عزمي بشارة يوضح الفرق بين انقلاب السيسي في مصر وانقلاب قيس سعيد في تونس
شارك الموضوع:
تحت عنوان “الديمقراطية التونسية في مواجهة الشعبوية”، نشر مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور عزمي بشارة، تعليقا جديدا، الثلاثاء، على الانقلاب الذي قام به الرئيس قيس سعيد في تونس.
وتركز تعليق الدكتور عزمي بشارة وفق ما جاء في منشوره الذي رصدته (وطن) على فيسبوك عند 10 نقاط أساسية، هي:
- في أوج خيبة الذين “هرموا” منذ عام 2013 لأن آخر شمعة في حلكة “الاستثناء العربي” قد تنطفئ، توالت الأخبار عن مواقف النخبة التونسية السياسية والمدنية التي تراوحت بين رفض الانقلاب على الدستور والتحفّظ عليه (حذراً وليس تساهلاً). لقد عبّرت جميع الأحزاب السياسية، اليسارية والليبرالية (المحافظة وغير المحافظة) والإسلامية (ما خلا حزبين) عن موقف رافض من خطوات الرئيس. وتحفّظت المؤسسات المدنية الكبرى عليها، أو أبدت تحفظاتها. كما رفضت غالبية القانونيين التوانسة تفسيرات الرئيس القانونية للدستور.
- في كتابي الأخير عن الانتقال الديمقراطي وإشكالياته، وفي سياق تحليل نجاح الانتقال في تونس وفشله في مصر، أكدتُ اختلافي مع دراسات التحديث بشأن اعتبار معايير التحديث هي الفارق الرئيس بين النجاح والفشل، مشيراً إلى الفارق المهم في ثقافة النخب السياسية بين البلدين.
في تونس أبدت النخب السياسية الرئيسية استعداداً للحوار في ظل الالتزام بالعملية الديمقراطية، في حين أنه في مصر فضّل بعضها التحالف مع عناصر من النظام القديم أو حتى مع الانقلاب العسكري ضد خصومها. ومنذ الأمس يؤكد رفض النخب التونسية الوازنة الانقلاب على الديمقراطية هذا الانطباع.
عزمي بشارة : الديمقراطية التونسية في مواجهة الشعبوية
- شكّلت الشعبوية بوصفها خطاباً ومزاجاً سياسياً تحدياً رئيساً للديمقراطية في تونس. ولم تتمكن الديمقراطية التونسية من التغلب عليه، بل أجّجته، بما في ذلك في خطاب الإعلام المتنافس على الإثارة واجتذاب المستمعين والمشاهدين (ولا سيما غير المسؤول وغير المهني منه) وفي التراشق بين الأحزاب في البرلمان (هكذا أدرّجهما من حيث المسؤولية أيضاً).
- وكانت الطامة الكبرى بانتخاب رئيس من دون سجل مهني بارز أو نضالي أو سياسي، بل بسبب خطابه الشعبوي المقعر لا غير. (من المفارقات أن من يؤجج الخطاب الشعبوي ضد النخب السياسية والحزبية والثقافية في أوساط الجمهور هم عادة عناصر وأفراد من النخبة ذاتها، وذلك لأسباب أيديولوجية أو مصلحية أو وصولية، واللافت أنه غالباً ما يكون هؤلاء من الفاشلين في مجالهم المهني الحاقدين على زملائهم، ويحوّلون الحقد إلى غضب وخطاب سياسي انتقامي من النخبة عموماً).
- يعاني الشعب التونسي من مشاكل اقتصادية عديدة زاد من حدّتها وجود توقعات كبرى من النظام الجديد، وأدت الخيبات في بعض الحالات إلى التوق إلى النظام القديم. ولم تتمكّن الديمقراطية التونسية من تلبية التوقعات وحل المشاكل بخطط وخطوات تنموية، ولا شك أن عجز الائتلافات الحاكمة، وأيضاً المماحكات الحزبية ورغبة المعارضة في إفشال أي ائتلاف أسهمت في ذلك. ولم تُتخذ خطوات لرفع العتبة الانتخابية اللازمة لدخول البرلمان لتقليل عدد الكتل الصغيرة وتسهيل تشكيل الائتلافات وعمل الحكومات.
- ظهرت الخيبة من البرلمان في تراجع نسب التصويت، وكذلك في التصويت في انتخابات الرئاسة لمرشح شعبوي تحوّل ضعفه (قلة خبرته السياسية) إلى قوة لأنه بدا وكأنه ليس سياسياً. لم يكتفِ هذا المرشح الذي أصبح رئيساً بالمجاهرة بعدم خبرته، بل أكد أنه لم يصوّت في أي انتخابات في تونس الديمقراطية. وهذا تعبير ليس فقط عن استخفاف بالديمقراطية، بل بقلة اهتمام بالمجال العام من طرف شخص رشّح نفسه للرئاسة، وشعور نفسي دفين أن لا أحد يستحق أن يمنحه صوته. وهذا بنيّة نفسية معادية للديمقراطية.
هذه أهم علامات الشعبوية المعادية للديمقراطية
- إن قيام سياسيين بالتحريض على السياسة هو من أهم علامات الشعبوية المعادية للديمقراطية. فلا ديمقراطية من دون سياسة وسياسيين. الديكتاتور هو أسوأ أنواع السياسيين لأنه الأكثر استخداماً للتآمر والأحابيل والعنف، ولكنه يدعي الترفع عن السياسة.
- مهمة الساعة هي تعاون النخب السياسية والمدنية الوطنية التونسية على الرغم من الخلافات في مواجهة الأخطار المحدقة بالديمقراطية. وهذا يشمل مواجهة الشعبوية بفضح أهدافها الحقيقية وبمخاطبة الشعب والإجابة عن مخاوفه.
- جميع الأنظمة السلطوية تواجه مشاكل اقتصادية واجتماعية، وجميعها واجهت جائحة كورونا وغيرها. وتواجه الديمقراطيات (التي تبقى أكثر جاذبية فلم نسمع عن توانسة أو غيرهم يهاجرون للعيش في روسيا والصين وهنغاريا وبولندا فضلاً عن كوريا الشمالية) مصاعب اقتصادية واجتماعية، وبعضها استعان بالجيش في مواجهة الوباء، ولكن الجيش لم ينسَ، خلال تأدية المهام الاستثنائية، أن عليه الالتزام بالدستور. الديمقراطيات تواجه المشاكل في إطار النظام الديمقراطي.
- الديمقراطية بحد ذاتها هي حل لآفة الطغيان والاستبداد وضمان لحقوق المواطن، وليست حلاً للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية. فهذه وظيفة القوى السياسية والاجتماعية وسياسات القوى الحاكمة ومؤسسات الحكم، وذلك في إطار النظام الديمقراطي الذي يجب الحفاظ عليه لأن البديل هو الاستبداد.
ما قام به قيس سعيد جرى الإعداد له
وأمس، الاثنين، قال عزمي بشارة إنّه من الممكن إنقاذ الديمقراطية في تونس، في إشارة إلى التطورات الأخيرة التي اعقبت انقلاب الرئيس قيس سعيد.
وقال الدكتور عزمي بشارة في منشور عنونه بــ(ديمقراطية في خطر)، على فيسبوك، إن الدفاع عن الديمقراطية مهمة القوى الحية في الشعب التونسي وليست مسألة انقسام حزبي. الالتزام بالنظام الديمقراطي ليس مسألة حزبية.
وأضاف بشارة: “الديمقراطية التونسية، الديمقراطية العربية الوحيدة حتى الآن، إنجاز تاريخي لا يجوز التنازل عنه، ولا عن السعي لحل القضايا والمشاكل في إطاره مثل كل الديمقراطيات في العالم”.
وتابع د. عزمي بشارة: “لم يتفق أي خبير دستوري أو أستاذ قانون تونسي مهم مع تأويلات الرئيس للدستور منذ تسلمه لمنصبه. وعموما، النقاش على هذا البند أو ذاك من الدستور مع طرف يعارض الدستور برمته هو نقاش عقيم، فتأويله للدستور هو مجرد غطاء لخطوات معادية للدستور”.
عملية ممنهجة مثابرة لتعطيل عمل البرلمان
وأكمل الدكتور عزمي بشارة قائلاً: “جرت في تونس عملية ممنهجة مثابرة لتعطيل عمل البرلمان والحكومة. (عدم مشاورة الكتل النيابية في تكليف رئيس الحكومة، محاولة إزاحة رئيس الحكومة المكلف لأنه لم يلتزم بتوجيهات الرئيس مع أن الأمر ليس من اختصاصه، رفض الرئاسة استقبال الوزراء لتأدية القسم بتحويل إجراءات شكلية إلى مسألة جوهرية، رفض إنشاء محكمة دستورية تفصل في الخلاف بين السلطات وتنصيب نفسه خصما وحكما).
وأكمل: (تجاوز متكرر للفصل بين السلطات والتوازن بينها، محاولات لتوريط الجيش في السياسة، هذا عدا تصوير ممثلي السلطات الأخرى باستمرار في كاميرات قصر الرئاسة كأنهم تلاميذ يستمعون إلى توبيخ، التظاهر الشعبوي بالغضب الدائم من شيء ما فاسد، كذبة محاول الاغتيال التي لم يحاسب عليها، التظاهر بالتواضع للتغطية على نرجسية مفرطة ورغبة جامحة بالتفرد في الحكم، النبرة الشعبوية السافرة في الهجوم على المؤسسات والأحزاب وعلى النخب والسياسيين وكأنه ليس سياسيا، محاولات لتعطيل جلسات البرلمان من طرف ممثلة بقايا الحزب الدستوري، ومع أنها لم تنجح إلا أنها خلقت الانطباع أن البرلمان في حالة فوضى، مع أن هذا لم يكن صحيحا) “.
البدائل
وقال الدكتور عزمي بشارة: “لا تنقسم البدائل المطروحة حاليا بين ديمقراطية برلمانية أو رئاسية، بل بين الديمقراطية والعودة إلى الديكتاتورية التي لم يُعرف عن الرئيس معارضتها حين حكم زين العابدين بن علي تونس، وفاخر بأنه لم يدل بصوته في أي انتخابات في تونس الديمقراطية. ولم يخف إعجابه الضمني ببعض نماذجه الديكتاتورية. والحقيقة أن اقتراحاته لدستور آخر لتونس تشبه نموذج اللجان الثورية التي غطت على الديكتاتورية في ليبيا، أو هي على الأقل مصاغة بنفس العقلية”.
وذكر أنّ بعض الأحزاب التونسية رفعت الخصومة الحزبية وتصفية الحسابات فوق الالتزام بالديمقراطية. وهذا خطأ جسيم.وفقاً لـ”بشارة”
الدكتور عزمي بشارة: لم تنجح المحاولة بعد
واعتبر بشارة أنه لم تنجح المحاولة بعد، والأمر متوقف على الشعب التونسي، وأيضا على درجة التعاون التي يبديها الجيش وأجهزة الدولة الأمنية مع توسيع الخطوات التي اتخذت. ومن المبكر اتخاذ موقف سلبي من الجيش.
وقال الدكتور عزمي بشارة: ما قام به الرئيس جرى الإعداد له علنا وكان متوقعا، وسوف يكون غريبا ومستغربا إذا لم يجهز من توقعها نفسه لهذا السيناريو.
وأشار: العنف ليس واردا إطلاقا في التصدي لهذه المحاولة. إلى أي مدى يذهب الجيش مع الرئيس يتوقف على حركة الشارع التونسي، وتماسك غالبية البرلمان في معارضة الخطوات.
تابعوا قناتنا على يوتيوب لمشاهدة كل جديد