وطن- يبدو أنه في حالة التفعيل المحتمل لـ “المادة 102″ من الدستور الجزائري، التي تنص على شغور منصب رئيس البلاد، سيجد رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، نفسه أمام مسؤولية تاريخية تتمثل بتوليه الرئاسة بالنيابة لمدة 90 يوما.
والثلاثاء، دعا رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، إلى تطبيق المادة الدستورية التي تنص على شغور منصب الرئيس كحل “توافقي” لإنهاء أزمة البلاد السياسية، بحيث يحفظ سيادة الدولة ويستجيب لمطالب الشعب.
وتنص المادة المذكورة، على أنه في حالة استقالة الرئيس أو وفاته أو عجزه يخلفه رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان)، لمدة 90 يوما، تنظم خلالها انتخابات جديدة.
وتشهد الجزائر منذ 22 فبراير الماضي، مسيرات شعبية وصفت بالمليونية، ضد استمرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في الحكم ورموز نظامه الذي أسسه منذ 20 سنة.
ولإقرار شغور منصب رئاسة البلاد، يتعين على المجلس (المحكمة) الدستوري، الانعقاد لمناقشة استقالة الرئيس وإقرار حالة الشغور، فيما يجتمع لاحقًا البرلمان بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، ليتولى رئيس مجلس الأمة منصب رئيس الجزائر بالنيابة.
المسار السياسي لـ”بن صالح”
استهل “بن صالح” حياته العملية منتصف الستينات، في المجال الصحافي ليصبح مديرًا لجريدة “الشعب” العمومية، ومراسلًا لجريدتي “المجاهد الأسبوعي” و”الجمهورية” الحكوميتين.
ثم بدأ الرجل حياته السياسية في العام 1977، عندما انتخب نائبا برلمانيًا عن ولاية تلمسان (غرب البلاد)، لثلاث فترات متتالية.
غادر العمل البرلماني منتقلا إلى السلك الدبلوماسي، عندما عُيّن سنة 1989 سفيرا لبلاده لدى المملكة العربية السعودية، ثم ناطقا باسم الخارجية عام 1993.
عاد لامتهان العمل النيابي، رئيسًا للمجلس الانتقالي (برلمان أزمة التسعينات)، قبل أن يؤسس رفقة ساسة آخرين، حزب التجمع الوطني الديمقراطي (من الائتلاف الحاكم) وتولى رئاسته سنة 1997.
تدرج “بن صالح” في المسؤوليات إلى أن وصل لمنصب الرجل الثالث في الدولة، عندما انتخب رئيسًا لـ”المجلس الشعبي الوطني” في الفترة من 1997 -2002.
عبد القادر بن صالح رئيساً مؤقتاً للجزائر خلفاً لـ”بوتفليقة” .. والجزائريون يتظاهرون رفضاً
الذراع الأيمن لبوتفليقة
في العام 2001، اشتد الخلاف بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ورئيس مجلس الأمة آنذاك، بشير بومعزة، وعُزل الأخير من منصبه، ليخلفه عبد القادر بن صالح، صيف العام 2002.
ومنذ ذلك التاريخ، يشغل “بن صالح” منصب الرجل الثاني في الدولة، ولم تتزعزع ثقة رئيس البلاد في شخصه، رغم أن انتخابات التجديد النصفي للغرفة الثانية للبرلمان تتم كل 3 سنوات.
وعقب إصابة بوتفليقة بجلطة دماغية عام 2013، بات “بن صالح” الممثل الشخصي لبوتفليقة في المحافل الإقليمية والدولية، وبالأخص في دورات جامعة الدول العربية.
وعرف “بن صالح” بخطابته الممجدة لإنجازات بوتفليقة وبرنامجه، واشتهر في السنوات الأخيرة بإطلاقه وصف “الأصوات الناعقة”، على معارضي بوتفليقة والمشككين في نزاهة الانتخابات الرئاسية لسنة 2014.
وبعد ظهور أحداث “الربيع العربي” عام 2011، عيّن بوتفليقة، رئيس مجلس الأمة “بن صالح”، على رأس هيئة المشاورات الوطنية، تمهيدا لإصلاحات سياسية واقتصادية.
ورفع رئيس هيئة المشاورات، تقريرا شاملا عقب لقاءات مع رؤساء أحزاب وفعاليات المجتمع المدني وشخصيات وطنية، تمت بلورته في جملة من القوانين صدرت سنة 2012.
رجل إنقاذ
وعندما دخل حزب التجمع الوطني الديمقراطي، في أزمة عاصفة عام 2012، انتهت باستقالة أمينه العام الحالي أحمد أويحيى، استدعي “بن صالح” لتولي رئاسة الحزب بالنيابة.
ثم انتخب في مؤتمر استثنائي للحزب عام 2013، أمينا عاما له، قبل أن يقدم على الاستقالة سنة 2015، فاسحًا المجال أمام عودة أحمد أويحيى.
أوعز بوتفليقة، لـ “بن صالح” بتولي قيادة التجمع الوطني الديمقراطي، لتفادي انكسار الحزب وتوحيد صفوفه، إذ يعتبر ثاني أقوى الأحزاب الموالية للسلطة بعد حزب “جبهة التحرير الوطني”.
لا يحب الظهور الإعلامي
يعرف عن “بن صالح”، أنه رجل هادئ وكتوم، لا يحب الظهور الإعلامي، فيما عدا جلسات مجلس الأمة أو تمثيله لرئيس الدولة في الخارج.
ولم يسبق للرجل الظهور في مؤتمر صحافي لدى توليه قيادة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، إذ لا يتواصل إلا بواسطة الخطابات الرسمية المكتوبة.
معارضة محتملة لتوليه المنصب
ولكن من المتوقع أن يلقى تولي عبد القادر بن صالح، رئاسة مؤقتة للبلاد، معارضة شعبية، إذ ارتفع سقف المطالب في المظاهرات الأخيرة، إلى “رحيل كل رموز النظام”.
ويعد “بن صالح” الرجل الثاني في الدولة حاليًا، وهو من الرجال الأوفياء للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يواجه مطالبات متصاعدة بتنحيه عن الحكم.
وسبق أن أثير جدل واسع بشأن جنسية “بن صالح” الأصلية، وتحدث ساسة ومعارضون عن أنه “من مواليد المغرب ونال جنسيته الجزائرية سنة 1968”.
إلّا أن “بن صالح” نفي ذلك في حوار مع صحيفة “الخبر” عام 2013، وقال إنها “تعريض بسمعة شخص ومكانته وحياته الخاصة”.
وأوضح قائلًا: “ابحثوا عن أصولي وجذوري، ستجدونها في أعماق جبل فلاوسن في (ولاية) تلمسان (الجزائرية) حيث ولد آبائي وأجدادي وولدت أنا أيضا وعاشوا وترعرعوا وماتوا”.
ووفقا لسيرته الذاتية، ولد “بن صالح” في 24 نوفمبر 1941، بـ “بني مسهل”، بلدية “المهراز”، دائرة فلاوسن بولاية تلمسان، والتحق بصفوف الثورة ضد الاستعمار الفرنسي عام 1959، انطلاقا من المغرب.
وقال الناطق باسم حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الصديق شهاب، الثلاثاء، في تصريح لقناة “الشروق” الخاصة، إن “بن صالح رجل مهادن، ليس له أعداء، وتوليه رئاسة الجمهورية بالنيابة في حالة تفعيل المادة 102 من الدستور لن يشكل أي خطر على المسار الانتقالي”.
متى ارتقت أو ارتفعت أكياس القمامة الى مصاف (الرجـــال)…؟