هل تذكرون كارثة “تشيرنوبل”.. هذا الخطأ الجسيم ارتكبته الصين مع كورونا وربما يتسبب في وفاة 40 مليون شخص حول العالم
شارك الموضوع:
وطن– كشفت مجلة “فورين بوليسي” الامريكية، عن الأخطاء التي ارتكبتها الصين وأدت لانتشار فيروس كورونا، وعدد الضحايا المحتملين، مشيرة إلى أن الفيروس وصل إلى مُنعطفٍ حرج، وسط تقديرات صادمة لاحتمالات انتشاره، فهل تسبب عدم كفاءة الصين في تفشي الفيروس وكم عدد ضحايا كورونا المحتملين حول العالم.
وكما رصدته وطن قالت لوري غاريت، زميلة كبيرة سابقة في مجال الصحة العامة بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، سيتقرّر مصير الفيروس وما إذا كان سينتشر على مستوى العالم ليصير وباءً خطيراً بناءً على الخطوات التي ستُتّخذ خلال الأيام المُقبلة، وخاصةً من جانب قيادة بكين. والوقت ليس في صالح الحكومة الصينية للحيلولة دون وقوع الكارثة.
هل تقارير الصين الرسمية، التي تشمل مزاعم حول نجاح جهودها للسيطرة على الوباء وأنّه سيبلغ ذروته قريباً هي تقارير جديرة بالثقة؟ لا يبدو الأمر مُبشّراً.
توجهت للسفارة الصينية.. “شاهد” الكويتية سلوى المطيري تعلن اكتشافها علاجاً لفيروس كورونا!
إذ تُواجه الصين الآن تشهيراً دولياً واضطراباً محلياً مُحتملاً بالتزامن مع تخبُّطها بين التستُّر على الوقائع والأكاذيب والقمع بأساليب فشلت فعلياً في إيقاف الفيروس، وربما تُؤدّي إلى زيادة انتشاره، رغم الثناء عليها أول الأمر من جانب منظمة الصحة العالمية وعلماء العالم، بسبب استجابتها السريعة والشفافة لفيروس كورونا الجديد.
سلسلة الأخطاء التي ارتكبتها الصين في التعامل مع الفيروس
منذ انتبه العالم إلى الوباء أوائل يناير/كانون الثاني 2019، تعدّدت اللحظات الصادمة بدءاً من إعلان السلطات الصحية الصينية ارتفاعات دراماتيكية في حالات الإصابة الظاهرة بالمرض.
وليس أقل تلك اللحظات مفاجأةً ما حدث في 12 فبراير/شباط، حين أدّى تعديلٌ ما إلى ارتفاع أعداد الحالات في مقاطعة هوبي لـ14840 حالة في يومٍ واحد، ليصل إجمالي عدد الحالات في الصين إلى 59804 حالات. وجاء التعديل بحسب مسؤولي الحكومة نتيجة تعريفٍ أوسع للمرض في مكانٍ واحد وهو مقاطعة هوبي، في حين واصلت السلطات فرض قيودٍ على تعريف حالات الإصابة بفيروس كورونا الجديد في بقية مقاطعات الصين وفقاً للنهج القديم، لتظل أعداد الحالات صغيرة.
وفاة بطل الوباء الحقيقي بعد التشهير به
جاءت وفاة بطل الوباء الحقيقي في الصين، الطبيب لي وين ليانغ، بسبب الالتهاب الرئوي الأسبوع الماضي لتكشف عن أسوأ جوانب الحزب الشيوعي الصيني وجهوده المريعة لإعادة كتابة تاريخ وباءٍ يبدو خارجاً عن السيطرة.
وقال لي لزملائه عبر غرفة دردشة شبكة اجتماعية للأطباء، في الـ30 من ديسمبر/كانون الأول، إنّه عالج مرضى في ووهان، حيث ظهر الوباء، يُعانون أعراضاً تُشبه أعراض سارس خلال شهر ديسمبر/كانون الأول.
وبعد أيام، استُدعِيَ لي وسبعة أطباءٍ آخرين أمام شرطة الأمن الصينية بتهمة ترويج الشائعات المزعومة، وأُجبِروا على توقيع وثيقةٍ يعترفون فيها بـ “نشر الأكاذيب”.
وطوال أيام، سعت سلطات ووهان لتكميم صوت لي، ولكنّه استمر في التحذير من الوباء عبر إذاعة BBC World البريطانية، حتى في أعقاب إصابته بالفيروس أثناء علاج مرضاه واحتجازه على سريرٍ داخل وحدة العناية المُركّزة.
وفي السادس من فبراير/شباط، تُوفِّيَ الطبيب النشيط الذي كان يبلغ من العُمر 34 عاماً. وفتحت وفاة لي الأبواب على مصراعيها أمام الغضب السياسي في كافة أنحاء الصين، إذ أثارت موجةً غير مسبوقة من الحزن والغضب والتنديد بالحكومة لتستُّرها على الحكومة.
على غرار كارثة مفاعل تشيرنوبل النووي
وشبّه بعض مراقبي الصين أزمة فيروس كورونا بالنسبة للرئيس الصيني شي جين بينغ بالتهديد الذي شكّلته حادثة مفاعل تشيرنوبل النووي عام 1986 على سيطرة الرئيس ميخائيل غورباتشوف في الاتحاد السوفييتي.
في حين شبّه البعض رواية الحقيقة الشُّجاعة على لسان الطبيب الشاب الشهيد بـ “رجل الدبابة” الأسطوري، وهو مُواطنٌ مجهول الهوية وقف حاملاً في يده أكياس بقالة في وجه صفٍّ من الدبابات الصينية، ليمنع دخولها إلى ساحة تيانانمن في بكين واستخدامها لقمع الاحتجاجات الطلابية المؤيدة للديمقراطية عام 1989.
كما كتب خبير الشؤون الصينية بيل بيشوب، الأسبوع الماضي، في رسالة Sinocism الإخبارية اليومية: “إنّ العقد الاجتماعي بين الحزب وبين الشعب -الذي يضمن رفاهية الشعب وتوفير رخاءٍ اقتصادي مُتزايد- يتعرّض لضغوط على المستوى القومي بدرجةٍ لم أشهدها خلال العقود الماضية.
وكتبت الجمعة الماضية أنّني أعتقد أنّ هذه الأزمة هي أقرب ما يكون إلى الأزمة الوجودية بالنسبة لشي والحزب منذ [مذبحة ساحة تيانانمن] عام 1989، وازدادت قناعتي بذلك بعد مرور أسبوعٍ واحد”.
تقول الكاتبة: قبل أن أقرأ تقييم بيشوب، شاركت في بثٍّ إذاعي لشبكة CBS News الأمريكية مع زميلتي السابقة في منظمة Council on Foreign Relations إليزابيث إيكونومي، التي تُعَدُّ واحدةً من أفضل خبراء العالم في السياسات الصينية. ووصفت إليزابيث أيضاً وفاة لي، والانقسام الواضح داخل الحزب الشيوعي الصيني حول الوسيلة المُثلى للتعامل مع الوباء، بأنّها أبرز تهديدٍ تُواجهه سلطة شي والاختبار الحاسم لصلاحية كامل القيادة الحالية للحزب الشيوعي الصيني، مما يترك قيادة الصين عُرضةً لتحمُّل المسؤولية في وقت الكارثة.
والأمر يتجاوز الشأن الداخلي للسياسات الصينية. إذ يُؤثّر بشدةٍ على الشركات التي تتساءل إلى متى ستستمر خسائر تعليق الصين لأعمالها، ويُؤثّر ذلك على قادة الصحة العامة القلقين حيال الكيفية التي يجب التعامل بها مع فيروس كورونا في حال انتشر داخل بلادهم وولاياتهم ومُدنهم.
ووصل الأمر إلى المُدير العام لمُنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الذي واجه انتقادات شديدة -وصلت إلى طلب استدعائه- بسبب اجتماعه مع شي وغيره من الزعماء الصينيين، وتردّده الواضح في إعلان حالة الطوارئ الصحية العالمية بسبب المرض المُتفشّي.
والرئيس الصيني اختفى
من جانبه، اختفى شي عن المشهد العام بعد يومٍ من اجتماعه مع غيبريسوس في الـ27 من يناير/كانون الثاني، ولم يره أحدٌ مرةً أخرى طوال 12 يوماً، حتى ظهر في جولةٍ وجيزة وسط شوارع حي تشاويانغ في بكين مُرتدياً قناعاً طبياً.
وأثارت الأزمة السياسية في الصين مخاوف عالمية حيال موثوقية بيانات الوباء الصادرة عن الحكومة الصينية، وجدوى الإرشادات الصينية المُتعلّقة بكيفية انتشار الفيروس، وطبيعة المُعرّضين لخطر الموت بسببه، والتدابير التي يُفضّل اتّخاذها لحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية من الوقوع ضحيةً للمرض الذي يُحاولون علاجه.
مشكلة الصين في الأكاذيب وإخفاء الحقيقة
ومنذ الإعلان الأول عن مرضٍ جديد في ووهان يوم 30 ديسمبر/كانون الأول، نسج الحزب الشيوعي الصيني بساطاً مُتنوّعاً من الروايات لأغراضٍ سياسية محلية في المقام الأول، وربطت أعداد الوفيات بما يتوافق مع تلك الروايات. وفي الوقت ذاته حاول مُجتمع الصحة العالمي، بدءاً من منظمة الصحة العالمية ووصولاً إلى الإحصائيين الأكاديميين ومُحلّلي الأمراض المُعدية، أن يستدل على مدى خطورة مرض فيروس كورونا بالنسبة لبقية العالم بناءً على الأرقام الرسمية اليومية المشكوك فيها حول المصابين.
وبيت القصيد هنا هو الثقة، وهي الشيء الذي بدأ يتراجع داخل الصين، وبات ينهار بشكلٍ مُتزايد في كافة أنحاء عالم الصحة العامة. إذ تتطلّب مُحاربة الوباء والانتصار عليه أن تكون روابط الثقة بين الحكومات والناس قادرةً على تحمُّل الحزن، والارتباك، والعواطف، والتحديات الطبية الخاصة بهذه المعركة.
لكن الحكومة الصينية عرّضت كافة تلك الروابط للخطر بإهمالها، وبدرجةٍ قد لا نتمكَّن من إصلاحها.
روايات متعددة عن المرض
الرواية الأولى: إصابات محدودة في سوق للأسماك والحيوانات الحية
منذ أوائل ديسمبر/كانون الأول، وحتى الـ19 من يناير/كانون الثاني، نصّت رواية الحزب الشيوعي الصيني الرئيسية من المسؤولين المحليين في ووهان -مصدر تفشّي الوباء- على أنّ عدداً صغيراً للغاية من الناس المُرتبطين بسوق أسماكٍ وحيوانات حية محلية أُصيبوا بفيروسٍ جديد، ونُقِل عددٌ منهم إلى المستشفى بسبب الالتهاب الرئوي.
وبغض النظر عن سبب المرض، لكنّه لم يكُن سارس أو أيّ مرضٍ يُشبه سارس. وتوافقت جميع البيانات الصادرة مع تلك الرواية بدرجةٍ مُناسبة. وأيّ شخصٍ يُلمِّح إلى حقائق تتعارض مع تلك الرواية، مثل الطبيب لي، كان يتعرّض للقمع.
الرواية الثانية: إغلاق السوق قضى على المرض الذي ثبت أنه لا ينتقل بين البشر
وفي أعقاب الإعلان الرسمي عن المرض الجديد ليلة رأس السنة، بدأت روايةٌ جديدة في الظهور، ونصّت الرواية الجديدة على أنّ إغلاق سوق الحيوانات الحية قضى فعلياً على انتشار المرض بسبب عدم وجود أدلةٍ على انتقال الفيروس من إنسانٍ لآخر.
وطوال أسبوعين، لم ترتفع أعداد الحالات المسجلة رسمياً، بل انخفضت إلى 41 حالة. وكانت الرسالة المُوجّهة إلى الشعب الصيني تنُصّ على أنّه ليس هناك ما يستدعي القلق، إذ نجح مسؤولو الشرطة والصحة المحليين في وقف تفشّي المرض، وأحسنوا صنعاً، وهو السيناريو الذي تقبّلته منظمة الصحة العالمية.
والواقع أنه كان يتضاعف أسبوعياً
وخلال هذين الأسبوعين الحيويين -وهي الفترة التي كان يُمكن لجهود المكافحة الشديدة أن تُوقف تفشي المرض خلالها- كان الفيروس ينتشر بعيداً تماماً عن سوق الحيوانات، كما كان يحدث منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول على الأقل.
وطوال ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني، كانت نصف حالات فيروس كورونا في ووهان تقريباً لا علاقة لها بسوق الحيوانات، وكان حجم الوباء يتضاعف أسبوعياً. وقدّر الباحثون في كلية لندن الإمبراطورية أنّ عدد الحالات المُصابة في ووهان بحلول الـ12 من يناير/كانون الثاني وصل إلى 1723 حالة.
ومع ازدياد القلق العالمي المُشكِّك في رواية احتواء المرض، وتأكيد الأدلة على انتقال الفيروس من إنسانٍ لآخر، اتّخذ شي خطواتٍ لنشر المعلومات.
وفي الوقت ذاته تقريباً، نشرت لجنةٌ رفيعة المستوى من الحزب الشيوعي الصيني رسالةً عبر تطبيق WeChat (جرى محوها لاحقاً) ندّدت فيها بالموظفين والبيروقراطيين الذين يُحاولون إخفاء المعلومات عن الوباء، مُحذّرين “من تُسوّل له نفسه تأخير أو إخفاء التقارير عمداً لمصلحته الشخصية من أنّ اسمه سيُذكر إلى الأبد في قوائم العار التاريخية”.
الرواية الثالثة: المسؤولون يتبادلون الاتهامات وسكان ووهان يفرون من المدينة حاملين الفيروس
ليس من المُفاجئ أنَّ الرواية الرسمية تغيَّرت، كما حدث مع أعداد حالة الإصابة والوفاة التي تضاعفت أربعة أضعاف لتصل إلى 198 حالة في الـ19 من يناير/كانون الثاني. ولم يرد ذكر سوق الحيوانات في الرواية الجديدة، إذ وجّه قادة ووهان أصابع اللوم لبعضهم البعض على الدفع بالقصة السابقة، وأُغلِقَت قطاعاتٌ عريضة من المدينة على سكانها الذين يصل عددهم إلى 11 مليون نسمة. ولكن مع اقتراب عُطلة رأس السنة القمرية والمخاوف الواسعة من فرض حجرٍ صحي؛ هجر ملايين من سكان ووهان مدينتهم واتّجهوا إلى قرى عائلاتهم التقليدية والمدن الأخرى بطول الصين وعرضها، واصطحب الكثير منهم الفيروس معهم دون علمهم.
وأخضعت الحكومة الصينية البلاد بأكملها لمجموعةٍ من عمليات الإغلاق، استناداً إلى كُتيّب إرشادات التعامل مع سارس عام 2003، مع قطع اتّصال ووهان بالعالم الفعلي والافتراضي، كما سيكون الحال مع الأصوات المُعارِضة والناقدة لاحقاً بدرجةٍ مُتزايدة. وطُلِبَ من الناس الامتناع عن السفر في رأس السنة القمرية، ومُدِّدَت العطلة على مستوى البلاد لتقليل انتشار الفيروس في المدارس وأماكن العمل، وشُجِّع قرابة الـ100 مليون شخص في مقاطعة هوبي والمناطق المُجاورة على فرض حجرٍ صحي على أنفسهم والبقاء داخل شققهم ومنازلهم.
الرواية الرابعة: أكبر بـ10 مرات على الأقل من وباء سارس واحذروا الحمى
وحذّر غوان يي، عالم الفيروسات بجامعة هونغ كونغ، من أنّ استراتيجية الاحتواء قد تفشل وأنّ تفشّي الوباء على نطاقٍ أوسع هو أمرٌ حتمي.
وأردف أنّ الوباء سيكون أكبر بـ10 مرات على الأقل من وباء سارس، مما يعني أنّ الحالات ستتجاوز الثمانية آلاف حالة.
وعلمياً، تعتمد استراتيجية الاحتواء على افتراض حاسم: يُمكن أن ينتقل الفيروس من شخصٍ لآخر في حال كان المصدر مُصاباً بالحُمى. لذا أُقيمت نقاط التفتيش عن درجات الحرارة في كافة أنحاء البلاد، وعلى الطرق السريعة، وفي مداخل المباني الكُبرى، وفي كافة نقاط العبور، ووصلت إلى أيدي رجال الشرطة الذين يعبرون الشوارع الحضرية في دورياتٍ على بُعد مئات الكيلومترات من ووهان.
وأُوقِفَت القطارات والطائرات والحافلات، وأُغلِقَت الطرق السريعة بالكامل. ومن خلال التعرّف إلى كل شخصٍ يُعاني من الحمى في الصين وإيداعه في الحجر الصحي، سيتوقّف انتشار الفيروس وسينتهي الوباء سريعاً.
الرواية الخامسة: العدوى ليست مقتصرة على الحمى وتنتقل بالسعال واللعاب والأنف، وحتى البراز
ولكن بحلول الثالث من فبراير/شباط، كانت هناك أدلةٌ على أنّ الأشخاص الذين لا يُعانون من الحُمى على الإطلاق يستطيعون نقل الفيروس إلى الآخرين، رغم أنّهم لم يُصابوا سوى بأشكالٍ بسيطة من مرض كورونا.
ويستطيع هؤلاء الأشخاص نقل العدوى إلى اثنين أو أربعة أشخاصٍ آخرين. ويستطيع الفيروس الانتقال من خلال قطرات السعال واللعاب وسوائل الأنف، علاوةً على البراز الذي ثبت أنّه عرضةٌ للتلوث، مما عزّز مخاوف انتقال العدوى عن طريق الفم/البراز، من خلال لمس الطعام غير المطهي. والأسوأ من ذلك هو أنّ فترة حضانة المرض مُعتدلة الأعراض والمُعدية على الأرجح قد تكون طويلةً للغاية، وربما تصل إلى 24 يوماً.
الرواية السادسة: ينتقل عبر الهواء والمصافحة
وفجأةً لم يعُد فيروس كورونا يُشبه سارس، الذي كانت فترة حضانته تصل إلى ثلاثة أيامٍ فقط، وكان مُعدياً بين الأفراد المُصابين بالحُمى فقط. بل يبدو أنّ هذا الفيروس الجديد أشبه بالإنفلونزا، والتي يُمكن أن تنتقل من شخصٍ لآخر دون أعراض ومن خلال المُصافحة أو عبر المجال الهوائي المُشترك. لكنّ تلك المقارنة فاشلةٌ في حدّ ذاتها، لأن القليل من الناس يحتضنون الإنفلونزا لأكثر من 24 ساعة، أي أقل بكثير من 24 يوماً.
وبحلول أواخر يناير/كانون الثاني، تحوّلت ووهان إلى مدينة أشباح تندر داخلها رؤية إنسانٍ أو مركبة، بعد أن هجرها سكانها أو احتموا بالحجر الصحي داخل منازلهم.
لكن الفيروس واصل حصد المزيد من الضحايا، وحذّر شي الأمة من “انتشاره السريع”. وبعد أن ثبت خطأ رواية الاحتواء، بدأت مُدُنٌ أخرى بخلاف ووهان في الشعور بالانتشار المُخيف للمرض، لذا انتقل الحزب الشيوعي الصيني إلى كُتيّب لعبٍ مألوفٍ آخر: رفع حالة الدولة البوليسية.
وأماكن الحجر الصحي تنقل العدوى
وبين عشيةٍ وضُحاها، تحوّلت صالات الألعاب الرياضية والفنادق والمهاجع الجامعية ومراكز المؤتمرات والمرافق الضخمة إلى مراكز احتجاز تحوي آلاف الأسِرّة في صفوف طويلة، ويتوافر داخلها الطعام والمراحيض وفحوصات الحمى المُنتظمة لآلاف الأشخاص الخاضعين للحجر الصحي داخلها.
ولا شكّ أنّ تلك المراكز ليست مستشفيات، إذ اشتكى الكثير من المُحتجزين داخل مرافق الحجر الصحي المُؤقتة تلك من أنّهم لم يخضعوا لفحوصات العدوى على الإطلاق، بل جرى تخزينهم وإجبارهم على تشارك مرافق الاستحمام والمراحيض مع المئات من الأشخاص المُصابين بالعدوى على الأرجح.
الرواية السابعة: اللوم على الولايات المتحدة
حاول شي تحويل اللوم في ظل ازدياد المخاوف، بتعيين مسؤولٍ عن الاستجابة للوباء، وإرسال رئيس الوزراء لي كه تشيانغ إلى ووهان.
وانتقد شي “الخطاب الكاذب”، مُركّزاً على من استخدموا Weibo وغيره من الشبكات الاجتماعية لنشر الشكوك في سياسة الاحتواء والتذمّر بشأن ظروف حجرهم الصحي. وبعث بروايةٍ إضافية تلوم حكومة الولايات المتحدة على محنة الصين.
وفي الـ30 من يناير/كانون الثاني، أعلنت منظمة الصحة العالمية الوباء على أنّه حالة طوارئ صحية عامة تُثير قلقاً عالمياً، أصدر وزير الخارجية مايك بومبيو توجيه سفرٍ إلى الأمريكيين يُحذّرهم من زيارة الصين.
وخلال الأسبوع الأول من فبراير/شباط، فُرِضَت قيودٌ على شركات الطيران، والمطارات، والمُهاجرين الصينيين والمُسافرين الذين يُحاولون العودة إلى الولايات المتحدة، علاوةً على التجارة في السلع الأساسية بين البلدين.
وبحلول الثالث من فبراير/شباط، بدأت المستشفيات في كافة أنحاء الصين تُبلِغ عن نقصٍ في حقائب الفحوصات، وهو ما فرض انخفاضاً كبيراً في التشخيص والإبلاغ عن الحالات.
وحذّر أكاديميٌّ طبي وعضو فريق خبراء رفيع المستوى شكّلته لجنة الصحة الوطنية الصينية: “لا يُمكن إجراء عمليات الكشف المُبكّر، والتشخيص المُبكّر، والعزل المُبكّر، والعلاج المُبكّر داخل ووهان في الوقت الحالي. وآمل أن تدعم البلاد ووهان”.
الرواية الثامنة: سوء الإدارة هو سبب تفشي المرض، ولكن السيطرة عليه سهلة
وفي اليوم ذاته، عقدت اللجنة الدائمة للمكتب السياسي بالحزب الشيوعي الصيني اجتماعاً لصياغة روايةٍ جديدة، فحواها أنّ الوباء خرج عن السيطرة بسبب سوء الإدارة. لذا سيقود الحزب الشيوعي الصيني الآن “حرب الشعب” ضد الفيروس، بفرض تدابير أكثر تشدُّداً في الحجر الصحي ومكافحة الشائعات. ويجب أن تكون السيطرة على الوباء أمراً سهلاً نظراً لأنّ 80% من ضحاياه كانت أعمارهم تتجاوز الـ60 عاماً، و75% منهم كانوا ضعفاء بسبب مشكلات صحية أخرى، بينما كانت أعداد الأطفال بينهم قليلةً بدرجةٍ غريبة، في حين شكّل الرجال 66% من إجمالي أعداد المُصابين بحسب البيانات الرسمية الجديدة.
وعليكم تسليم المرضى المشتبه بهم
وفي نداءٍ وطني، حثَّ الحزب الشيوعي الصيني أفراد الشعب على التعرّف إلى جيرانهم المرضى وتسليمهم إلى السلطات.
وفي النهاية، شهدت مدينةٌ واحدةٌ على الأقل وعداً بدفع مبالغ نقدية تُساوي ثُلث متوسط الدخل الشهري للصيني البالغ عند تسليم أحد المُصابين.
ويجري نقل المشكوك في إصابتهم -بالقوة إحياناً- من منازلهم وإيداعهم في مستشفيات ميدانية مؤقتة داخل المدارس والمرافق الرياضية. ودفعت بكين بالمزيد من الموارد في تخزين الحالات المُشتبه بها وإدخال المصابين بالالتهاب الرئوي إلى المستشفيات، بالتزامن مع تشكيك الخبراء العالميين في إمكانية إيقاف الفيروس.
ولكن بحلول الخامس من فبراير/شباط، نقلت التقارير أنّ صالات الجنازات ومحارق الجثث كانت تُعاني مشكلةً في مواكبة أعداد الجثث التي يجب التخلّص منها داخل ووهان. ورغم عدم توافر بيانات تتطرّق إلى المشكلة، لكن إغلاق ووهان يُعرّض حياة الأفراد المُصابين بفيروس كورونا للخطر، علاوةً على آلاف الأشخاص الذين يحتاجون إلى أدوية وعلاجات عرضية لأمراضٍ مثل فيروس العوز المناعي البشري (HIV) ومرض الكلى والسكري وارتفاع ضغط الدم. إذ لم تعُد المستشفيات تستقبل أولئك المُصابين وبدأت أدويتهم تنفد، لكن ليست هناك إحصاءاتٌ بأعدادهم أو وفياتهم.
وبدأت الأسرّة، وأجهزة التنفس، ومعدات دعم الأكسجين والالتهاب الرئوي تنفد بنهاية الأسبوع الأول من فبراير/شباط في مقاطعة هوبي.
ونظراً لأنّ المزيد من المدن بدأت تشهد ارتفاعاً في أعداد حالاتها؛ قرّرت أن تحذو حذو ووهان في إغلاق المدينة واستراتيجية الحجر الصحي.
1700 مصاب في القطاع الصحي
وفي الـ14 من فبراير/شباط، أقرّت لجنة الصحة الوطنية في الصين أخيراً بتأثير فيروس كورونا الجديد على العاملين في مجال الرعاية الصحية، قائلةً إنّ 1,716 منهم أُصيبوا أثناء تأدية عملهم، وإنّ ستةً منهم ماتوا بسبب الالتهاب الرئوي.
وبعد ذلك، في 6 فبراير/شباط، توفي لي ون ليانغ بسبب إصابته بفيروس كورونا، وهو ما أثار تنديداً كبيراً في جميع أنحاء البلاد المليئة بالغضب الذي لا يمكن إنكاره. واستجابت الحكومة لتدفق الحزن والغضب من خلال فرض الرقابة على النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحجب الحسابات التي تنشر الأخبار.
ومسؤول أمني يتولى قيادة الحرب على الوباء
نشرت سيسيليا وانغ، وهي مراسلة مجلة The Economist تُقيم في شنغهاي، تغريدةً حول عملية تنقيح جارية عبر مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، إذ تمحى التعليقات التي تشير لطريقة تعامل الحكومة مع الوباء من التاريخ الرقمي.
في 8 فبراير/شباط، أفادت التقارير بأن الرئيس الصيني، شي جين بينغ قد عيَّن تلميذه تشن ييشين، الذي لا يتمتع بخلفية طبية أو علمية، ليكون في المركز الثاني في قيادة الفريق المسؤول عن معالجة الأزمة الوبائية في مقاطعة هوبى.
من المعروف أن خبرة تشن هي تطبيق القانون، إذ يرأس أقوى لجنة للأمن الداخلي في الصين. عندما دخل تشن مدينة ووهان، علمت قيادات ووهان وهوبي المسؤولة قبل أزمة الوباء أنهم سيعاقبون.
الرواية التاسعة: المرض يتباطأ
في 9 فبراير/شباط، أظهرت الأرقام الرسمية تباطؤاً في تقارير الحالات الجديدة، وهو اتجاه استمر لحين بلوغ الارتفاع الهائل في أرقام الحالات، في 12 فبراير/شباط.
خلال نافذة الأمل تلك التي استمرت ثلاثة أيام، ظهرت سرديتان جديدتان لما يحدث. قالت الأولى إن الوباء قد وصل إلى ذروته. فيما قالت الثانية إن الوقت حان للأمة للعودة إلى مباشرة لأعمالها، واستعادة الاقتصاد الصيني.
لكن الاستقرار لم يكن موجوداً في أي مكان في جميع أنحاء البلاد.
ففي مدينة هوانغقانغ، وهي إحدى أكثر المدن المتضررة من المرض في الصين، قال الزعيم المحلي التابع للحزب الشيوعي الصيني إن البلدية يمكنها فحص 900 شخص فقط في اليوم.
على جانب آخر، حدد بحث أُجري على مستوى المدينة إصابة 13 ألف شخص بالحمى.
وهذه هي نسبة الوفيات من بين المصابين
وبحسب المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، تباينت معدلات الوفيات عبر جميع أنحاء البلاد، إذ توفي 4% من المرضى المصابين بفيروس كورونا في مدينة ووهان، وتوفي 5% من الحالات في مدينة تيانانمن. ولكن كان من الصعب منح المصداقية لتلك التقديرات، إذ لا يعرف أحد حقاً الأساس المرجعي للفيروس، أي عدد الناس المصابين بالعدوى في المقام الأول، مما يعني أن بعض المختبرات فاتها حساب نصف إجمالي الإصابات.
مع امتلاء مرافق الحجر المؤقتة، أثيرت أسئلة حول سلامة المصابين، إذ تكدّس الناس داخل المرافق جنباً إلى جنب وتشاركوا المراحيض معاً.
ومع وجود أدلة واضحة على أن فيروس كورونا يمكنه الانتشار عن طريق البراز أو عن طريق الغازات المنبعثة من المراحيض ومواسير الصرف المستخدمة بإفراط.
في 10 فبراير/شباط، أقال شي بينغ اثنين من كبار مسؤولي الصحة في مدينة هوبي، في غمار مزاعم بأن الفيروس قد يصيب 5% من سكان ووهان، أو ما يعادل نصف مليون شخص. بعد ثلاثة أيام، استُبدِل أحد الموالين لشي بينغ بسكرتير فرع الحزب الشيوعي في إقليم هوبي.
يعد وو زونيو كبير علماء الأوبئة في مركز مكافحة الأمراض في الصين، وهو المسؤول في نهاية المطاف عن تقدير عدد الوفيات الناجمة عن وباء فيروس كورونا. في 13 فبراير/شباط، تحدث وو زونيو إلى هوارد بوشنر، رئيس تحرير مجلة الجمعية الطبية الأمريكية American Medical Association، مدافعاً عن الصين فيما يتعلق بدقة أعداد الحالات الوبائية فيها، ومعترفاً بأن أدوات التشخيص كانت غير متوفرة وقد يصعب استخدامها، غير أنه أصر على أن الوباء قد أوشك على الانتهاء.
وجادل وو بأن انتقال العدوى سوف يتباطأ مع بلوغ المزيد من المصابين نهاية فترة الحضانة، وسوف يتضح أن وسائل مكافحة العدوى الصينية قد نجحت بالفعل.
الرواية العاشرة من خارج الصين:
في حديثه مع شبكة CNN الإخبارية هذا الأسبوع، أشار روبرت ريدفيلد، الذي يرأس المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، إلى إنه كان أقل تفاؤلاً إلى حد كبير بخصوص الفيروس.
إذ قال: “إننا في حالة احتواء عنيفة في الوقت الحالي. لا نعرف الكثير عن هذا الفيروس، الذي من المحتمل أن يستمر معنا بعد انتهاء هذا الموسم، أو حتى إلى ما بعد هذا العام، وأعتقد في النهاية أن الفيروس سيجد لنفسه موطئاً وسيجد طريقه للانتشار بين المجتمع”.
اجتمع حوالي 400 من كبار خبراء الأمراض المعدية في جنيف هذا الأسبوع لمساعدة منظمة الصحة العالمية على فك العديد من الألغاز التي لا تزال تحيط بالفيروس.
خبير من هونغ كونغ: استراتيجية الصين لن تنجح وعدد قتلى الفيروس المحتملين مرعب
أحدهم كان غابرييل ليونغ، خبير جامعة هونغ كونغ، الذي لا يؤمن أن استراتيجية الصين ستلقى نجاحاً ويخشى أنه مع إعادة فتح المدارس وعودة الملايين من الناس إلى مدينة ووهان وغيرها من المدن المغلقة، يمكن للفيروس أن ينشط مرة أخرى. وقد ينتشر إلى ما وراء حدود الصين، وربما يصيب أكثر من 60% من سكان العالم.
حتى إذا كان فيروس كورونا يقتل 1% فقط من ضحاياه، فإن نسبة 1% من أصل 60% مصابون من إجمالي 7 مليارات شخص لا تزال تشكل عدداً هائلاً من الضحايا، (حوالي 42 مليون شخص) مما يضع فيروس كورونا جنباً إلى جنب مع أكبر ثلاثة أوبئة في تاريخ البشرية: طاعون القرن الرابع عشر، وإنفلونزا عام 1918، والحصيلة الحالية لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز.
المشكلة في مصداقية الصين في التعامل مع كورونا
تقول الكاتبة: أفضل أن أؤمن أن البشر سينجحون في احتواء انتشار فيروس كورونا إلى مستوى أقل فظاعة لمدة طويلة بما يكفي لتطوير لقاح فعال.
ولكن هذا سوف يتطلب جهداً هائلاً على امتداد فترات زمنية طويلة. إذ تتطلب اللقاحات الجديدة سنوات من البحث والاختبار.
ولسوء الحظ، تظهر لنا الطريقة التي تتعامل بها الصين مع الوباء كيف يمكن أن يسوء الأمر، مما يحول الأزمة إلى كارثة. إذ زودت حكومة شي بينغ العالم بالعديد من البيانات، لكن مصداقيتها، أو بالأحرى افتقارها للمصداقية، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأساليب حكم الحزب الشيوعي الصيني، فضلاً عن أساليب الرقابة والترهيب والاحترام. مما يترك سائر العالم للتكهن والاستعداد دون معرفة حقيقة الخراب الذي يستطيع أن يتسبب فيه العدو المتمثل في فيروس كورونا.