حتى الآن نجحت مسيرة العودة في أن تكون طليعة المشوار المقاوم لاغتصاب فلسطين، وفرضت مشاهد جديدة على معادلة الصراع في المنطقة، ومع اكتمال هذا الشهر، يقترب زمن مسيرات العودة من زمن ثورة 36، الثورة التي استمرت لمدة 6 أشهر في فلسطين، وكي لا تبهت مسيرات العودة، وهي تصطدم بالتعنت الصهيوني، والتآمر الخارجي والداخلي عليها، فإن الواجب يقضي المراجعة الشمولية، وضبط المسار وفق التجربة التي صارت غنية، ومع ذلك فهي بحاجة إلى مزيد من تقييم الخطوات، ومراجعة الاخفاقات، ورسم السياسات، والتي من أهمها:
أولاً: تصاعدت أعداد الجماهير المشاركة في مسيرات العودة في الأسابيع الأخيرة، وبشكل لافت، وهذا أمر مشجع، ويؤكد على أن طاقة الشعب الفلسطيني ليست خاضعة للرهان.
ثانياً: فجرت مسيرات العودة طاقة الشعب الفلسطيني الإبداعية، فمن الطائرات الورقية إلى البالونات الحارقة إلى الإرباك الليلي، إلى التسلل واختراق خطوط العدو، حتى صارت المرأة شريكة الرجل في إرباك حياة المستوطنين.
ثالثا: عبرت مسيرات العودة من البر إلى البحر، وبدل اقتصار الفعل على يوم الجمعة، صار فعل الإشغال للصهاينة يومي الجمعة والأحد، وفي هذا كسر للروتين.
رابعاً: برزت عمليات فردية إبداعية، تفوقت فيها إرادة الشباب الفلسطيني على إعدادات وتجهيزات الجيش الإسرائيلي، ولن يكون آخر الإبداعات ما قام به البطل براء زقوت، ابن مدينة المجدل عسقلان، حين صعد التلة، وتحدى الجنود في داخل تحصيناتهم.
خامساً: لما يزل الطابور الخامس داخل الساحة الفلسطينية يشوه عطاء الشباب في مسيرات العودة، ويبث روح الاثباط والخذلان، ونسي أولئك أن مسيرات العودة لم تأت إلا لتكمل مشوار انتفاضة الحجارة التي بدأت عام 1987، وانتفاضة الاقصى التي بدأت عام 2000، في رحلة المواجهة التي جسد فيها الشعب الفلسطيني أسمى معاني الوفاء والعطاء.
سادساً: لم تصل مسيرات العودة إلى الضفة الغربية، رغم مرور ستة أشهر على مواصلة مسيرات العودة في قطاع غزة، وهذه ظاهرة سلبية وخطيرة، تشير إلى الانقسام الطولي والعرض والوطني والروحي والحياتي، وتؤكد على نجاح السلطة الفلسطينية في فصل حالة غزة عن أحوال الضفة الغربية، وهذا ما يجب أن تقف إزاءه الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة، لتدرس الأسباب والملابسات والظروف وآلية تفعيل مسيرات العودة في الضفة الغربية.
إن عدم انتقال مسيرات العودة الضفة الغربية أضفى على الموقف الإسرائيلي من التهدئة صلابة، وتعنت، ولاسيما بعد تأكيد السيد عباس على قدراته الخارقة في حفظ الأمن، والإعلان عن لقائه الشهري مع رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي، وفي هذه الرسائل الأمنية طمأنة للمستوى السياسي الإسرائيلي بعدم السماح لمسيرات العودة بالانتقال من غزة إلى الضفة، وذلك رغم صدور بيان رسمي من قيادة منظمة التحرير يثمن مسيرات العودة في غزة، دون السماح بوجودها في الضفة.
لما سبق، فأنني أوصي الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة بأن تضع في تفكيرها وجهدها آلية نقل ظاهرة مسيرات العودة إلى الضفة الغربية، هنالك حيث المكان الأهم والأخطر على الأمن الإسرائيلي، وقد دللت التجربة أن المخابرات الإسرائيلية لا تخاف إلا من الفلسطيني في الضفة الغربية، ولا تحسب حساباً إلا لرجالها وصباياها، وذلك لأن دولة الصهاينة لا تطمع إلا بأرض الضفة الغربية التي يسمونها “يهودا والسامرا” .
ولتحقيق هذا الهدف، على الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة استكمال تشكيلتها الإدارية بإضافة عدد من الشخصيات والقيادات الميدانية في الضفة الغربية؛
وأن يصير إلى تحديد مناطق بعينها في الضفة الغربية، ومناشدتها المشاركة في يوم الجمعة مع أهل غزة، كخطوة أولى على طريق مشاركة كل الضفة الغربية.
من واجب الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة، وهي تضم كل التنظيمات الوطنية الفلسطينية، من واجبها تشكل جسم ميداني في شباب الضفة الغربية يحاكي شقيقه في غزة.
أعرف أن الأمور ليست سهلة، ولكن تذكروا أن غزة لا تساوي شيئاً دون الضفة الغربية، وأن الضفة الغربية ضعيفة دون غزة، وتذكروا أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.