أعلنت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” نتائج التحقيق الذي أجرته أجهزتها بعد عملية اغتيال القيادي في جناحها المُسلّح (كتائب القسام)، مهندس الطيران التونسي الجنسية محمد الزواري، خلال مؤتمر صحافي، اليوم الخميس، في العاصمة اللبنانية بيروت.
واتهم عضو المكتب السياسي في “حماس” محمد نزال، جهاز “الموساد” الإسرائيلي بالوقوف خلف العملية، واصفا إياها بـ”العملية الإرهابية التي انتهكت سيادة الدولة التونسية”.
وقال نزال إن “إسرائيل استغلت احترامنا لسيادة الدول التي نتواجد فيها لتنفيذ العملية”، وحذر “الدول التي تحاول التطبيع مع إسرائيل من المخاطر الأمنية والسياسية والاجتماعية للتطبيع على هذه الدول”.
ووضع عضو المكتب السياسي للحركة إعلان نتائج التحقيق في إطار “عزل إسرائيل ومنعها من التسلل إلى بلادنا ودولنا”.
وكشف عن دراسة الحركة للخيارات القانونية التي يُمكن اللجوء إليها لمقاضاة إسرائيل، وذلك بعد أن تم تسليم السلطات التونسية نسخة عن نتيجة التحقيق في إطار “احترام سيادة تونس وكافة الدول”.
وأشار نزال في المؤتمر الصحافي، إلى أنه “يجب ملاحقة الكيان الصهيوني ككيان إرهابي لا ينتمي إلى المنظومة الأخلاقية التي يزعم الانتماء إليها”، وكشف أن “الموساد قتل الزواري، بالتعاون مع جهات أخرى في الجانبين المعلوماتي والعملياتي لتنفيذ مراحل العملية الثلاث”.
وعرضت الحركة نتائج التحقيق عبر ملف من 8 صفحات يتضمن كافة تفاصيل العملية التي تم التحضير لها عبر غطاءين تجاري وإعلامي، للتحرك في تونس وللتقرّب من الزواري، قبل أن يصل فريق من الخارج لتنفيذ عملية القتل التي تمت في 15 ديسمبر/كانون الأول العام الماضي.
وبعد أقل من عام توصلت أجهزة “حماس” إلى كشف “مشاركة ضابطين من الموساد و14 شخصاً آخرين في العملية التي تمت الاستعانة لتنفيذها بجنسيات أوروبية مُتعددة لتمويه الهوية الحقيقية للمنفذين”.
ومن أصل 16 شخصا تم تحديد أدوارهم في العملية، لاحظت تحقيقات “حماس” اعتماد الموساد على تقنية “التجنيد المُغفل”. وهو ما يعني عدم معرفة بعض المشاركين في التخطيط للعملية بأنهم يعملون لصالح جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، بعد تقديم عملاء الموساد لأنفسهم على أنهم رجال أعمال ومُستثمرون.
“المسار الزمني معكوساً”
حاصرت سيارة “رينو ترافيك” ذات أبواب انزلاقية عريضة الزواري داخل سيارته على باب منزله في صفاقس مساء 15 ديسمبر/ كانون الأول، و”أطلق شخصان 13 رصاصة على الشهيد، أصابت 8 منها رأسه وقلبه، واستقرت 5 أخرى في الحائط خلفه وفي بدن السيارة”، بحسب التقرير.
وجاء ذلك بعد عملية استطلاع بدأت في يوليو/تموز 2015، عندما وصل أول المشاركين في العملية إلى تونس العاصمة وزار الزواري في “المدرسة الوطنية للمهندسين” (الجامعة التي كان الزواري يتابع دراسة الدكتوراه فيها)، وقدّم نفسه على أنه مجري الجنسية ويرغب في التعاون مع الجامعة لصناعة طائرات بدون طيار لمراقبة أنابيب النفط وتصويرها عن بعد “في إطار مشروع تابع للاتحاد الأوروبي”.
لكن محاولة التقرّب الأولى من الزواري فشلت بسبب “اشتباه الشهيد به، وإعلام الزواري للدكتور المشرف عليه ولعدد من زملائه بشكه”. استغل العميل الإسرائيلي زياراته إلى الجامعة “وصوّر المختبرات التي كان الشهيد يعمل فيها، وسرق معلومات إلكترونية من كومبيوتر لأحد الطلاب الذين يساعدون الزواري في إتمام شهادة الدكتوراه”.
بالتزامن، نشر جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” إعلانا وهمياً لتوظيف صحافية للعمل مع شخص ادّعى أن اسمه يوهان، وأنه سويسري الجنسية. وبالفعل تقدمت صحافية رمز إليها التقرير بـ”م. ح”، والتقت بيوهان في مدينة فيينا واتفق معها على العمل لإنتاج أفلام وثائقية عن الطيران والطب والتعليم القيادي في 6 دول، بينها تونس، لصالح قناة ماليزية.
سمّى يوهان يومها المهندس الزواري بالاسم وطلب من الصحافية التركيز عليه، بسبب تميزه في مجال صناعة الطائرات الصغيرة.
انطلقت بعدها “م. ح” لتنفيذ المهام الصحافية المطلوبة منها دون معرفتها بأنها أصبحت جزءاً من فريق الاستطلاع لاغتيال الزواري.
وصورّت بالتعاون مع فريق عمل مكون من أقاربها ومعارفها فعالية عن الطيران شارك فيها الزواري في ولاية زوغان في سبتمبر/أيلول، أي قبل 3 أشهر من اغتياله. وقبل الاغتيال بشهرين طلبت الصحافية من المهندس المشاركة في الوثائقيات المزعومة من خلال مقابلة مصورة، فاعتذر منها.
ولم يوضح تقرير “حماس” أسباب اعتذار المهندس الزواري عن ذلك. وفق ما نشر موقع العربي الجديد.
كما راقب أشخاص آخرون منزل الزواري في صفاقس وادّعى بعضهم بأنهم من “شركة المياه” عندما سألهم سكان الحي عن سبب تواجدهم في المنطقة بشكل مُتكرر. وبحسب التقرير “فقد تم تتبع زوجة المهندس الشهيد مرة واحدة على الأقل خلال عملية رصد المنزل”.
وعلى طريقة “التجنيد المُغفل” أيضاً، استعان “الموساد” بخدمات شخصين لاستئجار شقق في تونس العاصمة وفي صفاقس مع سيارات (بداية طلب الموساد استئجار سيارات بلوحات خصوصية وليس سياحية، وعندما تعذر الأمر طلب ضابط الموساد شراء سيارتين ثم تم بيعهما بعد تردد الشخصين في تنفيذ الطلبات اللاحقة نتيجة ارتيابهما) وهواتف خلوية لصالح شركة سويسرية وهمية.
وتمت هذه العملية عبر شخصين من الموساد عرفا عن نفسيهما باسم “فتحي ميدو” و”يوهان”، الذي زعم أنه هولندي الجنسية. وبعد استئجار الشقق وتأمين السيارات طلب “ميدو” من المجموعتين تنظيف الشقق وتجهيزها بطعام يكفي لثلاثة أشخاص.
كما أمرا الشخصين بركن السيارات قرب منزل الزواري في تونس، وهو الطلب الذي دفع الشخصين التونسيين للتشكيك بالأهداف الحقيقية لـ”ميدو” و”يوهان”، اللذين قطعا التواصل مع التونسيين وغيرا أرقام هاتفيهما.
وفي الوقت نفسه تابعت الصحافية مهامها المطلوبة واستأجرت سيارتين إضافيتين وجالت على عدد من المقاهي والمطاعم القريبة من منزل المهندس “لأن رجل الأعمال سيستضيف عددا من الزوار فيها في إطار العمل على الوثائقيات”.
وبعد استكمال التحضيرات اللوجستية، وصل المنفذان إلى تونس جوا مستخدمين جوازي سفر بوسنيين، وجلسا في مقهى قريب من منزل الزواري، قبيل التنفيذ.
وبعد نجاح العملية، غادر المنفذان تونس بشكل مُتفرق، وبرز في نهاية العملية وصول بحارين بجنسيتين أوروبيتين إلى ميناء صفاقس وزارا المقهى نفسه الذي ارتاده قاتلو الزواري.
وبعد أن شك بهما عنصر شرطة محلي، تم توقيف البحارين بسبب ابتعادهما عن منطقة الميناء دون مسوغ قبل أن يُفرج عنهما بسبب “ضغوطات من بلديهما”، بحسب تقرير “حماس”.
“السيرة الذاتية العسكرية”
انضم الزواري إلى “كتائب القسام” عام 2006 في بداية تطوير الكتائب للطائرات المُسيّرة. وشكّل انضمامه لصفوف “القسام” نقلة نوعية في تطوير نواة القوة الجوية التابعة لها.
وقبيل اغتياله كان المهندس التونسي قد بدأ أبحاثه لصناعة غواصة مُسيّرة عن بعد كجزء من ترسانة القوة البحرية الخاصة بـ”القسام”، وذلك من مهامه على رأس “وحدة المشاريع” التابعة لـ”قسم التصنيع” في الكتائب. وزار الزواري قطاع غزة 3 مرات للإشراف بشكل مباشر على عمل وحدات التصنيع.