علق المفكر العربي المعروف الدكتور عزمي بشارة، على تصريحات المفتش العام لشرطة الاحتلال الإسرائيلي، يعقوب شبتاي، والتي اتهم فيها عضو الكنيست الكهاني، إيتمار بن غفير، بمسؤولية التسبب بالمواجهات المندلعة منذ أسابيع إثر هجمات المستوطنين على الفلسطينيين.
وقال عزمي بشارة في منشور على صفحته بفيس بوك رصدته (وطن) إن هذه التصريحات تأتي من منظور الشرطة الإسرائيلية العملياتي التي لا تحب ان يحدد لها نائب متطرف إيقاع عملها ويستهلك وقتها، ولكن حين تقع الواقعة تعرف الشرطة في أي طرف هي ومن هو الخصم.
وتابع: (لكن الأهم هو أن الدولة وشرطتها وجيشها ومحاكمها مستعدة لخوض حرب مدمرة لكي لا تتنازل “صهيونيا مبدئيا” عن أسسها التاريخية التي تقوم عليها والمتمثلة بإخراج عرب من بيوتهم لتوطين مستوطنين في مكانهم، ومصادرة الأرض لبناء المستوطنات، وتمتين العضلات العسكرية لمواجهة تبعات هذه الاسس الفاعلة والتي يعاد إنتاجها).
وقال: (فقد كانت العكسرتاريا الإسرائيلية دائما من متطلبات الفعل الاستعماري في محيط معاد).
عزمي بشارة: مهما طبع المطبعون فإن الدولة ذاتها ترفض أن تَتَطبَّع
وشدد بشارة على أنه مهما طبع المطبعون علاقاتهم معها فإن الدولة ذاتها ترفض أن تَتَطبَّع، ومن هنا فضيحتها وفضيحتهم.
وأشار في الوقت ذاته إلى أنه لا شك أن نتنياهو متحالف مع (بن غفير) وغيره، ويعتقد أن هذه فرصة له ولليمين ومن حيث الجوهر كلاهما متفقان تماما على تهويد القدس.
واعتبر المفكر العربي البارز أن الغضب العربي والفلسطيني الذي تجلى على مستوى الرأي العام في الأيام الأخيرة هو أيضا غضب على التواطؤ بالصمت وبالفعل.
ولفت إلى أن الاحتقان يتراكم منذ نقل السفارة إلى القدس، وإطلاق العنان للاستيطان، والاستهانة بالأقصى والاستهتار بمشاعر الفلسطينين والعرب منذ سلسلة التحالفات العربية المعلنة الأخيرة مع إسرائيل والأخيرة في أوج صلفها وتعنتها.
وفي رسالة ونصيحة للرئيس الأمريكي جو بايدن، قال بشارة إنه يجب أن يفكر بايدن بنتائج سياسة الولايات المتحدة في فلسطين، من السفارة في القدس اعترافُا بضمها وحتى سلاحها الذي يقصف به المدنيون في غزة، وأن يذكره أحد بحق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم وعن بيوتهم، (قبل أن يكرر الكليشيهات إياها عن حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، لا سيما وأن من كلامه يفهم أن المدنيين هم فقط الإسرائيليون.) وفق بشارة.
وقال الدكتور عزمي بشارة في نهاية منشوره: (أخيرا إسرائيل التي قامت على أساس قرار التقسيم الظالم من العام 1947 أعادت عمليا “توحيد” فلسطين باحتلال ما تبقى منها عام 1967. وهي ترفض تقسيمها من جديد إلى دولتين).
وختم: (ثم تستغرب\تتفاجأ من تفاعل واقع وحدة الفلسطينيين تحت احتلالها بعد 54 عاما. القيادات السياسية المحلية تحاول بطبيعة الحال أن تكرس واقع التجزئة هذا، وتنزعج من التفاعل الحاصل، لأنها قيادات محلية وهذه حدودها، أما القيادة الفلسطينية التي تستحق التسمية فيجبب ان تسعى لخلق الإطار المشترك).
وكان المفتش العام للشرطة الإسرائيلية، يعقوب شبتاي، حمل عضو الكنيست الكهاني، إيتمار بن غفير، مسؤولية التسبب بالمواجهات المندلعة في الداخل الفلسطيني المحتل منذ أسابيع، إثر هجمات المستوطنين على الفلسطينيين.
وقال شفتاي خلال جلسة لتقييم الأوضاع الأمنية عقدت في مدينة اللد، ونشرت القناة 12 الإسرائيلية تسريبات منها، إن “المسؤول عن هذه الانتفاضة هو إيتمار بن غفير”.
وأضاف أن “الأمر بدأ بمظاهرة منظمة ‘لاهافا‘ في ساحة باب العامود”.
وتابع أنه “استمر بالاستفزازات في حي الشيخ جرّاح. والآن يتجول مع أعضاء منظمة ‘لاهافا‘ في المدن”.
واستكمل “بالأمس تمكنا من تهدئة عكا ووصل (بن غفير) مع نشطاء على متن حافلة وتسبب في اضطرابات”.
وقال المفتش العام للشرطة الإسرائيلية، بحسب ما ذكرت القناة 12 الإسرائيلية، إن الشرطة لا تملك “الأدوات” للتعامل مع بن غفير.
وأضاف شبتاي “هناك أطراف تعمل على التحريض، وعلى جميع الأطراف التحلي بضبط النفس والمسؤولية”.
وامتنع كل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن الإسرائيلي، بيني غامنس، عن التعليق على أقوال شبتاي.
وتشهد المدن والبلدات العربية، منذ أيام، احتجاجات واسعة “نصرة للقدس والمسجد الأقصى”.
وواجهت الشرطة الإسرائيلية الاحتجاجات بالقمع، واعتقلت عشرات الشبان العرب في اللد والرملة وعكا ويافا وغيرها من المدن والبلدات.
وتفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية كافة، من جراء الاعتداءات الوحشية التي ترتكبها الشرطة والمستوطنون، منذ 13 أبريل الماضي، في القدس وخاصة منطقة باب العمود ومحيط المسجد الأقصى، والبلدة القديمة وحي الشيخ جراح، إثر مساع إسرائيلية لإخلاء 12 منزلا من عائلات فلسطينية لصالح مستوطنين.
يشار إلى أنه قبل أيام فرض الحدث الفلسطيني نفسه على الحوار الذي أجراه “تلفزيون سوريا” مع المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، والذي كان مقرراً أن يكون الملف السوري محوره الرئيسي، قبل أن تنفجر الأوضاع في القدس المحتلة نتيجة لجرائم الاحتلال الاستيطانية المتواصلة في المدينة منذ عام 1968، مثلما أشار إليه مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
وفي أحداث القدس، جزم بشارة بأن القضية لا تتعلق بقرار قضائي للمحاكم الإسرائيلية، بل بنضال فلسطيني لمنع تحول القدس العربية إلى مجرد غيتو لأقلية في محيط يهودي، وهو ما يجري شعبياً من دون قيادة سياسية ضرورية لتحويل الفعل الميداني إلى نتيجة سياسية، وهو ما تتحمل مسؤوليته السلطة الفلسطينية التي لم تتعظ من فشل كل مسار أوسلو، ولا تزال ترفض سلوك أي طريق لمواجهة الاحتلال.
وعن الهبة الحالية للمقدسيين، فقد وضعها بشارة في سياق ما تعيشه المدينة منذ عام 1968، أي منذ ضم الاحتلال القدس، وصولاً إلى اشتداد شراسة الهجمة الاستيطانية لتهجير السكان العرب من القدس، بدعم من الحكومة الإسرائيلية والمحاكم المتخصصة في تطبيق القانون الإسرائيلي المصَّمم لخدمة دولة إسرائيل ولتهجير الفلسطينيين ولتهويد الدولة.
ورأى بشارة أن الاحتلال طوّق القدس منذ 1968 عبر مجموعة مستوطنات تلقى الدعم الكامل من الحكومات الإسرائيلية ولديها وزراء يمثلونها، بهدف الاستيلاء على أكبر عدد من المنازل العربية عن طريق المصادرات وبناء المستوطنات التي أصبحت أحياء كاملة، ولكي تتحول القدس العربية من مدينة تصلح لأن تكون عاصمة لفلسطين إلى “غيتو”.
بين التطبيع والقدس
ولاحظ عزمي بشارة كيف أن موجة التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل تشجع الاحتلال على التوسع في ما يرتكبه في القدس، التي تكتسب أهمية معنوية كآخر قضية استعمارية في العالم.
وعن التغريدة التي كتبها بنيامين نتنياهو، واعترف فيها بأن العقبة الحقيقية أمام الاستسلام العربي الكامل للاحتلال هو الرأي العام العربي، لفت بشارة إلى أنه “كلما تحركت أنظمة باتجاه إسرائيل والتطبيع، اتسعت الفجوة بين الأنظمة والشعوب”.
واعتبر أن الرأي العام متضامن مع الشعب الفلسطيني ليس لأنه ضحية، بل لأنه يدافع عن حقوقه.
وربط بشارة بين هبّة القدس من جهة، وواقع أنها تجري في منطقة لا نفوذ فيها للسلطة الفلسطينية من جهة ثانية، ووجد أن “مسألة تهجير المقدسيين من المنازل تجسد نكبة عام 1948”.
وفي حين تنبّه إلى أن أغلب شباب هبّة المنازل اليوم مولودون بعد اتفاقيات أوسلو، ويبدون أكثر جاهزية للمواجهة، فإنه وجد في احتمال تمدد المواجهة من القدس إلى الضفة الغربية أمراً صعباً، ويتوقف على قرار السلطة الفلسطينية في منع الناس من التحرك أو عدمه.
واختصر المعادلة بالقول إن “السلطة لم تستنتج شيئاً من فشل أوسلو، وهي ترى أن الانتفاضة الثانية كانت خطأً، ولو قررت السلطة ترك الناس تنتفض، فسنرى العجب من الشعب الفلسطيني”.
ورداً على سؤال حول رويته لآفاق التصعيد أو التهدئة، اعتبر عزمي بشارة أن الاحتلال قلق اليوم، وذكّر بأن نتنياهو لديه ذكريات مع انتفاضة قامت ضد حكومته الأولى عام 1996 في القدس.
ووفق كلام عزمي بشارة، فإن الأمن الإسرائيلي هو من طلب من المحكمة العليا تجميد قرارات إخلاء منازل الفلسطينيين. ووافق بشارة على أن النضال يجمّد الاستيطان، لكنه نبّه إلى أنه “يحتاج إلى نفس طويل وإلى مؤسسات ومنظمات وقيادة”.
وحذّر من أنه “إذا حصل تراجع نضالي، فسيستولون على البيوت وسيكملون محاصرة القدس من كل الجهات”.
وحول موقف الإدارة الأميركية مما يحصل، أشار عزمي بشارة إلى أن المسؤولين الأميركيين اليوم “ليسوا متفقين مع سياسات (دونالد) ترامب في القدس، لكن إسرائيل مستمرة في ذلك منذ 1968”.
وتساءل: حين تقوم الدول العربية بالتطبيع مع إسرائيل، ماذا يبقى لكي يقوله الأميركيون داخل الإدارة ممن يفهمون الواقع العربي أو يتضامنون مع القضية الفلسطينية؟.