الديكتاتوريون العرب مغرمون بالعقاب الجماعي.. السعودية ومصر تقلدان الإمارات بملاحقة عائلات المعارضين
قالت مجلة “فورين بوليسي” البريطانية، إن الديكتاتوريين العرب باتوا يحبون العقاب الجماعي، مشيرةً إلى أنهم لم يعودوا يلاحقون المعارضين لهم في الخارج بل وعائلاتهم أيضاً.
وأوضحت المجلة، في مقال للصحفية البريطانية المصرية، علا سالم، أنه عندما بدأ المعارض المصري ورجل الأعمال محمد علي ببث فيديوهات من إسبانيا لم يتوقع أن تؤدي إلى إثارة انتفاضة في بلده مصر، لافتةً إلى أن فيديوهاته قادت إلى مظاهرات نادرة مضادة للحكومة في أيلول/سبتمبر العام الماضي بعدما كشفت عن حياة البذخ والتبذير التي يعيشها الرئيس عبد الفتاح السيسي وعائلته.
وأضافت: “ما توقعه هو استهداف عائلته من أجل تشويه سمعته، فقد قام والده بالتبرؤ منه عبر التلفزيون الحكومي في مصر، واتهمته والدته وشقيقه بسرقة شقيقه المتوفى”.
محمد علي أولهم
ونقلت سالم عن محمد علي في مكالمة هاتفية معه من إسبانيا حيث يقيم: “كذبت عائلتي”، وأضاف: “هم مؤيدون للسيسي ولم أفاجأ مما قالوا، فنحن في ديكتاتورية وما أعرفه أنهم تحدثوا حسبما طلب منهم”.
واتصل والده به في عدد من المرات وطلب منه الاعتذار عن الفيديوهات التي بثها. ويقول: “سألني لماذا فعلت هذا: كنا سعداء، وقال لي إنه سيقتلني”، ويضيف علي: “بكيت ولكن لا عودة إلى الوراء”. وفي الشهر الماضي كشف عن محاولات مصر لترحيل المقاول من إسبانيا بتهم التهرب الضريبي في وقت يواصل فيه السيسي حملته الشرسة لإسكات المعارضين.
وأشارت سالم، إلى أن قصة علي ليست استثنائية فهو جزء من مجموعة من المعارضين الذين اختاروا المنفى الاختياري كي يتحدثوا بحرية ضد الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي، متابعةً: “شاهد الكثيرون منهم عائلاتهم وهي تتعرض لضغوط ضخمة من الأجهزة الأمنية في محاولة لابتزازهم وإجبار أقاربهم في الخارج على التوقف عن نقد النظام”.
وقالت سالم: “في مقابلاتي مع عدد من النقاد الصريحين لاحظت استخدام أكثر من نظام لنفس الأسلوب وفي نفس الوقت: الطلب من العائلات الضغط على أقاربها المعارضين، التبرؤ منهم، تشويههم وشجب أفعالهم. والعائلات التي تفشل بتطبيق ما طلب منها تواجه حظر السفر، العزل الاجتماعي، فقدان الوظائف وحتى السجن”.
واستدركت: “لكن نقاد الحكومة يقولون إن هذه الأساليب لم تكن معروفة أو منظمة في الماضي، ففي السعودية مثلا، ربط معظمهم هذه الأساليب بالفترة التي تلت تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد عام 2017 وبالتحديد عندما بدأ بملاحقة النقاد، الرموز المؤثرة، الأمراء، الناشطين والعلماء ورجال الدين.
سلمان العودة وعائلته
وأكملت: “أوضح مثال على هذا هو اعتقال الشيخ سلمان العودة في أيلول/سبتمبر 2017. ومع أنه اعتقل قبل صعود محمد بن سلمان وسجن في الفترة ما بين 1994 إلى 1999 إلا أن عائلته كما يقول نجله عبد الله العودة لم تتعرض للمضايقة والتحرش”.
واستكملت: “اليوم فقد منع 18 فردا من عائلته بمن فيهم طفل في عمر التاسعة من السفر ولا يزال عمه في السجن لأنه نشر تغريدة عن سجن شقيقه وتعرض بيتهم للتفتيش أكثر من مرة وفي تحول غريب للأحداث وبعد منع عائلته من زيارة الشيخ سلمان، سمحت السلطات لصحافي سعودي بزيارته وكتابه تقرير وصف سجنه بأنه مكان للاستجمام. بل وقال الصحافي إن الشيخ سلمان طلب من ابنه عبد الله التوقف عن القيام بحملات للإفراج عنه والتركيز على دراساته ويقول عبد الله إن هذا الطلب غريب لأنه أنهى دراساته ووالده يعرف هذا”.
هذا وعانت الناشطة لجين الهذلول من نفس التجربة والأساليب. وعلى خلاف اعتقالها الأول عام 2014 فقد منع والداها من السفر بعد اعتقالها عام 2018. وأجبر زوجها على العودة من الأردن، حيث انفصلا لاحقا، ولا يعرف إن كان هذا بسبب الضغط الحكومي أم لا. وتعرض إخوتها للضغوط وطلب منهم التزام الصمت حول ما تعرضت له من تعذيب وتحرشات جنسية في السجن.
عائلات معارضين التزموا الصمت
وتقول الباحثة والناشطة السعودية هالة الدوسري: “حاولت عائلات المعارضين التزام الصمت، ولكن الجديد مع محمد بن سلمان أنك لو التزمت الصمت فلن يغير من مساره”، مضيفة: “هذا أمر جديد في السعودية، وهم يقولون: سنلاحقك وعائلتك ولا مجال للتفاوض، ولهذا السبب فلن يساعد الالتزام بالصمت”.
ومع أن أوامر منع السفر ليست جديدة إلا أنها في ظل محمد بن نايف، الذي أطيح به عام 2017، كانت عرضة للمراجعة السنوية ويمكن الاعتراض عليها، ولم يعد هذا ممكنا، وكما تقول الدوسري: “في ظل محمد بن سلمان فالمنع دائم”. ولا يعرف عدد من حظر عليهم السفر لكن عددهم بالآلاف كما يعتقد.
وتشير إلى أن جهود التضييق على المعارضين شملت الضغط عليهم مباشرة في الدول الغربية، ففي عام 2018 زار شقيق اللاجئ السياسي والناقد لبن سلمان، عمر عبد العزيز، كندا. وكان برفقته رجلان قالا إنهما يحملان له رسالة من ولي العهد: إما أن يذهب إلى السفارة السعودية في كندا أو يرافقهم إلى السعودية. ولم يستجب عبد العزيز لأي من الطلبين. وعندما عاد شقيقه إلى السعودية سجن مع عدد من زملاء عبد العزيز للضغط عليه. وبعد عامين وبدون تغيير مواقفه من الحكومة السعودية حذرته المخابرات الكندية أنه أصبح هدفا للرياض.
سعد الجبري وعائلته
وفي الوقت الذي تم احتجاز عائلة عبد العزيز كرهائن، استخدم نفس الأسلوب مع مسؤول المخابرات السابق سعد الجبري الذي فر إلى كندا. ويعرف الجبري بجهوده لمواجهة القاعدة في شبه الجزيرة العربية. ولكن السلطات السعودية اعتقلت ابنه وابنته وأحد إخوته في محاولة لإجباره على العودة إلى السعودية. وكانت الحكومة قد اعترفت بعد جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي بوجود أمر لجلب المعارضين من الخارج دون توضيح الطريقة.
ويعتقد الناشطون أن التحرش بالعائلة تحول لطريقة رد جاء بسبب العلاقة القريبة بين ولي العهد السعودي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، الذي استخدمت بلاده أسلوب معاقبة العائلة منذ سنوات.
وتقول الناشطة الحقوقية آلاء الصديق التي تعيش في لندن وقدمت طلبا للجوء السياسي إن الموجة تنتشر بقوة بالسعودية في السنوات القليلة الماضية، ولكنها عانت منها، فهي ابنة واحد من 94 مواطنا إماراتيا اتهموا عام 2013 بتعريض أمن البلاد للخطر.
وقالت الصديق إن 20 قريبا للمعتقلين سحبت منهم جنسياتهم وهي واحدة منهم. ومنع آخرون من السفر أو يعانون من الاستبعاد الاجتماعي أو الحصول على وظائف معينة، متابعةً: “لو تقدم أحدهم لخطبة أهلي فإن الحكومة تمنعه” و”لا نعرف عدد الذين منعوا من السفر، فلا توجد وثيقة أو بلاغ، ولكن عندما يحاولون عبور الحدود يخبرون بالمنع، فهذا التحالف المتزايد بين السعودية والإمارات يقود إلى انتهاكات لحقوق الإنسان وأساليب تستخدم”.
الممنوعون من السفر
هذا ولا يتم إخبار الممنوعين من السفر في السعودية مقدما لكنهم يكتشفون عندما يذهبون إلى المطار، وقال معارض إنهم يشجعون عائلاتهم على التبرؤ منه، مضيفا أنهم يعرفون قبل الحديث ضد الدولة أن الحكومة ستعمل جهدها لكي تحرض أبناء العائلة عليهم.
وفي الوقت الذي تبنت فيه الأنظمة أساليب وحشية ضد نقادها، بدأ المعارضون في الخارج باستخدام السبل القانونية لفضح الانتهاكات. ومن خلال هذا النهج تجبر الحكومات الغربية بضغط من منظمات حقوق الإنسان والرأي العام على شجب الممارسات القمعية مع أنها تحاول الحفاظ على علاقات دبلوماسية مع هذا النظام أو ذاك.
المصري محمد سلطان
ففي بداية هذا العام بدأت عائلات السعوديين السجناء وحلفاؤهم الاتصال بالمحامين وجماعات الضغط وجلب الحالات إلى الولايات المتحدة، وقبل فترة تقدم الناشط محمد سلطان بدعوى قضائية ضد رئيس الوزراء المصري السابق حازم الببلاوي، بتهمة الأمر باعتقال سلطان عام 2013 حيث تعرض للتعذيب.
وردت السلطات المصرية باعتقال خمسة من أقارب سلطان وحققت مع والده المعتقل، وتم احتجاز أقاربه كرهائن حتى يسحب سلطان الدعوى، حيث اعتبر المشرعون الأمريكيون الاعتقالات تدخلا واضحا في العملية القضائية الأمريكية.
وقالت سالم، إن سياسة ملاحقة عائلات المعارضين ستكون مصدر صداع مستمر لإدارة دونالد ترامب أو الإدارة التي ستخلفه بزعامة جوزيف بايدن. ولن يتغير الوضع بدون ضغوط تمارس على الأنظمة لتحسين سجلاتها في حقوق الإنسان.
وعبر بايدن عن قلقه من استهداف عائلة سلطان، وحذر أنه لن تكون هناك صكوك بيضاء لديكتاتور ترامب المفضل، في إشارة للسيسي. وللأسف مارست مصر ضغوطا على وزارة الخارجية الأمريكية لمنح الببلاوي حصانة دبلوماسية ضد الدعوى التي تتهمه بالتعذيب، مما يزيد من الضغوط على عائلة سلطان والعائلات الأخرى التي تنتظر للحصول على العدالة من الذين عذبوا أبناءها وتحرير المعتقلين منهم.
وفي الوقت الذي لا تستطيع فيه الولايات المتحدة والدول الأوروبية تصدير قيمها إلى العالم العربي إلا أنها تستطيع مساعدة من لجأوا إليها الحصول على العدالة، خاصة في الحالات التي تصيب مواطنين لهذه الدول، وإلا فستتجرأ الأنظمة على مواصلة القمع والاضطهاد.