“المشروعات العملاقة في الخليج تواجه تأجيلات وإعادة تقييم”.. تحت هذا العنوان نشر موقع “المونيتور” الأمريكي، تقريراً تحدث فيه عن قرارات وقف (أو) تأجيل تلك المشروعات والسيناريوهات الأقرب في المرحلة المقبلة.
فقد أجبرت التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا وأزمة انهيار أسعار النفط دول الخليج على وقف أو تأجيل المشروعات العملاقة التي تهدف إلى تنويع مصادر الاقتصاد، والسؤال: هل سيكون التأثير على تلك المشروعات ممتداً أو مؤقتاً؟
قرارات مؤلمة
أعلنت السعودية، التي أنهكها الهبوط الحاد الأخير في أسعار النفط، أنه يتعين عليها أن “تقلّص بشدةٍ” نفقات الميزانية العامة، ومن ثم تخفيض النفقات التشغيلية والإنفاق الرأسمالي بمقدار 26.6 مليار دولار، وفقاً لبيان صادر عن وزير المالية محمد الجدعان في 11 مايو/أيار.
وتشير تلك التطورات إلى أن برامج وإصلاحات ولي العهد محمد بن سلمان المتعلقة بتنويع الاقتصاد بعيداً عن عائدات بيع النفط ستعاني تراجعاً كبيراً في مخصصاتها، وهو ما دعا علي الشهابي، عضو المجلس الاستشاري لمشروع “نيوم”، إلى القول إن تنفيذ مشروع نيوم قد “يمتد على مدى فترة أطول”. حسب ما ترجم موقع “عربي بوست”.
وتذهب توقعات شركة “غلوبال داتا” Global Data، المتخصصة في تحليل البيانات والاستشارات، إلى أن حملة التنويع الاقتصادي التي تقودها المملكة “ستتعطل بشدة” على المدى القصير إلى المتوسط، وفي جميع أنحاء المنطقة، ستعاني عديد من المشروعات العملاقة الرامية إلى التنويع الاقتصادي تضرراً كبيراً أيضاً.
واعتباراً من طليعة عام 2020، كانت الاستثمارات المخصصة للمشروعات العقارية الكبرى في الخليج قد وصلت إلى تريليون دولار، وشملت تلك المتعلقةَ بمشروعات “رؤية 2030” في السعودية ومشروع “مدينة الحرير” بالكويت، ومشروعات “مدينة لوسيل” والملاعب المخصصة لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر، إضافة إلى مشروع ميناء الدقم بسلطنة عمان، وغيرها من المشروعات.
مشروعات مغامرة باهظة التكلفة
لطالما شكك الخبراء والاقتصاديون في جدوى عديد من تلك المشروعات العملاقة، إذ يُنظر إليها على أنها مفرطة في الطموح، وعلى سبيل المثال، تذهب مجلة Jacobin الأمريكية، وهي مجلة يسارية تصدر من نيويورك، في تقرير لها، إلى أنَّ “فرص تحقيق مشروع (نيوم) في الواقع ضئيلة… كما يبدو أنه مشروع مكلف سيأكل حصةً كبيرة من عائدات تصدير النفط في البلاد، مقابل عوائد غير واضحة”.
واستدل جيسون توفي، المحلل الاقتصادي بشركة Capital Economics، بمشروع مدينة ضخمة على الساحل الغربي للمملكة، كان الملك عبدالله قد أعلن عنها في عام 2005، قائلاً: “إن مدينة الملك عبدالله الاقتصادية كانت مثالاً كلاسيكياً يوضح كيف أن السلطات الحكومية ليست بالأفضل فيما يتعلق بتنفيذ مثل تلك المشاريع، والآن تخاطر الحكومة السعودية بتكرار أخطاء الماضي” في مشروعها المستقبلي.
وفي طليعة “رؤية الكويت 2035″، يأتي مشروع “مدينة الحرير” بهدف جذب استثمارات محلية وأجنبية ضخمة، لتحويل الطرف الشمالي الضيق ذي الكثافة السكانية المنخفضة في الخليج، إلى مركز حضري تجاري وتعزيز التنوع الاقتصادي للكويت.
لكن جيفري مارتن، المحلل الاقتصادي المشتغل بالشؤون الكويتية، أخبر موقع Al-Monitor بأنه على المدى القصير، من المرجح أن “يعاني المشروع بشدة، لأسباب تعود حتى إلى ما قبل الوباء، وليست متعلقة بالأساس بالأزمة الحالية”.
وكان نواب في البرلمان الكويتي قد طرحوا مخاوف بشأن التنظيم الاقتصادي الليبرالي المنتظر اتباعه ومدى تأثيره على الاستقلال الاقتصادي في المنطقة. كما عارض برلمانيون محافظون بمجلس الأمة الكويتي الاستثماراتِ الصينية في مشروع “مدينة الحرير” ضمن محاولاتهم التنديد باحتجاز السلطات الصينية التعسفي لنحو مليون مسلم في مقاطعة شينجيانغ شمال غربي الصين.
أما في قطر المجاورة، فيستمر الإنفاق على بناء الملاعب و”المشروعات الجارية الأخرى” والبنية التحتية المخصصة لكأس العالم 2022، في حين أخبر رئيس بعثة صندوق النقد الدولي بقطر، وكالةَ Bloomberg بأن السلطات “تخفض الإنفاق الرأسمالي الاستثماري في المشروعات الأخرى”.
“وقت للتدبر”
ويقول بعض كبار المسؤولين في المنطقة الآن، إن الاقتصاد الخليجي الذي تصل قيمة ميزانياته إلى 1.6 تريليون دولار قد لا يعود أبداً إلى مستويات ما قبل الأزمة، وإن عديداً من صناع القرار شرعوا في اتخاذ خطوة إلى الوراء لتحسين السياسات القائمة.
وقال الاقتصادي علي الشهابي لموقع Al-Monitor: “سيكون هذا التوقف المؤقت وقتاً للتدبر أيضاً في مختلف جوانب المشروع وتوقيته”، وأضاف سكوت ليفرمور، كبير الخبراء الاقتصاديين في Oxford Economics Middle East، أنه يعتقد أن رؤية 2030 “كانت تخضع لإعادة تقييم بالفعل” قبل الأزمة التي حلت في 2020.
وفي تقرير لها، ذهبت شركة المحاسبة العملاقة PwC، إلى أن إشراك مزيد من المواطنين وتحفيزهم على العمل في القطاع الخاص لا يزالان يمثلان تحدياً، إذ دفعت أنظمة الرعاية الاجتماعية واسعة النطاق نسبةً كبيرة من المواطنين إلى الاعتماد على وظائف جذابة في القطاع العام، وهو ما “أساء إلى سمعة سوق العمل في القطاع الخاص”.
الاستثمارات الأجنبية
في السنوات الأخيرة، تتماشى الخطط الخليجية الطموحة إلى تنويع اقتصاداتها المعتمدة على النفط، مع “مشروع القرن” الذي أعلنه الرئيس الصيني شي جين بينغ، والذي يتشكل من شبكة من البنى التحتية البرية والبحرية لربط أكثر من 60 دولة في آسيا وإفريقيا وأوروبا.
وشاركت الاستثمارات الصينية في تمويل عديد من التطورات اللوجيستية الرئيسية بالمنطقة، وعلى رأسها ميناء جازان في السعودية، ومشروع محطة أبوظبي للحاويات الصينية الإماراتية المشتركة في ميناء خليفة بالإمارات، ومشروع ميناء الدقم في سلطنة عمان، وتوسيع مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي، وغيرها من المشروعات.
ومع ذلك، تشير كاميل لونز، وهي باحثة متخصصة فيما يتعلق بالتأثير الصيني في المنطقة بـ”المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية”، إلى أنه بالنظر إلى أن جائحة كورونا تسببت في حالة ركود اقتصادي عالمي، فمن المرجح أن تواجه الصين أزمات تتعلق بتحصيل ديونها في عديد من البلدان التي استثمرت فيها، وهو ما سيؤثر بشدة على قدرتها المتعلقة بالحفاظ على وتيرة الاستثمار نفسها في أنحاء العالم.
غير أن لونز أشارت أيضاً إلى أنه على خلاف معظم الدول المشاركة في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، تظل دول الخليج جذابة للصين؛ نظراً إلى قدرتها على “مواصلة الاستثمارات المشتركة” في المشروعات العملاقة، إلا أن استعداد تلك الدول للحفاظ على تدفق مستمر للاستثمارات في هذه المشروعات العملاقة سيكون أحد الشروط التي ستطلبها الصين للاستمرار في التزاماتها.
مشروع “نيوم” هو “حلم جريء وطموح”، كما يؤكد موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت، لكن بعد الصدمة المزدوجة لانهيار أسعار النفط ووباء كورونا، وصلت دول الخليج إلى مفترق طرق، حيث بات يتعين عليها إما أن تحافظ على نموذج الحكم الأبوي فيها بأي ثمن، وإما أن تكون طموحة وتمضي قدماً في سياسات التنويع الاقتصادية التحديثية والاستمرار في الإصلاحات النظامية الضرورية، حتى لو انطوت على عواقب مؤلمة.