وطن- قال الكاتب والإعلامي العُماني “زاهر بن حارث المحروقي”، إنّه لم يعُد خافيًا على أحد، الخروقات الإماراتية الكثيرة ضد عُمان، منذ الكشف عن خلية التجسس الإماراتية الأولى ضد عُمان عام 2011، “التي استهدفت نظام الحكم وآلية العمل الحكومي والعسكري”.
وأشار “المحروقي” إلى أن الأحاديث لا تخلو من المخاوف التي تنتاب العمانيين من تغلغل النفوذ الإماراتي داخل عُمان، عبر سيطرتها على مفاصل الاقتصاد العماني كله؛ وهو الأمرُ الخطير الذي يستتبعه فيما بعد السيطرة على القرار السياسي.
واستغرب في مقالةٍ له بعنوان (خدُّنا الأيسر.. جاهزٌ للصفع)، الموقف العماني الرسمي من الخروقات الإماراتية، الذي قال إنه يبدو “هشٌ جدًا”، إذ أصبحنا نقرأ تصريحات فيها من الليونة ما فيها، مثل أن “الإمارات شريك استراتيجي لعمان”، و”أننا نتعامل مع الجيران بلطف” و”أن الجار سيبقى جار”، وغيرها من التصريحات التي فتحت الباب لنقاشات لم ولن تنتهي في مواقع التواصل الاجتماعي.وفق “المحروقي”
ورآى الكاتب العُماني أنّ مسألة “الحالة العمانية – الإماراتية” ستبقى “لغزًا كبيرًا بالنسبة لي، وبالنسبة لكثيرين، ولن تجد تفسيرًا مقنعًا أبدًا”.
وفيما يلي النّص الكامل لمقالة الكاتب العُماني:
لستُ وحدي في حيرة من أمري؛ فأكاد أزعم – ولا أظنني سألامُ في ذلك – أنّ حالة الحيرة هذه، هي حالةٌ عامة يعيشها معظم العمانيين – إن لم يكن جميعهم – في قضية اسمها “الإمارات العربية المتحدة”؛ فالعلاقةُ بين عُمان والإمارات أصبحت علاقة ملتبسة عند الكلّ، ولا يكاد المرء يعرف كيف يصفها وكيف يصنّفها. هل هي صداقة؟ أم عداوة؟ أم زواج عرفي؟ أم ضعف؟ أم تبعية؟ أم غير ذلك؟ فأنا لست أدري، إلا أني أعلم أنّ العلاقة بين الجارتين – عُمان والإمارات – تشهد توترًا كبيرًا وملحوظًا هو “الأشد” في تاريخ العلاقات بين الدولتين، منذ نشأة الإمارات ككيان سياسي مستقل، عام 1971، حسب تصريح الأكاديمي العماني الدكتور عبد الله الغيلاني، لموقع “الخليج أونلاين”.
هذا أوّل تعليق رسمي من الإدعاء العام في سلطنة عمان عن خلية التجسس الإماراتية
لم يعُد خافيًا على أحد، الخروقات الإماراتية الكثيرة ضد عُمان، منذ الكشف عن خلية التجسس الإماراتية الأولى ضد عُمان عام 2011، “التي استهدفت نظام الحكم وآلية العمل الحكومي والعسكري”، حسب البيان العماني الرسمي وقتئذٍ؛ فالواضحُ أنّ الجارة استمرت في النهج نفسه، بعد أن تم الكشف عن محاكمات تُجرى الآن، ضد خلية تجسس أخرى، والتي لن تكون الأخيرة بالتأكيد. وما نشر في الصحافة الأجنبية عن الهدف من التجسس هو محاولة زرع من سيخلف السلطان قابوس – أمدّ الله في عمره ومتّعه بالصحة والعافية – في الحكم، وهو أمرٌ خطير بكلِّ المقاييس؛ إذ الهدف من ذلك هو اختراق القرار السياسي العماني وتشكيله حسب هواهم، إذ كانت عُمان دائمًا عصية على الكلِّ، بسبب استقلالية قرارها ومواقفها المتزنة، وظلت بعيدة عن المهاترات السياسية الصبيانية. هذا عدا سعي الإمارات لتنفيذ مخطط توسّعي على حساب الأراضي العُمانية، تارة في مسندم وتارة في المناطق الحدودية، وتارة في الحدود العمانية اليمنية، عبر محافظة “المهرة” الحدودية، بما يعني أنّ الإمارات قد طوقت عُمان من كلِّ الجهات.
وإذا كانت الأحاديث التي تدور في المجالس الخاصة والعامة، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، تتحدّث عن الخطورة التي باتت تشكلها الإمارات ضد عُمان، فإنّ تلك الأحاديث لا تخلو من المخاوف التي تنتاب العمانيين من تغلغل النفوذ الإماراتي داخل عُمان، عبر سيطرتها على مفاصل الاقتصاد العماني كله؛ وهو الأمرُ الخطير الذي يستتبعه فيما بعد السيطرة على القرار السياسي. ولكن الأغرب من ذلك هو الموقف العماني الرسمي، الذي يبدو أنه هشٌ جدًا، إذ أصبحنا نقرأ تصريحات فيها من الليونة ما فيها، مثل أن “الإمارات شريك استراتيجي لعمان”، و”أننا نتعامل مع الجيران بلطف” و”أن الجار سيبقى جار”، وغيرها من التصريحات التي فتحت الباب لنقاشات لم ولن تنتهي في مواقع التواصل الاجتماعي. وفي الواقع فإنّ تصريحات كهذه، من شأنها أن تنشئ جيلا هشًا ومشوّهًا، لن يستطيع أن يدافع عن الوطن حين يحين الجد؛ لأنها تصريحاتٌ استسلامية، لا تؤدي إلا لتحطيم الكرامة، ولوأد الوطنية، وقتل الجرأة في الشباب للإقدام على الدفاع عن الوطن. فهل المراد هو أن يكون الإنسان العماني خاضعًا ذليلاً مطأطئ الرأس، وقد تعوّد على صيحة التسامح ومؤتمرات التسامح؟.
يبدو أنّ عُمان تتعامل الآن مع الإمارات، حسب القول المنسوب لسيدنا عيسى بن مريم، عليه وعلى نبيِّنا الصلاة والسلام، حين قال: “إذا ضربك أحدُهم على خدِّك الأيمن، فأدر له خدَّك الأيسر، وإذا أخذ أحدُهم رداءَك، فأعطه إزارَك، ومن طلب منك أن تمشي معه ميلاً فامْشِ معه ميلين”؛ وهو القول الذي لم تطبقه المسيحية في تاريخها ضد الديانات الأخرى، فلم تترك العالم يعيش بسلام؛ فمنذ قيامها أشعلت الدنيا حروبًا قتلت فيها أرواح الملايين من الأبرياء ولا زالت؛ ومع ذلك فإنّ هناك تفسيرات كثيرة في الكتب المسيحية التي تفسِّر قول المسيح ذلك؛ وهناك من أنكر أن يكون كلامٌ كهذا قد صدر أصلاً عن سيدنا عيسى عليه السلام، فيما ذهب البعض في الشرح إلى القول بأنّ مجرمين قاموا بضرب المؤمنين على خدودهم، ثم على وجوههم وأقفيتهم، وأخذوا منهم أرديتهم وإزارهم، وأخذوا منهم حتى ورقة التوت التي تستر عورتهم. جاء المسيح فوجد المؤمنين منتوفين مقهورين لا حول لهم ولا قوة، فاستنكر حالهم؛ وقالوا له: أنت الذي أمرتنا أن ندير الخدّ لمن ضرب ونعطي الرداء لمن أخذ. فقال لهم: نعم أمرتُكم بذلك، لكني لم آمركم أن تفعلوه إلى الأبد، ولم آمركم أن تفعلوه مع الساقطين المجرمين، الذين لا يعرفون معنى المحبة والرحمة والتسامح. قالوا: وماذا علينا أن نفعل الآن؟ فقال: الحقَّ الحقَّ أقول لكم: من لم يكن عنده سيفٌ فليبع ثوبه وليشترِ بثمنه سيفاً.
والمعنى أنه كانت هناك أوامر صدرت من السيد المسيح لأتباعه بأن لا يُقاوموا الشر، فلو أمرهم بمقاومة مضطهديهم – وقتئذ – لكان ذلك أشبه بالانتحار، ولكان فيه القضاء على دعوته منذ بدايتها؛ ولذلك فإنّ دعوة من لطمك على خدِّك الأيمن فأدر له الايسر، ليست قاعدة عامة ومطلقة، وإنما تعبير عن منهج عمل في ظروف خاصة، وهي لا يمكن أن تنطبق على الحالة العمانية الإماراتية الآن بأي حال من الأحوال؛ فأمام الأطماع الإماراتية والتغلغل الإماراتي في عُمان، فإنّ صيحة تسليم الخد الأيسر للصفع، وصيحة “الإمارات شريك استراتيجي” و”التعامل باللطف” و”الجار سيبقى جار”، إنما هي صيحة ضعف وذل، ولا ينبغي السكوت على الانتهاكات والبغي والظلم، فإنّ ذلك مما يشجع الجار على المزيد من التكبر والتجبر، ويغريه على المزيد من الأطماع في عُمان.
ستبقى مسألة “الحالة العمانية – الإماراتية” لغزًا كبيرًا بالنسبة لي، وبالنسبة لكثيرين، ولن تجد تفسيرًا مقنعًا أبدًا، لأنّ الواقع يقول: ربما الإمارات قد قطعت شوطًا كبيرًا في التغلغل داخل القرار العماني، (وعسى أن أكون مُخطئاً في هذا الظن)، ولن تشفع لنا تلك المقالات الإنشائية التي تتحدّث عن عُمق العلاقات بين البلدين؛ فتلك المقالات إنّما هي مقالاتٌ يرى أصحابُها الأمور بنظرة وردية، ولا يريدون أن يروا الواقع كما هو. ولكن المفارقة هي أن تهتم الإمارات بكلِّ ما يكتبه الكتّاب العمانيون وتدرسه، وعلى ضوء ذلك تتصرف؛ فيما تذهب آراء هؤلاء الكتاب العمانيين لدى حكومتهم أدراج الرياح! .