاً: “أولاً، علمانية العتيبة، كبقية العلمانيات في المنطقة العربية، سلطوية، تقودها الدولة الباطشة التي تريد احتكار الدين لصالحها، وتحريمه على غيرها. وثانياً، هي منزوعة القيم الليبرالية والعقلانية والرشادة التي ميّزت، ولا تزال، العلمانيات الغربية. يريد الرجل علمانيةً يتم فرضها قمعاً، وهي تعني بالنسبة له عدم وجود منافسة سياسية أو وجودها، ولكن شكلياً من دون أي معنى أو مضمون حقيقي”.
وجاء نص المقال كالآتي:
لم يكن حديث السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، مع المذيع المخضرم تشارلي روز، والذي أشار فيه إلى ما أسماها “الفوارق الفلسفية” بين قطر من جهة ورباعي الحصار بالإضافة إلى الأردن من جهة أخرى غريباً ولا مستغرباً. تتلخص هذه الفوارق الفلسفية، بحسب العتيبة الذي تقمّص شخصية الباحث الفيلسوف، في رؤية العتيبة ومن يقف خلفه، لشكل أنظمة الحكمة في المنطقة، وهي، حسبما وصفها، أنظمة “علمانية، قوية، مستقرة، ومزدهرة”.
دعك من الضجّة التي أثارها كلام العتيبة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الميديا، فالرجل يدرك، قبل غيره، أن كلامه لمجرد الاستهلاك الإعلامي، وموجّه بالأساس إلى الجمهور الأميركي الذي لا يرى في المنطقة سوى مصدر للفوضى والتطرّف وعدم الاستقرار، بيد أن ما يلفت النظر هما الجرأة والثبات اللذان تحدث بهما العتيبة عن السعودية، وكأنه الناطق الرسمي باسمها، خصوصاً في ما يتعلق بقضية حسّاسة، مثل العلمانية التي يعدها كثيرون من الدعاة ومشايخ الدين المتحالفين مع السلطة هناك “كفراً”. وحتى الآن، لم نسمع أو نقرأ رد فعل رسمي على تصريحات العتيبة من السعودية، وكأن على رؤوس الجميع الطير، فيما يخص هذا التصريح المحرج والمربك، ليس فقط للمؤسسة الدينية في السعودية، ولكن أيضاً للمؤسسة السياسية التي تستمد شرعيتها من الدين، سواء تاريخياً أو من خلال ادعائها تطبيقه وحمايته.
ويجد المدّقق في كلام العتيبة أنه يروّج مفهوماً خاصاً بالعلمانية، ليس له علاقة بالعلمانية الغربية. أولاً، علمانية العتيبة، كبقية العلمانيات في المنطقة العربية، سلطوية، تقودها الدولة الباطشة التي تريد احتكار الدين لصالحها، وتحريمه على غيرها.
وثانياً، هي منزوعة القيم الليبرالية والعقلانية والرشادة التي ميّزت، ولا تزال، العلمانيات الغربية. يريد الرجل علمانيةً يتم فرضها قمعاً، وهي تعني بالنسبة له عدم وجود منافسة سياسية أو وجودها، ولكن شكلياً من دون أي معنى أو مضمون حقيقي.
وقد كان ملفتاً أنه لم يذكر كلمة “ديمقراطية” في حديثه عن شكل أنظمة الحكم التي يرغب العتيبة في رؤيتها في المنطقة خلال عشر سنوات. وثالثاً، هي علمانية تقوم على الخوف والإجبار والترهيب، وليس على الحوار والقناعة.
وهو ما يدفع الناس أكثر باتجاه الدين، وذلك على عكس ما تريده الأنظمة السلطوية. ورابعاً، هي علمانية تقوم على قمع التيارات الدينية، أو تلك التي قد تحمل رؤى مخالفة لتلك التي تطرحها السلطة الحاكمة. وخامساً، هي علمانية غير نابعة من المجتمع وقواه الحية، وإنما مفروضةٌ من أعلى، من أجل تأمين عدم التنافس على السلطة باستخدام المرجعية الدينية.
لا يخجل العتيبة، ومن يقفون خلفه من ترويج العلمانية السلطوية، والدفاع عنها في قلب واحدة من أكثر العلمانيات المؤمنة، وهي أميركا التي ينص دستورها، في مادته الأولى، على الحرية الدينية وحرية التعبير، وهو ما يمنح المواطنين والجماعات الدينية حرية التعبير ونشر أفكارهم من دون رقابة أو تضييق، ما دام أن ذلك يتم بطريقة سلمية.
وفي وقتٍ، كان يحاول فيه العتيبة تقديم نفسه وبلاده باعتبارها النموذج الذي يجب أن يُحتذى في المنطقة، كان رئيسه والمسؤول عنه، محمد بن زايد، يقبل رأس أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في أثناء زيارته أبوظبي لرئاسة ما يسمّى مجلس حكماء المسلمين الذي أنشأه بن زايد لمنافسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي أنشأه الشيخ يوسف القرضاوي في الدوحة قبل سنوات.
وهي صورة على النقيض مما يحاول العتيبة ترويجه وتسويقه في الغرب. وأغلب الظن أن العتيبة سوف يفشل في تغيير صورة بلاده، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والقمع الذي تمارسه ضد المخالفين سياسياً.
عيب