بين لقاءين مع وسائل الإعلام تحدث السنوار بلغتين مختلفتين ومتشابهتين، حيث تحدث في لقائه الأخير مع الصحفية الإيطالية بلغة سياسية هي أبعد ما تكون عن التهديد والوعيد، في حين كان حديثه مع الكتاب قبل شهرين معبأً بالقوة والجبروت والعنفوان المقاوم.
الاختلاف في لغة الخطاب لا تعني عدم المشابهة في الهدف الذي يتوخاه قائد حركة حماس في قطاع غزة، والذي يتمثل في جملة سياسية مفيدة، مفادها؛ حماية شعبي كما قال السنوار: والدفاع عن حقوقه في الحرية والاستقلال، هذا الهدف الذي لا يمكن الوصول إليه عن طريق المفاوضات، إن لم تكن مدعومة بالبندقية، لذلك كان حديث السنوار مع الكتاب مفعم بالبطولة والقدرات العسكرية، في رسالة مقاومة إلى أعداء فلسطين، تؤكد على توازن الرعب، رسالة وصلت في موعدها، وأتت أكلها من ردع للعدو.
وقد يتفق الجميع أن الحكمة تقضي عدم تكرار الحديث عن قدرات المقاومة، فالمعلومة قد وصلت، لذا لا بد من حديث بلغة أخرى مع الصحفية الإيطالية، لغة سياسية تهدف إلى رفع الحصار، وفك أغلال غزة، ودون ذلك فالقوة العسكرية للمقاومة موجودة إذا لزم الأمر، من هنا جاء تأكيد السنوار بأن الحرب ليست في صالح أحد، وبالتأكيد ليست في صالح شعبنا.
خطاب السنوار الباحث عن مصلحة شعبه استدعت بعد أيام نتانياهو، ليتحدث إلى وسائل الإعلام باللغة نفسها التي تحدث فيها السنوار، حين قال: لدينا القدرة على سحق أعدائنا، ولكن لا داعي لخوض حرب غير ضرورية في غزة!
فهل يمكنني القول: إنه توازن الرعب الذي يلزم الطرفين بالتفتيش عن مخرج لحالة غزة المحاصرة، ويجنبها مواجهة لا يسعى إليها طرفان يمتلكان من عناصر القوة ما يخيف الطرف الآخر، ويردعه عن طلب المواجهة؟ ولاسيما أن المتعارف عليه بين الأمم والشعوب والحكومات أن الحرص على امتلاك القوة، بهدف ردع العدوان، وتحقيق طموحات الشعب.
ويبقى السؤال الكبير:
هل تم اختزال القضية الفلسطينية في حصار غزة، وأين القدس من معادلة فك الحصار؟ وأين الضفة الغربية؟ وأن الانسحاب الإسرائيلي من الأراض المحتلة؟ وأين هي الدولة الفلسطينية؟
وهنا لابد من الصراحة، والحديث الواضح الفاضح لمرحلة التشرذم والانقسام التي أوصلنا إليها التفرد بالقرار؛ وعدم اقتناع قيادة السلطة بالشراكة السياسية بين كافة التنظيمات الفلسطينية، فنحن نعيش مرحلة انعدام الوزن السياسي، والخلل التنظيمي الذي سمح لرئيس السلطة أن يمارس ضد غزة عقوبات اقتصادية بهدف كسرها، عقوبات لم يتجرأ الاحتلال على القيام بها، لذلك فإن حالة غزة التي تدافع عن بقائها على قيد الحياة تفرض عليها أن تستنشق الهواء أولاً، ثم تزفر الغضب ثانياً، وعليه فلا يمكن تحميل حركة حماس وحدها المسؤولية الوطنية التي يجب أن تتحملها كافة التنظيمات بما في ذلك تنظيم حركة فتح.
إن المرحلة السياسية التي تعيشها القضية الفلسطينية تملي على غزة ألا تتحمل وحيدة المسؤولية التي يجب أن يتحملها كل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وذلك من خلال التوافق على لقاء وطني جامع، ينبثق عنه إطار قيادي مانع، وقادر على تطبيق برنامج وطني متفق عليه من جميع القوى السياسية، ومن منطلق الشراكة والوحدة الوطنية التي تؤثر مصلحة الوطن على مصلحة التنظيم، وتؤثر مصلحة فلسطين على مصالح الإفراد والمنتفعين.