الرئيسية » تقارير » نيويورك تايمز: هذه أسباب انتصار طالبان السريع على النظام الذي صنعته أمريكا بأفغانستان

نيويورك تايمز: هذه أسباب انتصار طالبان السريع على النظام الذي صنعته أمريكا بأفغانستان

وطن- سلطت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في تقرير لها الضوء، على الهزيمة الكبيرة لواشنطن في أفغانستان بصعود طالبان للحكم وسقوط النظام الذي صنعته أمريكا طيلة 20 عاما بسرعة غير متوقعة.

وقالت الصحيفة إن مشروع أمريكا في أفغانستان كان محكوما عليه بالفشل منذ البداية، مشيرة إلى أن الأمريكان كانوا ولا زالوا يواصلون تضليل أنفسهم فيما يتعلق بعوامل وأسباب انتصار طالبان على الحكومة الأفغانية الموالية للغرب، رغم الأموال الضخمة التي أنفقت عليها.

ولفت التقرير إلى أنه لتبرئة الساحة بشأن انتصار طالبان على الحكومة الأفغانية، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن ومستشاروه إن الانهيار الكامل للجيش الأفغاني يبرهن على عدم جدارته.

إلا أن ذلك الاختفاء المذهل للحكومة والجيش، وانتقال السيطرة في معظم الأماكن بلا دماء حتى الآن، يشير إلى أن الأمر ينطوي على شيء أكثر جوهرية، وفقاً للصحيفة الأمريكية.

أسباب انتصار طالبان على الحكومة الأفغانية التي صنعها الأمريكيون

يخبرنا التاريخ الحديث أنه من الحماقة أن تخوض القوى الغربية حروباً في أراضي الشعوب الأخرى، مهما انطوى عليه الأمر من إغراءات.

فحركات المقاومة المحلية، وإن بدت مغلوبة بحكم تفوق عدوها في المال والتكنولوجيا والأسلحة والقوة الجوية وغيرها من مقدرات القوة، فإنها غالباً ما تكون أشد تحفزاً وأقوى اندفاعاً وتستند إلى تدفق مستمر من المجندين الجدد، وعادة ما تستمد مدداً لا ينقطع من محاضنها القريبة من الجبهة.

الأمريكيون أسماكاً خارج الماء

عندما يكون الأمر متعلقاً بحرب العصابات، فإن العلاقة التي تجمع الشعب بالمقاتلين في تلك الحرب يجب أن تكون كما وصفها قائد الحزب الشيوعي الصيني ماو ذات مرة: “الشعب أشبه بالمياه، والمقاتلون بالسمك الذي يعيش فيه”.

لذلك، ففيما يتعلق بأفغانستان، كان الأمريكيون أسماكاً خارج الماء. تماماً كما كان الروس في الثمانينيات. ومثلما كان الأمريكيون في فيتنام في الستينيات.

وكما كان الفرنسيون في الجزائر في الخمسينيات. والبرتغاليون في أثناء محاولاتهم العقيمة للاحتفاظ بمستعمراتهم الإفريقية في الستينيات والسبعينيات، والإسرائيليون في احتلالهم لجنوب لبنان في الثمانينيات.

ففي كل مرة أعلنت فيها القوة المحتلة في كل مكان من هذه الأماكن أن المقاومة المحلية قد هُزمت هزيمةً نهائية، أو أن مرحلة حرجة قد حُسمت، كان الجمر الخامد تحت الرماد يعود فيشتعل ويستحيل إلى نيران مستعرة جديدة.

وكانت طالبان قد أعلنت بعد دخولها كابول مؤخراً إثر هروب الرئيس الأفغاني أشرف غني العفو عن خصومها، كما دعت جميع موظفي الحكومة في القطاعات المدنية في أفغانستان لاستئناف عملهم، اعتباراً من الأحد 22 أغسطس/آب 2021، وذلك بعدما قالت إن مشاورات تمت بين قادة الحركة البارزين وكبار المسؤولين في وزارة المالية.

أين ذهبت طالبان بعد هزيمتها الأولى؟

ظنَّ الأمريكيون أنهم هزموا طالبان بنهاية عام 2001، وأن الحركة لم تعد تهديداً لهم. لكن واقع الأمر أن النتيجة كانت أكثر غموضاً وتعقيداً من ذلك بكثير.

ينقل المؤرخ العسكري كارتر مالكاسيان في كتابه الجديد “الحرب الأمريكية في أفغانستان” The American War in Afghanistan، عن العميد ستانلي ماكريستال قوله عن مقاتلي طالبان: “لقد اختفى معظمهم بطريقة ما، ولم نستطع أن نتبين إلى أين ذهبوا”.

واقع الأمر أن طالبان لم تُهزم حقاً قط. قتلَ الأمريكيون كثيراً منهم، لكن البقية اختفوا ببساطة في الجبال والقرى، أو عبروا الحدود إلى باكستان، التي لطالما نجحت في إسعاف الحركة منذ إنشائها.

بحلول عام 2006، كانوا قد أعادوا تشكيل أنفسهم بما يكفي لشنِّ هجوم كبير.

وهكذا سرت الأمور في مجراها، حتى آلت إلى المذلة الأمريكية البائسة والمحتومة سلفاً التي أبانت عن نفسها بما وصلت إليه الأمور خلال الأسبوع الماضي: إعلان تكريس الهزيمة العسكرية الأمريكية، حسب وصف الصحيفة الأمريكية.

أمريكا لم تتعلم درس فيتنام ولم تستمع لنصيحة ديغول

ولا جرم في أن انتصار طالبان بعد عقدين من الحرب هو أمر غريب، لأن أمريكا في العقود التي سبقت الألفية استفاض الحديث فيها عن “دروس” فيتنام التي يُفترض أنها تعلمتها.

في أواخر سبعينيات القرن الماضي، أعلنها مايك مانسفيلد، زعيم الأغلبية السابق في مجلس الشيوخ: “بلغت تكلفة الحرب في فيتنام 55 ألف قتيل، و303 آلاف جريح، و150 مليار دولار. كانت حرباً لا حاجة إليها ولا مبرر لها، ولم تكن مرتبطة بأمن أمريكا أو بمصالحها الحيوية. لقد كانت مغامرة بائسة في جزء من العالم كان الأحرى بنا ألا يقحم الأمريكيون أنوفهم فيه”، حسب تعبير “نيويورك تايمز“.

قبلها بوقت طويل، في بداية “المغامرة البائسة” في عام 1961، جاء التحذير للرئيس الأمريكي جون كينيدي بألا يتورط في فيتنام من الرئيس الفرنسي شارل ديغول نفسه: “ما أتوقعه أنك ستغرق خطوة بعد خطوة في مستنقع عسكري وسياسي لا نهاية له، مهما أنفقت من رجال ومال”.

تجاهل الرئيس الأمريكي التحذيرَ آنذاك. واليوم تبدو الكلمات التي أنذرت بالهزيمة الأمريكية الحتمية في فيتنام وأفغانستان كأنها قيلت أمس: “حتى لو وجدت قادة محليين مستعدين لطاعتك من أجل مصلحتهم، فإن عموم الناس لن يخضعوا لذلك، وحتماً لن يقبلوك بينهم”.

موقف أغلبية الريف الأفغاني من المرأة لا يختلف عن طالبان، ومحاكمهم أكثر نزاهة لا يمكن للمرء أن يغفل عن قدر التشابه، فعلى مدار الولوغ الأمريكي في المستنقع الأفغاني وانتصار طالبان على الحكومة الأفغانية الموالية لها.

يمكنك أن تلاحظ نفس الحقائق ماثلة أمامك، كما كانت من قبل في حرب فيتنام: “الجنرالات المتبجحون، والعدو العصي على الخضوع، والحليف الضعيف”.

اعتقدت الولايات المتحدة أنها كانت تساعد الأفغان بمحاربتها القوة التي صوَّرتها على أنها الرمز الجامع للشرور، طالبان، التي أعلنتها الولايات المتحدة الممثل الأول للإرهاب الدولي. لكن هذا التصور كان تصور الأمريكيين وهذه الحرب التي يصفونها ليست إلا الحرب من منظورهم.

طالبان وسيطرة تامة

أما الأفغان، فكثير منهم لم يخُض تلك الحرب ولا كان معنياً بها. ففي نهاية الأمر، لقد خرجت حركة طالبان من مدنهم وقراهم. وربما تكون أفغانستان، لا سيما مراكزها الحضرية، قد تغيرت على مدى 20 عاماً من الاحتلال الأمريكي. لكن القوانين التي روجت لها طالبان وطبقتها لم تختلف كثيراً، “إن كان بها اختلاف على الإطلاق”، عن العادات السائدة في معظم القرى الريفية في البلاد، لا سيما في الجنوب البشتوني.

يؤيِّد ذلك ما أورده تقرير أصدرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” العام الماضي، وقالت فيه: “تسود ممانعة لتعليم الفتيات في عديد من المجتمعات الريفية في أفغانستان. وفي خارج عواصم الولايات، حتى في الشمال (الذي يغلب عليه العداء لطالبان)، يندر أن ترى نساء لا يرتدين البرقع”.

ولهذا السبب تحديداً، فإن تطبيق طالبان لقوانينها في المناطق التي تسيطر عليها منذ سنوات يحظى بقبول- وحتى بتأييد- من السكان المحليين.

وتناولت “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها كيف أن النزاعات المتعلقة بالممتلكات والقضايا المتعلقة بالجرائم الصغيرة يُفصل فيها على وجه السرعة، وفي كثير من الأحيان تكون الأحكام صادرة عن علماء دين، وأن هذه المحاكم تشتهر بأنها “نزيهة” على خلاف المحاكم الفاسدة التابعة للحكومة المعزولة.

وها هو قائد طالبان السياسي يقابل بالترحيب في قندهار بحسب ما ورد، تلقى زعيم طالبان السياسي، الملا عبدالغني برادر، ترحيباً حاراً عندما عاد هذا الأسبوع إلى مدينة قندهار الجنوبية، مسقط رأس حركة طالبان ومعقلها.

يجب أن يكون هذا درساً آخر يستدعي التفكير من القوة العظمى التي توهمت قبل 20 عاماً أنه ليس لديها حل سوى الرد العسكري على هجمات 11 سبتمبر/أيلول.

مع ذلك رغم انتصار طالبان، فإن ما حدث لا يعني أن الجميع قد تلقوا الدرس ذاته، حسب الصحيفة الأمريكية.

فالمؤرخ الأمريكي كارتر مالكسيان، الذي كان هو نفسه مستشاراً سابقاً للقائد الأعلى للقوات الأمريكية في أفغانستان، قال مؤخراً في مقابلة معه إن هناك درساً ينبغي تعلمه من هذه التجربة، لكن الدرس لم يكن أن أمريكا كان يجب أن تبقى بعيدة عن الانجراف إلى حرب أخرى مثل هذه.

بل “أن يستوعب الأمريكيون أنه إذا كان عليهم الذهاب (إلى الحرب في بلد آخر)، فإن نجاحهم لن يكون كاملاً. وألا يفكروا كثيراً، فأنت إما ستحل المشكلة، أو تصلح الأمور”، وربما يعني ذلك أن الولايات المتحدة لم تتعلم الدرس على الحقيقة، وأن حرباً كهذه قد تتكرر مرة أخرى.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.