“واشنطن بوست”: إعلان “ابن سلمان” حول الإصلاحات الدينية ليس إلا “تسويق تجاري” لنفسه لدى الغرب
شارك الموضوع:
شككت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، بوعود ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بإجراء إصلاحات فقهية واجتماعية معتبرة، من خلال الاستشهاد بخبراء، أن هذه الوعود مجرد تسويق تجاري للمملكة، التي يواجه اقتصادها أزمة غير مسبوقة مع هبوط أسعار النفط في العالم.
وتقول الصحيفة إنه عندما أعلن ولي العهد السعودي، الثلاثاء، أنه يريد إعادة المملكة إلى “الإسلام المعتدل”، لم يكن الجميع مقتنعاً، فمن جهة، أثار البيان الآمال بأن المملكة ستستجيب أخيرا إلى الأصوات التي تطالب منذ فترة طويلة بمزيد من الحريات والتسامح، لكن آخرين حذروا من أنه ليس من الواضح بالمرة، كيف سيبدو “الإسلام المعتدل” الذي تحدث عنه بن سلمان في السعودية، وما هي طبيعته، مؤكدة أن هناك من يرى أن هذا الإعلان مرتبط فقط بتعزيز اقتصاد المملكة، ولا علاقة له بأية إصلاحات اجتماعية أو مدنية.
وأشارت تصريحات بن سلمان الثلاثاء في المؤتمر الاقتصادي الدولي، أو في مقابلات، إلى أنه ملتزم بمكافحة التفسيرات المتطرفة للإسلام، وبالتركيز على الإصلاحات الاقتصادية، إذ قال في المؤتمر الذي حضره مستثمرون عالميون: “إن أعمار سبعين في المائة من السعوديين تقل عن 30 عاما. وبصراحة لن نخسر 30 عاماً من حياتنا في مكافحة الأفكار المتطرفة. سوف ندمرها الآن وعلى الفور”.
وأضاف: “إننا ببساطة نعود إلى ما اتبعناه، الإسلام المعتدل منفتحا على العالم وعلى كل الأديان”. لاحقا، وفي مقابلة مع صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، اتهم بن سلمان، وللمفارقة، إيران بالوقوف وراء تحول المملكة نحو الوهابية، التي تروج لها الرياض في الداخل والخارج على حد سواء.
وتستغرب الصحيفة من طرح بن سلمان، إذ إن الدولة السعودية ارتبطت ارتباطاً وثيقاً مع الوهابية. وكان محمد بن عبد الوهاب، الزعيم الديني الذي أسس هذا المذهب قبل 3 قرون، حليفا رئيسياً لمحمد بن سعود، الذي يعتبر اليوم مؤسس الدولة.
وتستطرد الصحيفة الأميركية: “مع بناء الدولة السعودية الحديثة في القرن العشرين، أصبح الإسلام دين الدولة، ودعمت السلطات مذهب الوهابية المحافظة. وتم الترويج لنفس هذه الأفكار على نطاق واسع في البلدان الإسلامية وفي جميع أنحاء العالم، بمساهمة وتمويل واسعين من الرياض”. ولهذا، فقد أثار هذا الرأي المفاجئ لبن سلمان حول ممارسات المملكة منذ فترة طويلة، شكوكا من منتقدي القيادة السعودية.
وقالت مضاوي الرشيد، باحثة وأستاذة الأنثروبولوجية الاجتماعية واللاهوت في كلية لندن للاقتصاد، في رسالة بالبريد الإلكتروني، إن السعودية ليست واحدة من البلدان التي تحول الإسلام المعتدل فيها إلى محافظ، ولكنها كانت استثناء. وبينت أن السعودية هي حالة فريدة تحول الدين الراديكالي فيها إلى الدين الرسمي للدولة وإلى سردية لشرعيتها، مشيرة إلى قمع السلطات لرجال الدين الذين حاولوا تقديم قراءة مختلفة للنص الديني، وعالجوا مواضيع على غرار تلاؤم الإسلام مع الديمقراطية.
وتساءلت رشيد عما إذا كانت الإصلاحات الدينية المعلنة ستنفذ حقا. وقالت إن الإعلانات موجهة بالتأكيد لجذب المستثمرين وتحسين سمعة المملكة التى كانت سيئة للغاية.
بدوره، قال سيباستيان سونس، باحث في المعهد الألماني للعلاقات الخارجية، الذي يركز على السعودية، إنه “من غير الواضح كيف سيبدو الإسلام المعتدل في السعودية، ولكن أعتقد أن ما يحاول محمد بن سلمان تحقيقه هو إرسال رسالة علاقات عامة بأنه حليف غربي في الحرب ضد الإرهاب”.
ومن المنتظر أن يشهد الاقتصاد السعودي ركوداً هذا العام، وفقا لصندوق النقد الدولي، بعد أن انخفضت أسعار النفط بأكثر من 50 في المائة، خاصة أن المملكة اعتمدت منذ فترة طويلة على ارتفاع أسعار النفط كمصدر رئيسي للدخل. ومع الهبوط الصادم وغير المتوقع، أجبرت القيادة السعودية على إجراء إصلاحات جذرية في مدى زمني قصير قبل نحو ثلاث سنوات.
وقد تكون الحاجة إلى الإصلاحات قد عكست فعلاً بعض مواقف القيادة السابقة على الأقل. وفاجأت المملكة العالم مؤخراً عندما أصدرت مرسوماً ملكياً منتظراً منذ فترة طويلة، للسماح للنساء بالحصول على رخص لقيادة السيارة. وتم تفسير هذه الخطوة وقتها بشكل واسع باعتبارها علامة على أن التحديثيين داخل الإدارة السعودية استطاعوا الصعود على حساب المتشددين.
لكن هذا لا يبدو واضحاً، وهو على أية حال “لا يعني أن السعودية سوف تتحول إلى مجتمع تعددي بالكامل، حيث يتعايش أبناء الديانات المختلفة بمساواة. لا توجد دلائل على أن قمع الشيعة سيتوقف أو أن الدولة ستنتهي من نظام الوصاية”، كما يوضح سونس مشيراً إلى تبعية المرأة للرجل في المملكة.
وهو ما تتفق معه رشيد، التي تقول إن “إصلاح الإسلام لا يعني ببساطة السماح للنساء بالقيادة أو بارتداء البيكيني”.