سلطت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، الضوء في مقال رأي للدبلوماسي السابق والكاتب عز الدين فشير، على الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب. مشيراً إلى أن أمريكا ترامب التي عاش فيها كانت تشبه مصر التي تركها عام 2016.
وأشار الكاتب الأمريكي، في بداية المقال إلى نكتة الحاخام والرجل الذي كان يعيش مع تسعة أولاد وزوجته وأمه في غرفة واحدة. فذهب يشكو للحاخام الذي سأله إن كان يملك بقرة، فأجاب بنعم، ونصحه الحاخام أن يحضر البقرة التي يملكها للعيش معه ويعود إليه بعد أسبوع. وعندما ذهب إليه أخبره عن قرف العيش بسبب الضيف الجديد. ونصحه الحاخام عند ذلك بأن يخرج البقرة ويعود إليه بعد أسبوع، وعندما عاد سأله عن حاله، فكان جواب الرجل أنه ممتن للحياة بدون البقرة. قائلاً: “هذا ما وصلنا إليه بعد أربعة أعوام من رئاسة ترامب”.
وقال الكاتب: “وصلت إلى الولايات المتحدة خريف 2016، في ذلك الوقت كان النظام العسكري في مصر قد دمّر كل الطاقة الإيجابية التي خلقتها انتفاضة التحرير. ولم تكن قسوة القمع التي مارسها النظام من قتل المئات وسجن عشرات الآلاف بل ونظريات المؤامرة التي غمر بها الساحة العامة والأخبار المفبركة والشك واليأس والكراهية التي خلقت حالة من الهستيريا الجماعية”.
وأضاف: “في الوقت الذي تم فيه تشويه كل شخص، أصبح النظام مصدر كل الحقائق. وفي هذا الجو المسموم، لم يعد هناك منطق للكتابة أو الحديث بشكل علني. وعندما دعتني كلية دارموث للتدريس ولم أتردد”.
وقال إن مشاعره تجاه الولايات المتحدة كانت دائما مختلطة، خاصة أن لديه تحفظات بشأن
سياستها الخارجية، وهو يعرف كدبلوماسي سابق الموقف الإمبريالي الأمريكي. فطريقها في الشرق الأوسط كان ملطخاً بالدماء.
وأضاف: “كنت واعيا بعلل الولايات المتحدة كما لخصتها كتب مثل “المحبوب”، “عناقيد الغضب”، “الرعوي الأمريكي” و”جيم كرو الجديد”. وعيوب الديمقراطية الأمريكية معروفة من ناحية الزواج ما بين المال والسياسة، العنصرية المنظمة، النخبوية واللامساواة، والأثر المدمر لنظامها الاقتصادي على البيئة العالمية”.
اقرا ايضا : “شاهد” زوج نانسي عجرم في ورطة بعد هذا التسجيل الصوتي.. قام بتصفية السوري محمد الموسى خوفاً من الفضائح!
وتابع: “كل هذا لا يمنع من مشاركته في مزاعم المثال الأمريكي- الحرية والمساواة والعدالة. وهذه المُثل ليست مظهرا بل تقدم معيارا نقيس عليه الواقع، وورقة نفوذ لإجبار السلطة على الإذعان ومنعها من التدهور نحو نوع من الفاشية أو غيرها. وما يجعل الولايات المتحدة استثنائية ليس قوة السياسة أو الظلم الاجتماعي بل دفاعها عن هذه المُثل كبديهيات تلتزم بتحقيقها وتفتح الطرق للنضالات التحررية
التي ستكون مستحيلة ولهذا السبب كنت سعيدا بانتقالي إلى هنا”.
ويقول عز الدين: “ما حدث هو انتخاب دونالد ترامب رئيسا بعد شهرين من وصولي إلى الولايات المتحدة”، مضيفا: “راقبت بعصبية كيف حط من قدر المُثل الديمقراطية ونفذ بوقاحة سياسات
قامت على ضيق ومصلحة قصيرة النظر، وعنى هذا دعم الولايات المتحدة لحلفائها وهم ينفذون سياسات متهورة بدون الأخذ على أيديهم. وعنى أيضا رمي أجندات حقوق الإنسان من النافذة وتشجيع الديكتاتوريين”.
وعلى الصعيد المحلي “حبست أنفاسي على ما كان في الماضي يعتبر تصرفا مستحيلا ولكنه أصبح عاديا، تعيين ابنته وزوجها في مراكز مهمة، التفاخر بالتهرب الضريبي، تدمير استقلالية المؤسسات،
خرق الأعراف التي تقوي العملية السياسية، التشهير بالنساء والأقليات، دعم المتفوقين البيض والداعين لنظريات المؤامرة، استفزاز الصحافيين،دعوة الحرس الوطني لقمع التظاهرات وفصل الأطفال عن عائلاتهم وحبسهم في أقفاص على الحدود”.
وفي أقل من أربعة أعوام، خلق ترامب جواً خانقاً “مشابهاً لما تركته وراء ظهري في مصر”. مؤكدا: “أثّرت الانعطافة المظلمة عليّ شخصيا، فبدون تنظيمات للهجرة، لم أستطع السفر لمدة ثلاثة أعوام، وفي مرة مُنعت من الكتابة في صحيفة واشنطن بوست، واتصلت صديقة لي مع المحامين عندما سمعت أن الإدارة سترحّلها رغم وضعيتها كلاجئة. ووجد صديق آخر قضيته ضد معذبه تُعرقل لأن الإدارة حمت المتهم من الظهور في المحاكم الأمريكية. وكان هناك الكثير من أصدقائي يختفون في السجون المصرية بناء على اتهامات مفبركة، بمن فيهم فنانون ونواب في البرلمان ورموز سياسية. وظلت الإدارة الأمريكية صامتة حتى عندما مات مواطنون أمريكيون في السجون المصرية”.
وكانت أمريكا الجديدة التي لم تعد مهتمة بالمثل الليبرالية في الداخل والخارج في أعلى تجلياتها عندما ذُبح الصحافي المشارك في “واشنطن بوست” والمقيم في أمريكا، جمال خاشقجي على يد عملاء سعوديين في القنصلية السعودية باسطنبول. ورغم اعتراف ترامب بدور ولي العهد السعودي وتباهيه أن المملكة لن تبقى “أسبوعين” بدون الدعم الأمريكي، لم يكن لديه سبب للتدخل في جريمة قتل صحافي، فطالما ظل السعوديون يستثمرون، فأمريكا ترامب لا يهمها.
يقول الكاتب: “بعبارات مختصرة، أمريكا ترامب كانت أمريكا التي جُرّدت من مُثلها. والآن وقد انزاح الكابوس، أستطيع التنفس براحة، وبالطبع لن تختفي القوى التي تدفع الولايات المتحدة نحو الصراع السياسي والظلم. وستظل مظاهر القصور في النظام السياسي الأمريكي عائقا لقدرتها على تحقيق طموحاتها. وأكثر من 70 مليون أمريكي صوتوا لترامب هذه المرة، سيواصلون الدفع باتجاه نُسخٍ أخرى عنه. ولكن المجال فُتح للدفاع عن القيم الديمقراطية مرة ثانية. وخرجت البقرة، ويمكننا استئناف القتال من أجل المساواة والعدالة والحرية ونتعلم مرة أخرى أن نحافظ على ما كنا نعتبره أمرا مفروغا منه”.
تابعوا قناتنا على يوتيوب لمشاهدة كل جديد..