كتب: شمس الدين النقاز (وطن – خاص) لم يتأخّر الرد كثيرا، فأقلّ من أسبوع كان كافيا لتوجّه المملكة العربية السعودية رسالة مضمونة الوصول للعاهل الأردني الملك عبد الله، تتحدّاه فيها وتعاقبه بسبب مشاركته في القمة الإسلامية الطارئة التي احتضنتها مدينة إسطنبول التركية قبل أيام.
العقاب السعودي “الأليم” للأردن، لم يتمثّل في قطع المعونات المالية عن الأردن بعد تقليصها خلال السنوات الماضية، بل تخطّى ذلك ووصل حدّ القبض على الملياردير الفلسطيني صبيح المصري، الذي كان آخر ضحايا “لعنة الجنسية السعودية”.
رجل الأعمال صبيح المصري، الذي يرأس مجلس إدارة البنك العربي أحد أكبر البنوك الأردنية، تمّ اعتقاله قبل أيام فور وصوله إلى السعودية قادما من عمّان، في واحدة من المغامرات الجديدة التي لم تكد تنتهي لولي العهد السعودي الشاب، محمد بن سلمان.
اعتقال صبيح المصري، لم يكن رسالة مضمونة الوصول للعاهل الأردني فقط، بل كان طعنة أخرى في جبين الشعب الفلسطيني الذي لم يستطع الاستفاقة من صدمة إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي بضوء أخضر مصري-سعودي، فالمصري هو أكبر مستثمر في الأراضي الفلسطينية حيث يملك حصة كبيرة في شركة الاتصالات الفلسطينية بالتل وهي أكبر شركات القطاع الخاص في الضفة الغربية.
يبدو أن الأمور بدأت تتّضح بعض الشيء لكلّ من كان يشكّك في عمالة القيادتين المصرية والسعودية للاحتلال الإسرائيلي بهدف تحقيق مكاسب شخصيّة، فبتقديم القدس لقمة صائغة لبنيامين نتنياهو، اكتشف المسلمون في العالم بأسره أن “خُدّام” الحرمين الشريفين ومن لفّ لفّهم من آكلي الرز الخليجي، ليسوا أكثر من سماسرة يبيعون ما لا يملكون، ويُبرمون الصفقات القذرة نيابة عن أكثر من مليار ونصف المليار مسلم صُدموا بقرار ترمب التاريخي.
لقد كان اعتقال صبيح المصري ضربة موجعة للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي شارك بنفسه في القمة الإسلامية الطارئة، فرجل الأعمال الفلسطيني المعتقل، يُعدّ أحد أعمدة الاقتصاد الأردني ناهيك عن صداقته الشخصيّة التي تجمعه بالملك، وفي اعتقاله بدون جرم يذكر، تحدّ للعاهل الأردني الذي رفض الطلب السعودي بعدم الذهاب إلى إسطنبول.
الأنباء الأولية الواردة من السعودية تقول إنه تم الإفراج عن المصري، ولا أحد يعرف مدى صحّة ذلك، لكن المؤكد أن العلاقة القويّة بين الأردن والمملكة لن تعود إلى سالف عهدها مادام ولي العهد السعودي محمّد بن سلمان وشلّة المراهقين يقودون السياسة الخارجية نحو عزل السعودية عن محيطها العربي والاتجاه بها رويدا رويدا نحو التّصهيُن العلني.
من المؤسف أنه كتب علينا العيش في زمن الخسّة والنذالة والعمالة ورخص دم المسلم دون غيره، ومن المؤلم جدّا أن نرى بلاد الحرمين أسيرة ومحكومة من طرف ثلّة من المتصهينين المتحاربين فيما بينهم أيّهم أكثر عمالة للأمريكان والصهاينة، كما أنه من المضحك أن نرى مصر الكنانة والتاريخ المجيد، تتخلّى عن دورها القيادي وتصبح الفتى المدلّل لبنيامين نتنياهو الذي رضي عنها وعن السعوديّة بعدما رفضا المشاركة في القمّة الإسلامية الطارئة بإسطنبول.
الأوضاع في المنطقة جدّا مشتعلة، وفي الداخل السعودي ملتهبة، ولا أحد يعلم إلى أين تتّجه الأمور في وقت نشتمُّ فيه رائحة مزيد من الدماء البريئة التي سيسفكها حلفاء أمريكا بهدف الحفاظ على ملكهم حتّى وإن كلّفهم ذلك قتل ثلث الشعب المسكين، كما قال أحدهم.