“وطن- كتب وعد الأحمد- “- لا يكفي أن تكون طالباً في جامعة السوربون أعرق جامعات العالم و مستفيداً من المنحة القطرية الكاملة فيها حتى تكون سعيد الحظ وهذا هو واقع حال العشرات من معاناة الطلاب السوريين الذين باتوا يعيشون واقعاً مراً في أفياء هذه الجامعة على عكس الصورة الشائعة عن طلاب هذه الجامعة، بدءاً من التمييز الذي يُمارس ضدهم ومروراً بمزاحمة الجنسيات الأخرى لهم في المنحة القطرية المخصصة للسوريين، وليس انتهاءاً بتمويه مآل المنحة الكاملة التي قدمها أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لـ ١١١ طالب سوري في الشهر التاسع من عام 2015 المقدرة بـحوالي مليوني يورو، و التي تتكفل بمصاريف سكنهم و معيشتهم، ابتداء من تعليم اللغة الفرنسية إلى دخول الجامعة والحصول على شهادة التخرج الجامعي و ذلك بحسب البيان الرسمي للجامعة الذي صدر يوم الثلاثاء ١٥.٠٩.٢٠١٥ و ذلك بعد يوم من توقيع الإتفاق بين المدعي العام القطري د.علي بن فطيس المري ممثلا عن أمير قطر و رئيس الجامعة آنذاك د.فيليب بوتري.
من نماذج معاناة الطلاب السوريين محمود أحد الطلاب السوريين المستفيدين سابقا من المنحة القطرية ذكر لـ”وطن” أنه وإن كان الطلبة السوريون في بداية المنحة يشكلون الأغلبية رغم وجود طلبة غير سوريين، فإنه منذ استلام جورج حداد رئاسة الجامعة في شهر مايو ٢٠١٦ بدأت سياسة تمييز و إقصاء ممنهجة ضد الطلبة السوريين وذلك بطرد العشرات منهم بحجج واهية و إعطاء المنحة المخصصة للسوريين لطلبة من روسيا، افغانستان، السودان، الهند، بل و حتى من السعودية! مشيراً إلى أن طالبا سعوديا متحولا جنسيا استفاد من المنحة القطرية الكاملة المخصصة للسوريين – سكن مجاني إضافة إلى راتب شهري – لمدة ٣ سنوات مع انه لم يمكن يداوم أبداً في الجامعة، ولم يصل حتى إلى المستوى الثاني في اللغة الفرنسية بعد كل هذه المدة، ورغم ذلك أعطي امتيازات على حساب الطلبة السوريين المتفوقين، و لم يكن هو حالة منعزلة بل جزءاُ من سياسة إدارة الجامعة الممنهجة في منح الطلاب غير السوريين امتيازات على حساب الطلاب السوريين سواء في السكن الجامعي أو حتى راتب المنحة القطرية وتفضيلهم على السوريين مما أثر بشكل سيء على حياتهم الجامعية ومستقبلهم الذي رأوه ينهار أمام أعينهم حيث ترك بعضهم الدراسة نهائيا نتيجة هذه السياسات العنصرية.
بالمقابل فإنه لم يستفد سوى أقل من ثلاثين طالب من أصل ١١١ من هذه المنحة الكاملة وهذه يبين مدى معاناة الطلاب السوريين ، رغم أن بيان رئيس الجامعة في بداية المنحة قد أشار إلى أن المنحة القطرية التي تبلغ حوالي مليوني يورو تتكفل بتكاليف السكن المعيشة للطلبة السوريين إلا أن إدارة الجامعة تراجعت عن هذا الكلام بعد ذلك لتقول للطلبة الذين تقدموا بطلب للحصول على سكن بأن الجامعة ليست لديها أماكن شاغرة رغم أنه في نفس الوقت تم منح طالبة ليبية سكنين مجانين من المنحة القطرية والفرنسية في آن معاً وأوصتها المسؤولة بعدم افشاء هذا السر لبقية زملائهم في محاولة لبذر الشقاق و النفور بين الطلبة أنفسهم تطبيقا لسياسة فرق تسد. وتساءل خالد -اسم مستعار لطالب آخر-: « على أي أساس تم قبول طالب في ماجستير بالقانون وهو لا يحسن إنشاء جملة مفيدة في اللغة الفرنسية؟! بطبيعة الحال و كما هو متوقع فهذا الطالب فشل لمدة ٣ أعوام على التوالي. وعلى أي أساس تم قبول طالب في السنة الأولى من بكالوريوس القانون و بعد عامين من الفشل، يتم قبوله في السنة الأولى من ماجستير العلوم السياسية؟!
و لفت خالد إلى أن إدارة الجامعة لجأت إلى اساليب تطفيش عدة بحق المستفيدين من المنحة القطرية إذ طُلب منهم التقديم على منحة ” كروس” الفرنسية للطلبة المحتاجين وبعد قبولهم فيها بسبب كونهم لاجئين تم فصلهم من المنحة القطرية وبهذه الطريقة المراوغة –حسب تعبيره- تم فصل معظم الطلبة من المنحة القطرية، ثمّ بدأوا بإغرائهم بالدخول الى الجامعة بدون تجاوز مراحل اللغة المتقدّمة، تلتها حالات فصل من الجامعة و المنحة لأسباب غير منطقيّة حتّى لم يتبقّ الآن في الجامعة من أصل 111 طالب سوري سوى بضع طلبة معدودين على الأصابع.
إضافة إلى ذلك فإنه من الغريب أن الجامعة لم تذكر دور قطر في هذه المنحة، إلا في البيان الرسمي الذي نشر في بداية المنحة، و في مقال يتيم نشر عند ثاني زيارة و آخر لقاء للنائب العام القطري مع الطلبة في أواخر شهر يونيو ٢٠١٨، حيث أرفقت بالمقال ما بدا أنه كشف بإحصائيات الطلبة المستفيدين من المنحة و إمعانا في التضليل وضعت خريطة سوريا في الصفحة الأولى منه، وذكرت فيه أن هناك 37 طالباً يدرسون لغة و74 يدرسون في مختلف الإختصاصات في الجامعة و هو ما ذكر خالد أنه رقم مبالغ فيه يجانب الصواب و لا يمت للواقع بصلة.
وعلاوة على ذلك، لم تتحدث إدارة الجامعة لا من قريب و لا من بعيد عن لقاء النائب العام القطري الأول بالطلبة و الذي كان بتاريخ ٠٧ آذار ٢٠١٦، رغم المؤتمر الذي أقيم داخل حرم الجامعة في ذات اليوم و الذي حضره العشرات من الصحفيين الفرنسيين و العرب، إلا أنه ما عدا وسائل الإعلام القطرية الرسمية لم يتحدث أحد في الصحافة الفرنسية عن هذه الزيارة، اللهم إلا موقعين مغمورين فقط، أحدهما هو موقع letudiant.fr و قد طرح صراحة هذا السؤال آنذاك لإدارة الجامعة: لماذا جامعة باريس 1 (باثيون سوربون) تحتاج لـ 600 ألف يورو من أجل تعليم ١١١ طالب بينما نجحت جامعة ستراسبورغ في تدريس 75 لاجئاً دروس اللغة الفرنسية خلال سنة كاملة بتكلفة 45 ألف يورو فقط؟
وقد كان رد الجامعة يومها أن 100 ألف يورو من المبالغ التي دفعتها قطر ذهبت في تغطية تعليم اللغة الفرنسية ومساعدة الطلبة و250 ألف يورو للسكن و250 ألف يورو للمنح والتأمين الصحي.
إلا أن اللغز المحير أكثر في هذه الزيارة هو تناقض تصريحات رئيس الجامعة السابق فيليب بوتري و نائبه جون مارك بونيسو للصحف القطرية: جريدة الشرق على وجه التحديد، حيث أكدوا أن المنحة القطرية مخصصة للطلبة السوريين بينما حين توجه لوسائل الإعلام الفرنسية ذكر أن قطر لن تتدخل في اختيار الطلبة و أنه لن يكون هناك أي تمييز لا على أساس الجنس ولا الدين ولا الجنسية.
و ما يزيد الطين بلة أن إدارة الجامعة ذكرت في غير مرة، سواء في المجلات الرسمية للجامعة، أو حتى على لسان بعض الأساتذة أن الجامعة نفسها هي من قدمت المنحة وليس لدولة قطر علاقة بها، بل إن بعض الطلبة غير السوريين المستفيدين من المنحة القطرية بل و حتى الكارهين لقطر في بعض الأحيان ذكروا بأن المنحة مقدمة لهم من الجامعة على أساس تفوقهم ولا علاقة لدولة قطر بها.
اقتراح يثير الذعر.. السوريون لن يستطيعوا الالتحاق بالجامعات المصرية
وقد ذكر الطالب يمان أنه رغم قبوله في المنحة القطرية في جامعة السوربون في شهر أيلول ٢٠١٦ فإنه لم يحصل لا على السكن و لا على الراتب المالي، بل إن إدارة الجامعة ذكرت أن المنحة القطرية تنحصر في الإعفاء من رسوم التسجيل الجامعي -و هي رسوم رمزية لا تتجاوز ٣٠٠ يورو سنويا – رغم أن هذا الإعفاء هو تحصيل حاصل بالنسبة للاجئين في فرنسا، و بعد إلحاحه في الحصول على المنحة التي هي من حقه أصلا، و التي كانت القلة القليلة فقط من تستفيد منها، حيث أخبر الإدارة لم يعد بإمكانه إكمال الدراسة بسبب ظروفه الصعبة، تم منحه ٢٠٠ يورو شهريا، و عندما أصر على طلب السكن، تم توجيهه نحو جمعية فرنسية تستقبل اللاجئين عند العوائل الفرنسية، فلماذا استفاد طلبة من المنحة القطرية الكاملة التي تتضمن السكن الطلابي إضافة إلى الراتب الشهري و ترك الباقون تحت رحمة الجمعيات الفرنسية؟! يتساءل يمان.
و فوق ذلك، يضيف يمان، أن ظروف دراستهم كانت نتيجتها بلا شك الفشل المحتوم، حيث أنه قضى مع زملاءه معظم أشهر السنة الدراسية ٢٠١٦-٢٠١٧ في دراسة المستوى الأول من اللغة الفرنسية، و رغم أنهم لم يدرسوا على الإطلاق المستوى الثاني، و اكتفى الأساتذة بإعطاءهم نماذج محلولة عن امتحان الديلف لهذا المستوى الذي كان عليهم تقديمه في شهر مايو ٢٠١٦، و رغم ذلك فقد تمكنت مع العديد من الطلبة السوريين و بمجهود شخصي من اجتياز هذا الإمتحان، إلا أننا فوجئنا باستدعاء يوم ٧ يونيو ٢٠١٧، تم فيها طرد حوالي ٢٠ طالب من المنحة، معظمهم سوريون، حيث أن الإدارة تذرعت بغيابهم عن الحصص رغم نجاحهم، و برر الطلبة ذلك ببعد سكنهم عن الجامعة و مشاكل المواصلات لمن يقيمون في ضواحي باريس، و بأنهم قد سبق و حدثوهم عن هذه المشاكل و طلبوا الحصول على السكن مرارا و تكرارا و لكن لم يشفع ذلك لهم و تم طردهم من المنحة بطريقة مهينة لكرامتهم، رغم أن الطالب السعودي على سبيل المثال، الذي لم يكن يحضر دروس اللغة، لم يحرم أبدا لا من السكن و لا من الراتب على مر ثلاث سنوات.
و بسبب معاناة الطلاب السوريين والعنصرية الواضحة ، تخلى بعضهم بشكل كامل عن الدراسة، و اتجهوا إلى بعض الأعمال الأخرى، بل إن بعضهم قرروا ترك فرنسا بأكملها حيث أنهم لم يعودوا يحتملون البقاء في هذا البلد.
والتزاماً من موقع “وطن” بالحيادية والموضوعية فقد تواصل مع رئيسة المكتب الصحفي و العلاقات العامة في جامعة السوربون ” سلمى عكاري” للوقوف على رأي الجامعة في الإتهامات الواردة في سياق التقرير ولم يتلق جواباً لذا نترك الباب مفتوحاً لتصويب المعلومات الواردة فيه.