“وطن – خاص”- كتب: شمس الدين النقاز- على عكس غيره، اختار أحمد منصور الناشط الحقوقي الإماراتي المعروف بدفاعه المستميت عن حقوق الإنسان، مواجهة الظلم والطغيان من داخل بلاده غير آبه بالأذى الذي سيلحقه به النظام الإماراتي المعروف بإحكام قبضته الأمنية على دولة يُمنع فيها التحدّث عن انتهاك الحقوق والحريات داخليا وخارجيا.
ففي الساعات الأولى من صباح 20 مارس/آذار 2017 اعتقلت السلطات الإماراتية أحمد منصور، الناشط الحقوقي الذي لم يبخل على نصرة المضطهدين في بلاده بمختلف انتماءاتهم إسلاميين كانوا أم ليبراليين، بعد أن فشلت في إسكاته بالترغيب والترهيب، متهمة إياه بارتكاب جرائم ليست إلا بمقياس واحد من أكثر الأنظمة الشمولية ودكتاتورية في العالم بأسره.
ودأب أحمد منصور، وهو مهندس كهربائي وشاعر، على الدعوة لإعلاء حرية التعبير والحقوق السياسية والمدنية في دولة الإمارات منذ عام 2006، وواجه في سعيه هذا حملات تضييق وتخويف وصلت حد الاعتداء عليه بالعنف.
فضيحة وضجّة عالميّة
وبعد الضجة والفضيحة العالمية التي أحدثها اعتقاله، ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية “وام”، أن السلطات احتجزت منصور للاشتباه في استخدامه مواقع التواصل الاجتماعي في نشر “معلومات مغلوطة” و”أخبار كاذبة” من أجل “إثارة الفتنة الطائفية والكراهية” و”الإضرار بسمعة الدولة”.
على إثر ذلك، ذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” نقلا عن مصدر قريب من الأحداث أن حوالي منتصف ليلة 20 مارس/آذار ذهبت مجموعة من نحو 10 عناصر شرطة في ثياب رسمية إلى بيت منصور بمدينة عجمان ونفذت عملية تفتيش موسعة بحثا عن أجهزة إلكترونية، وحوالي 3 صباحا أخذ عناصر الشرطة منصور معهم، بالإضافة إلى هواتف الأسرة الخلوية وأجهزة اللابتوب، ومنها تلك الخاصة بأطفال منصور.
ونقلت السلطات منصور إلى سجن السدر، حيث يقبع في حبس انفرادي دون أن يتمكن من التواصل مع محام للدفاع عنه.
وفي السياق، قال جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش”: “يظهر بوضوح أن الاتهامات المنسوبة إلى أحمد منصور مخالفة لحقه في حرية التعبير، وإذا كانت الإمارات قلقة على سمعتها فعليها الإفراج عنه فورا. اعتقال حقوقي بارز بهذه الاتهامات هو مثال آخر على انعدام التسامح مع المعارضة السلمية في الإمارات”.
ويشغل الناشط الحقوقي أحمد منصور منصب عضو اللجنة الاستشارية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش”.
قانون جائر للجرائم الإلكترونية
ووفق المنظمة الحقوقية المستقلّة، فإن الاتهامات المنسوبة إلى “منصور” ستكون مرجعيتها مخالفة مرسوم جرائم تقنية المعلومات الإماراتي لعام 2012، الذي ينص على أحكام بالسجن لفترات مطولة وغرامات مالية باهظة على من ينتقدون حُكام البلاد.
وكانت الإمارات العربية المتحدة قد أصدرت أول قانون للجرائم الإلكترونية في عام 2012، مستخدمة وسائل الأمن السيبراني لمراقبة الأفراد عبر الانترنت واعتقالهم بشكل تعسفي، أو إخفاؤهم قسريا بسبب نشاطهم وتعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي .
ووفق مركز الإمارات للدراسات والإعلام، فقد تم اعتقال 300 شخص بسبب كتاباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي خلال عام 2016 وحده، أبرزهم أحمد منصور والصحفي الأردني تيسير النجار والأكاديمي الإماراتي البارز الدكتور ناصر بن غيث، بسبب تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي .
وفي الأيام السابقة على احتجازه، نشر منصور عدة روابط تغطي جملة من القضايا على حسابه على “تويتر”، من بينها مقالات تنتقد عدم إفراج الإمارات عن أسامة النجار، الإماراتي الذي يقضي عقوبة سجن 3 سنوات بسبب اتهامات منها “التواصل مع منظمات أجنبية لتقديم معلومات مضللة”، ومقالات تنتقد استعمال التحالف بقيادة السعودية للقوة في اليمن، وتتناول أثر ذلك على الشعب اليمني، ومقال يتهكم على الحكومة المصرية.
بدورها انتقدت منظمة العفو الدولية احتجاز منصور الذي وصفته المديرة الإقليمية للأبحاث في المنظمة، لين معلوف، بـ”المدافع الشجاع والبارز عن حقوق الإنسان”، مضيفة “نعتقد أن أحمد منصور احتجز للتعبير السلمي عن معتقداته التي يمليها عليه ضميره”.
لا أسس شرعية لاعتقاله
وقال خبراء من عدد من مجموعات العمل الأممية التي تعنى بالاعتقالات التعسفية والاختفاءات القسرية إضافة إلى عدد من كبار الخبراء والمدافعين عن حقوق الإنسان وحرية التعبير والتجمع السلمي والانتماء، إنه لا توجد أية أسس شرعية لاعتقاله.
وجاء في بيان مشترك بتاريخ 28 مارس 2017 “نحن نعتبر اعتقال واحتجاز منصور هجوماً مباشراً على العمل المشروع للمدافعين عن حقوق الإنسان في الإمارات العربية المتحدة”.
وحذروا من أن اعتقاله في 20 آذار/مارس، واحتجازه في مكان مجهول منذ ذلك الوقت “يعرضه لخطر شديد من سوء المعاملة والتعذيب” و”قد يشكل عملاً انتقامياً” بسبب عمله مع جماعات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ولتصريحاته على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، ولأنه عضو ومؤيد ناشط لمنظمات حقوقية من بينها “هيومن رايتس ووتش”.
وقالوا إن “عدم صدور مذكرة اعتقال من أية جهة قضائية لاعتقاله واحتجازه يُشكّل انتهاكاً للمبادئ الأساسية للعملية القضائية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان”.
ودعا الخبراء السلطات الإماراتية إلى وقف جميع عمليات “مضايقة وتهديد المدافعين عن حقوق الإنسان” واحترام حق حرية التعبير بما في ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي 8 فبراير الجاري، دعا المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان ومقرّه بجنيف، المقرر الأممي الخاص المعني بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان والمقرر الأممي الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية التعبير والرأي بالتدخل لدى سلطات دولة الإمارات من أجل الإفراج الفوري عن الناشط الحقوقي أحمد منصور من أجل ردّ الاعتبار له والكف عن انتهاك حقوقه.
كما طالب المركز سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة بالتعجيل بالإفراج دون أي قيد أو شرط عن منصور والكفّ عن انتهاك حقوقه وضمان حقوقه في الاتصال بمحاميه وفي الزيارة العائلية إضافة إلى فتح تحقيق نزيه ومستقل حول ما تعرّض له الناشط الحقوقي أحمد منصور من مداهمة لمسكنه فجرا وتفتيشه وحجز الحواسيب والهواتف النقالة دون إذن قضائي ومحاسبة المنتهكين منعا لإفلاتهم من العقاب وتخويله الحق في الانتصاف وجبر مضرته.
عائلته ممنوعة من زيارته
وفي شهر آب/أغسطس الماضي، أطلق موقع” نمضي.نت” عريضة دعا فيها السلطات الإماراتية السماح لوالدة الناشط حقوقي أحمد منصور وعائلته بزيارته في سجنه في عيد الأضحى.
وطالب الموقعون على العريضة السلطات في الإمارات بالسماح لوالدة وزوجة وأطفال الناشط أحمد منصور بزيارته بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك؛ وضمان السماح له فوراً بالاتصال المنتظم بمحام من اختياره، وتلقي العناية الطبية التي يمكن أن يكون بحاجة إليها، بما في ذلك نقل مكان احتجازه إلى موقع أقرب من مكان إقامته، كما طالبوا السلطات المختصة بالإفراج عن أحمد منصور فوراً ودون قيد أو شرط، لكونه سجين رأي تم اعتقاله بسبب عمله من أجل حقوق الإنسان.
وضايقت السلطات الإماراتية منصور على مدار 6 سنوات، بعد احتجازه في أبريل/نيسان 2011، بسبب مطالباته السلمية بالإصلاح.
وقبل توقيفه، كان منصور من بين 133 موقعا على التماس بإجراء انتخابات عامة ومباشرة في الإمارات وبأن يُتاح للمجلس الوطني الاتحادي – وهو هيئة استشارية للحكومة – سلطات تشريعية، كما أدار منصور منتدى “الحوار الإماراتي” على الإنترنت الذي كان ينتقد السياسات الإماراتية وقادة الإمارات.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2011 حكمت عليه المحكمة الاتحادية في أبو ظبي بالسجن 3 سنوات بتهمة إهانة كبار مسؤولي الدولة في محاكمة اعتُبرت غير عادلة، إذ شابتها ثغرات قانونية وإجرائية، كما اتهمت السلطات منصور باستعمال الحوار الإماراتي في “التآمر على سلامة وأمن الدولة” وتحريض الغير على مخالفة القانون والدعوة لمقاطعة انتخابية ومظاهرات معارضة للحكومة.
ورغم أن رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان عفا عن منصور في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، إلا أن السلطات لم تعد إليه جواز سفره قط، وأخضعته لمنع سفر فعلي، كما تعرض لاعتداءات بدنية وتلقى تهديدات بالقتل، وخضع للمراقبة الحكومية وللاستهداف ببرمجيات خبيثة متطورة.
محاولة اختراق فاشلة
وفي أغسطس/آب 2016 أفادت منظمة “سيتزن لاب” ومقرها تورنتو بأن منصور تلقى رسالة نصية مشبوهة على هاتفه الآيفون جاء فيها “أسرار جديدة عن تعذيب إماراتيين في سجون الدولة” مع رابط يدعوه للنقر عليه.
واكتشفت مجموعة “سيتزن لاب” أن الضغط على الرابط يؤدي إلى تنصيب برمجية خبيثة متطورة من إنتاج شركة برمجيات تجسس خبيثة إسرائيلية تسمح للغير بالسيطرة على الهاتف عن بُعد وعلى كاميرا الهاتف، وبمراقبة تطبيقات التراسل عليه، وبتعقب تحركاته.
وأصدرت شركة “آبل” حينها تحديثاً جديداً لنظام تشغيلها حمل الرقم 9.3.5 والذي يأتي لتصحيح وعلاج ثغرات أمنية خطيرة في أجهزة “أيفون” و”آيباد”، بعدما اكتشف باحثون التعرض لهاتف معارض إماراتي.
يذكر أن الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور توّج في العام 2015 بجائزة “مارتين إينالز” السويسرية المرموقة والتي تمنح للمدافعين عن حقوق الإنسان لكن لم تسمح له السلطات بالسفر إلى جنيف لاستلام جائزته.
وتحمل الجائزة اسم الأمين العام السابق لمنظمة العفو الدولية، وهي جائزة تعطى لأشخاص “يبرهنون التزاماً كبيراً ويواجهون مخاطر شخصية جدية”.