لم يعد اعتقال النساء تعسّفا وانتقاما أو ضغطا على المطلوبين- حكرًا على المحتل الأجنبي مثلما فعلت القوات الامريكية في العراق حين أقدمت على اعتقال أحد المطلوبين ولم تجده فاعتقلت النساء وكتبت على باب منزله: ” إن كنت رجلا وتريد النساء..فسلم نفسك”، بل تحولت إلى سلاح تستخدمه الأنظمة العربية المستبدة لإخضاع شعوبها، حيث اصبح اعتقال النساء فيها سببا للضغط على الرجال أو مكايدة انتقاميّة للأموات والأحياء منهم ولنا في الإمارات ومصر أوضح مثال.
بنات العبدولي – الإمارات
في مساء الخميس 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 اقتحم رجال أمن بلباس مدني منزل العقيد الركن محمد أحمد العبدولي في قرية الطيبة، شمال شرقي إمارة الفجيرة، واعتقل ثلاثة من أبنائه، وهم: مصعب 25 عاما، وهو مُسرَّح من الجيش الإماراتي بقرار أمني، وأمينة 33 عامًا، تعمل معلِّمة، وموزة 18 عامًا، خرّيجة ثانوية عامة.
وفيما يبدو أنها عملية ضغط على مصعب الذي اتُّهم فيما بعد بالانضمام إلى تنظيم إرهابي وحكم عليه بالسجن 7 أعوام، حيث اعتُقل بمذكرة توقيف رسمية بينما أمينة وموزة اعتُقلتا من دون مذكرة توقيف، وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية فإنَّ موزة العبدولي قد احتُجزت في مكان مجهول منذ القبض عليها فينوفمبر/تشرين الثاني حتى مثولها للمرة الأولى أمام المحكمة في مايو/أيار) 2016م. على أنّه في 21 نوفمبر/تشرين الثاني سُمِحَ لأمينة وموزة العبدولي بإجراء اتصال هاتفي مع عائلتهما، ولكن دون أن تكشفا عن مكان وجودهما.
وطوال فترة اختفاء موزة وأمينة لم توجه لهما السلطات الإمارتية أي تهمة، ناهيك عن أن اعتقالهما لم يكن بمذكرة توقيف رسمية، وعند مثول موزة ذات الـ 18 سنة أمام المحكمة الاتحادية العليا في دولة الإمارات العربية المتحدة أصدرت حكمها على موزة العبدولي متهمة إياها بالإساءة إلى دولة الإمارات، وقادتها، ومؤسساتها الرسمية والسياسية، بسبب رسائل قصيرة نشرتها على موقع تويتر في مارس/آذار 2013، وكان ذلك عقب وفاة والدها في سوريا، حيث كتبت موزة بعض التغريدات تنعى فيها والدها وكان عمرها آنذاك 15 سنة حسب تقرير منظمة العفو الدولية.، غير أنها في 30 مايو/أيار 2016 برّأت المحكمة الاتحادية العليا في الإمارات العربية المتحدة ساحة موزة العبدولي من تهمة إهانة الإمارات وقادتها ومؤسساتها في تغريدات نشرتها في 2013.
ولكن لم تنجُ أختها أمينة التي لُفقّت لها تهمة في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2016، حيث مثلت أمينة العبدولي وشقيقها مصعب العبدولي أمام دائرة أمن الدولة في المحكمة الاتحادية العليا بالإمارات لسماع الحكم في قضيتهما، وحُكم على أمينة العبدولي بالسجن خمس سنوات، وبغرامة قدرها 500 ألف درهم إماراتي، وكل هذا بتهمة إنشاء وإدارة حسابين على موقع “تويتر”، ونشر معلومات بغرض التحريض على كراهية الدولة والإخلال بالنظام العام، والاستهزاء والإضرار بسمعة مؤسسات الدولة، ونشر معلومات كاذبة عن المملكة العربية السعودية، وإبداء تعليقات مهينة عن مسؤول مصري، مما يعرض علاقات الدولة مع السعودية ومصر للخطر.
ولم تحصّن أوسمة الشرف التي نالها العبدولي الأب من قبل الحكومة الإماراتية والشيخ زايد آل نهيان، منها وسام الشرف لمشاركته في تحرير الكويت عام 1991، لم تحصّن بناته بعد موته من قبضة الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، ونظرا إلى عدم وجود جرم حقيقي ارتكبته كل من موزة وأمينة يستدعي اعتقالهما إلى جانب الرجال ثم اعتقال أخيهما بعدهما.
بنات السويدي – الإمارات
وفي دولة السعادة مرة ثانية تُعتقل النساء دفعة واحدة إرهابا لهنَّ وضغطًا على الرجال، هذه المرة ثلاث من الأخوات: أسماء، ومريم والدكتورة اليازية؛ بنات خليفة السويدي.. اعتُقلن دفعة واحدة إثر تنظيمهنَّ حملة سلمية على الإنترنت من أجل الإفراج عن أخيهنَّ الدكتور عيسى السويدي، وهو واحد من 69 شخصا أدينوا في محاكمة جماعية جائرة حسب وصف منظمة العفو الدولية في 2013، استهدفت بها مجموعة من 94 متهما من معارضي الحكومة والنشطاء الإصلاحيين، وعرفت باسم محاكمة “الإمارات 94″، وقد أدينوا بتهمة إنشاء منظمة تهدف إلى إسقاط الحكم.
ومما كان يثير قلق أهليهم وذويهم والناشطين الحقوقيين أثناء اعتقالهن أنّه قد بات معروفا أن السجناء المحتجزين في مكان احتجاز سري تحت سلطة “جهاز أمن الدولة في الإمارات” العربية المتحدة يظلون عرضة للخطر الشديد بشكل خاص للتعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، فضلا عن أن الاختفاء القسري في حد ذاته ينتهك الحظر المطلق المفروض على التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، وهذا ما دفع منظمة العفو الدولية إلى تنظيم الحملات منذ فبراير/شباط2015 من أجل الإفراج الفوري وغير المشروط عن الأخوات الثلاث.
علا القرضاوي – مصر
في الـ 30 من يونيو/حزيران الماضي وبينما يدفع المصريون عنهم شبح ذكرى المظاهرات التي كانت إرهاصات لانقلاب غيّر وجه البلاد ووجهتها، داهمت قوات الأمن المصرية في وقت متأخر من الليل سكن حسام خلف وزوجه علا القرضاوي، واعتقلتهما من دون تهم مبدئية واضحة، حيث أن علا القرضاوي متحدّرة من عائلة بينها وبين حكم العسكر الذي تسلّط على مصر تارات وثأر، ولم تكن علا إلا ضحية تصفية حسابات، وورقة ضغط تمارسها السلطة المصرية -حسب مراقبين- على والد علا رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي الذي أُدرج اسمه ضمن قائمة الإرهاب التي أعدّتها الدول المحاصرة لقطر آنذاك، وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبس خلف وزوجته 15 يوما على ذمة التحقيق، بتهمة الانضمام إلى جماعة الإخوان المحظورة وتمويلها.
ونظرا لانعدام الدلائل والحجج الواضحة لزج علا وزوجها بالسجن في ظل التوترات السياسية الحاصلة على صعيد المنطقة خليجيا ومصريا لم يكن من نيابة أمن الدولة العليا في مصر إلا تمديد اعتقال علا وزوجها لمواصلة التحقيقات في التهمة الموجّهة لهما، ثم ترحيل علا إلى سجن النساء بالقناطر (شمال القاهرة)، وإيداعها بحبس انفرادي، وترحيل زوجها لسجن شديد الحراسة.
وأثار الاعتقال الذي قامت به القوات المصرية غضبا جماهيريا، فانطلقت حملة بعنوان: “الحرية لعلا وحسام” لقيت تأييدا جماهيريا واسعا، وحظيت بانضمام شخصيات معارضة، وأصدرت الحملة بيانا تبيّن فيه ملابسات الاعتقال وتبدي استغرابها من ظهور قوة من الشرطة بهذه السرعة بزعم تطبيق القانون، بينما الجرائم المنظمة تفتك بالمجتمع وبالشارع المصري دون أن يهتم أحد، حسب ما جاء في البيان الذي أوضح أنه يستنكر الزج بالنساء والأقارب في صراعات سياسية لا علاقة لهم بها