الرئيسية » الهدهد » عُمان: قِبلة السلام في المنطقة ..

عُمان: قِبلة السلام في المنطقة ..

هناك دول تعرف كيف تحوز ثقة الجميع، بجدارة وبدون أي كُلفة تذكر، دول تقف كشوكة ميزان ونقطة يتقاطع عندها الجميع، هذا النوع من الدبلوماسية الذكية هو ما يفسر سر حيازة عُمان لثقة المجتمع الغربي باعتبارها الدولة الوحيدة المؤهلة لاطفاء الحرائق بالمنطقة.

بالمقابل، هناك دول بالمنطقة قدمت مغريات كثيرة للقوى الدولية، وانتهجت سياسات متهورة بالمنطقة، وعملت كل ما بوسعها كي تعزز نفوذها وتحوز بذلك ثقة المجتمع الدولي بها؛ لكن العالم ليس مغفلًا، هو يعرف لمن يمنح ثقته، ومن يراه مؤهلًا؛ ليكون صديقًا مقربًا، وشريكًا يُعمتد عليه في الأدوار المهمة. عمان نموذجًا لهذا النوع الأخير من الدول.

ليس بالضرورة أن تعادي خصوم أصدقاءك؛ لتكون صديقهم، بل يمكنك أن تكون صديقًا للطرفين، وليس بالضرورة أن تنتهك سيادة الدول؛ كي تحوز نفوذا بالقوة، يكفي أن تحافظ على مصلحة الأخر ليحافظ على مصلحتك، وتحوز نفوذا سلسا ويثق بك الجميع. وتلك هي عمان مقارنة بآخرين.

صديقة لإيران وعلاقتها طيبة بالسعودية، تستقبل وزير خارجية الشرعية ويقطن فيها الناطق باسم الجماعة الحوثية، يزورها المسؤولين الأمريكيين ولديها علاقة جيدة مع الصين، هكذا تبدو مسقط، أشبه بملتقي كوني حر، فضاء لصناعة السلام وقبلة يهتدي إليها الجميع.

لا تنحصر أهمية السياسة العمانية في قدرتها على لململة الفرقاء وتوفير فضاءً لتخفيف التوتر بالمنطقة، بل تتجاوزها لتشكل مدرسة في السلوك السياسي المتزن ومثالًا للنهج العقلاني في محيط يعج بالجنون والفوضى.

إن مقياس فاعلية الدولة ليس في قدرتها على إشعال الحروب وتعزيز عناصر الفرقة وتعميق الإنقسامات في المجتمعات، بل في مدى قدرتها على احتواء النزاعات وتوفير أجواء سلام للقوى المتناحرة وهذا هو ما تتميز به عُمان من بين دول الخليج ككل. وهذا هو الفرق بين عمان ودول أخرى.

ليس سهلا أن تحتفظ دولة بنفسها بمنأى عن الصراعات في محيط متلاطم الأمواج، تتصاعد فيه نداءات الحرب من كل مكان، لا شك أن ذلك يتطلب قدرا عاليًّا من النباهة والبصيرة العالية؛ كي تتمكن دولة من الاحتفاظ بشوكة التوازن قائمة مهما تبدلت الظروف واختلت موازين القوى في المنطقة.

ها هم الغربيون حين يشعرون برغبة ملحة لتهدئة الصراع بالمنطقة، لا يذهبون نحو الرياض أو أبوظبي ولا حتى القاهرة، أم العواصم العربية، بل نحو عُمان، لا بد أن هذا السلوك، دليل نجاح دبلوماسي جدير بالتوقف عنده، واستلهامه مطولا.

النموذج الذي قدمته وتقدمه عُمان ليس غريب عنها، هو انعكاس طبيعي لدولة راسخة تمتد آلاف السنين في التأريخ، هذا الرسوخ في التقاليد وطرائق التعامل وكيفية الموازنة في صناعة السياسات، منح الدولة العمانية ذاكرة سياسية مبصرة وخبرة تأريخية جنبتها كثير من الشطط والارتباك.

الخلاصة: الدولة الناجحة هي من تمتاز بأكبر قدر ممكن من الأصدقاء وأقل قدر ممكن من الأعداء، مزيد من الحلفاء وقليل جدا من الخصوم، النجاح الحقيقي هو جدارتك بثقة الأطراف جميعها، حتى تلك التي تقف على طرفي نقيض. وكذلك هي عُمان.

*أنيس منصور – رئيس مركز هنا عدن للدراسات الاستراتيجية

 

تابعوا قناتنا على يوتيوب لمشاهدة كل جديد

أضغط هنا وفعل زر الاشتراك

قد يعجبك أيضاً

رأي واحد حول “عُمان: قِبلة السلام في المنطقة ..”

  1. وهي أيضا قبلة المظاهرات! صحار صور صلالة عبري نزوى وووو! خخخخخخ! شعب جائع وحكومة تحترف العمالة للقوى الاقليمية والدولية! هعععععععع

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.