لقد انتقل قاده وساسه الوطن من المنافسة على الفوز بقلوب الجماهير، إلى المنافسة على الفوز بقلوب المناصب والغنائم الحكومية، بعد أن أصبح الفوز بهما أقرب الطرق إلى الظفر بالغنيمة.
في فلسطين أصواتً لا تزال تعيش في قفص الماضي، وكأن شيئاً لم يتغيّر من حولها، ومنطلقاتها الوحيدة حساباتها الشخصية والفئوية الضيقة، وباتت التشنجات السياسية وما يصحبها من توترات مقيتة تعكس نفسها في الشارع وبين الكل الفلسطيني، إضافة إلى انعكاساتها السلبية على الاقتصاد والتنمية والنماء الوطني، بما يؤدي إلى المزيد من التعطيل في كافة الوزارات والمؤسسات وفي كل القطاعات الخدماتية والاقتصادية الضرورية لخدمة مصالح الجماهير، وأضاعوا عمدا السبيل لتحصين الوضع الداخلي بالتحاور الهادئ والعقلاني لمنع أي انعكاسات سلبية على الساحة الداخلية.
هذا هو مشهد القيادات السياسية في فلسطين، والذي هم سائرين في تنفيذ فصوله فصلا بعد فصل، دون الاكتراث لعاملين مهمين هما ضابطي العملية السياسية، الجماهير ورغباتها، والوقت واستحقاقاته، فالواقع السياسي يطبعه الكثير من الفوضى، فوضى التنظيم وفوضى الأداء، وفوضى الأفكار والمواقف، والذي من نتائجه الحتمية إرباك الجماهير والتشويش عليهم وفقدهم الثقة في المستقبل، فكثير مما نراه من الكلام (التصريحات ) هو لعب بالنار حقيقة، السياسية في مفهومها العلمي والفلسفي والتقني، هي رؤية وسلوك هي معايير وقيم، ومن ثم هي موقف للحياة بالبناء، ومنها بالنقد البناء وبالكد والأرق وبناء الوعي والممارسة، أما أن تكون بذلك القدر الذي نشاهده أحيانا من العبثية فيجب أن يكون مرفوضا، وفي مثل هذه الأجواء المسمومة يغيب سلوك الاتزان والعقل, كما أن الحكمة والمسئولية تكون في إجازة قسرية أمام الاستفراد والاحتكار والإقصاء والفوضى، فما الذي سيضر لو فتحنا صدورنا واستمعنا بإصغاء للعقلاء وغلبنا صوت الحق والمنطق والخير؟ وإذا لم تصدق النوايا فلن تصدق الأقوال ولن تصدق الأعمال، فهما دليل صدق النوايا, ومسألة الحوار هي نية وأهمية، قبل أن تكون قضية إعلامية يجري تسويقها للرأي العام في الداخل والخارج كان الأمل ومازال يحدونا بأن تتحرك عربة الحوار دون أن يعترض طريقها شيء من المطبات السياسية وفي حقيقة الأمر كنت أتوقع- ومثلي الكثير – بأن شيئاً ما قد يحدث لتعكير صفو العملية لأسباب عديدة يأتي غياب النوايا الحسنة في المقدمة خلف غيابها سوف تجتمع كل الأسباب الأخرى وفي لحظة سوف نكتشف أن المسئولية الوطنية قد أصابها شيء من مرض الغياب والضعف، ولأن الجماهير الفلسطينية تمتلك وعيا سياسيا متقدما، فإنهم على بينة من أن حاضرهم سيقود إلى أن يكون مستقبلهم مثل ماضيهم القريب، مشبع بالآلام مترع بالآمال المحبطة.
فالراشدون من الرجال في هذا الوطن، قلبوا السياسية إلى لعبة أطفال، فأصبح حال الساحة السياسية لا يسر أحدا، يطبعه الانقسام والتشرذم والارتجالية، وعدم الاتفاق في الحدود الدنيا على تعريف واضح للمصلحة الوطنية، والتواضع على قواعد لعبة سياسية معترف بها، تترفع عن المصالح والإغراءات الضيقة والميول الخاصة، إلى مدى أوسع من العمل لمصلحة الجميع والمعول عليه هو أن يصل أطراف عمليتنا السياسية إلى بلورة رؤية ، تعتمد على مخزوننا الروحي والاجتماعي والإنساني والمادي.
إن الجماهير تطلع وبكل ثقة إلى قادتها وساستها، أن يتعاونوا ويضعوا خطة طريق واضحة المعالم، خالية من الصفقات السياسية، التي تجري في الغرف المؤصدة، تاركين خلافاتهم السياسية جانباً، حاملين راية التنمية والازدهار والبناء مع كل ما يجري، نعم هذا ما يتمناه الوطنيون، الذين يريدون الخير لوطنهم فلسطين.