السعودية ما بعد الوهابية.. تقرير يكشف تغيرات مجتمعية واقتصادية عميقة أحدثها ابن سلمان

كشف تقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية، تفاصيل مساعي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتنويع مصادر الاقتصاد السعودي المرتهن بالنفط.

وقال التقرير، إن ذلك يترافق مع سياسة الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي لاجتذاب الاستثمارات وتحديث صورة البلاد. ولكن هذه المساعي تترافق أيضا مع حملة قمع تطال منتقدي النظام ومعارضيه.

وحسب التقرير، يستبعد متابعون أن تتراجع السلطات السعودية عن قرارها الأخير بشأن قصر استعمال مكبرات الصوت الخارجية على رفع الأذان والإقامة للصلاة.

ويشير المراقبين، وفق الوكالة الفرنسية، إلى أن الإصلاحات التي تقوم بها المملكة لفترة ما بعد النفط لها الأولوية اليوم.

مكبرات المساجد

ويثير القرار الصادر مؤخرا في السعودية، جدلا في المملكة المحافظة التي تسعى إلى التخلص من صورة التشدد الديني، وفق التقرير.

ولطالما كان رفع الأذان وقت الصلاة يتم عبر المكبّرات وبصوت مرتفع في البلاد. وتبث كذلك عبر المكبرات الخطب الدينية في المساجد، إلى خارجها.

ومن الواضح أن هذا القرار الجديد يندرج في إطار التغييرات التي يقوم بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والهادفة إلى تحديث المملكة المحافظة بعد ارتباط اسمها طويلا بالتشدد الديني.

وأصدرت الحكومة الشهر الماضي قرارا يقضي بـ”ألا يتجاوز مستوى ارتفاع الصوت في الأجهزة عن ثلث درجة جهاز مكبر الصوت” في المساجد، ويمنع استخدامها في كل ما عدا ذلك من خطب وتلاوة قرآن.

وأشارت إلى أن القرار اتخذ بسبب الضرر الذي تُحدثه الضوضاء على المرضى وكبار السن والأطفال في البيوت المجاورة للمساجد.

إضافة إلى تداخل أصوات الأئمة وما يترتب على ذلك من تشويش على المصلين سواء أكانوا في المساجد أم في البيوت.

اقرأ ايضاً: صفقة نفطية بين السعودية وباكستان لمواجهة إيران .. “فايننشال تايمز” تكشف التفاصيل

وأثار القرار تعليقات متباينة لا سيّما على مواقع التواصل الاجتماعي، بين مؤيّدين قالوا إنّه يحدّ من الضوضاء والتشويش اللذين ينجمان عن تداخل أصوات الأئمة في بلد يعدّ عشرات آلاف المساجد والجوامع، ومعارضين استغربوا كيف أنه يُمكن الشكوى في بلد الحرمين الشريفين من أصوات الخطباء والمقرئين والمصلّين.

إعادة بناء أسس الدولة السعودية

ويقول الأستاذ في جامعة “إسيكس”، عزيز الغشيان، لوكالة فرانس برس، إن “الدولة تقوم بإعادة بناء أسسها”.

وبحسب الغشيان، فإن السعودية “تصبح دولة مدفوعة اقتصاديا تستثمر جهودا كبيرة في محاولة أن تبدو أكثر جاذبية -أو أقل تخويفا- للمستثمرين أو السائحين”.

ويرى مراقبون أنه من غير المرجح أن تتراجع السلطات السعودية عن قرارها، مشيرين إلى أن الإصلاحات التي تقوم بها لفترة ما بعد النفط لها الأسبقية على المشاعر الدينية.

“ما بعد الوهابية”

وقبل قرار قصر المكبّرات على نقل الأذان والإقامة، نفذ الأمير محمد بن سلمان في السنوات الأخيرة إصلاحات كبيرة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.

وأبرز تلك الإصلاحات رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيّارات، وإعادة فتح دور السينما والسماح بإقامة حفلات غنائية ووضع حدّ لحظر الاختلاط بين الرجال والنساء.

وشهدت المملكة كذلك تحديدا لدور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت بمثابة شرطة دينية في البلاد.

وبات انتشار عناصرها محدوداً بل حتّى معدوماً، ما سمح لبعض النساء بالخروج من منازلهن دون عباءة أو غطاء للرأس وخصوصاً منهنّ الأجنبيات.

وأصبحت المتاجر والمطاعم أيضا تستقبل الزبائن خلال وقت الصلاة في تغيير عن سياسة سابقة كانت تجبر هذه الأماكن على الإغلاق.

وتحظر السعودية ممارسة أي ديانة غير الإسلام. إلا أن مستشار الحكومة السعودية علي الشهابي أعلن مؤخرا لوسيلة إعلام أمريكية أن السماح بإقامة كنيسة في السعودية هو على “لائحة أعمال القيادة”.

وتقوم المملكة أيضا بمراجعة لكتب مدرسية تصف غير المسلمين بـ”القردة” و”الخنازير”، بغية إزالة هذا الوصف.

واستبعد مسؤولون سعوديون علنا إمكانية أن تقوم المملكة برفع الحظر التام المفروض على الكحول.

ولكن مصادر عدة بينها دبلوماسي غربي في الخليج، أشاروا إلى أن مسؤولين سعوديين أكدوا في اجتماعات مغلقة أن الأمر “سيحدث تدريجيا”.

وترى كريستين ديوان من معهد دول الخليج العربية في واشنطن أنه “ليس من المبالغ فيه القول إن السعودية دخلت حقبة ما بعد الوهابية، رغم أن الخطوط الدينية الدقيقة للدولة لا تزال في تغيير مستمر”.

وبحسب ديوان، فإن “الدين لم يعد لديه حق النقض على الاقتصاد والحياة الاجتماعية والسياسة الخارجية”.

تغيير آخر

وبموازاة ذلك، فإنه يبدو هناك نوع من التلاشي في مواقف المملكة من قضايا المسلمين حول العالم. ويرى محللون أن ذلك قد يضعف صورتها كقائدة العالم الإسلامي.

ويقول دبلوماسي غربي في الخليج لفرانس برس: “في السابق، كانت السياسة الخارجية مدفوعة بالعقيدة الإسلامية التي تقول إن المسلمين مثل جسد واحد، لكنها الآن قائمة على سياسة عدم التدخل المتبادل: لا نتحدث عن كشمير ولا الإيغور، ولا تتحدثون عن خاشقجي”، الصحفي السعودي المعارض الذي قتل في 2018 داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.

ولطّخ قتله واختفاء جثته سمعة ولي العهد السعودي وزجّ بالرياض في أزمة دبلوماسية، وفق الوكالة الفرنسية.

وتعهّد ولي العهد بالقضاء على التطرّف الإسلامي، لكن بين التوقيفات التي قامت بها السلطات في السنوات الأخيرة، كثيرون ممن كانوا ينادون بالاعتدال ومعارضون.

وتقول ديوان إن ولي العهد السعودي “تمكّن سياسيا من القضاء على منافسيه، بما في ذلك أولئك الذين شاركوه أهداف الإصلاح الديني”.

تابعوا قناتنا على يوتيوب لمشاهدة كل جديد

أضغط هنا وفعل زر الاشتراك

 

 

 

Exit mobile version