شهادة مروعة تكشف تفاصيل جديدة عن “الساعة 6” من انفجار مرفأ بيروت
شارك الموضوع:
نقل موقع “بي بي سي” شهادات جديدة كارثية لشهود عيان على في انفجار مرفأ بيروت المروع والذي حول العاصمة اللبنانية إلى مدينة منكوبة.
ويقول علي الديراني إنه كان يتواجد في شقته الواقعة على سطح أحد أبنية منطقة مار مخايل، ويقع الحيّ على ضفّة الطريق السريع الموازية تماماً للمرفأ، وكانت الساعة السادسة إلا بضع دقائق، حين أحسّ أنّ هناك شيئاً غريباً في الجوّ.
“رأيت دخاناً يتصاعد من المرفأ، ووصلت على هاتفي أخبار عن اندلاع حريق في المكان. شعرت باهتزاز طفيف، يشبه خرق طائرة لجدار الصوت، كأنّ هناك قصفاً وشيكاً. عرفت أن عليّ مغادرة البيت فوراً”، يقول علي.
وتابع “حملت زوجتي بثياب نومها، نزلت الدرج بملابسي الداخلية، حافياً. ناديت بأعلى صوتي على الجيران، كي يخرجوا من البناء المؤلف من ست طوابق قبل ان يقصف وينهار فوقنا. لم أكد أصل إلى الطابق الأرضي، حتى دوّى الانفجار.”
وأكمل:”ضممت زوجتي لحمايتها، لكنها نالت نصيبها من الحجارة. ملأ الزجاج المكان، رأينا الدماء على الأرض، وانقطعت الكهرباء”.
وحين خرج علي إلى الشارع، كانت زوجته تتألم، كانا حافيين وشبه عاريين. بقيا في مكانهما على الرصيف لا يعرفان ما الذي حدث بالضبط. الحيّ منهار بالكامل. انتظروا أن تصل سيارة الصليب الأحمر، لكن أحداً لم يأتِ. كان عليه المشي فوق الزجاج المبعثر ليعود إلى الشقة، ويحضر الأوراق اللازمة والأموال لأخذ زوجته الجريحة إلى المستشفى.
“خزائن المصارف طارت”
يصف علي الدمار: “لم أشهد على مثيل لذلك الدمار حتى في حرب تموز عام 2006. كانت هناك أجساد مرمية على الطريق، لم نعرف إن كانوا أحياء أو أموات. السيارات مدمّرة. خزائن المصارف طارت إلى الشارع. أبواب الحديد نفرت من إطاراتها. الأبنية أشبه بهياكل من دون نوافذ ولا شرفات”.
نادى على سيارة عابرة نقلته مع زوجته إلى مستشفى الروم (الأشرفية) فوجده مدمراً.
“كان الجرحى مكدسين في الممرات. صرت أصرخ على الأطباء ليساعدوا زوجتي وتبيّن أن لديها ضلعين مكسورين. لم أنتبه إلى أنّ الجروح تملأ جسمي بسبب الزجاج إلا لاحقاً، حين عدت بها إلى بيت أهلها. فكرت لو أني لم أغادر الشقّة، لو أنّي لم أشعر بالهزّة، لكنّا الآن في عداد الضحايا. في حيّنا سقط خمس قتلى على الأقل”.
ويقول علي: “من يمشي في الحيّ يظنّ أنّ الثلج تساقط على الساحل، بسبب طبقة كثيفة من الزجاج المطحون والغبار. لا نعرف إن كان هناك أناس محاصرون تحت الأنقاض. جاء متطوّعون مدنيون إلى الحيّ، وصاروا يطلقون النداءات من فوق الركام على مداخل البنايات، لربما سمعهم أحد عالق تحتها”.
مشهد من نهاية العالم
حين وصل علي الديراني إلى مستشفى الروم، كان المشهد هناك أقرب إلى أفلام الكوارث الطبيعية ونهاية العالم. عند السادسة إلا بضع دقائق، كانت الطبيبة لور يمين، تغادر عيادة الطبيب المشرف في الطابق الثاني، مع عدد من زملائها، متجهين نحو المصعد إلى الطابق الثامن، لإنهاء جولتهم اليومية على المرضى. سمعوا باندلاع حريق على المرفأ، لكن لم يخطر لهم أن ألسنته ستصل إليهم.
يقع المستشفى الجامعي، على الخطّ الموازي تماماً للمرفأ، في أحد أحياء الأشرفية. إنه أحد أكبر المشافي بيروت وأعرقها، وتفصله عن منطقة مار مخايل مئات الأمتار، ما جعل الأذى الذي طاله كارثياً.
تخبرنا لور: “كنا نقف في الممر، وإذا بنا نسمع صوتاً مدوياً، ثمّ هوى السقف على رؤوسنا، انقطعت الكهرباء، وملأ الغبار المكان. لم أفهم ما حدث. نظرت حولي، فرأيت زميلي ممدداً على الأرض، صرت أصرخ. أومأ لي أنّه بخير. زميلي الآخر لا ير أمامه. أضاع نظاراته. صرنا ننظف الغبار عنا ونبحث معه عن نظاراته”.
“الدماء تسيل من عيون الأطباء”
فكرت لور بأهلها. “صارت الأفكار تتسارع في رأسي، وكان أمامي احتمالان، الموت أو الحياة، وفي الحالتين أردت أن أتصل بوالدي. فإنّ متّ أكون قد كلمته على الأقلّ. وإن بقيت على قيد الحياة، سيساعدني عبر الهاتف، ويقول لي ماذا يجب أن أفعل. اتصلت به، وسألت ما الذي حدث، وفهمت أنّ ما ضربنا للتوّ لم يكن قصفاً”.
تغالب الطبيبة دموعها وهي تحكي كيف نزلت درج المستشفى وبدأت تدرك تدريجياً حجم الدمار.
“خراب وركام في كلّ مكان. المرضى يتدافعون إلى الخارج، والدماء على الأرض. رأيت جثة لأحد عمال التنظيف بالقرب من وحدة الدخول”.
وتستطرد قائلة: “نحن نتعامل مع الموت دائماً في مهنتنا، لكنها المرة الأولى التي أرى فيها جروحاً وأجساداً بتلك الحال. ضعنا. الناس حولي تبحث عن بعضها. الأهل يحملون مرضاهم للخروج. الممرضات مجروحات. الدماء تسيل من عيون الأطباء. الطابق الأرضي مدمّر بالكامل”.