مهند بتار يكتب: حزيرانيات بلهجات خليجية

 1 ـ الكَضيّة :

هناك القضيّة ، وهناك الأضيّة ، وهناك الكَضيّة ، أمّا الأولى فهي تعني (مسألة محل نزاع بين طرفين أو أكثر) ، كأن نقول (تلك قضية الجزر الثلاث الإماراتية التي يسوح فيها الحرس الثوري الموزمبيقي) ، وأما الثانية (الأضيّة) فهي لا تختلف من حيث المعنى عن سابقتها (القضية) ، سوى إنها تشيع في حواضن أخرى ، ففي حين تتوطن الأولى في اللغة العربية الفصحى ، تستوطن الثانية في الحواضر المدنية كمفردة محكية في لهجة محلية ، كأن نقول (أضيّة اليمن ، بعد خمس سنوات من التوحّل السعودي ـ الإماراتي في مستنقعها ، لم تعد قضيّة) ، أما المفردة (كَضيّة) فهي مقصورة على لهجة بعض (الفلسطزيين من جَرَب الشمال) كما يحب أن (يُدَلّعهم) بعض أعراب الجزيرة من عبيد آل مرخان بن موسى بن شطريط الخيبري ، والكضية كدلالة عند هؤلاء الأجلاف تنحصر بالسخرية من كل ما هو فلسطيني ، شعباً وأرضاً وتاريخاً ، حتى إن أميراً مرخانياً من فصيلة الخراتيت ، يدعى عبد الرحمن بن مساعد الخيبري ، لا يتورع عن التهكم على تلك اللهجة الفلسطينية المحلية التي تجعل من القافِ كافاً ، فيروح يقيء سمومه فوق صفحة تويتر على شكل كلمات بائخة في سطور عفنة متفسخة ، يغلب عليها حرف الكاف ، لا لشيء إلا لكي يتندّر على الشعب الفلسطيني المرابط في أرض الإسراء والمعراج ، متناسياً أن في بلاده ما هبّ ودبّ من اللهجات المحلية التي تخالها منسوبة إلى لغات أخرى غير العربية من فرط غرابتها وشذوذها ومدى افتراقها عن اللغة الأم ، وهاكم واحدة من أحدث تغريدات هذا (الأمير) المتهكمة على أصحاب تلك اللهجة المحلية الفلسطينية : (( سبّوا السعوديين لنكولكوا وكفوا .. هاالأسبوع وكفوا سب بيكولكوا في مساعي صلحة .. بس مش كلكوا توكفوا سب عشان ما تبينش الكضية .. وإذا ما زبطت بنكولكوا ترجعوا للوضع الطبيعي)) .

أهذا أمير ، أم كومة هراء على هيئة خرتيت ؟.

2 ـ مافيا … مافيا :

تَجمّعَ عشرات الصحفيين أمام بيت العالِم السيميائي الشهير (تركي الحسن) ، بعد أن رفض هذا السفر إلى ستوكهولم ليتقلد ميدالية نوبل في السيمياء ، بزعمهِ أن المؤسسات السويدية والنرويجية التي تمنح تلك الميدالية إنما هي واجهة لكارتلات مافيوية إجرامية ، ومعروفٌ أن العالِم تركي كان قد أرسى دعائم (السيميائية الحديثة) من خلال تجاربه على العِظام البشرية بغية تحويلها إلى أقلام سحرية ، من شأنها أن تكشف الخبايا الميتافيزيقية الكونية بمجرد إستخدامها في الكتابة على الجلود التمساحية ، ولعل في التجربة المعروفة بإسم المتطوع (جَلال خاشقجي) ما يلقي بعض الضوء على مفهوم (السيميائية الحديثة) ، ففي حين عجزت (السيميائية القديمة) عن تحويل القصدير إلى ذهب ، نجحت سيمائية (تركي الحسن) في تحويل عظام (جلال) المشوية في فرن العلوم الإحيائية إلى أقلام سحرية ، لاحظَ مُخترعها بعد أن جرّبها في الكتابة على مختلف أنواع الأوراق والجلود أنها لا تستجيب سوى على جلود تماسيح تعيش في مستنقع (عبدالرحمن الرّاكد) حصراً ، حيث تتبخر الحروف بمجرد أن يحتك القلم السحري بجلد التمساح المعني ، قبل أن تعود هذه الحروف وتتبدّى من فورها على هيئة ملائكة مُجنّحة صغيرة ، كأنها أسراب فراشاتٍ تحوم حولك ، ما أن تسألها عن ماهية أي لغز من الألغاز الماورائية حتى يأتيك جوابها بسرعة اصطفاق أجنحتها …. ،  وبعد انتظارٍ أمام بيته ، دام بضعة أيام ، خرج العالِم (تركي الحسن) إلى الصحفيين ليدلي ببيان مقتضب ، جاء فيه :

لقد رفضتُ جائزة نوبل في السيمياء ، لأن القائمين على هذه الجائزة ، هم في الواقع ، كارتلات مافيوية دموية تتخفى وراء يافطة (نوبل) ، ولا تتوانى عن قتل الأبرياء بأبشع الطرق ، وبأشدّها إنحطاطاً ساديّاً لا يمتّ للإنسانية بأدنى صلة ، بل يتناقض حتى مع المسلكيات الغرائزية الحيوانية ، وعليه فإنني أعود وأكرر ، لا تشرفني جائزة هؤلاء الوحوش لأنهم أعضاءٌ لا في مؤسسة ملتزمة أو في دولة محترمة ، ولكن في عصابات مافيا … مافيا مافيا .

3 ـ هارونيات :

من أم هارون إلى نتياهو المعروف بأبي يائير مسافة أطول زمكانياً من عمر النكسة الحزيرانية العربية ، بل أطول زمكانياً من عمر النكبة الفلسطينية ، لكن آينشتاين بن آل اللهيان قلص هذه المسافة إلى ما دون الصفر ، بحيث جاء مخاض جدة نتنياهو لأبيه في أحد مستشفيات بولندا قبل مولد أم هارون الكويتية الأصل أو البحرينية أو النجدية أو العراقية (وكله صواب كما ورد في كتاب أصول الأحزاب) ، وكان ذلك بالضبط عند الساعة الخامسة والنصف من صبيحة بلفور ، في الثاني من تشرين الثاني  (1917) ، وبعد ذلك بإثنين وثلاثين عاماً وُلدَ نتنياهو الإبن فوضعه أبوه بعد صيفين في أول رحلة لقطار آينشتاين بن آل اللهيان إلى الشرق الأوسط ، لكنه نسي أن يكبس على زر التوقيت ، فإذا بالقطار الذي يسير بسرعة الضوء يتوقف عند زمن الكورونا ، وبالتحديد في جزيرة صحرومائية يقصدها الباحثون عن الماء والعفراء والوجه الحسن ، وبتحديد أدق عند البوابة الخارجية لقصر الزير المتقاعد خامد بن أحمد بن محمد ، وهناك ترجل أبو يائير من قطار الزمن اللهياني ، وإذا به يجد نفسه وقد جاوز العقد السادس من العمر ، فرآها فرصة أن يجدد شبابه في تلك الجزيرة ، فأرشده عسس الزير خامد بن أحمد إلى ماخور يُسمّى (مخرج ـ 7) ، ومن مقعده في ذلك الماخور راح يشاهد عرضاً سحرياً فريداً من نوعه يمزج ما بين أرانب السلام وذئاب الشالوم ، بحيث يتزواج الثاني بالأول ، فيلد هذا على الفور كائنات أسطورية مسخوطة ليس كمثلها شيء ، يقوم نادل مقطوع اللسان ، إسمه حمد المزروعي ، بتوزيعها على رواد الحانة كهدايا تذكارية ، وكم كانت دهشة نتنياهو عظيمة عندما رأي بأم عيونه التي سيَعفّ عنها الدّود تلك الكائنات وهي ترقص (العرضة) على وقع نشيد (هتكفاه) العبري ، إنما بالعربية الفصحى .

4 ـ أنور خرخاش :

ثمة الخرخاش العُماني ، وثمة الخرخاش الإماراتي ، والخرخاش العُماني هو آلة إيقاعية شعبية تتكون من نِطاقٍ قوامه قطعة قماش وقد ثُبّتَ أو عُلّقَ عليها خليط من حوافر الأغنام اليابسة والأجراس الصغيرة ، ويتخَصّر بهذا النطاق الشخص (المؤدي) الذي يهز جسده ليصدر عن ذلك إيقاعاً لطيفاً ناتجاً عن أصوات الأجراس وعن إحتكاك الحوافر مع بعضها البعض) ، أمّا الخرخاش الإماراتي فهو أيضاً آلة إيقاعية ، لكنها ليست جَرَسيّة أو حوافريّة أو حتى خلخالية ، لكنها (تويترية) ، وتتكون من نطاقٍ لغوي قوامه مفردات ذات إيقاع فهلوي ، يتمنطق به الشخص (المؤدي) الذي يَلحَن بحروفه ، ليصدر عن ذلك إيقاعاً هجيناً ، لا هو تدفيف دبلوموسيقي ولا هو تطبيل زقاقي ، ولكنه خليط من الفذلكة اللزجة والبهرجة السّمجة ، بحيث (مثلاً) عندما تقرأ نوتته التويترية التالية ، بمناسبة الذكرى الثالثة لشروع حلف الفجّار بحصار قطر ، سينتابك الشعور بالحيرة المشفوعة بالإعياء من فرط فجاجة إيقاعها المنفر المتنافر : ( لا أرى أن أزمة قطر في ذكراها الثالثة تستحق التعليق ، إفترقت المسارات وتغيّر الخليج ولا يمكن أن يعود إلى ما كان عليه . أسباب الأزمة معروفة ، والحل كذلك معروف وسيأتي في أوانه ، ولعل النصيحة الأفضل هي تجاهل وتجاوز التصعيد والعمل للمستقبل ).

أرأيتم ؟ ، هو لا يرى في ما أسماها (أزمة قطر) ما يستحق التعليق ، لكنه مع ذلك ، لا يعلق فحسب ، بل يخرخش بضجيج يتجاوز في خرخشته الطاغية أسماع أهل الخليج ! .

مهند بتار

Exit mobile version