أثارت المذبحة غير المسبوقة التي تعرض لها المصلون بمسجد صوفي في سيناء المخاوف في مصر من محاولة نقل العنف الطائفي بين الشيعة والسنة الأكثر شيوعاً في العراق إلى بلدهم ذي الغالبية السنية، كما تثير المذبحة تساؤلات حول فاعلية الحملة العسكرية التي يقوم بها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي للتصدي لتنظيم داعش.
تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية حاول معرفة أسباب هذا التطور الخطير في عمليات التنظيم وتقصي أهدافه من هذه العملية الإرهابية التي تعتبر الأكثر دموية في تاريخ البلاد .
وأشار التقرير إلى أن المهاجمين أطلقوا النار بعد وقت قصير من بدء الخطبة في أثناء صلاة الجمعة في مسجد الروضة المكتظ في شمال سيناء.
ولَم يستنكف المسلحون عن إطلاق النار على المصلين المذعورين الذين سارعوا نحو المخارج التي أغلقها المسلحون، وهم يحملون علم داعش ويستخدمون أسلحة آلية وقنابل صاروخية.
وقال مجدي رزق، الناجي الجريح الذي تحدث من سرير المستشفى في مقابلة تليفزيونية: “بمجرد أن بدأ إطلاق النار هرب المصلون واصطدموا بعضهم ببعض. رأيت رجالاً ملثمين يرتدون أزياء عسكرية”.
وحين غادرت الجماعة المسلحة المكونة من 25 إلى 30 رجلاً المسجد، بعد نحو 20 دقيقة، كان أكثر من 300 شخص قد قتلوا في أعنف هجوم شنه جهاديون على المصريين في تاريخ البلاد الحديث.
ضغوط على السيسي
تقول الصحيفة البريطانية: يضيف هذا التصعيد ضغوطاً على نظام عبد الفتاح السيسي، الجنرال السابق الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي في انقلاب عام 2013، والذي تعهد مراراً بسحق الجهاديين.
وبينما تسعى حكومته لجذب المستثمرين وإعادة السياح الذين أخافتهم الهجمات السابقة، من المرجح أن يشير حجم العنف إلى احتمال زيادة عدم الاستقرار مما يجعل مهمة السلطات أكثر صعوبة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المذبحة التي لم يسبق لها مثيل في أحد المساجد ضد المسلمين السنة هي تطور مثير للقلق للجهاديين الذين يبدو أنهم وسعوا قائمة الأهداف التي يعتبرونها مشروعة.
وقبل ذلك قتل داعش في سيناء أكثر من ألف جندي وشرطي. واغتال مدنيين يشتبه في كونهم مخبرين، كما شنت خلاياه في البلاد تفجيرات ضد الكنائس، مما أسفر عن مقتل العشرات من المسيحيين الأقباط في العام الماضي 2016.
سنة وشيعة
ولكن الهجوم الأخير يثير لدى المصريين ذكرى إراقة الدماء الطائفية بين الشيعة والسنة المسلمين الأكثر شيوعاً في العراق منها في بلدهم السني.
وأشار محللون إلى أن مسجد الروضة يتردد عليه الصوفيون الذين ينتمون إلى حركة صوفية، وينظر إليهم المتشددون على أنهم يمارسون أعمالاً مخالفة للدين الإسلامي.
وقبل عام، قتل داعش اثنين من كبار الشيوخ الصوفيين في سيناء، وأصدر تهديدات ضد الحركات الصوفية قائلاً إنه لن يتسامح مع وجودهم.
وينتمي الملايين من المصريين إلى الحركات صوفية، حسب تقرير صحيفة فايننشال تايمز.
بديل للعراق وسوريا
وقال جانتزن غارنيت، محلل الشرق الأوسط في مجموعة نافانتي، إن الهجمات الطائفية التي قام بها داعش ضد الصوفيين والأقباط قد ازدادت خلال العام الماضي 2016، مع تقلص مساحة المناطق التي يحتلها داعش في سوريا والعراق تحت ضغط القوات المدعومة من التحالف الدولي.
وقال إن الهجوم الأخير قد يعطي إشارة إلى المجتمع الجهادي الدولي بأن سيناء ومصر جبهات نشطة لمواصلة جهاده فيها، بينما تتلاشى الجبهات في سوريا والعراق.
التنافس مع القاعدة
ويشير البعض أيضاً إلى التنافس بين داعش والقاعدة على النفوذ وتجنيد الشباب، بينما تلحق الهزيمة بداعش في سوريا والعراق.
وقال أحمد كامل البحيري، المحلل المختص في شؤون الجماعات الإسلامية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن جماعة جند الإسلام، وهي مجموعة مرتبطة بالقاعدة في سيناء، دعت مؤخراً مسلحي داعش إلى الانسحاب من تلك الجماعة التي وصفتها بأنها “مرتدة”.
وأضاف “هناك رسالة في الهجوم إلى الجماعات المتنافسة والمنتمين لداعش الذين يفكرون في تغيير ولائهم، تشير إلى أنهم لا يزالون قادرين على القيام بعمليات كبيرة”.
تأكيد الاستمرار
هناك أيضاً رسالة مماثلة إلى المجتمع الدولي تقول لهم “نحن لا نزال هنا”. وقال البحيري إن داعش يعرف أن العديد من المصلين غير الصوفيين كانوا على الأغلب في المسجد، الذي يصلي فيه رجال من كل الأطياف، نظراً لحجمه الكبير وموقعه على الطريق السريع الرئيسي عبر شمال سيناء.
ويرى أن اختيار مسجد صوفي قد يساعد داعش على تبرير فعلته، ولكن الهدف الحقيقي هو التأكيد على استمرار وجودهم في سيناء وعلى الساحة الجهادية.
فشل
ولكن في حين أن الجماعة التي تقاتل النظام في شمال سيناء تثبت مرونتها، يشير المراقبون أيضاً إلى أنها فشلت في تحقيق نجاحات كبيرة خارج منطقة عملياتها الرئيسية في الركن الشمالي الشرقي من شبه الجزيرة. وقال مايكل وحيد حنا، المحلل في مؤسسة القرن في نيويورك، إن هجمات الجماعة “لم تهدد نسيج المجتمع المصري أو قدرة النظام على الحفاظ على نفسه”.
غير أن المنطقة لا تزال مسرحاً للهجمات المتكررة ضد الشرطة والجيش. وبينما وعد السيسي باستخدام “القوة الغاشمة” ضد الجهاديين، إلا أن الجيش يحاربهم هناك منذ عام 2014.
كما أنه لا يُعرف سوى القليل عن طبيعة المعركة التي تديرها السلطات في سيناء لأن المنطقة محظورة على الصحفيين ويتم التحكم في المعلومات بإحكام.
كيف تساعدهم سياسات السيسي؟
وقال حنا إنه لم تكن هناك “رؤية واضحة” للحملة العسكرية للحكومة في سيناء حتى بالنسبة لشركائها في حكومة الولايات المتحدة.
وأضاف “هناك قلق في الولايات المتحدة من طبيعة حملة مكافحة هذا التمرد وعما إذا كانت مفرطة في الاتساع والعنف والعشوائية لأن هذا النوع من الحملات غالباً ما تكون له آثار ضارة”.
المصدر: ترجمة وتحرير هافنتغون بوست عربي