“الشنقيطي” يصف للجزائريين “روشتة” نجاح الثورة مستشهدا بما فعله الشهيد العربي بن مهيدي مع جلاديه الفرنسيين
شارك الموضوع:
قال الكاتب والمحلل السياسي البارز الدكتور محمد مختار الشنقيطي، أستاذ الأخلاق السياسية وتاريخ الأديان، إن أرض الجزائر أثمرتْ أعظم ثورة تحرر وطني عرفتها أرض العروبة والإسلام خلال القرن العشرين، ثم أثمرتْ أول ربيع عربي عام 1988 يسعى إلى التحرر من الاستبداد والاستعمار السياسي، الضارب بأطنابه على المجتمعات العربية.
وتابع في مقال له على “الجزيرة نت” قدم فيه ما يمكن وصفه بـ”روشتة” لنجاح الربيع العربي هناك:”وها هي الجزائر اليوم تتصدر الموجة الثانية من الربيع العربي، فما هي مآلات هذا الربيع الجزائري المتجدِّد، وما هي فرصُه في التحرر من عذاباته، والوصول إلى برِّ الأمان، رغم العواصف المحيطة به من كل جانب؟”
وأضاف “الشنقيطي”:”لقد اقتلعتْ ثورة المليون شهيد الاحتلال الاستيطاني الفرنسي من أرض الجزائر بتضحيات جِسامٍ، وملاحمَ بطولية، وقضتْ على حلمه في البقاء في تلك الأرض التي اغتصبها قرنا وثلث قرن، ولم تكن ثورة التحرير الجزائرية مجرد ملحمة عسكرية عظيمة، بل كانت أيضا نصراً سياسيا مؤزَّراً، وثورة دبلوماسية ناجحة، أدارها الثوار الجزائريون بذكاء.”و
“قد ألَّف في ذلك الأكاديمي الأميركي ماثيُو كونْـلِي -أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كولومبيا في نيويورك- كتابه: “ثورة دبلوماسية: صراع الجزائر من أجل الاستقلال وجذور حقبة ما بعد الحرب الباردة.” وهو كتاب قيِّمٌ كان مقرَّرا عليَّ منذ أكثر من عَقْد من الزمان وأنا طالب في جامعة تكساس الأميركية.”
ثم بدأ الربيع الجزائري الأول قبل الربيع العربي بثلاثين عاما، في شكل انتفاضة شعبية تفجرت في شهر أكتوبر عام 1988، وبعد فترة قمع سقط فيها المئات، قبلت السلطة العسكرية الجزائرية بقيادة الرئيس الشاذلي بن جديد النزول عند إرادة الشعب، والسماح بانتقال ديمقراطي حقيقي، كانت تلك خطوة شجاعة وحكيمة من الرئيس الشاذلي، الذي كان رجلا وطنيا صادقا، ومدركا أكثر من رفقائه العسكريين الآخرين أن التغيير الديمقراطي أصبح حتميا.
وأوضح محمد الشنقيطي في مقاله:”لكن الشاذلي لم يكن يملك –على ما يبدو- الصرامة القيادية، ولا الحاسَّة السياسية، بل كان رجلا ليِّن العريكة، ضعيف البصيرة السياسية، فلم يستطع دمج قيادة الجيش في المسار الإصلاحي وإقناعها به، ولا استطاع أن يرغمها على قبول الإصلاح بهيبة المنصب وحزْم القرار.”
وأشار إلى أن هذه الظروف المتضافرة مكَّنتْ الجنرالات الجزائريين المعارضين للمسار الديمقراطي من الانقلاب على الديمقراطية، وعلى الشاذلي نفسه، فأدخلوا الجزائر بذلك في أتون حرب أهلية أليمة دامت عشر سنين، وأسهم دخول جماعات السلفية الجهادية على الخط في اشتعال الوضع أكثر، وتحول الخلاف السياسي إلى حرب وجودية بين أمراء الحرب من جنرالات الجيش المتجبرين، وقادة الجماعات السلفية العدمية التي تجاوزت الخروج على السلطة الظالمة، إلى الخروج على الشعب المظلوم.
وشدد “الشنقيطي” على أنه من شروط نجاح العقد الاجتماعي الجزائري الجديد إبعاد التأثير الخارجي عن هذا المسار حتى لا يتم العبث به، ولا يتضمن حيفاً أو تأليباً ضد أيٍّ من مكونات الشعب الجزائري.
وقد بدأت بعض القوى الدولية والإقليمية بالفعل تتنافس على تقديم خياراتها لوراثة بوتفليقة: فأميركا -ومن ورائها الثورة المضادة العربية- تفضِّل الدبلوماسي السابق الأخضر الإبراهيمي (ليس له صلة بأسرة العالِم الإصلاحي البشير الإبراهيمي)، رغم فشله في مهمته الدولية ذات الصلة بالثورة السورية، وفرنسا -ومعها امتداداتها في الداخل الجزائري- تفضِّل وزير الداخلية السابق رمضان العمامرة، رغم أنه سعى لإنقاذ القذافي أثناء الثورة الليبية، وشارك في إضفاء الشرعية على انقلاب الرئيس الموريتاني عزيز، ثم على انقلاب الرئيس المصري السيسي، من خلال استغلال منصبه رئيساً لمجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي.
إن مفتاح نجاح الحصانة ضد هذا التأثير الأجنبي المتكالب على الجزائر اليوم، وضد نوازع الإقصاء والاحتكار السياسي لدى النخبة الشائخة في الجزائر، هو ثقة الحراك الشعبي الجزائري أن رياح التاريخ في صالحه، وإدراكه للسياقات الإقليمية المعينة على الانتقال الديمقراطي في الجزائر، ثم ظهور قيادات سياسية ومدنية للحراك، تجمع بين الصلابة المبدئية والمرونة التكتيكية، وتسعى إلى كسب كل القوى الوطنية النزيهة، وجزءاً من الدولة العميقة -خصوصا الجيش- إلى صفها.
واختتم الشنقيطي مقاله بالقول: “ورد في العهد القديم أن يوشع ابن نون نادى على الشمس: “أيتها الشمس قفي”!! وذلك هو منطق الثورة المضادة اليوم في الجزائر وظهيرها من الثورة المضادة العربية، ومن القوى الدولية الطامعة، المُصرَّة على إبقاء شعوبنا في نير الاستبداد. لكن شمس الجزائر لا تزال -وستظل- دائبةً في سيرها.”
وأضاف:”ما على أحرار الجزائر اليوم إلا أن يرددوا بإصرار ما كان يقوله الشهيد العربي بن مهيدي لجلاديه الفرنسيين أثناء تعذيبه: “لكم الماضي ولنا المستقبل.”