عاد الحديث عن احتمالية نقل أجزاء من جثة الصحافي السعودي جمال خاشقجي للرياض بعد قتله وتقطيعه، داخل القنصلية السعودية بإسطنبول يوم 2 أكتوبر الماضي للواجهة من جديد.
وأجرت “الجزيرة. نت” في هذا الشأن حوارات مع مسؤولين أتراك ومصادر تركية مطلعة على سير التحقيقات.
وكانت مصادر تركية رجحت سابقا إمكانية نقل رأس “خاشقجي” أو أجزاء من جثته، إلى الرياض عبر الحقائب الدبلوماسية التي كان يقلها فريق الاغتيال السعودي؛ مما أثار أسئلة بشأن إمكانية حدوث ذلك، والكيفية التي تم بها.
فقد خلص وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في معرض حديثه قبل أسبوع عن حادثة خاشقجي ومصير جثته المفقودة؛ إلى أن هناك احتمالية كبيرة لأن تكون أجزاء منها نُقلت خارج تركيا إلى العاصمة السعودية الرياض في حقائب دبلوماسية.
وبحسب مصادر تركية عاملة في إدارة مطار أتاتورك تحدثت للجزيرة نت (مفضلة عدم الإفصاح عن هويتها)؛ فإن سيناريو نقل الرأس -أو بعض الأجزاء من الجثة فقط وليس كاملة- وارد، خاصة أنه كان ضمن الفريق المنفذ للعملية مختصون في التشريح وآخرون في التقنيات، ولديهم أجهزة تشويش ومواد كيميائية جهزت مسبقاً للغرض نفسه، إضافة إلى أن بعضهم كان يحمل حقائب متوسطة الحجم وليست حقائب صغيرة خاصة بالوثائق.
ووفقا للمصادر ذاتها، فإنها لا تستبعد أن يكون الفريق استغل تلك الحقائب الدبلوماسية، التي تحميها القوانين الدولية، ومن بينها اتفاقية فيينا لعام 1961، والتي تؤكد تمتع الحقيبة الدبلوماسية بحصانة مطلقة، حيث لا يجوز فتحها أو حجزها لأي سبب كان، ومهما كانت الظروف، بل إنه لا يجوز حتى إخضاعها للفحص الإلكتروني بواسطة الأجهزة الحديثة، لما في ذلك من إخلال بسرية محتوياتها.
إيماءات رسمية
هذه الإيماءات الرسمية التركية من وجهة نظر المحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو تؤكد -وبقوة- الاحتمالات الواردة في تهريب ونقل رأس خاشقجي عبر الحقائب، والتي لا يجري تفتيشها في المطارات بسبب الحصانة الدبلوماسية.
كما أن تصريحات مسؤول بحجم وزير الدفاع هو حديث معتبر، وفقا لحديث أوغلو مع الجزيرة نت، ومن غير الممكن أن يتحدث بدون معطيات معينة تتناسق مع ما خلص إليه فريق التحقيق التركي في وقت سابق، حيث تحدث عن امتلاكه أدلة تثبت إذابة جزء من الجثة بواسطة أحماض كيميائية، إضافة إلى إقرار السعودية لاحقاً بعملية تقطيعه داخل القنصلية، والحديث عن إخراج جثته بعد ذلك وتسليمها لمتعاون محلي.
وللبحث أكثر حول إمكانية حدوث هذا الأمر، تواصلت “الجزيرة نت” أيضاً مع مسؤولين دبلوماسيين في إسطنبول، وقالوا إن ذلك غير مستبعد، ويمكن حدوثه، خاصة أن الحقائب الدبلوماسية -في الغالب- لا يتم تفتيشها مهما كان وزنها وفقاً لقوانين الأعراف الدبلوماسية، بحسب حديثهم.
ونادرا ما تتم عملية تفتيش الحقائب في المطارات بحسب حديث أحد المسؤولين الدبلوماسيين للجزيرة نت (طلب عدم الكشف عن اسمه لاعتبارات خاصة)- موضحاً أن بعض الدول تلجأ إلى التفتيش عند الاشتباه في الحقيبة فقط من خلال وجود روائح مثيرة للشكوك أو أشياء غريبة تهدد الأمن القومي للبلد الذي يمر عبرها.
وقد تستغرق هذه العملية ساعات طويلة، حيث تقوم سلطات مطار الدولة التي ينزل فيها المسؤول الدبلوماسي المشتبه في حقيبته بإرسال طلب إلى سفارة بلاده في الدولة ذاتها ووزارة الخارجية من أجل طلب التفتيش، ويصل الأمر إلى مؤسسة الرئاسة، وأحيانا ترفض الدولة التي ينتمي إليها المسؤول، وتتوعد بأن تتعامل بالمثل مع نظيرتها وفقاً للأعراف الدبلوماسية، ولكن هذا لا يحدث في الغالب إلا عند وجود أمر بالغ الخطورة ومثير للاشتباه، وفق إفادة المسؤولين الدبلوماسيين.
معلومات حساسة
“أسباب تعامل السعودية بتلك الطريقة مع خاشقجي قد تكون لامتلاكه معلومات حساسة، جعلت السلطات السعودية تشعر بالخوف منه”، بحسب حديث المحلل والباحث السياسي التركي جاهد طوز للجزيرة نت.
كما أن “الهدف من هذه العملية ليس الانتقام من خاشقجي فحسب، بل كان الأمر مدبراً أيضاً لاستهداف تركيا وإدخالها في أزمة سياسية، ولكنهم لم يستطيعوا ذلك”، وفقاً للتركي جاهد طوز.
ولا يستبعد جاهد “أن يكون نقل رأس خاشقجي إلى العاصمة السعودية حدث بناء على طلب من مدير مكتب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي قيل إنه طلب من الفريق المنفذ للعملية إحضار رأس خاشقجي إلى الرياض”، ويرى طوز أن “الرؤية حول هذا السيناريو ستتضح بشكل أدق بعد الانتهاء من التحقيقات، التي قد تعلنها تركيا قريباً”.
فكل ما تريده الحكومة التركية بعد أكثر من شهر ونصف الشهر على مقتل خاشقجي في القنصلية هو الوصول إلى الحقيقة، بحسب حديث مدير عام وكالة الأناضول متين موتان أوغلو، الذي قال إن تركيا لا تزال حريصة على معرفة تفاصيل مقتل خاشقجي، والإجابة عن السؤال الذي يشغل الناس، وهو: أين الجثة؟
ويضيف موتان أوغلو -في حديث خاص مع الجزيرة نت- “هناك شخص تم قتله داخل القنصلية وتقطيعه وإخفاء جثته، والقناعة العالمية تقول إن السعودية لا تزال تخفي الكثير من الأشياء والحقائق، ويجب أن تتعامل المملكة مع أنقرة من أجل أن يأخذ القضاء طريقه في الداخل التركي، أو قد يتحول الأمر إلى القضاء العالمي وتتم مساءلة الفريق الذي قام بالعملية ومعرفة المسؤول عن الحادثة”.