يبدو أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لم يسلم هو الآخر من برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس” الذي استخدمه لاستهداف معارضيه في الداخل والخارج، حيث كشفت تقارير عن استخدام الإمارات للبرنامج ضده والتجسس عليه.
وفي هذا السياق فجرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية مفاجأة، وقالت في تقرير لها أثار جدلا واسعا إن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد أمر بالتنصت على محمد بن سلمان.
ومنح محمد بن زايد نفسه ـ وفق التقرير ـ حق التنصت على من يصنفهم حلفاء أو خصوماً أو منافسين، بينهم خصمه الأول، والذي يقول إنه حليفه الأول، ولي العهد السعودي.
محمد بن زايد أمر فريقاً خاصاً باختراق كل هواتف وحواسيب محمد بن سلمان
وزعم التقرير أن ولي عهد أبوظبي أمر فرق التنصت عنده باختراق كل الهواتف والحواسيب التي تقوده إلى عالم ابن سلمان الخاص.
وأشار عليه معاونوه بأنه في حال كان هناك من يراقب هاتف ابن سلمان الشخصي للتثبت من عدم تعرضه للتعقب أو التنصت، فإن الأمر لا يسري على المقربين منه.
ووفق الصحيفة اللبنانية فقد انتهى الأمر بقرار بمراقبة هواتف وحواسيب هؤلاء المقربين والعمل على اختراقها والوصول من خلالها إلى ما يريده ابن سلمان أو يطرحه أو يخطط له.
اقرأ أيضاً: عبدالخالق عبدالله يُقر بتوتر العلاقة بين الرياض وأبوظبي: ما زلنا في الخمس دقائق الأولى
ومن بين من جرى التنصت عليهم ياسر الرميان، المستشار الأول لولي العهد السعودي في عالم الاستثمارات المالية.
ووفر الاختراق الحصول على معلومات وفيرة لـ محمد بن زايد عن ما يفعله ابن سلمان في هذا العالم.
كما اطلعت “الأخبار” على وثيقة أمن ملفات “الإمارات-ليكس”، التي تحوي محاضر لمحادثات تمت بواسطة تطبيق “واتساب” بين ابن سلمان والرميان، مؤكدة أنها ستنشر مقاطع لها.
وهي جزء من سجلات مكالمات بين الرجلين أجريت بين 12 أغسطس 2015 و23 يناير 2016، وشملت ملفات إدارية ومالية مختلفة.
“الإمارات بيت الجاسوسية”
والشهر الماضي تصدر وسم بعنوان “الإمارات بيت الجاسوسية” قائمة الوسوم الأكثر تداولا بتويتر لأربعة أيام على التوالي، في أعقاب فضيحة الإمارات والسعودية واستخدامهما تكنولوجيا إسرائيلية سيبرانية لاستهداف المعارضين والتجسس عليهم.
وعبر الوسم سلط النشطاء الضوء على فضائح النظام الإماراتي مع شركة nso الإسرائيلية وبرنامج “بيغاسوس” للتجسس، الذي استخدمه ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد حاكم الإمارات الفعلي، لاستهداف معارضيه.
ويشار إلى أن باحثين اكتشفوا برنامج بيغاسوس أول مرة في أغسطس/آب 2016 بعد محاولة فاشلة لتنصيبه على هاتف آيفون للناشط في حقوق الإنسان في الإمارات العربية أحمد منصور، من خلال رابط مشبوه في رسالة نصية، حيث كشف التحقيق تفاصيل عن البرنامج وإمكانياته، والثغرات الأمنية التي يستغلها.
بيغاسوس
ويعتبر “بيغاسوس” من أخطر برامج التجسس “وأكثرها تعقيدا”، وهو يستهدف بشكل خاص الأجهزة الذكية التي تعمل بنظام التشغيل “آي أو إس” (iOS) لشركة آبل، لكن توجد منه نسخة لأجهزة أندرويد تختلف بعض الشيء عن نسخة “آي أو إس”.
اقرأ أيضاً: صورة تخيلية للشيطان رسمت قبل 30 عاما تتطابق مع ملامح محمد بن زايد.. حقيقية أم مفبركة؟
وكشف تحقيق -أجرته 17 مؤسسة إعلامية ونُشرت نتائجه الأحد الماضي- عن أن برنامج “بيغاسوس” للتجسس -الذي تنتجه شركة “إن إس أو” الإسرائيلية- استخدم لاختراق هواتف صحفيين ومسؤولين وناشطين بأنحاء متفرقة من العالم.
ويستند التحقيق -الذي أجرته 17 وسيلة إعلامية دولية، بينها صحف “لوموند” (Le Monde) الفرنسية، و”زود دويتشه تسايتونغ” (Süddeutsche Zeitung) الألمانية، و”الغارديان” (The Guardian) البريطانية و”واشنطن بوست” (The Washington Post) الأميركية- إلى قائمة حصلت عليها منظمتا “فوربيدن ستوريز” (Forbidden Stories) والعفو الدولية.
وتضم القائمة أرقام ما لا يقل عن 180 صحفيا و600 سياسي و85 ناشطا حقوقيا و65 رجل أعمال، وفق التحليل الذي أجرته المجموعة، وقد تأكد اختراق أو محاولة اختراق برنامج تجسس المجموعة الإسرائيلية 37 هاتفا.
أين التسامح يا إمارات؟#بيغاسوس https://t.co/XtPf82Bibj
— Ghada Oueiss غادة عويس (@ghadaoueiss) July 24, 2021
الإمارات وتاريخ من التجسس
المكان: مطار مهجور في أبو ظبي… الزمان: 2008.
الحدث: بناء قاعدة كبيرة تضم عشرات الخبراء الأجانب يقودها خبير أمريكي.
الهدف: التجسس على بعض الدول المجاورة وعدد من المسؤولين الدوليين بما فيهم قادة اتحاد الفيفا وأمير قطر وشقيقه وناشطون إماراتيون وسعوديون.
وتحت عنوان “صنع في أمريكا” كشفت وكالة “رويترز” في العام 2019 عبر سردها لحكاية مسؤول سابق في المخابرات الأمريكية، قصة وكر التجسس الإماراتي الذي بات علامة مسجلة باسم أبناء زايد، حيث أسس هذا المسؤول وحدة تجسس داخل البلاد بطلب من حكام أبو ظبي.
Today @Reuters special report shows how White House veterans helped Gulf monarchy build secret surveillance unit cc: @Bing_Chris @joel_schectman https://t.co/sf6e1H18S0
— Reuters Press Team (@ReutersPR) December 10, 2019
ليست هذه المرة الأولى التي يكشف النقاب فيها عن وكر الجاسوسية الأكبر في المنطقة، ففي ديسمبر 2018، كشفت مؤسسة “سكاي لاين” الدولية، دفع الإمارات مبالغ مالية طائلة لأغراض التجسس على مواطنيها، واختراق مؤسسات إلكترونية وإقليمية ودولية.
اقرأ أيضاً: ديفيد هيرست: محمد بن سلمان بدأ يمتعض من النظر إليه باعتباره تلميذا لمحمد بن زايد
التقرير تحدث عن استئجار الشركة الإماراتية 400 خبير من خارج الإمارات (تصل رواتبهم إلى نصف مليون دولار) لتنفيذ عمليات تجسس ضخمة على مواطنيها بشكل رئيسي، ومن ثم محاولة اختراق حسابات النشطاء في الخارج، لافتًا إلى تعاون وثيق جرى بين الشركة وقراصنة أمريكيين لأهداف سيبرانية عالمية، مثل ضرب أهداف معينة أو بناء أنظمة تجسس عالمية لتعقّب بعض الأشخاص أو الأعمال.
ريتشارد كلارك
وبعد أحداث 11 من سبتمبر 2001 خيم على الشارع الأمريكي فوبيا الإرهاب، ما دفع المؤسسات القومية هناك لبحث إستراتيجيات المواجهة، وكان من بين الذين تصدروا المشهد آنذاك القيصر الأمريكي السابق لمكافحة الإرهاب ريتشارد كلارك، الذي حذر الكونغرس من أن البلاد تحتاج إلى مزيد من سلطات التجسس الموسّعة لمنع وقوع كارثة أخرى.
لكن يبدو أن الفكرة لم تلق قبول البرلمان الأمريكي، وإن ظلت تسيطر على خيال وفكر القيصر، وبعد خمس سنوات تقريبًا من مغادرته الحكومة، استغل الرجل علاقته القوية بحكام أبو ظبي ليبدأ في نقل فكرته من بلاده إلى الإمارات، حيث التمويل الضخم المتوقع والنتائج المتوقعة وفق خطته الموضوعة.
عام 2008 بدأ كلارك رحلته لتنفيذ مشروعه، حيث ذهب للعمل كمستشار بالإمارات التي كانت تسعى في هذا التوقيت لفرض طوق مخابراتي أكبر على المعارضين لها، منظمات وأشخاص، وهنا التقت أهداف الدولة الخليجية مع طموحات الخبير الأمريكي ومن ثم أُسست وحدة سرية للتجسس تحمل اسم “DREAD”.
نجح كلارك الذي عمل كأحد أبرز صقور مكافحة الإرهاب في إدارتي بيل كلينتون وجورج دبليو بوش، في توسيع وحدته السرية لتضم فيما بعد عملاءً سابقين في وكالة الأمن القومي وغيرهم من قدامى المحاربين الأمريكيين من المخابرات الأمريكية، وإن لم تتطرق “رويترز” لعددهم الحقيقي إلا أن مصادر أخرى تشير إلى أن العدد يقترب من 400 خبير من جنسيات مختلفة في مجال مكافحة الإرهاب السيبراني.
كان كلارك أحد أبرز الأسماء التي ساعدت في ظهور محمد بن زايد للأضواء وتعزيز نفوذه
وفي مقابلة أجريت معه في واشنطن، قال كلارك إنه بعد التوصية بأن تنشئ الإمارات وكالة مراقبة إلكترونية عُينت شركته Good Harbour Consulting لمساعدة البلاد على بنائها، موضحًا أن الفكرة تكمن في إنشاء وحدة قادرة على تعقب الإرهابيين، والخطة أقرتها وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الأمن القومي، وأن Good Harbour اتبعت القانون الأمريكي.
تحقيق لرويترز: برنامج التجسس على الإنترنت والهواتف Dread الذي انطلق في ٢٠٠٨ كان ذراعًا لديوان ولي العهد الإماراتي واشرف عليه ابنه خالد بن محمد بن زايد. pic.twitter.com/ct9dL8SVaK
— ZaidBenjamin زيد بنيامين (@ZaidBenjamin5) December 10, 2019
ووفق تحقيق رويترز فإن ما لا يقل عن خمسة من قدامى المحاربين في البيت الأبيض يعملون لدى كلارك في الإمارات، سواء في DREAD أو في مشاريع أخرى، بينما تنازلت Good Harbour عن DREAD عام 2010 لمقاولين أمريكيين آخرين، تمامًا كما بدأت العملية في اختراق الأهداف بنجاح.
كانت الأهداف المعلنة ابتداءً عند تدشين هذه الوحدة تتمحور حول محاربة الإرهاب ومناهضة التنظيمات المسلحة، وتطورت بعد الربيع العربي في 2011 إلى تعزيز نفوذها بما يحول دون وصول الاحتجاجات الشعبية إلى البلاد، لكن سرعان ما تطورت لتتجاوز الخطوط الحمراء، حيث انطلقت إلى ملاحقة المعارضين ومجموعات حقوق الإنسان وعدد من المسؤولين الدوليين.
واستندت الوكالة الإنجليزية في تحقيقها إلى فحص أكثر من 10000 وثيقة لبرنامج DREAD، وقابلت أكثر من عشرة مقاولين وعملاء استخبارات ومطلعين حكوميين سابقين، لديهم معرفة مباشرة بالبرنامج، وتمتد الوثائق التي استعرضتها الوكالة على مدار عقد تقريبًا من البرنامج الذي بدأ عام 2008، وتشمل مذكرات داخلية توضح لوجستيات المشروع وخططه التشغيلية وأهدافه.
ربما كان كلارك أحد أبرز الأسماء التي ساعدت في ظهور محمد بن زايد للأضواء وتعزيز نفوذه، ففي الأشهر التي سبقت الغزو الأمريكي للعراق عام 1991 أُرسل الخبير الأمريكي وهو في الأصل دبلوماسي كبير إلى الخليج لطلب المساعدة من الحلفاء الإقليميين، وحينها برز اسم MBZ.
ووجد ابن زايد في الدبلوماسي الأمريكي بابًا كبيرًا لتقديم نفسه للأمريكان، وكان القربان آنذاك 4 مليارات دولار دفعتهم الإمارات للمجهود الحربي الأمريكي، وهو ما كشفه كلارك عندما تساءل الكونغرس عما إذا كان ينبغي على واشنطن أن تسمح ببيع أسلحة بقيمة 682 مليون دولار إلى الإمارات.
وهناك علق الخبير الأمريكي قائلًا: “لقد حولوا 4 مليارات دولار إلى وزارة الخزانة الأمريكية لدعم المجهود الحربي، هل هذا هو نوع الأمة التي يجب أن نتخلى عنها بحرمانهم من 20 طائرة هليكوبتر هجومية؟ لا أعتقد ذلك”، وبالفعل حصلت الإمارات وقتها على المروحيات.
باع طويل في الجاسوسية
وللإمارات تاريخ طويل من التجسس على جيرانها، فلم يقتصر الأمر على قطر أو إيران أو حتى الحليف السعودي، ففي مايو الماضي تمكّنت أجهزة الأمن العُمانية من الحصول على معلومات عن شبكة تجسّس إماراتية تنشط ضد السلطنة، حيث كشفت تدخل حاكم دبي محمد بن راشد، شخصيًا في ملف الشبكة، الأمر الذي أحدث حالة من التوتر في العلاقات بين البلدين، استمر حتى الآن وإن كان تحت الرماد.
وفي التوقيت ذاته تقريبًا اعتقلت قوات الأمن الصومالية شبكة تجسس إماراتية أخرى تعمل لصالح أجندة أبناء زايد في الصومال تحديدًا وفي القرن الإفريقي على وجه العموم في ظل صراع النفوذ في هذه المنطقة الإستراتيجية من القارة الإفريقية، وهي الحادثة التي كان لها تبعات فيما بعد.
وفي يناير 2018 كشف موقع “أسرار عربية” امتلاكه وثائق تثبت تورط أبو ظبي في إنشاء شبكة تجسس “عملاقة” في تونس، يديرها جهاز أمن الدولة الإماراتي، في محاولة للتأثير على الحياة السياسية في البلاد.
وقال الموقع، إن الوثائق والمراسلات التي حصل عليها والمسربة من دولة الإمارات، كشفت تورط شخصيات كبيرة في تونس، من بينها الرجل الثاني في حزب نداء تونس محسن مرزوق، مشيرًا إلى أن الشبكة تجسست على الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي وحركة نداء تونس التي يتزعمها، إضافة إلى حركة النهضة وأعضاء في البرلمان.
تابعوا قناتنا على يوتيوب لمشاهدة كل جديد