عودة القذافي.. قذاف الدم يستنفر كل قوى العشائر لتنصيبه رئيسا من شقة في القاهرة
شارك الموضوع:
لا يزال الدكتاتور الليبي الراحل مُعمَّر القذافي حيَّاً في منزلٍ فخم بالقرب من نهر النيل. فعلى أحد الجدران تُظهره صورةٌ باهتة كشابٍ مسترخٍ في خيمة، وفي صورةٍ أخرى، يرتدي الزي العسكري ويجلس في طائرة.
في هذا المكان، يجتمع كل أسبوع مجموعةٌ من الرجال الذين دعموه سابقاً لمناقشة مستقبل ليبيا ومصيرهم، ويرأس هذه الاجتماعات صاحب المنزل، ابن عم القذافي، وفقاً لما ورد في تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
قال أحمد قذاف الدم، بينما ينظر إلى إحدى الصور: “إنَّه يسكن قلوب الملايين”.
هؤلاء هم مؤيدوه
جعلت الإطاحة بالقذافي وموته قبل ست سنوات حظوظ قبيلته وحلفائه الذين ترعرعوا تحت رعايته لأكثر من أربعة عقود تنقلب تماماً، حسب واشنطن بوست.
فقد فرَّ عشرات الآلاف من الموالين له إلى المنفى عندما قُتِل، وفرَّ كثيرٌ منهم إلى مصر المجاورة. ويتوقون منذ ذلك الحين للعب دورٍ في تشكيل ليبيا الجديدة.
ونظراً لأن أبناء القذافي ما بين مطلوبٍ، أو منفيّ، أو مسجونٍ، أو ميت، ظهر قذاف الدم كمتحدثٍ رئيسي باسم العائلة والقبيلة. وهو يمثل آمال الليبيين الذين كانوا يتمتعون بحياة مميزة، وقلق آخرين ممن يخشون عودة أولئك الذين أيَّدوا الحكم الاستبدادي للقذافي.
كيف يخططون للعودة؟
ومع سيطرة انعدام الأمن والعنف على ليبيا، يستشعر قذاف الدم الآن مدخلاً جديداً إلى ليبيا. إذ يعمل قذاف الدم ومؤيدوه على تعزيز العلاقات مع القبائل المؤثرة والمنافسين السابقين الذين خاب أملهم من الجمود السياسي، سعياً لتقويض الحكومة الضعيفة المدعومة من الغرب.
وهم يرون في جهود الأمم المتحدة الجديدة لتحقيق السلام وإمكانية إجراء انتخابات محتملة العام القادم فرصةً لهم. ويمنحهم إطلاق سراح سيف الإسلام القذافي، أبرز أبناء القذافي، هذا الصيف أملاً، على الرغم من أنَّه لا يزال مختبِئاً.
وقال قذاف الدم، الذي يجمع بينه وبين ابن عمه تشابه لافت: “لن يكون هناك سلام بدوننا. نحن نمثل غالبية الليبيين. ونرغب بوضع الأمور في نصابها الصحيح وتصحيح أخطاء الماضي”.
ويُشير هذا “الماضي” إلى الثورة العنيفة، التي تُعَد أحد فصول انتفاضات الربيع العربي، والقمع اللاحق الذي شنَّه القذافي وتسبَّب في تدخُّل القوى الدولية وحلف شمال الأطلسي (الناتو) لشن ضرباتٍ جوية في عام 2011. وأدَّى ذلك إلى الإطاحة بالقذافي وقتله على أيدي مقاتلي الميليشيات في مدينة سرت، مسقط رأسه، في أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام.
وبحلول ذلك الوقت، كان قذاف الدم قد فرَّ من البلاد.
كان قذاف الدم عضواً رئيسياً في حاشية القذافي، وتلقَّى تعليمه في الأكاديميات والمدارس العسكرية في بريطانيا، وتركيا، وباكستان. وساهم في نقل أسلحة القذافي وأمواله وإدخالها ضمن حركة الكفاح المناهِضة لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وحركة الاستقلال في زيمبابوي.
وبعد ذلك، أصبح سفير ليبيا لدى القاهرة، وكان يعيش في شقةٍ بجزيرة الزمالك، ثُمَّ عاد إلى هناك مرةً أخرى بعد الانتفاضة الليبية.
وفي عام 2013، أصدرت السلطات الليبية في مرحلة ما بعد الثورة أمراً بالقبض عليه وطلبت تسليمه، إلى جانب مسؤولين آخرين في النظام السابق. وقد داهمت الشرطة المصرية شقته واشتبكت مع حراسه قبل احتجازه.
وعلى بعد خطوات من غرفة نومه، لا يزال يحتفظ ببابٍ أبيض مليء بثقوب الرصاصات كتذكِرة.
وقد برَّأته محكمةٌ مصرية بعدما دفع محاموه بحمله جواز سفرٍ مصري – إذ كانت أمه مصرية – وكذلك أشاروا الى انشقاقه عن النظام الليبي اعتراضاً على قتل المتظاهرين.
السيسي يحميه
وفي هذه الأيام، يُستبعَد إلقاء القبض على قذاف الدم؛ فهو مُقرَّبٌ من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتدرَّبا في نفس الأكاديمية العسكرية. وليبيا أكثر انقساماً بكثير عمَّا كانت.
يظهر الآن قذاف الدم، البالغ من العمر الآن 65 عاماً، كشابٍ ناضر ذي شعرٍ مُجعَّد داكن، ويُفضِّل البِزَّات المُفصَّلة وروابط العنق الزاهية. وشقته مفروشة بآرائك فخمة ذهبية اللون وكراسي خشبية مُزخرَفة. وتصطف على جدار مكتبه صورٌ له مع كبار الشخصيات النافذة وزعماء القبائل.
قال عبد الباسط أحمد أبو دية، الرئيس السابق لوكالة الأنباء الليبية، لوكالة فرانس برس إنَّ “الكثيرين لا يزالون يثقون به، لكنَّ آخرين يتهمونه بالتخلِّي عن النظام السابق بفراره. إنَّ لديه الكثير من النفوذ.. ويُمكن أن يساعد في إعادة تشكيل المشهد السياسي، لكنَّه لا يستطيع أن يفرض رؤيته حقاً كما كان يفعل في الماضي”.
كارثة
يُشير قذاف الدم إلى الثورة الليبية بوصفها “الكارثة”.
ويقول إنَّ الشباب الليبيين لديهم “الحق في الخروج والاحتجاج” على النظام، مُعترِفاً بـ”أنَّنا لم نكن ملائكة”، لكنَّه يصف أولئك الذين حملوا السلاح بالخونة.
وأضاف أنَّ الثورة كانت “ستفشل دون التدخُّل الأجنبي”، وأنَّ “مقاومة” الثمانية أشهر ضد الناتو “أثبتت أنَّ النظام كان يحظى بدعم الشعب. نحن النظام الحقيقي. لقد جاء مَن يحكمون الآن على ظهر الصواريخ التي ضربت ليبيا. والصواريخ لا تخلق شرعية”.
كثيراً ما يظهر قذاف الدم على شاشة التلفزيون في مصر برسالةٍ صريحة، مفادها أنَّه يجب استيعاب بقايا النظام القديم ضمن أي حلٍ سياسي أو وساطة من قِبل الأمم المتحدة أو الغرب. ودعا للإفراج عن آلاف من الموالين للقذافي المحتجزين في السجون الليبية. ودعا أيضاً للمصالحة مع الثوار الليبيين برغم معارضته لهم.
لكنَّ هذه الاقتراحات واجهت رفضاً من اللاعبين السياسيين والميليشيات المُسلَّحة جيداً والتي ظلَّت تعارض القذافي طويلاً.
وقال محمد أمعزب، المسؤول البارز في المجلس الرئاسي بطرابلس المدعوم من الأمم المتحدة، إنَّ العودة إلى الحياة السياسية ستكون “صعبة حقاً” بالنسبة لقذاف الدم وسيف الإسلام القذافي. ومن الناحية الأمنية، يكاد يكون ذلك مستحيلاً. رموز النظام السابق يرغبون في إعادة أيامهم، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه”.
وفي ظل حالة الاضطراب التي تعيشها ليبيا، قال قذاف الدم إنَّه أحرز تقدماً مع القبائل القوية، بما في ذلك بعض الذين عارضوا القذافي. فمنذ الثورة، همَّشت المجموعات المسلحة الكثير من القبائل.
وقال إبراهيم الغويل، وهو سفير سابق في عهد القذافي: “حين ترغب في تشكيل البلاد، تكون بحاجةٍ للنظر إلى القبائل. يجب أن يجري استيعابها. ويجب أن يسمعوا أصواتها. هذه هي ثقافتنا”.
وقال قذاف الدم: “لو كُنَّا لجأنا للقبائل ما كنا سنصل أبداً إلى هذه المرحلة”.
شقة بالقاهرة
وتجمَّع مؤخراً مجموعة من مؤيدي القذافي المؤثرين في غرفة معيشة تملأ الشمس جنباتها في شقة القاهرة. وأعلنت الأمم المتحدة عن استراتيجية جديدة لليبيا، تشمل استفتاءً على دستورٍ جديد وانتخابات رئاسية وبرلمانية في نهاية المطاف.
وقال غسان سلامة، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، إنَّ العملية السياسية الجديدة ستفتح الباب أمام “المنبوذين والمهمشين، وأولئك اللاعبون الذين مُنِعوا من الانضمام إلى العملية السياسية”. وكانت تلك أخباراً سارة للمجموعة.
وقال علي حسن أبو سيف، وهو قائد سابق في جيش القذافي: “لِمَ يجب أن يصيغ الثوار الدستور وحدهم؟”.
وعلَّق قذاف الدم قائلاً: “أعتقد أنَّ الأمم المتحدة والدول التي دمَّرت ليبيا ترغب في أن نكون جزءاً من الحوار، وأن نكون جزءاً من عملية استعادة السلام مرة أخرى في ليبيا. أعلم أنَّ هذه الحكومة تضطهدنا، لكنَّنا بحاجةٍ إلى الخروج من هذا الوضع المثير للشفقة”.
وفى نهاية الاجتماع، قرَّرت المجموعة إرسال ممثلين عنها للمساعدة في صياغة دستور والمشاركة في المؤتمر السياسي الوطني، واختاروا أيضاً أعضاء للمشاركة في مجلسٍ رئاسي.
وقال قذاف الدم: “لا يمكن أن نسمح لمعارضينا باختيار الأعضاء”، وأومأ الجميع برؤوسهم موافقين.
خليفة القذافي
واتفقوا جميعاً على أنَّ أفضل شخص لإدارة بلادهم هو سيف الإسلام القذافي.
وكان قد أُطلِق سراح سيف الإسلام في يونيو/حزيران 2017، بعدما احتجزته إحدى الميليشيات منذ عام 2011، وهو مطلوبٌ لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لارتكابه جرائم ضد الإنسانية. وحكمت عليه إحدى المحاكم في طرابلس بالإعدام. وقال سلامة لشبكة تليفزيون فرنسية إنَّ القذافي يمكن أن يترشح في الانتخابات المزمع إجراؤها في العام القادم 2018.
وفي مؤتمرٍ صحفي عُقد بتونس الشهر الماضي، أكتوبر/تشرين الأول 2017، قال محامي أسرة القذافي إنَّ سيف الإسلام يتمتع بصحة جيدة ويتابع التطورات في ليبيا عن كثب.
وقال خالد الزيدي: “إنَّه يشتغل بالعملية السياسة انطلاقاً من قاعدته في ليبيا مع القبائل، والمدن، وصُنَّاع القرار”.
واليوم، يُبقي مؤيدو سيف الإسلام مكان وجوده سراً لأسبابٍ أمنية، وذلك على الرغم من أنَّ بعضهم بشقة القاهرة قالوا إنَّهم على اتصال به. وقد أصروا على أن الليبيين سيقبلون قذافي آخر.
وأشاروا إلى أنَّ سيف الإسلام قبل انضمامه إلى والده في قمع التمرد، كان داعماً للحريات السياسية، وإصلاحات السوق الحر، وإتاحة الفرص للشباب الليبي.
قال نور إبراهيم، وهو محامٍ شاب: “إنَّه ليس كأبيه”.
وفي غرفة المعيشة، تُوجَد صورة للدكتاتور مُركَّبة فوق صورةٍ لعمر المختار، الزعيم الليبي الذي حارب المستعمرين الإيطاليين قبل أن يُعدموه في عام 1931. واليوم، يُنظَر إلى المختار باعتباره رمزاً للمقاومة في العالم العربي.
وتلك هي الصورة التي يعتقد قذاف الدم أنَّ العالم سينظر بها إلى ابن عمه يوماً ما.
وقال: “سيكون مثلاً أعلى لليبيين، والعرب، والمسلمين، والأفارقة. كل الليبيين نادمون الآن على غياب القذافي، ويتمنّون لو كان بمقدورهم العودة إلى أيامه”.
المصدر: ترجمة وتحرير هافنتغون بوست عربي
رئيسا على قطاع الطرق