الشهيد جلال كعوش…أيقونة النضال الوطني والقومي

شهيد حركة “فتحقوات العاصفة” الأول في لبنان

(1924- 9/1/1966)

ملف من إعداد وتقديم: محمود سعيد كعوش

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

(ولَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ  فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ  يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ.)

صدق الله العظيم

تعاقبت السنوات وكبرت نكبة فلسطين – 1948  “حتى بلغت من العمر عتيه”. ومعها تعاقبت الأجيال اللبنانية، كما الأجيال الفلسطينية، جيلاً بعد جيل، ولم تَضق بها مدينة، أو بلدة، أو قرية، أو حي، أو بيت، أو شارع، أو زاروب، أو شبر واحد على مساحة الأرض اللبنانية البالغة 10452 كيلومتراً مربعاً، ولا تعادت أو تخاصمت معها طائفة، أو مذهب، أو حزب، أو جماعة على وسعِ هذه المساحة، إلا في حدود ضيقة جداً ونادرة جداً، وغالباً ما كانت فردية ولغايات شخصية وأنانية، أو لمصلحة خارجية، ولا أذكر أنها كانت في يوم من الأيام جماعية.

لكن المتاعب اللبنانية – الفلسطينية بدأت مع أول “خطيئة كبرى”، من وجهة النظر اللبنانية الرسمية، ارتكبها شابٌ فلسطيني من سكان مخيمات اللجوء الفلسطينية المنتشرة فوق الأراضي اللبنانية، عندما استهدف الأراضي الفلسطينية المحتلة بعبوات يدوية من خلف الحدود، وقام بعملية فدائية استهدفت وكراً من أوكار الصهاينة الأنذال الذين اغتصبوا تلك الأراضي المباركة “بمنطق” القوة والقتل والتدمير وارتكاب المذابح والمجازر وسفك دماء الأبرياء بدم بارد، وبلا مبرر أو مسوغ أو وازع من ضمير، وأقاموا لأنفسهم كياناً مسخاً مصطنعاً أسموه “إسرائيل”.

حدث ذلك في منتصف القرن العشرين الماضي، وكانت العاقبة “وخيمة وفظيعة” على هذا الشاب الذي كان متوقداً وطنية واندفاعاً وحماسةً، ومتشبثاً بأرض الآباء والأجداد إلى أقصى الحدود، ابن بلدة “ميرون” في الجليل الأعلى الشهيد البار “جلال كعوش”. فقد فارق جلال الحياة بسبب المعاملة البربرية التي تعرض لها وتحت التعذيب الوحشي والضرب المبرح اللذين لقيهما من ضباط وأفراد “دائرة الشعبة الثانية” التابعة للجيش اللبناني في العاصمة بيروت.

وكما في كل حادثة مماثلة لم تنفع العقوبة التي طُبقت على “الجرم الذي اعتبرته السلطة اللبنانية من الكبائر المحرمة”، بحكم ارتباط هذه السلطة مع سلطة الاحتلال الصهيوني في فلسطين باتفاقية دولية حملت تسمية “اتفاقية الهدنة” كانت قد عقدت بينهما إثر نكبة فلسطين 1948 مباشرة، لأنها لم تُؤتِ أُكلَها بالنسبة للسلطة اللبنانية، ولم تُثنِ الشبان الفلسطينيين في المخيمات عن قرار مواصلة الكفاح الوطني المسلح عبر الحدود الفلسطينية مع لبنان وجميع البلدان العربية التي أطلقت عليها تسمية “دول المواجهة”، سعياً لتحرير وطنهم من براثن المحتلين الصهاينة.

صحيح أنه وفق العرف اللبناني الرسمي، كان “من حق قيادة الجيش اللبناني، ومن واجبها، أن لا تسمح لأي كان أن يخرق، لأي سبب أو دافع، اتفاقية الهدنة الدولية الموقعة بين لبنان وكيان العدو، فيوفر لسلطة الاحتلال ذريعة أو مسوغاً لشن عدوان على لبنان”، علماً أن هذه السلطة المجرمة لم تكن في يوم من الأيام بحاجة لذرائع أو مسوغات لشن عدوان هنا أو هناك في لبنان أو غيره من البلدان العربية. لكن الصحيح أيضاً أنه كان من حق الجماهير اللبنانية والفلسطينية أن تقوم بتظاهرات احتجاج ودعم لقضية الشعب الفلسطيني الممثل آنذاك بالشاب الشهيد الضحية “جلال كعوش”.

ومنذ تلك الحادثة نشأت حالة نزاع مع السلطات اللبنانية على حق الفلسطينيين وأنصار قضيتهم من اللبنانيين بالكفاح المسلّح ضد الكيان الصهيوني عبر الحدود اللبنانية – الفلسطينية.

هكذا عرفت الشهيد

عرفتُ الراحل الكبير الشهيد جلال كعوش “أبو فاروق” مذ حطت بنا رحال النكبة واللجوء في مخيم المية ومية شرق مدينة صيدا في الجنوب اللبناني، أي أنني عرفته منذ طفولتي ومع بدء وعيي على الدنيا، لأننا كنا من عائلة واحدة، وننتمي لوطن واحد، ونحمل دماً واحداً، ومن مخيم بؤس وتشرد واحد”، وكنا على تماس يومي متواصل، وكنت وأولاده أقرباء ورفاق طفولة ودراسة ولعب و”شيطنة” وممارسة نشاطات متنوعة على صعد مختلفة، وكنا جميعاً نحمل أحلام العودة بكثير من الصبر والأمل.

كان جلال شاباً قوياً، وسيماً، أنيقاً، مؤمناً، ومتديناً لكن باعتدال. وكان باراً بعائلتيه الصغيرة والكبيرة، وبوطنه الكبير من المحيط إلى لخليج، بما في ذلك فلسطين السليبة طبعاً. وكان يتوقد فطنةً ووطنية وحيوية، كما كان شاباً مندفعاً، لكن بتعقل وتوازن واتزان وحكمة وبعد بصر وبصيرة وصبر وأناة.

كان أبناء عائلة “كعوش”، الذين كانوا يشغلون القسم الجنوبي – الغربي من المخيم المذكور، يحملون له مشاعر الحب والاحترام والتقدير، وكذلك كان جميع أبناء المخيم، كما كان أبناء بلدة المية ومية من اللبنانيين يحملون له ذات المشاعر أيضاً.

ومن مخيم وبلدة المية ومية تمدد حب الناس واحترامهم لجلال ليشمل مخيم عين الحلوة وجميع المخيمات الفلسطينية دون استثناء، وحيث وطأت قدماه فوق الأراضي اللبنانية، وبعد ذلك حيث وطأتا في الأراضي العربية. وبإيجاز، كان الشهيد جلال قدوة ومثلاً أعلى لأبناء جيله من الكبار والصغار حيث حلَّ وارتحل ورُحِلْ، كما أصبح كذلك بالنسبة للأجيال التي تعاقبت في ما بعد.

الحكاية مع المحامين والأطباء

أذكر أنني يوم ارتكب أفراد من “المكتب الثاني” التابع للجيش اللبناني جريمة اغتيال أيقونة النضال الوطني والقومي الشهيد جلال كعوش وطلبوا من العائلة استلام جثمانه، في يوم مبارك في التقويم وحزين جداً في التوقيت، في مطلع عام 1966، كنت واحداً من أفراد وفد عائلة آل كعوش، الذي أوكلت إليه مهمة التحرك العاجل لمواجهة الموقف الطارئ والتعامل معه وفق ما يتطلبه الواجب العائلي والوطني والقومي، ووفق ما تقتضيه الضرورة ويستحقه الراحل الكبير.

يومها قصدنا مكاتب عدد من كبار المحامين اللبنانيين في العاصمة بيروت لغرض تكليفهم باستلام قضية الشهيد، إلا أن أحداً منهم لم يجرؤ على قبول التكليف، وكانت حجتهم جميعاً واحدة “سلطة المكتب الثاني هي فوق جميع السلطات في لبنان، ومن يغامر بمهمة مثل هذه يلقي مصيره المحتوم”!!

ومن بين هؤلاء المحامين كان البرلماني السابق والمحامي الكبير ذائع الصيت في ذلك الوقت الأستاذ محسن سليم، الذي كان متصالحاً مع نفسه ومع العهد أيضاً، “عهد الرئيس اللبناني الأسبق شارل حلو الذي كان امتداداً لعهد الرئيس اللبناني الذي سبقه فؤاد شهاب”، وكنت على معرفة به وعلى صداقة مع عدد من أفراد عائلته المقيمين في “الغبيري”، في الضاحية الجنوبية من بيروت.

يومها لم نجده في مكتبه، فقصدناه في منزله الذي كان كائناً على مسافة قريبة من “ساحة الغبيري”. وعندما عرضنا عليه قضية الشهيد جلال وطلبنا منه استلامها، رد، بعد إبداء أسفه واعتذاره قائلاً “يهمني أن أبلغكم أنكم لن تجدوا من يحمل قضيتكم بين المحامين، ولن تجدوا من يغامر بحياته ويواجه المكتب الثاني”، مضيفاً “أنصحكم بلملمة جراحكم والعض عليها ودفن الشهيد بهدوء وبلا ضجة، لأن ضجتكم إن حدثت ستكون بلا طائل”.

وعلى ضوء نتائج الاتصالات مع المحامين ارتأى بعض أفراد وفد العائلة مواصلة الاتصالات وعدم دفن جثة الشهيد إلى حين العثور على المحامي “المغامر” أو “الفدائي” الذي يتبنى القضية ويمضي بها حتى تبيان الحقائق، لكن البعض الآخر فضلّ الأخذ براي المحامي سليم والمحامين الآخرين، فأقيمت مراسم التشييع ودفن الشهيد وفق الأصول، بعد موكب مهيب جاب مدينة صيدا والمخيمين الفلسطينيين المجاورين وبلدة المية ومية طبعا.

وبعد ذلك تم الاتصال بالطبيب اللبناني من أصل فلسطيني “عبدالله لاما”، الذي كانت عيادته تقع عند مدخل مخيم “برج البراجنة” وعُرضت عليه قضية الشهيد، فتبرع بحمل لوائها على الصعيد الطبي، والمضي فيها حتى النهاية. لكن ذلك حدث بعد أن كان جلال قد وري الثرى في مقبرة مدينة صيدا، جنوبي لبنان.

الطبيب لاما أجرى اتصالات عاجلة مع أصدقاء له في السلك الطبي اللبناني، من بينهم أطباء في الجامعة الأمريكية، وشكل مع نفر منهم “لجنة طبية” قررت التوجه إلى المدينة والقيام بنبش قبر جلال وتشريح جثته، ومن ثم أصدرت تقريراً طبياً دحضت فيه كل مزاعم “المكتب الثاني” وأثبتت بما لم يدع مجالاً للشك أن جلال قضى شهيداً تحت التعذيب الوحشي الذي تعرض له على أيدي أفراد من المكتب الثاني، لا كما ادعت الجهات اللبنانية الرسمية آنذاك أنه “قضى بالسكتة القلبية”، وخلاف ذلك من الادعاءات الباطلة.

هدية الشاعر أحمد دحبور للشهيد

أبدأ باجتزاء أبيات قليلة من قصيدة “الخوف وحباتُ الطَلْع” التي تضمنها ديوان  الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل أحمد دحبور “حكاية الولد الفلسطيني” وأهداها لشهيد فلسطين والأمة العربية جلال كعوش، وتتحدث القصيدة عن تحولِ “ألواح الوصايا” إلى خشب للتوابيت:

(كانت يداهُ غمامتينِ تُفيئانِ الطَلْعَ والطِفْلَ الرَضيع.

كانت…وماذا بعد؟ هَمْهَمَة وريبَة

ووصية…

لَكِنَ ألواحَ الوصايا أصبحت خشباً لتابوتِ المُصيبَة

والزائرُ المُضنيُ يَحارُ: أعارَكَ الطرقات موحِشَة لِتَلقاهُ

التوابيتُ الرَهيبَة.)

الموسوعة الفلسطينية

جاء في “الموسوعة الفلسطينية” أن جلال محمد العبد كعوش هو أول شهيد للمقاومة الفلسطينية فوق الأرض اللبنانية. ولد في بلدة مبرون، قضاء صفد، وتلقى دراسته الابتدائية في قريتها. وفي سنة 1948 اجبر على الهجرة مع عائلته إلى لبنان، وأقام في مخيم المية ومية للاجئين الفلسطينيين المجاور لمدينة صيدا، ثم ما لبث أن انتقل إلى مخيم عين الحلوة المجاور لها أيضاً. قضت إحدى المحاكم اللبنانية بحبسه خمس عشرة سنة لإقدامه على نسف السفارة الفرنسية ببيروت عام 1957 انتقاماً من الجرائم الفرنسية في الجزائر، لكنه نجح في الهرب من سجن بعلبك أثناء الثورة الوطنية اللبنانية في سنة 1958، وتوجه إلى سورية، ومنها عاد مع بعض المسلحين، وانضموا جميعاً إلى الثوار في منطقة صيدا، وغدا القائد العسكري لها في المنطقة.

انضم في أواسط الستينات إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”. وفي يوم 13/12/1965 اعتقله رجال المكتب الثاني اللبناني، ثم ما لبثوا أن أطلقوا سراحه، ليعيدوا اعتقاله بعد خمسة أيام. وفي 9/1/1966 سلم رجال المكتب الثاني اللبناني جلال كعوش جثة هامدة إلى ذويه. وأصدرت وزارة الدفاع اللبنانية بلاغاً حول مقتله اعترفت فيه باعتقاله من “مخيم عين الحلوة، الواقع في مدينة صيدا، للتحقيق معه بقضية تتعلق بسلامة القوى العسكرية”، وادعت في البلاغ أنه “أثناء التحقيق معه، غافل المحققين وقفز من غرفة التحقيق في طابق علوي، محاولاً الفرار، فأصيب بجراح ورضوض أدت إلى وفاته بعد ثلاثة أيام”.

لكن الكشف الطبي أكد أنه تعرض لكدمات عنيفة تركت آثار واضحة في جسده وتسببت بنزيف داخلي وخارجي حاد، عجز الأطباء عن السيطرة عليه، الأمر الذي  أدى إلى وفاته.

وشهد من كان متواجداً من ذويه وأصدقاء عائلة كعوش والوطنيين اللبنانيين الذين حرصوا على الحضور وقت استلام جثته أنه تعرض لتعذيب وحشي ظهرت معالمه بشكل واضح للعيان على أجزاء كثيرة من جسده، فبدت أجزاء منه مخترقة بآلات حادة، وأجزاء أخرى ممزقة تعرضت لعمليات رتق يدوي بخيط عادي. كما شهد من حضروا لاستلام الجثة على أن جسد الشهيد البار كان قد تعرض لعمليات حرق إجرامية بالسجائر، وبالأخص فوق الصدر وعلى الوجه، وظهرت عليه كدمات زرقاء وصفراء في أجزاء مختلفة مما عنى أنه تعرض أثناء التحقيق معه للكمات قوية وضرب مبرح.

لقد ارتكب رجال “المكتب الثاني” التابع للجيش اللبناني جريمة قتل الشهيد البطل جلال كعوش تنفيذاً لتعليمات وأوامر وصلتهم من الصهاينة في تل أبيب وإرضاءً لهم.

شُيع الشهيد البطل في 10/1/1966 في موكب مهيب في مدينة صيدا، ودفن في مقبرتها.

صحيفة “الأنباء اللبنانية – صوت الحزب التقدمي الاشتراكي”

وأقتطف مما جاء في صحيفة “الأنباء اللبنانية – صوت الحزب التقدمي الاشتراكي” بتاريخ 2 آذار/مارس 2017، بقلم “عزت صافي” ما يلي:

كانت فلسطين قد حضرت في لبنان مع أول رئيس جمهورية استقلالي. ومنذ ذلك العام (1948) توالى الرؤساء على القصر الجمهوري. أربعة عشر رئيساً في تسع وستين سنة، ونكبة فلسطين تكبر مع الأجيال اللبنانية، فما ضاقت بها مدينة أو قرية، ولا تعادت معها جماعة، أو حزب، أو طائفة، إلا في حدود فردية، لكن المتاعب بدأت مع أول خطيئة ارتكبها شاب فلسطيني من اللاجئين عندما رمى عبوة يدوية من خلف الحدود اللبنانية على الأراضي الفلسطينية المحتلة. حدث ذلك في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، وكانت العاقبة فظيعة على الشاب الفلسطيني (الشهيد جلال كعوش) فقد فارق الحياة تحت الضرب في دائرة الشعبة الثانية في الجيش اللبناني. وكما في كل حادثة مشابهة لا تنفع العقوبة على الجرم غير المقصود. لكن كان من حق قيادة الجيش اللبناني، ومن واجبها، أن لا تسمح لأي جهة أن تخرق، لأي سبب أو دافع، اتفاقية هدنة دولية مع العدو الإسرائيلي فتوفر له ذريعة لشن عدوان.

ثم كان من حق الجماهير اللبنانية والفلسطينية أن تقوم بتظاهرات احتجاج ودعم لقضية الشعب الفلسطيني الممثل بالشاب الشهيد الضحية. ومنذ تلك الحادثة نشأت حالة نزاع مع السلطات اللبنانية على حق الفلسطينيين وأنصار قضيتهم من اللبنانيين بالكفاح المسلّح ضد إسرائيل.

لكن حادثة أخرى حصلت وقلبت المقاييس في ذلك الزمن. فقد استشهد شاب لبناني من آل الجمل في معركة مواجهة مع العدو الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإذ نقل الصليب الأحمر الدولي جثمان الشهيد إلى نقطة الحدود الفاصلة بين قوات العدو والقوات السورية في الجولان تهيأت جماهير لبنانية لاستقباله في بلدة «الكحالة» على الطريق بين بيروت وعاليه.

في ذلك اليوم سجل اللبنانيون تظاهرة تضامن، وقد نُقل النعش مباشرة إلى المسجد العمري الكبير في قلب بيروت حيث صُلّي عليه في حضور أركان الدولة وقادة الأحزاب السياسية اليسارية واليمينية من جميع الطوائف والمذاهب.

موقع “كتائب شهداء الأقصى”

وجاء في موقع “كتائب شهداء الأقصى فلسطين – لواء الشهيد القائد نضال العامودي – الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح”، تحت عنوان “الشهيد القائد جلال كعوش أول شهيد للثورة الفلسطينية قوات العاصفة” ما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

“مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”

صدق الله العظيم

“حب الجهاد ترعرع في قلوبهم مذ ولدتهم أمهاتهم، بل كان حب الجهاد قد ورثوه من آبائهم وأمهاتهم وهم في بطون أمهاتهم لذلك كانوا أسود الحرب وأول المتقدمين في ساحات الوغى، أولئك الذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله والله اشترى فوعدهم بالجنة التي عرضها كعرض السماوات والأرض أعدت للمتقين، هؤلاء شهداء حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، فكانوا جنوداً بل أسوداً في الميدان يُذيقوا العدو الويلات ونسمع الآهات تخرج من بين ضلوع بني صهيون ألما من ضربات مجاهدينا، فلتسلم تلك الأيادي المتوضئة التي تضرب في العمق الصهيوني لتشفي غليل الشعب الفلسطيني، فهم ما تخلوا أبدا عن دينهم أو بلادهم وسنعود”.

يصادف اليوم التاسع من شهر يناير لعام 2018م، الذكرى السنوية الثانية والخمسون لاستشهاد القائد “جلال كعوش” أحد أبطال حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” وأول شهيد للثورة الفلسطينية المعاصرة قوات العاصفة، سقط فوق الأرض اللبنانية، حيث استشهد في 9.1.1966 م، بعد عام واحد من انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة التي حولت الشعب الفلسطيني من لاجئين الى ثوار مقاتليين.

الميلاد والنشأة

ولد الشهيد جلال كعوش سنة 1924 في قرية ميرون ـ قضاء مدينة صفد ـ وتلقى دراسته الابتدائية في مدرسة القرية. وفي سنة 1948 هُجِّر مع عائلته إلى لبنان، وأقام في مخيم عين الحلوة للاجئين بالقرب من مدينة صيدا. وكان متزوجا وابا لتسعة أبناء عنما سقط شهيدا ..

ينتمي الشهيد الى قبيلة عرب كعوش التي كانت تقيم في منطقة مثلث كعوش المعروفة بمنطقة الحمة السورية وهي أراضٍ فلسطينية، ثم انتقلوا بعد ذلك الى بعض قرى الجليل ومنها قرية ميرون، وبعد نكبة 1948 لجأ القسم ألأكبر منهم إلى لبنان والبعض الى سوريا. قدمت عائلة كعوش عشرات الشهداء الذين سقطوا وهم يقاتلون في صفوف الثورة الفلسطينية في لبنان والبعض استشهدوا داخل فلسطين خلال قيامهم بعمليات فدائية ويعتبر الشهيد جلال كعوش وشقيقه الشهيد كمال كعوش  من كبار القيادات الفلسطينية التي أسست وقادت الكفاح الفلسطيني المسلح منذ تاريخ انطلاقه عام 1965 والعمليات الفدائية ضد العدو الصهيوني في الأراضي الفلسطينية.

الشهيد جلال كعوش والعمل الفلسطينى المسلح

التحق الشهيد جلال كعوش في العمل الفلسطيني المسلح، وكانت البداية ضمن تشكيل فدائي حمل اسم الكتيبة 68 في الجيش العربي السوري وهي كتيبة للاستطلاع الخارجي والعمل الفدائي في فلسطين على امتداد سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ولدت من نواة وحدة الفدائيين الفلسطينيين في جهاز الاستطلاع السوري التي تشكلت عام 1949 برئاسة النقيبين في المكتب الثاني السوري برهان أدهم، وبرهان بولص للعمل في فلسطين، وأعيد إنشاؤها بقرار من العقيد عبد الحميد السراج مسؤول المكتب الثاني أثناء الوحدة المصرية السورية تحت اسم الكتيبة 68، حيث شكل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا ولبنان قوامها الأساس بالتواصل مع أعضاء مقيمين في الجليل شمال فلسطين بقيادة العقيد السوري أكرم الصفدي، والمقدم الهيثم الأيوبي، والعقيد أحمد حجو الموجود حالياً في قطاع غزة، واتخذت الكتيبة من بساتين بلدة حرستا، بضواحي دمشق مقرا ًلها، إضافة إلى مقرات ومواقع ميدانية على جبهة الجولان وجنوب لبنان، وكلفت الكتيبة بإدارة وتنفيذ عمليات الاستطلاع وغيرها شمال فلسطين (كعملية نسف باص عسكري صهيوني ومقتل عدد من ركابه على طريق صفد ـ عكا نفذها علي الخربوش، وجلال كعوش

وحسب مصادر العدو الصهيوني فإن هذه العملية جرى تنفيذها على يد اثنين من اللاجئين الفلسطينيين هما جلال كعوش من ميرون قضاء صفد وعلي الخربوش من عرابة وهما من الوحدة الفدائية الفلسطينية في الجيش العربي السوري ووقعت العملية عام 1955.

وقد فر أكثر من أربعين عنصراً من (الكتيبة 68) إلى مصر عبر لبنان، بعد أن أدانتهم المحكمة الميدانية العسكرية السورية برئاسة العميد صلاح الضلي بالمشاركة في الحركة الانقلابية الفاشلة التي قادها العقيد جاسم علوان، وهدفت إلى إعادة الوحدة مع مصر بقيادة جمال عبد الناصر.

وأعدم اثنا عشر فرداً من أعضائها رمياً بالرصاص في سجن المزة العسكري في دمشق يوم 18/7/1963 “أحمد منصور، لطفي قادرية، سليمان حمادي الشاويش، عيسى محمود عيسى، أحمد ياسين مفلح، محمود الهندي، مصطفى إبراهيم حميد، يوسف محمد عطا الله، صالح شعبان محمود، علي أبو عيسى، محمد عبد الهادي عبد الكريم، عبد الله الأخضر”.

أبرز أعضاء (الكتيبة 68) الذين انضموا إلى حركة فتح

الشهيد جلال كعوش، الشهيد الرائد الشرعان ، الشهيد الرائد روبين أبو العلا، الشهيد يوسف أحمد عوض والقيادي في جبهة التحرير العربية كمال كعوش ومن الجبهة الشعبية الشهيد رفيق عساف، المقدم الهيثم الأيوبي، ومن الجبهة الشعبية القيادة العامة الشهيد أبو علي الأخضر بطل معركة عين يهيف، والشهيد خالد الأمين.

في لبنان وقبل انطلاقة ثورة الـ (65) واصل شهيدنا دربه النضالي، وعينه على الوطن المغتصب، مع إدراكه أن الطريق إلى فلسطين مليئاً بالأشواك، ويحتاج إلى تقديم الكثير من التضحيات، غير أنه ككل الطليعة الثورية الفلسطينية المخلصة، كان مستعداً في سبيل تحرير فلسطين أن يبذل الغالي والرخيص

وتذكر الموسوعة الفلسطينية، أن إحدى المحاكم اللبنانية قضت عام 1957، بسجن جلال كعوش خمس عشرة عاماً، لإقدامه على نسف السفارة الفرنسية ببيروت ، وتوجه إلى سورية، ومنها عاد مع بعض المسلحين، وانضموا جميعا إلى الثوار في منطقة صيدا. وغدا جلال كعوش القائد العسكري لهذه المنطقة.

الشهيد القائد جلال كعوش في صفوف حركة فتح

مع انطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة وحركة التحرر الوطني الفلسطيني فتح في 1.1.1965، انضم الشهيد جلال كعوش إلى الحركة، يوم كان قادتها وكوادرها ومقاتليها يؤمنون أن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيدة والموصلة لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر.

ولقد آمن الشهيد جلال أن الكفاح المسلح كأسلوب، وطريق للتحرير، والعمل الفدائي الفلسطيني، ضمن الإطار العربي، في مقدوره أن يحرر فلسطين، غير أن تخاذل وضعف النظام الرسمي العربي عموماً، واللبناني على وجه الخصوص، خذل المقاتل، فما أن وصل جنوب لبنان في شهر ديسمبر 1965، عائداً من منطقة الجليل شمال فلسطين المحتلة بعد تنفيذ عملية فدائية، قام عناصر المخابرات من المكتب الثاني اللبناني، باعتقاله في يوم 23.12.1965 م، ثم ما لبثوا أن أطلقوا سراحه، ليعيدوا اعتقاله بعد خمسة أيام.

عرس الشهادة

وفي 9.1.1966 م سلم عناصر من المكتب الثاني اللبناني تابع للمخابرات العسكرية اللبنانية بلاغا حول استشهاد جلال كعوش اعترفت فيه باعتقال الشهيد في بيته في مخيم عين الحلوة وجرى التحقيق معه بقضية تتعلق بأمن الدولة حسب ادعائهم فإنه أثناء التحقيق غافل المحققين وقفز من غرفة التحقيق في طابق علوي محاولا الفرار، فأصيب بجراح ورضوض انتهت بوفاته بعد ثلاثة أيام وهذا ألادعاء كان غير صحيح على ألأطلاق وكاذب وملفق .

حيث أثبت الكشف الطبي الذي أجري على جثة الشهيد جلال كعوش بأنه توفي نتيجة لتعرضه لعملية تعذيب قاسية ولكدمات عنيفة أدت الى نزيف داخلي حاد استشهد على أثرها داخل أقبية مخابرات المكتب الثاني اللبناني في منطقة اليرزة حيث مقر وزارة الدفاع اللبنانية. كما

أن مظاهر التعذيب كانت ظاهرة وواضحة للعيان على جثة الشهيد بعد تسليمها لأهله حيث كانت اقسام كبيرة من جسده ممزقة وخاصة في رجليه ويديه ومعاد تخييطها بخيط عادي ، كما ظهرت بقع حرق السجائر على جسد الشهيد فوق صدره وفي وجهه وبقع عديدة وكبيرة زرقاء اللون من آثار الكدمات القوية التي تعرض لها الشهيد اثناء التحقيق معه .لقد قتل الشهيد البطل على أيدي مخابرات المكتب الثاني اللبناني إرضاءً للصهاينة وتنفيذا لتعليماتهم .

ومما تذكره بعض المصادر عن حادثة الشهيد جلال كعوش

تم اعتقال عضوين من مجموعتين من قوات العاصفة لدى عودتهما إلى جنوب لبنان من عمليتين فدائيتين شمال فلسطين المحتلة في منطقة الجليل، وكان الشهيد جلال كعوش أحدهما حيث تم اعتقاله وخضع  للتحقيق واستشهد تحت التعذيب،  فكان شهيد فلسطين وقوات العاصفة الأول فوق الأرض اللبنانية بتاريخ 9.1.1966، واستشهد بالطريقة نفسها رفيقه عطا أحمد الدحابرة، من مخيم عين الحلوة، بتاريخ 14.5.1967، وأحمد الأطرش، وعبد الرحيم أبو يحيى.

تشيع جثمان الشهيد القائد ” جلال كعوش

وفي 10.1.1966 م شُيع الشهيد الفلسطيني الأول في لبنان جلال كعوش في موكب مهيب في مدينة صيدا، ودفن في مقبرتها. كما شهد لبنان على مدى شهر كامل مظاهرات عارمة شارك فيها مئات ألاف من الفلسطينيين واللبنانيين في كبرى المدن اللبنانية، بيروت وصيدا وطرابلس، نددوا بجريمة القتل التي تعرض لها الشهيد جلال كعوش وطالبوا الحكومة اللبنانية بإعادة تشريح جثته وإعادة التحقيق ومحاسبة المسؤولين عن استشهاده، وقد شهدت تلك لمظاهرات مصادمات عنيفة مع قوى ألأمن والجيش اللبناني سقط أثناءها العديد من الجرحى من الفلسطينيين واللبنانيين على السواء .

إننا اليوم في “كتائب شهداء الأقصى فلسطين – لواء الشهيد القائد نضال العامودي”، نحُيى ذكرى استشهاد قائد فلسطيني كبير ترجم انتماءه لفلسطين ولقضيته من خلال مسيرة نضالية طويلة تُوجَ فصولها الأخيرة بالشهادة، مجددين العهد والقسم لروحه الطاهرة بأن نمضى قُدماً على الطريق النضالي الذي مضى وقضى عليه الشهيد القائد المجاهد “جلال كعوش”  وقافلة الشهداء الأبطال .

وانها لثورة حتى النصر أو الشهادة

                            القصف بالقصف.. والقتل بالقتل.. والرعب بالرعب

        الإعلام العسكري لكتائب شهداء الأقصى- فلسطين لواء الشهيد القائد “نضال العامودى”

                       الذراع العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني ” فتح “

المواقع الفتحاوية

وجاء في موقع “الكرامة برس” و”صوت فتح الإخباري” ومواقع فتحاوية عديدة بقلم “لواء ركن عربي كلوب” ما يلي:

جلال محمد كعوش في قرية ميرون قضاء صفد عام 1924م وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة القرية وعندما حلت نكبة عام 1948م وتشريد أهلنا من ديارهم هاجرت أسرته إلى مخيم عين الحلوة حيث استقروا هناك وترعرع في أسرة وطنية.

كان هاجس جلال كعوش الأول كيف يمكنه التدرب على السلاح والقيام بعمليات داخل الأرض المحتلة.

اعتقل جلال محمد كعوش من قبل السلطات اللبنانية عام 1957م لإقدامه على نسف السفارة الفرنسية في بيروت انتقاماً من الجرائم الفرنسية بالجزائر، وقضت إحدى المحاكم اللبنانية بسجنه لمدة ( 15 عاماً )، لكنه نجح في الهرب من سجن بعلبك أثناء الثورة الوطنية اللبنانية عام 1958م، بعدها توجه إلى سوريا حيث التحق بالعمل في البداية ضمن تشكيل كتيبة الفدائيين (68) التي شكلتها الحكومة السورية ضمن مرتبات الجيش السوري، هذه الكتيبة هي كتيبة الاستطلاع والعمل الفدائي الخارجي في الأرض المحتلة، حيث شكل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا ولبنان قوامها الأساس بالتواصل مع أعضاء مقيمين في الجليل الفلسطيني داخل الأرض المحتلة ، كانت هذه الكتيبة برئاسة العقيد السوري أكرم الصفدي، والمقدم الهيثم الأيوبي وكذلك النقيب وقتذاك/أحمد حجو وآخرين، حيث اتخذت هذه الكتيبة من بستان بلدة حرستا بضواحي دمشق مقراً لقيادتها، إضافة إلى قوات أخرى ميدانية تمركزت على جبهة الجولان وجنوب لبنان، كلفت الكتيبة بتنفيذ عمليات الاستطلاع وغيرها شمال فلسطين، حيث نفذت عملية عسكرية وهي نسف باص على الطريق بين صفد وعكا، وكان المنفذان جلال كعوش وعلي الخربوش.

عاد جلال كعوش مع بعض المسلحين وانضموا جميعاً في صيدا إلى حركة فتح عند انطلاقتها حيث آمن أن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، وغدا جلال كعوش القائد العسكري لهذه المنطقة .

لقد كان نهاية العام 1965 وبداية العام 1966م أعوام تصعيد للعمليات الفدائية ضد العدو الصهيوني انطلاقاً من الجنوب اللبناني، فقد شهد ذلك العام عدداً من العمليات الفدائية التي حاولت المخابرات اللبنانية ( المكتب الثاني ) منعها.

كان جلال كعوش أحد كوادر قوات العاصفة وهو من مخيم عين الحلوة ويشرف على الدوريات المنطلقة إلى الأرض المحتلة وكثيراً ما كان يشارك بالنزول مع هذه الدوريات، وبتاريخ 23/12/1965م وأثناء عودته من تنفيذ عملية داخل الأرض المحتلة اعترضتهم دورية تابعة للمخابرات اللبنانية ( المكتب الثاني ) وتمكنت من اعتقال جلال كعوش وأودعته في زنازين المخابرات، حيث تعرض لتعذيب قاسي أدى إلى استشهاده داخل الزنزانة بتاريخ 9/1/1966م في أقبية المخابرات اللبنانية في منطقة اليرزة، حيث مقر وزارة الدفاع اللبنانية ، فكان جلال كعوش أول شهيد فلسطيني من قوات العاصفة يسقط على الأراضي اللبنانية، وبالأسلوب نفسه تم اعتقال / عطا أحمد الدحابرة بعد عودته من تنفيذ عملية فدائية وهو من سكان مخيم عين الحلوة أيضاً حيث استشهد تحت التعذيب وبنفس الطريقة.

قام عناصر المكتب الثاني اللبناني بتسليم بلاغ لعائلة جلال كعوش يفيد بمقتله أثناء التحقيق معه بقضية تتعلق بأمن الدولة، وأثناء التحقيق معه حاول الهروب والقفز من نافذة غرفة التحقيق محاولاً الفرار ، فأطلقت عليه النار فأصيب بجراح انتهت بوفاته بعد ثلاثة أيام ، كانت هذه رواية المكتب الثاني اللبناني عن الشهيد، إلا أن الكشف الطبي أثبت أنه توفي نتيجة لتعرضه لتعذيب قاسي أدى لاستشهاده، وكانت مظاهر التعذيب واضحة على جثة الشهيد حيث كانت أجزاء من جسده ممزقة كما ظهرت بقع حرق السجائر فوق صدره وفي وجهه وبقع عديدة وكبيرة زرقاء اللون، وكذلك أثبت الكشف الطبي تعرضه لكدمات عنيفة كانت السبب في نزيف حاد عجز الأطباء عن السيطرة عليه مما تسبب في وفاته.

كان شهيد فلسطين وحركة فتح وقوات العاصفة الأول فوق الأراضي اللبنانية، وبتاريخ 10/1/1966م تم تشييع الشهيد جلال كعوش في موكب مهيب في مدينة صيدا ودفن في مقبرتها، وعلى أثر ذلك فقد شهد لبنان على مدى شهر كامل مظاهرات عارمة شارك فيها مئات الآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين في كل من بيروت وصيدا وطرابلس نددوا بجريمة القتل والاغتيال، وطالبوا الحكومة اللبنانية بإعادة تشريح جثة الشهيد جلال كعوش والتحقيق ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق مناضل يقاوم العدو داخل الأرض المحتلة.

وقد شهدت تلك المظاهرات مصادمات عنيفة مع قوى الأمن والجيش اللبناني سقط أثناءها العديد من الجرحى من الفلسطينيين واللبنانيين.

الشهيد/ جلال كعوش متزوج وله من الأبناء إحدى عشر وهم ” فاروق، رفيق، محمد، أحمد، فريد، زهير، فريال، فريدة، رفيقة، زهرة، فاتن”.

سيبقى تاريخ استشهاد المناضل جلال محمد كعوش 9/1/1966م علامة مضيئة في تاريخ ثورتنا الفلسطينية وستبقى ذكراه خالدة في قلوبنا وعقولنا بإذن الله تعالى.

جلال كعوش ناضل في زمن عز فيه الرجال ….

لقد خلقت أكتاف الرجال لحمل السلاح … إما عظماء فوق الأرض … أو عظاماً شرفاء تحت الأرض ( كما قال الشهيد غسان كنفاني ).

سيبقى رجال الفتح شامخين كالجبال لا يعرفون سوى العزة والكرامة.

لقد نلت السبق يا شهيدنا البطل جلال كعوش حيث إنه لا شيء يعود كما كان فما بين الحضور والغياب ينكسر شيء فينا.

رحمك الله يا شهينا البطل / جلال كعوش وأسكنك فسيح جناته

مع النبيين والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً

موقع “الضفة الفلسطينية”

وجاء في موقع “الضفة الفلسطينية” الثقافي ما يلي:

استشهاد القائد جلال كعوش

9/1/1966

استشهاد القائد المناضل الفلسطيني جلال كعوش أول شهيد فلسطيني على الأراضي اللبنانية.

حيث اعتقل وخضع الشهيد جلال كعوش من مخيم اليرموك، لعملية تعذيب قاسية،

استشهد جراءها داخل أقبية مخابرات المكتب الثاني اللبناني في منطقة الليرزة

وكان قد التحق بالكتيبة 68 في الجيش العربي السوري. من الوحدة الفدائية الفلسطينية.

ثم انضم إلى حركة فتح منذ انطلاقتها وآمن الشهيد جلال أن الكفاح المسلح كأسلوب، وطريق للتحرير، والعمل الفدائي الفلسطيني، ضمن الإطار العربي، في مقدوره أن يحرر فلسطين.

مؤسسة القدس للثقافة والتراث

وجاء في “مؤسسة القدس للثقافة والتراث” تحت عنوان “شخصيات فلسطينية – وطنية ودينية” ما يلي:

جلال كعوش

مكان الولادة : ميرون – صفد

تاريخ الولادة : 1924

ولد جلال كعوش في قرية (ميرون) قضاء صفد عام 1924 انخرط في صفوف المجاهدين، وكان قائداً لفرق شباب القرويين في الجليل الشمالي من فلسطين. خاض عدة معارك في عين التينة، وجبل كنعان، وفي صفد، ثم التجأ مع عائلته إلى لبنان. وفي عام 1956 عاد لمقاتلة الغاصبين بالأرض المغتصبة أثناء العدوان الثلاث على مصر، فقام بعدة عمليات فدائية جريئة. في عام 1957 قام بنسف السفارة الفرنسية ببيروت، رداً على الجرائم التي ارتكبها الجنود الفرنسيون بحق الشعب الجزائري، فحكمت عليه إحدى المحاكم اللبنانية بالسجن خمس عشرة سنة، ولكنه استطاع الهرب من سجن بعلبك خلال الثورة الوطنية اللبنانية عام 1958، وانضم إلى الثوار في منطقة صيدا، ليصبح بعد مدة القائد العسكري لهذه المنطقة.

في بداية الستينات، انضم إلى حركة فتح، فاعتقلته عناصر المكتب الثاني اللبناني بتاريخ 28/12/1965، وحاولت هذه العناصر أن تنتزع منه معلومات عن رفاقه الذين يقومون بواجبهم المقدس، وأعمالهم الفدائية فوق الثرى الفلسطيني المفدى، ولكن صمته كان أقوى، فسلم جلال كعوش إلى ذويه جثة هامدة، وأصدرت وزارة الدفاع اللبنانية بلاغاً حلو مقتله، قالت فيه(إنها قامت باعتقاله من مخيم (عين الحلوة) بغية التحقيق معه بقضية تتعلق بسلامة القوى العسكرية، وأنه أثناء التحقيق معه، غافل المحققين وقفز من غرفة التحقيق في الطابق العلوي، محاولاً الفرار، فأصيب بجراح ورضوض انتهت بوفاته بعد ثلاثة أيام). لكن الكشف الطبي أشار أنه تعرض لكدمات عنيفة، كانت السبب في نزيف حاد عجز الأطباء عن السيطرة عليه، مما تسبب بوفاته.

شيع جثمان جلال كعوش بتاريخ 10/1/1966، وكانت جنازته حافلة مهيبة. ودفن في مقبرة صيدا، مخلفاً ثمانية أولاد.

المصادر والمراجع:

موسوعة أعلام فلسطين في القرن العشرين، محمد عمر حمادة، سوريا، 2000.

صحيفة “الحياة الجديدة”

وكتب عيسى عبد الحفيظ في صحيفة “الحياة الجديدة” الفلسطينية تحت عنوان “الذاكرة الوفية – جلال كعوش ما يلي:

الشهيد جلال كعوش

أول شهيد للثورة الفلسطينية لحركة فتح الذي سقط على الساحة اللبنانية بتاريخ 9-1-1966 تحت التعذيب على يد ما سمي آنذاك (المكتب الثاني)، أي جهاز المخابرات. تم القبض على الشهيد فقط لكونه فلسطينياً وطنياً أراد العمل لتحرير وطنه المغتصب فلسطين، ورأى في الكفاح المسلح والعمل العسكري الطريق الوحيد لتحقيق حلمه بالعودة الى وطنه السليب.

أثناء عودته من احدى المهام العسكرية وعلى الحدود الفاصلة بين جنوب لبنان وفلسطين المحتلة تم القبض عليه وادخل السجن ليبدأ التحقيق معه تحت أشد أنواع التعذيب الجسدي حتى وصل الأمر الى استخدام لهيب الاكسجين على مختلف أنحاء جسده فكانت النتيجة أن قضى شهيداً تحت التعذيب.

الشهيد كعوش من مواليد قرية ميرون قضاء صفد عام 1924. تلقى تعليمه الابتدائي هناك، وعند النكبة عام 1948 هاجرت عائلته لتستقر في مخيم عين الحلوة.

اعتقل أول مرة عام 1957 بسبب نشاطه ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر وقدم للمحاكمة حيث صدر عليه الحكم بخمسة عشر عاماً، لكنه استطاع الهرب عام 1958 وما ساعده على ذلك الأحداث التي عصفت بلبنان في فترة حكم كميل شمعون والوحدة بين مصر وسوريا وارتفاع المد القومي العربي في فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

التحق الشهيد كعوش بكتيبة الفدائيين (68)، هذه الكتيبة كانت للاستطلاع والعمل الفدائي الخارجي في الأرض المحتلة برئاسة العقيد السوري أكرم الصفدي والمقدم هيثم الأيوبي. اتخذت من بساتين حرستا بضواحي دمشق مقراً لها، إضافة الى قوات أخرى ميدانية تمركزت على جبهة الجولان وجنوب لبنان.

عاد جلال الى لبنان مع مجموعة فدائية انضموا جميعهم الى حركة فتح بتاريخ 23-12-1965 وأثناء عودته من تنفيذ عملية داخل الأرض المحتلة اعترضتهم دورية تابعة للمكتب الثاني واعتقلت جلال كعوش وأودعته في زنازين المخابرات حيث تعرض لتعذيب جسدي رهيب أدى الى استشهاده بتاريخ 9-1-1966 في منطقة اليرزة حيث مقر وزارة الدفاع اللبنانية.

كان جلال كعوش اول شهيد فلسطين من قوات العاصفة يسقط على الأراضي اللبنانية، وأيضاً سقط الشهيد عطا دحابرة من سكان مخيم عين الحلوة بنفس الطريقة.

قامت الدنيا ولم تقعد وشهدت كل المدن اللبنانية تظاهرات صاخبة بعد تشييع جثمانه بجنازة حاشدة، وشاركت فيها الجماهير الفلسطينية واللبنانية وكان للشهيد معروف سعد موقف تاريخي عندما دعا كل أنصاره للخروج ضد سياسة الحكومة وإدانة الجريمة النكراء. كما ألقى الفقيد أحمد الشقيري خطاباً غاضباً أدان فيه المسؤولين وتقديم الاحتجاج الرسمي، وشهدت التظاهرات بصدامات عنيفة مع قوى الأمن اللبناني سقط فيها عدد من الجرحى الفلسطينيين واللبنانيين.

الشهيد جلال كعوش متزوج وله من الأبناء أحد عشر، قاتل وناضل في زمن عز فيه الرجال وسيبقى تاريخ استشهاده علامة مضيئة في سماء الوطن، وستبقى ذكراه خالدة في سجلات الثورة الفلسطينية المعاصرة.

موقع “بنت جبيل – سيدة جبل عامل وعروس الجليل”

وكتب سلمان فخرالدين، السجين السياسي المحرر من سجون العدو في موقع “الجولان للدراسات والإعلام”، ونقله عنه موقع “بنت جبيل – سيدة جبل عامل وعروس الجليل” ما يلي:

قصة جلال كعوش مع الأوسمة

(كان جلال كعوش فدائياً، مشهوراً في الستينات، وقد قام بالعديد من الأعمال البطولية، اجترحها بشجاعة وبأس، واستحق عن هذه البطولات العديد من الميداليات والأوسمة. وفي يوم ذهب الى قيادة الجيش في القنيطرة، فاستقبل بحفاوة بالغة وتكريم ملحوظ، وعند مقابلة القائد، قال له الأخير: مُرحباً ” آهلا جلال، بماذا أخدمك، فأنت تستحق كل خير” أجابه : ببساطة أنا أشكركم على كل ما قدمتموه لي، لكن يا سيدي أرجو لو تبدلون أوسمتي بشيء، من المؤنة لعائلتي، معلومك من غير الممكن ان أطعم أسرتي، شو ربة ميداليات، أو مقلوبة أوسمة. أو طبخات من بطاقات الشرف بالفرن ….) انتهت القصة.

قبل عام، تسابق العرب من المحيط الى الخليج للاحتفال بانتصار المقاومة في جنوب لبنان، فطبلت التلفزيونات، وزمرت الإذاعات، ونزلنا الى الشوارع ، بقضنا وقضيضنا، لنصفق ونغني ونحتفل، وكأننا نحن من حّرر، الجنوب، وكل ذلك بإخلاص وحب، وحقيقة واقعة، فنحن، كأمة نتعطش للانتصار، فلا غرو بذلك، أتخمتنا الهزائم ومضغناها، حتى دّرسنا من حموضتها، وكان الانتصار، ونحن متفرجين مشجعين فرحين، وحين الانتصار قام ” كسيحنا ” عن الأرض وتقدم الصفوف، وامتطينا صهوة المنصات والشاشات والميكرفونات لنعلن إننا حررّنا الجنوب، ولم نكتف بذلك،، فقد آتي نجوم السينما والمسرح والطرب الى الجنوب، وقاموا بالواجب وحملنا الجنوب على اكف الراحة، إرضاء لغرورنا، تسلقاً على التاريخ، وانتهت الاحتفالات ورجع الجنوب ليشكل محافظة من لبنان.

ان الواقع يفرض على لبنان أولا وعلى الأمة العربية قبلاً ان يجعلوا لبنان بجنوبه درّة التاج، فهو يستحق ذلك . سياسياً يجب ان يتحول الجنوب الى ميدان مباراة بين ” ما كان ” وما سيكون عليه الحال. وان إدارة هذا الجانب من الصراع أهم ألف مرة من صراع المقاومة البطولي. لكن ذلك لم يحدث، ولم يتم البحث فيه، والعمل عليه بشكل جدي ومخلص. إذا كانت المقاومة مدعومة بكل لبنان وحلفاءه قد دحرت العدو مذعوراً، فان مرحلة ما بعد التحرير ليست من اختصاص المقاومة، وهذا ما فعلته المقاومة على الأرض، فقد دعت المقاومة بلسان فارسها “حسن نصرالله ” الدولة الى إدارة شؤون الجنوب لان هذا صلب عملها. وهذا هو واجب العرب الأكثر قومية، وإلحاحا ًعلى الجميع حكومات واتباع. فبأي ذريعة نتخفى من دعم تنمية لبنان والجنوب لنعوضه سنوات الاحتلال فلجنوب لبنان حصة في كل لقمة نأكلها فهو الأولى منا سياسياً بها، وكذلك كتاب المدرسة والدفتر والصحة والبيوت المهدمة والمناضلين المجاهدين من اسرى وجرحى وما بينهما.

كل شجرة اقتلعها الاحتلال إعادة زرعها واجب عربي مقدس، كل لوح زجاج كسره الاحتلال مهمة أعادته على كل عربي رئيساً كان أم ملك أو جندي بالجمارك وحتى كل المواطنين، فلماذا يعاد إهمال الجنوب اللبناني؟؟ ولمصلحة من هذا الحصار التنموي على الجنوب؟؟ بأي حق في الوجود يتضور جوعاً من قضى زهرة عمره في سجن الخيام بينما تأكل كلبة مدللة لعميل سابق مار تديلا ما يكفى عائلة كاملة. فهل نحن في عصر الكلاب وأنا لا ادري ذلك ؟؟ الله اعلم .

ونفس الشيء يحصل في فلسطين، ان الانتفاضة الفلسطينية تحاصرها إسرائيل بالبر والبحر، ويشارك العرب بالحصار صمتاً ولا مبالاة. إذا كانت فلسطين وجنوب لبنان عار هزيمتنا، فان الجنوب انتصر على العدو والعدوان، وحصاره اليوم عار مزدوج، لان هدفه واضح، ضرب من قاوموا، والتشفي بالانتصار، لنثبت ان النعم من نصيب الذين يسبحون مجد أمريكا، ويسجدون لإسرائيل. ومن يفعل ذلك فله جهنم وبئس المصير. فهل هذا الدرس الذي يريدون تلقينه لنا. يبدو ان المحظوظ الوحيد في هذا العالم هو الكيان الصهيوني، لان الله وهبه “أعداء” هم نحن الأمة العربية، على كل ما فيها، بكل ما فيها.

كلمة أخيرة كانت والدتي تعظني وأنا صغير، وتقول أمامي باستمرار “ان الله يبشر القاتل بالقتل، والزاني بالفقر ولو بعد حين” فرحمة عليك يا أمي لو تعلمين ماذا تفعل الجامعة العربية اليوم، إنها تعمل على تبشير المقاوم بالقتل، والمنتصر بالفقر من حين الى حين، فهل تتعظ من المقولتين لنستحق الاحتفال بالذكرى الأولى لرحيل العدوان عن الجنوب، وغداً في فلسطين والجولان!!!!

موقع “دنيا الوطن

وكتب الباحث والكاتب الفلسطيني أوس داوود يعقوب في 10/1/2010 في موقع “دنيا الوطن” الذي ينشر من قطاع غزة ما يلي:

الفدائي جلال كعوش (1924 – 1966)

نتذكر الشهيد الفلسطيني الأول في لبنان

يعد الشهيد جلال كعوش أول شهيد للثورة الفلسطينية المسلحة فوق الأرض اللبنانية، حيث استشهد في (9/1/1966)، بعد عام واحد من انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، (التي حولتنا من لاجئين مشردين، إلى ثائرين مقاتلين)، كما كان يردد دوماً، والدي الأديب والإعلامي الراحل داوود يعقوب.

ونحن إذ نتذكر اليوم الشهيد البطل جلال كعوش بفخر واعتزاز في الذكرى الثالثة والأربعين لرحيله، فإننا نسجل بكل أسف ومرارة، أن أول شهيدٍ للمقاومة الفلسطينية فوق تراب الوطن اللبناني، الغالي على قلوبنا، سقط بأيدي قوى الأمن اللبناني ـ (المكتب الثاني اللبناني ، آنذاك) ـ وليس بأيدٍ صهيونية!!

ولد الشهيد جلال كعوش سنة 1924، في قرية ميرون ـ قضاء مدينة صفد ـ وتلقى دراستها الابتدائية في قريته، وفي سنة 1948 هُجِّر مع عائلته إلى لبنان، وأقام في مخيم عين الحلوة للاجئين في مدينة صيدا، ومنها انتقل إلى مخيم اليرموك في دمشق.

ومنذ مطالع شبابه أنخرط في العمل الفلسطيني المسلح، وكانت البداية ضمن تشكيل فدائي حمل اسم (الكتيبة 68)، ومما يذكره الباحث الفلسطيني الأستاذ علي بدوان في كتابه القيم ( صفحات من تاريخ الكفاح الفلسطيني ـ التكوينات السياسية والفدائية المعاصرة: النشأة والمصائر ـ الصادر سنة 2008، عن دار صفحات للدراسات والنشر/ دمشق)، حول هذه الكتيبة، والدور البطولي الذي لعبه الشهيد جلال كعوش مع رفاق السلاح في هذه التشكيلة الفدائية الطليعية:

(الكتيبة 68 في الجيش العربي السوري، كتيبة للاستطلاع الخارجي والعمل الفدائي في فلسطين على امتداد سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ولدت من نواة وحدة الفدائيين الفلسطينيين في جهاز الاستطلاع السوري التي تشكلت عام 1949 برئاسة النقيبين في المكتب الثاني السوري برهان أدهم، وبرهان بولص للعمل في فلسطين، وأعيد إنشاؤها بقرار من العقيد عبد الحميد السراج مسؤول المكتب الثاني أثناء الوحدة المصرية السورية تحت اسم الكتيبة 68، حيث شكل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا ولبنان قوامها الأساس بالتواصل مع أعضاء مقيمين في الجليل شمال فلسطين (حسن عبد الحميد حسين، يوسف كنعان، حسن جربوني، محمود ياسين، أحمد ياسين، إبراهيم فهماوي، محمد فاضل، عبد الحميد خن …) بقيادة العقيد السوري أكرم الصفدي، والمقدم الهيثم الأيوبي، والعقيد أحمد حجو الموجود حالياً في قطاع غزة، واتخذت الكتيبة من بساتين بلدة حرستا، بضواحي دمشق مقرا ًلها، إضافة إلى مقرات ومواقع ميدانية على جبهة الجولان وجنوب لبنان، وكلفت الكتيبة بإدارة وتنفيذ عمليات الاستطلاع وغيرها شمال فلسطين (كعملية نسف باص عسكري إسرائيلي ومقتل عدد من ركابه على طريق صفد ـ عكا نفذها علي الخربوش، وجلال كعوش).

وحسب مصادر العدو الصهيوني فإن هذه العملية (جرى تنفيذها على يد اثنين من اللاجئين الفلسطينيين من مخيم اليرموك هما جلال كعوش (من ميرون قضاء صفد)، وعلي الخربوش (من عرابة البطوف) ، وهما من الوحدة الفدائية الفلسطينية في الجيش العربي السوري. ووقعت عام 1955 على طريق عكا ـ صفد وقتل فيها خمسة إسرائيليين وجرح أربعون).

وقد فر أكثر من أربعين عنصراً من (الكتيبة 68) إلى مصر عبر لبنان، بعد أن أدانتهم المحكمة الميدانية العسكرية السورية برئاسة العميد صلاح الضلي بالمشاركة في الحركة الانقلابية الفاشلة التي قادها العقيد جاسم علوان، وهدفت إلى إعادة الوحدة مع مصر بقيادة جمال عبد الناصر.

وأعدم اثنا عشر فرداً من أعضائها رمياً بالرصاص في سجن المزة العسكري في دمشق يوم 18/7/1963 (أحمد منصور، لطفي قادرية، سليمان حمادي الشاويش، عيسى محمود عيسى، أحمد ياسين مفلح، محمود الهندي، مصطفى إبراهيم حميد، يوسف محمد عطا الله، صالح شعبان محمود، علي أبو عيسى، محمد عبد الهادي عبد الكريم، عبد الله الأخضر).

ومن أبرز أعضاء (الكتيبة 68) الذين انضموا إلى حركة فتح : الشهيد جلال كعوش، الشهيد الرائد الشرعان (أبو جمال الشوف)، الشهيد الرائد روبين أبو العلا، الشهيد يوسف أحمد عوض (أبو فالح)… وعضو قيادة جبهة التحرير العربية كمال كعوش … ومن الجبهة الشعبية الشهيد رفيق عساف، المقدم الهيثم الأيوبي، ومن (الجبهة الشعبية / القيادة العامة) الشهيد أبو علي الأخضر بطل معركة عين يهيف، والشهيد خالد الأمين).

عين على ميرون

في لبنان وقبل انطلاقة ثورة الـ (65) واصل شهيدنا دربه النضالي ، وعينه على الوطن المغتصب، مع إدراكه أن الطريق إلى قرية ميرون مليئاً بالأشواك، ويحتاج إلى تقديم الكثير من التضحيات، غير أنه ككل الطليعة الثورية الفلسطينية المخلصة، كان مستعداً في سبيل تحرير فلسطين أن يبذل الغالي والرخيص، فحمل روحه على كفه، مؤمناً بقول شاعرنا الشهيد عبد الرحيم محمود (1913-1948).

سأحمل روحي على راحتي واُلقي بها في مهاوي الردّي

فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى

ونفس الشريف لها غايتان ورود المنايا ونيل المنى

لعمرك أني أرى مصرعي ولكن أغذ إليه الخطى

أرى مقتلي دون حقي السليب ودون بلادي هو المبتغى

وتذكر الموسوعة الفلسطينية، أن إحدى المحاكم اللبنانية قضت عام 1957، بسجن جلال كعوش (خمس عشرة عاماً، لإقدامه على نسف السفارة الفرنسية ببيروت ، وتوجه إلى سرية، ومنها عاد مع بعض المسلحين، وانضموا جميعا إلى الثوار في منطقة صيدا. وغدا جلال كعوش القائد العسكري لهذه المنطقة).

وفي هذا السياق أشير أنه وبعد الرجوع إلى العديد من المراجع والوثائق الفلسطينية، لم أعثر على أية تفاصيل عن هذه الحادثة، المذكورة في الموسوعة الفلسطينية (القسم الأول ـ حرف الجيم)، لمعرفة الأسباب التي دفعت بالشهيد جلال كعوش إلى استهداف السفارة الفرنسية، وهل تم فعلاً نسف مقر السفارة؟ وكيف نجا من قبضة السجان اللبناني؟ أسئلة عديدة أرجو أن يتصدى لها أحد الذين عايشوا تلك الفترة من العمل الفدائي في لبنان.

ضحية تخاذل النظام الرسمي العربي

مع انطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة وحركة التحرر الوطني الفلسطيني (فتح) على وجه التحديد في 1/1/1965، انضم الشهيد جلال كعوش إلى الحركة ، يوم كان قادتها وكوادرها ومقاتليها يؤمنون أن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيدة والموصلة لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر.

ولقد آمن الشهيد جلال أن الكفاح المسلح كأسلوب، وطريق للتحرير، والعمل الفدائي الفلسطيني، ضمن الإطار العربي، في مقدوره أن يحرر فلسطين، غير أن تخاذل وضعف النظام الرسمي العربي عموماً، واللبناني على وجه الخصوص، خذل المقاتل، فما أن وصل جنوب لبنان في شهر كانون الأول/ديسمبر 1965، عائداً من منطقة الجليل شمال فلسطين المحتلة بعد تنفيذ عملية فدائية، قام عناصر المخابرات من (المكتب الثاني اللبناني)، باعتقاله في يوم 23/12/1965، ثم ما لبثوا أن أطلقوا سراحه، ليعيدوا اعتقاله بعد خمسة أيام.

وفي 9/1/1966 سلم عناصر من (المكتب الثاني اللبناني) بلاغاً حول مقتله اعترفت فيه باعتقاله من ( مخيم عين الحلوة، الواقع ضمن المنطقة العسكرية. للتحقيق معه بقضية تتعلق بسلامة القوى العسكرية )، وانه (أثناء التحقيق معه، غافل المحققين و قفز من غرفة التحقيق في طابق علوي، محاولاً الفرار، فأصيب بجراح و رضوض) انتهت بوفاته بعد ثلاثة أيام.

إلا أن الكشف الطبي أشار أن الشهيد جلال كعوش تعرض لكدمات عنيفة كانت السبب في نزيف حاد عجز الأطباء عن السيطرة عليه، مما تسبب في وفاته.

ومما يذكره بدوان عن حادثة مقتل الشهيد جلال كعوش:( تم اعتقال عضوين من مجموعتين من قوات العاصفة لدى عودتهما إلى جنوب لبنان من عمليتين فدائيتين شمال فلسطين المحتلة في منطقة الجليل، فخضع الشهيد جلال كعوش من مخيم اليرموك، لعملية تعذيب قاسية، استشهد جراءها داخل أقبية مخابرات المكتب الثاني اللبناني في منطقة اليرزة حيث مقر وزارة الدفاع اللبنانية، فكان شهيد فلسطين وقوات العاصفة الأول فوق الأرض اللبنانية بتاريخ 9/1/1966، واستشهد بالطريقة نفسها رفيقه عطا أحمد الدحابرة، من مخيم عين الحلوة، بتاريخ 14/5/1967، وأحمد الأطرش، وعبد الرحيم أبو يحيى).

وفي 10 / 1 / 1966 شُيع جلال كعوش الشهيد الفلسطيني الأول في لبنان جلال كعوش في موكب مهيب في مدينة صيدا، و دفن في مقبرتها.

موقع “جبهة التحرير العربية على الفيس بوك”

وتحت عنوان “شخصيات فلسطينية بعثية”، كتب هشام عودة في موقع “جبهة التحرير العربية” على الفيس بوك ما يلي:

جلال كعوش (1924 ـ 1966)

ولد جلال محمد كعوش في قرية ميرون قضاء صفد، تخرج في مدرسة صفد الثانوية سنة 1944، انخرط في صفوف المجاهدين في الجليل الشمالي سنة 1948، لجأ إلى لبنان إثر نكبة فلسطين سنة 1948، وأقام في مخيم عين الحلوة في صيدا، وانتمى في مطلع الخمسينيات لصفوف حزب البعث العربي الاشتراكي واصبح احد ابرز ناشطيه في لبنان.

قام بعدة عمليات ضد العدو الصهيوني أثناء العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، كما قام بنسف السفارة الفرنسية في بيروت انتقاماً للجزائر سنة 1957، فحكم عليه بالسجن 15 سنة ، وهرب أثناء الحركة الوطنية اللبنانية في مواجهة التدخل الأميركي في لبنان سنة 1958، وتوجه إلى سورية، ثم عاد إلى صيدا، وعند انطلاق الثورة الفلسطينية عمل في صفوفها، و اعتقله المكتب الثاني “الاستخبارات” اللبناني سنة 1965، وتعرض لعمليات تعذيب شديدة توفي على أثرها في السجن وسلم جثمانه إلى ذويه سنة 1966، ودفن في صيدا، فكان بذلك أول شهيد للمقاومة الفلسطينية على الأرض اللبنانية.

أطلق رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك أحمد الشقيري اسمه على إحدى كتائب جيش التحرير الفلسطيني، كما اطلقت جبهة التحرير العربية على احد مستوصفاتها الطبية في مخيم عين الحلوة.

في الساموراي الأخير

قصة الشهيد جلال كعوش في “الساموراي الأخير”

قصة الشهيد جلال كعوش رحمه الله مقدمة في الفيلم الشهير “الساموراي الأخير”!!

ذهب الممثل الأمريكي “توم كروز” إلى الإمبراطور الياباني في نهاية الفيلم بعد مقتل زعيم الساموراي صديق كروز في المعركة النهائية ضد القوات الحكومية. ركع كروز والدموع في عينيه أمام الامبراطور وحمل سيف زعيم الساموراي التي تركه له خلال المعركة ثم قدمه إلى الامبراطور. وعلى الفور عرف الامبراطور ذلك السيف ثم صمت برهة وقال للمثل كروز والدموع في عينيه: “هل كنت معه عند وفاته” فرد كروز “نعم يا صاحب الجلالة … مات وهو يقاتل من اجلك” فقال الامبراطور “قل لي كيف مات”. فرد كروز “سأقول لجلالتكم كيف عاش..”.

وأختم بمقال لابن شقيق الشهيد الصحفي نديم كعوش كتبه ونشره بالإنكليزية

لا شك أن كل واحد داخل أسرة كعوش وخارجها يعرف كيف توفي واغتيل الشهيد جلال كعوش غدراً، لكن الكثيرين لا يعرفون كيف عاش. ففي هذا المقال، يقدم ابن شقيق الشهيد جلال كعوش الصحفي نديم كعوش موجزا لحياة واحد من أعظم القادة والشخصيات في التاريخ الفلسطيني. نشر المقال باللغة الإنجليزية في موقع “ميرون دوت كوم” قبل بضع سنوات، ولكن للأسف لم يتسنَّ للكثيرين الاطلاع عليه بسبب إلغاء الموقع، لذا أنشرها هنا باللغة العربية حتى يتسنى للجميع متابعة ومعرفة عظمة هذا الشخصية الفلسطينية الفذة.

يستند هذا المقال، الذي تمت ترجمته إلى العربية، على مقابلات أجراها نديم مع بعض أصدقاء وأقارب الشهيد جلال، من بينهم “أبو غالب الصالح” من قرية الصفصاف الفلسطينية القريبة من ميرون والذي عرف الشهيد جلال منذ طفولته، والمرحوم أحمد سعيد نايف كعوش “أبو الحسن”، وشقيقة الشهيد “أم بسام”، وابن شقيق الشهيد فايز سعيد كعوش، وغيرهم من الذين عايشوا الشهيد، تغمده الله برحمته.

هذا المقال هدف إلى تغطية جزء صغير وبسيط من حياة الشهيد، لأنه كما قال نديم “لو اردنا ان نغطي جميع جوانب حياته ونوفيه حقه عن ما فعله من اجل فلسطين والشعب الفلسطيني، بما في ذلك عائلته طبعاً، لاحتجنا الى الاف الصفحات”.

وهذا المقال هو مجرد محاولة متواضعة جدا من كاتب هذه السطور لإعطاء لمحة موجزة ولكن دقيقة وصادقة لجانب واحد فقط من حياة الشهيد جلال، لإتاحة الفرصة لآل كعوش وغيرهم من الفلسطينيين الذي يتابعون هذه الصفحة لمعرفة أفضل لهذا الرجل الذي تحول من شهيد إلى رمز لفلسطين وشرارة الثورة التي هزت الكيان الصهيوني على مدى السنوات التي سبقت جريمة اغتياله، وأجبرت هذا الكيان في ما بعد على الاعتراف بالفلسطينيين كشعب له مطالب وحقوق مشروعة لا مجرد لاجئين.

نامل ان يؤدي هذا المقال والمقالات التي أتيت على ذكرها سابقاً الى انعاش ذاكرة شعبنا عن الشخص الذي دفع حياته ثمنا لوطنه وأرضه وشعبه وأسرته في ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية وجغرافية كانت غاية في الصعوبة، فكان أن قتل غيلة وغدرا، وهو لم يكن قد تجاوز الأربعين من عمره، لا لسبب إلا لأنه اختار طريق الجهاد ردا على قيام الصهاينة باغتصاب فلسطين وتآمر العالم على الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

المجاهد

اتهموه بالإرهاب وهو الذي سلك أسمى طريق في هذه الحياة، وهو طريق الجهاد الذي دعت إليه وباركته كل الأديان. لذا ينبغي أن نتذكر دائما الشهيد جلال ونكرمه في كل مناسبة لأن اسمه اصبح خالدا، ومن دونه ومن دون أسماء الأبطال الفلسطينيين الآخرين الذين قدموا حياتهم للقضية الفلسطينية ما كانت هناك قضية فلسطينية حتى الآن.

يضيف نديم: بكل صدق سيبقى عمي جلال شرفنا وتاج راٌسنا الى ابد الابدين، فقد مجٌد ورفع راس بيت كعوش عاليا، واذا كان التاريخ القديم والحديث سيذكر الأشخاص الذين تتشرف بهم فلسطين فبالتأكيد سيكون عمي وسيٌدي وتاج راسي الشهيد أبو فاروق على راس القائمة. لهذا السبب، فان وفاة وتضحية الشهيد جلال كعوش لم تكن يوما من دون جدوى. (نرجو من الجميع ان يقرأوا هذا الموضوع مرة ومرتين وثلاث مرات لإدراك عظمة هذا الرجل وكيف مجٌد ورفع اسم عائلته وشعبه ووطنه عاليا واصبح مجرد ذكر اسمه مرتبطا بالشرارة التي اطلقت هذا الثورة المجيدة والكفاح المسلح لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني ان عاجلا ام اجلا. نرجو أيضا من الجميع ان يحفظوا هذه المقالة ويشاركوا في نشرها على صفحاتهم في الفيسبوك حتى يتسنى لأكبر عدد ممكن من الناس قراءتها نظرا لما تحتويه على معلومات هامة عن بعض جوانب شخصية عمي الشهيد أبو فاروق، وللجهد والوقت اللذين بذلا في كتابة المقال….مع الشكر الجزيل).

في السجن

في عام 1956، تم اعتقال الشهيد أبو فاروق مع عدد من رجاله ووضع في السجن لمدة اكثر من عام من قبل الاستخبارات اللبنانية بتهمة قيادة مجموعات إرهابية على حد زعم الادعاء اللبناني، بعدها سجن في بعلبك الهرمل لنحو سنتين في عام 1958 ثم قاد حركة تمرد داخل السجن وفر بعدها الى سوريا وعاد بعد فترة الى لبنان ليستأنف نشاطه الثوري وقيادة المقاومة الفلسطينية ضد “إسرائيل”. كما قام بدعم حركة المناضل معروف سعد ثم عاد الى سوريا بعد التوصل إلى اتفاق بين حركة الناصريين التابعة لمعروف سعد والرئيس فؤاد شهاب أنذاك. بعد عودته إلى لبنان من سوريا ثانية، جلس جلال مع زوجته شيخة التي قالت له: “يجب أن تكون حذرا جدا… المخابرات هنا بدأت تنشر رماحها وجواسيسها….أنا حقا بدأت اقلق عليك…الا تعتقد أن الوقت قد حان لأن تأخذ استراحة من كل هذا “. فنظر المرحوم الى وجهها الجميل ثم ابتسم وقال: “أعرف أنهم يسعون خلفي ولكني لن أتوقف….وسأواصل هذا النضال والكفاح من أجل حريتنا وكرامتنا وأرضنا…لن اتوقف أبدا حتى أحقق المجد لعائلة كعوش ووالدي محمد العبد الى الابد “. روى هذا فاروق الابن البكر للشهيد جلال فقال: “أعتقد ان والدي حقق حلمه لأن اسم عائلة كعوش وجدي محمد العبد أصبحا بالفعل ممجدين الى الابد”.

هذا هو الشهيد جلال كعوش

ولد جلال في قرية ميرون عام 1925 وهو ثالث أصغر أولاد الشهيد محمد العبد، وكان طفلا صغيرا عندما توفيت والدته مما كان له الأثر القوي عليه. المقربون منه يؤكدون أن جلال كان يتمتع بشخصية قوية وكان شجاعا جدا وكريما ووسيما وطيب القلب وعادلا مع الجميع. استشهد وهو في ريعان الشباب وفي اوج قوته ومجده وعطائه. لعن الله قاتليه الى الابد واسكنهم جهنم خالدين فيها الى ابد الآبدين….آمين.

شهادة “أبو الحسن”

تسنى لي أن أحظى بلقاء مع “أبو الحسن كعوش” قبل وفاته لأساله عن جلال، وكان رحمه الله من اشد المعجبين بشخصية “أبو فاروق” ونضاله وقوته وشجاعته. قال أبو الحسن:” كان أبو فاروق معروفاً بحبه للناس، وأسرته وقريته ووطنه، وكان يساعد كل شخص يطلب المساعدة. ولهذا السبب كان شخصاً محبوباً جدا من الجميع … الشيء الذي كان مميزا فيه أيضا هو أنه لم يعرف أي تمييز … كل الناس كانوا بالنسبة له سواء وكان همه مساعدة الفقراء … كان رجلا يعرف الحق والعدل والطيبة اكثر من غيره.” وأضاف أبو الحسن “كان جلال فتى وسيما، وعندما كان صغيرا كان نشطا جدا وقويا ولكن لم يسبب المتاعب لأحد … اذكر انه كان يذهب إلى المدرسة في صفد وبعد ذلك يعود ليعمل في زراعة التبغ في ميرون…وعلى الرغم من قوته وشجاعته، إلا أنه لم يظهر ذلك أبدا لعائلته وأقاربه لأنه كنا يحترمهم جميعا …وهو لم يتوقف عن إظهار حبه للعائلة وقريته ميرون….لهذا السبب، كان واحدا من الأشخاص الأكثر نشاطا في النضال ضد الصهاينة والبريطانيين في فلسطين…عندما تركنا فلسطين إلى لبنان، رفض بشدة قبول حقيقة أن أرضنا قد ذهبت وسرعان ما بدأ بحشد الناس من حوله وشكل نواة المقاومة الفلسطينية “.

المقاومة المنظمة

بدأ الشهيد أبو فاروق أنشطته المقاومة للكيان “الإسرائيلي” في الخمسينات واكتسبت المقاومة المزيد من الزخم مع مرور الوقت مما دفع بالمخابرات اللبنانية والجواسيس من كلا الجانبين إلى مراقبته وملاحقته أينما ذهب، لكن ذلك لم يُثبط همة “أبو فاروق” الذي مضى قدما في تشكيل مقاومة منظمة لاستعادة الأرض المفقودة وكرامة الارض والشعب. وفي وقت لاحق شاركه في المقاومة نائب صيدا الراحل معروف سعد كما فعل الوطنيون الآخرون. وفي أحد الأيام جاءت المخابرات اللبنانية تبحث عن جلال وبعض من رفاقه مما دفع بمعروف سعد لإخراجهم من المخيم وإخفائهم في أحد منازله في صيدا. وأضاف أبو الحسن “الخوف لم يعرف طريقه إلى قلب جلال في حياته … فعلى الرغم من استمرار ملاحقته من قبل المخابرات مرات عديدة إلا أنه لم يهتز أبدا كما لو كان قلبه من الصخر أو الحديد”. وأضاف “صعٌد أبو فاروق كفاحه والعمليات العسكرية التي كان يشنها ضد “إسرائيل” مما شجع العديد من المقاتلين الانضمام إليه وبداٌ عددهم يتزايد يوما بعد يوم لانهم كان متحمسين ومتأثرين بشجاعته وتصميمه وعزيمته وولائه القوي والتفاني من أجل وطنه … كان رحمه الله رجلا نادرا وكانت وفاته خسارة كبيرة لجميع الفلسطينيين ولكنها بالطبع لم تكن دون جدوى”.

جلال في مصر

قال أصدقاء ومعارف الشهيد ابو فاروق انه كان دائم السفر إلى العديد من البلدان في السعي لتحقيق الدعم العربي للنضال الفلسطيني وتأمين الأسلحة للمقاومة. وكانت مصر واحدة من تلك الدول التي زارها. وقال يوسف مصرية من المية ومية “اعتاد جلال أن يأتي إلى مصر مع شقيقه الأصغر كمال لحشد الدعم للمقاومة والحصول على أسلحة … التقيت به مرات عديدة في الإسكندرية حيث كنت أدرس في أواخر الخمسينات وبداية الستينات…كنت أكن الكثير من الإعجاب لهذا الرجل … لقد سافرت إلى العديد من الأماكن على مدى السنوات ال 40 الماضية لكني لم أر رجلا مثله في تفانيه وشجاعته وحبه لأسرته وشعبه ووطنه.” وأضاف مصرية “كان كمال أيضا رجلا عظيما وأعتقد أنه اكتسب صفاته من أخيه جلال …واذا أخبرك شخص ما قصصاً عن شجاعة جلال وبطولاته فعليك أن تصدقه لأنني رأيت هذا بنفسي … كان لي ثقة كبيرة في هذا الرجل وأعتقد أنه لو بقي حيا فإن النضال من أجل فلسطين يمكن ان يحقق إنجازات اكبر”.

جلال في ميرون

عندما كبر جلال وأصبح راشدا في ميرون تزوج بنت عمه شيخة عندما كان عمره 16 سنة وكان عمرها هي حوالي 15 سنة وولد له ثلاثة أبناء في ميرون هم فاروق وزهرة ورفيق. أحب جلال جميع أشقائه وشقيقاته وكل أعضاء الأسرة وجميع سكان ميرون وكان شخصاً ملتزماً جدا تجاه اسرته بينما كان يعمل في تجارة التبغ، وبعد النزوح الى لبنان ذهب مع شقيقه الأكبر سعيد للعمل في قطاع البناء في بلدة جزين. وعلى الرغم من أنه كان معروفاً بانه شخص قوي وجدي فانه كان يحب المزاح مع الآخرين والجلوس للحديث والدردشة مع الأقارب والأصدقاء. قالت شقيقته ام بسام “كان جلال شخصا كريما جدا … كان لا يتردد في تقاسم قطعة من الخبز في فمه مع شخص آخر …واذكر انه في بعض الأحيان عندما يعد القهوة لنفسه كان يقول” أتمنى أن يأتي أحد ما ويشرب معي … “… كان جلال شخصا لطيفا ورقيقا جدا”. وأضافت: ” كان جلال يملك روح الدعابة … كان شخصا قويا جدا ومقربا كثيرا من شقيقه الأكبر أبو فايز، الذي أحبه كثيرا وظل يشجعه على النضال من أجل شعبه وأرضه … وكان أبو فايز نفسه رجلا وطنيا حيث كان هو وبعض الرجال الاخرين يزودون رجال المقاومة على جبل الجرمق بالسلاح”.

اعتقال جلال

لا تزال ام بسام تذكر يوم جاء رجال المخابرات الحاقدين الى منزل جلال في عين الحلوة بينما كان يتناول السحور خلال شهر رمضان. قالت: “أتذكر انهم أخذوه عند الفجر وأبقوه لعدة أيام بعدها بدا اخي أبو فايز وام فاروق وغيرهم بالبحث عنه ثم ذهب أبو فايز بعد ذلك الى المخابرات فقالوا له ان جلال هرب … ولكن لم يصدقهم أبو فايز بالطبع وتوجه مباشرة إلى رئيسهم الذي أبلغه الخبر المحزن أن جلال توفي وأن جثته وضعت في المشرحة”. وأضافت: “وانا أعرف أنه خلال وجوده في السجن كان اخي جلال قويا وصامدا ولم ينهار على الرغم من تعذيبهم له كما اخبروني فانه هاجم رجل مخابرات ضخما يدعى العازوري وكسر يده…بعد ذلك، أحاطوا به وانهالوا عليه بالضرب حتى الموت….ولكن كما ترى فان الله لم يمهلهم لان معظمهم نالوا عقابهم”. وقالت أم بسام أن شقيقها جلال كان يذهب بعيدا من فترة لأخرى خلال إقامتهم في لبنان ولكنها لم تكن في بادئ الامر تعرف أنه كان يهاجم الصهاينة داخل فلسطين. وأضافت: “لم يكن يحب التحدث عن العمليات العسكرية البطولية التي كان يقوم بها لأنه لم يكن يريد أن يتباهى … كان يقوم بتلك العمليات من أجل والده وعائلته و قريته ووطنه…واذكر ذات مرة انه غاب عدة أيام وعند عودته أعطاني بعض الحجارة الصغيرة….وعندما سألته عن تلك الحجارة قال لي:” قبٌلي هذه الحجارة واحتفظي بها معك دائما فهي من وطنك…من بلدك…من ترابك….من قريتك ميرون…..وعندما سألته كيف حصل على تلك الحجارة قال ان صديقا له أعطاه إياها… كان من الواضح انه لم يكن يريد التحدث عن نشاطه في فلسطين لان الروح الوطنية والنضالية كانت محفورة في قلبه…كان جلال يسير كل الطريق من قرب مدينة صور حتى فلسطين أو كان يأخذ قارباً من تلك المنطقة ويذهب به إلى فلسطين مع بعض رفاقه…كانت رحلة صعبة ومحفوفة بالمخاطر ولكن كان يحب ذلك من اجل شعبه ووطنه”.

كان رجل العائلة جلال، على الرغم من انشغاله في النضال ضد الصهاينة من أجل استعادة فلسطين، يعطي الكثير من وقته لزوجته وأولاده وغيرهم من أفراد عائلة كعوش. وقد انخرط في عدة أعمال في لبنان من أجل إعالة أسرته، حيث ذهب إلى بلدة جزين وغيرها من المناطق ثم امتلك سيارة أجرة قبل أن يعمل في مزرعة لتربية الأغنام والأبقار أنشأها هو وابن عمه عبد اللطيف (أبو حاتم) في عين الحلوة. حول هذا قال فايز كعوش “كان عمي جلال يحب زوجته ويهتم بها كثيرا…كان يهتم بعائلته وجميع أفراد عائلة كعوش…كان همه أن تحظى عائلة كعوش باحترام الجميع، فهو كان رجلا حازما جدا وصاحب شخصية قوية وفذة لدرجة أننا عندما كنا أطفالا كنا نهرب كلما شاهدناه في الطريق”. وأضاف: “كان المرحوم رجلا عادلا جدا وصريحا ومخلصا ومستقيما لا يعرف اللف والدوران…هل تعلم انه عندما كان احد افراد عائلة كعوش يتعرض للأذى او الإهانة من قبل أي شخص اخر فان عمي جلال لم يكن ليهداٌ فكان يذهب للبحث عن ذلك الشخص ويلقنه درسا لا ينساه…كما أنه كان في حال تعرض صبي كعوشي للضرب على يد شخص آخر فان عمي جلال كان يقوم بضرب هذا الصبي لأنه كان يريد لنا ان لا نسكت ونرد الصاع صاعين لأي شخص يحاول أن يعتدي علينا….ببساطة كان عمي جلال يريدنا ان نكون رجالا وشجعانا لا نخاف من أحد تماما مثل والده محمد العبد”.

شهادة “أبو غالب الصالح”

الكثير ممن عرفوا الشهيد جلال أكدوا أن حبه الشديد لأسرته وقريته وشعبه ووطنه هو الذي جعله رمزا للوطنية وشخصا فريدا من نوعه. قال أبو غالب الصالح الذي عرف جلال منذ الطفولة: “كان جلال شخصا فريدا من نوعه … كان رجلا بكل معنى الكلمة … وكان رمزا للوطنية التي كانت وكأنها مصممة ومخيطة له…منذ البداية بداٌ جلال بتوحيد صفوف جميع الشبان الفلسطينيين لمحاربة الصهاينة والبريطانيين في فلسطين ومن البداية اتخذت شخصيته طابع القيادة وأؤكد لك أنه ببساطة لم يستطع ان يقبل حقيقة أن فلسطين ضاعت…إن كل ما أقوله عن الشهيد جلال لن يكون كافيا لأن هذا الرجل كان دائم الحركة والنشاط ولم يسترح أبدا”. وأضاف أبو غالب والدموع في عينيه من فرط الحب الذي كان يكنه لجلال: “كان المرحوم من أشد الرافضين لمجرد فكرة توطين الفلسطينيين في لبنان…وعلى الرغم من المخاطر المتزايدة والتهديدات ضده من المخابرات والجواسيس فهو لم يهتز او يتأثر وبقي صامدا بل اقوى من قبل”. وواصل قائلاً والدموع لم تزل في عينيه: “كان هناك الكثير من الخونة الذين كانونا يتربصون به بين ظهرانينا…كان يعرف أن حياته كانت دائما في خطر لكنه ببساطة لم يتهز ولم يهتم لأن اهتمامه كان لفلسطين وشعب فلسطين فقط….وفي الوقت الذي قبل معظم الفلسطينيون الوضع الجديد وبدأوا بالاستقرار في لبنان، رفض جلال هذه الفكرة وقرر القتال…والحقيقة اني لم أفاجأ بذلك لأن جلال ولد رجلاً حقيقياً …ولا زلت اذكر عندما قال لي ذات مرة “الموت أفضل من العيش خارج فلسطين”. ومضى أبو غالب قائلا: “كان موت جلال خسارة كبيرة في ذلك الوقت بالنسبة لنا جميعا وخبرا سارا بالنسبة لأولئك الذين خانوه وخانوا شعبهم …. ولكن أعتقد أن وفاته لم تذهب سدى لأنه أصبح أكثر من مجرد شهيد، وتحول إلى شرارة الثورة الفلسطينية…ثم جاء شقيقه كمال وغيرهم من الفلسطينيين المخلصين ليواصلوا مسيرة النضال…أشعر بالأسف والأسى لوفاته، لأنه كان بوسعه لو عاش أن يفعل الكثير الكثير لفلسطين والقضية الوطنية وكذلك القضية القومية… .فقد توفي وهو في ريعان الشباب وكان يعطي الناس دروسا في كيفية حب بعضنا لبعض، وكيفية توحدنا والحفاظ على قوتنا…أعطانا دروسا في الرجولة والشجاعة والصدق والتفاني والتضحية في وقت ساد فيه الغدر والقذارة والخيانة…كان جلال يحب الجميع ولهذا السبب أحبه الجميع…كان يكره الانقسامات والخلافات، ولهذا كرس الكثير من وقته لنبذ الفرقة وتحقيق الوحدة وإرساء المحبة بين الناس…جلال كان يحب أن يكون مع الآخرين، وكان اجتماعيا من الطراز الأول، وأعتقد أن هذا هو أحد الأسباب الرئيسية لنجاحه…كان يتمتع بسمعة جيدة للغاية، رافقته حتى الموت وبعده”. أحب أبو غالب وصف جلال “أبو فاروق” ب “الأستاذ”، لأنه كان يُعَلِم الآخرين كيفية ان يكونوا محبين لبعضهم البعض ومتحدين مع بعضهم البعض من أجل فلسطين. وختم أبو غالب بالقول: “كان جلال مثل المعلم الذي يعطي الدروس لتلاميذه…وأنا لا أبالغ عندما أقول أن جلال أعطى دروسا عظيمة في الوطنية للعالم كله…ماذا تتوقع أن يُقال عن رجل كرس حياته وروحه لشعبه ووطنه، فهو كان يفكر بشعبه قبل ان يفكر بنفسه وبأسرته…أعتقد ان هذه هي التضحية، بل الإيثار، والبطولة الحقيقية.

رحم الله الشهيد الكبير وجميع الشهداء الأبرار في فلسطين والوطن العربي وتقبله وإياهم جميعاً في جنان الخلد.

محمود كعوش

كاتب وباحث فلسطيني – الدنمارك

kawashmahmoud@yahoo.co.uk

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث