وطن- أصبحت العاصمة القطرية الدوحة عاصمة سياسية تقصدها الدول العظمى للتواصل مع الشرق الأوسط، وفي هذا السياق وصفت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية قطر بأنها “مفتاح الدخول إلى أفغانستان” بالنسبة للغرب.
وفي تقرير لها قالت الصحيفة الفرنسية إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان قدم دوراً جديداً إلى دولة قطر، من أجل تعزيز مكانتها على الساحة الدولية.
ونقلت – وفق إذاعة مونت كارلو الدولية – عن عسكري فرنسي أن قطر أصبحت مفتاح الدخول إلى أفغانستان، مشيرة إلى أن حوالي 40٪ من الذين تم إجلاؤهم (أفغان أو أجانب) مروا عبر الدوحة.
الكاتب جورج مارل برونو، قال في يومية لوفيغارو إن قطر تجني ثمار عشر سنوات من التعامل مع حركة طالبان.
موضحا أنه منذ عام 2011 استضافت الدوحة جناحًا سياسيًا لطالبان، وفي قطر تفاوض دبلوماسيون أمريكيون ومسؤولون من حركة طالبان على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان تحت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ودولة قطر – بحسب الكاتب – استطاعت المناورة مع جميع الاطراف في النزاع الافغاني وبين حركة طالبان والولايات المتحدة بصفة خاصة.
كما شبه الكاتب جورج مارلبرونو الدور القطري في افغانستان بدورها في النزاع الاسرائيلي مع حركة حماس.
حيث أظهرت الدوحة قدرتها على التفاوض مع اسرائيل بالرغم من عدم وجود علاقات ديبلوماسية معها.
فقطر بحسب الكاتب استطاعت المناورة مع جميع الاطراف في النزاع الافغاني.
قطر والحوار مع طالبان
ويشار إلى أنه خلال الفترة الأصلية التي قضتها طالبان في السلطة في تسعينيات القرن الماضي، أقامت ثلاث دول فقط علاقات رسمية معها وهي: باكستان والسعودية والإمارات.
وقطعت الدولتان الأخيرتان جميع العلاقات الرسمية بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة.
غير أن الأنباء تفيد بأن التمويل السري من أفراد سعوديين استمر لسنوات بعد ذلك. وكان المسؤولون السعوديون قد نفوا في السابق وجود أي تمويل رسمي لطالبان وقالوا إن هناك إجراءات صارمة لمنع تدفق الأموال الخاصة.
ولكن مع تراجع التأييد الشعبي في أوساط الأمريكيين لوجود القوات الأمريكية في أفغانستان، فُتح الباب أمام الدول التي يمكنها تسهيل الحوار الدبلوماسي.
قطر وجهود السلام
وبالنسبة لقطر وتركيا، تطورت الاتصالات مع طالبان بطرق مختلفة.
فعندما سعت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى إنهاء الحرب، استضافت قطر قادة من طالبان لبحث جهود السلام بدءأ من العام 2011.
وكانت العملية مثيرة للجدل ومتقلبة. فقد أثار منظر علم طالبان وهو يرفرف في ضواحي الدوحة الراقية حفيظة الكثيرين (عمدوا إلى تقصير سارية العلم بعد طلب أمريكي بهذا الخصوص).
أما بالنسبة للقطريين، فقد ساعدت على تنمية طموح عمره ثلاثة عقود بامتلاك سياسة خارجية مستقلة- والتي تعتبرها ضرورية لدولة تقع بين القطبين الإقليميين المتمثلين في إيران والسعودية.
وتُوجت محادثات الدوحة في الاتفاق الذي وقع العام الماضي في عهد الرئيس دونالد ترامب. والذي ينص على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بحلول مايو من هذا العام.
وأعلن جو بايدن، بعد توليه مهام منصبه، إنه مدد الموعد النهائي للانسحاب الكامل إلى 11 سبتمبر.
تركيا وطالبان
وكانت تركيا، التي لديها علاقات تاريخية وعرقية قوية في أفغانستان، حاضرة على الأرض هناك بقوات غير قتالية بصفتها العضو الوحيد بغالبية إسلامية في حلف الناتو.
وبحسب محللين، فإنها تمكنت من تطوير علاقات استخبارية وثيقة مع بعض العناصر المرتبطة بطالبان. كما أن تركيا تعتبر حليفاً لباكستان المجاورة، التي برزت طالبان من مدارسها الدينية لأول مرة.
وقد عقد مسؤولون أتراك محادثات الأسبوع الماضي مع طالبان استمرت أكثر من ثلاث ساعات، في الوقت الذي كانت فيه الفوضى تضرب أطنابها في مطار كابل.
وتمحورت بعض النقاشات حول التشغيل المستقبلي للمطار نفسه، الذي عملت القوات التركية على حراسته طوال ست سنوات.
وقد أصرت طالبان بالفعل على أن يغادر الجيش التركي مع كافة القوات الأجنبية من أجل إنهاء “إحتلال” أفغانستان. لكن اجتماع الأسبوع الماضي بدا وكأنه جزء من جدول أعمال أوسع، كما يقول محللون.
رجب طيب أردوغان
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه ينظر إلى الرسائل الصادرة عن قادة طالبان بـ “تفاؤل حذر”.
وأضاف قائلاً بأنه “لن يأخذ إذناً من أحد” حول من يتحدث إليه، عندما سُئل عن الانتقاد الموجه لتركيا حول التواصل مع الجماعة.
وقال إن “هذه دبلوماسية” خلال مؤتمر صحفي. وأضاف قائلاً: “تركيا مستعدة لتقديم كافة أنواع الدعم من أجل وحدة افغانستان لكنها ستتبع نهجاً حذراً للغاية”.
ويعتقد البروفيسور أحمد هاشم هان، وهو خبير في العلاقات الأفغانية في جامعة ألتينباس في اسطنبول، أن التعامل مع طالبان يقدم فرصة للرئيس أردوغان.
وقال في تصريحات سابقة لـ”بي بي سي” إن “طالبان تحتاج إلى استمرار المعونات الدولية والاستثمار من أجل الحفاظ على قبضتها على السلطة. فحركة طالبان ليست قادرة حتى على دفع رواتب موظفي حكومتها اليوم”.
ويقول إن تركيا قد تحاول وضع نفسها في وضعية “الضامن أو الوسيط أوالجهة الميسرة للأمور”- أو كوسيط أكثر موثوقية من روسيا والصين-اللتين تركتا سفارتيهما مفتوحتين في كابل.
ويقول إن “بوسع تركيا أن تلعب ذلك الدور”.
طالبان والوصول لحكم أفغانستان
حاولت العديد من الدول الإبقاء على شكل من أشكال التواصل مع طالبان منذ أن بسطت سيطرتها على كابل، وبخاصة عبر قناة الدوحة. لكن تركيا هي من بين تلك الدول التي لديها وضع أقوى لتطوير علاقات على الأرض، وإن كان وضعاً محفوفاً بالمخاطر.
ويعتقد البروفيسور هان أيضاً أن تعميق العلاقات في أفغانستان يُتيح للرئيس أردوغان “توسيع رقعة الشطرنج” الخاصة بسياسته الخارجية واللعب بطريقة تروق للقاعدة الشعبية المؤيدة لحزبه، حزب العدالة والتنمية.
ويقول هان إن أنصار حزب العدالة “يعتبرون أن تركيا بلد لديه قدر واضح- أي وضع استثنائي داخل العالم الإسلامي. وهو قائم على ماضي تركيا وتراثها العثماني باعتبارها مقر الخلافة”.
ويضيف قائلاً: “لكن، إذا كان هذا الدور يرتقي إلى نقطة تصبح فيها أي دولة بما في ذلك تركيا الدولة الراعية.. من خلال إقامة نظام الشريعة القاسي في ممارساته… فإن على تركيا أن لا ترغب بوجودها هناك”.
وتشير الأنباء إلى أن خطوة أردوغان لها دوافع أكثر “عقلانية” أيضاً- من خلال تحسين علاقات تركيا المتوترة مع الولايات المتحدة والناتو، وبناء نفوذ يحول دون تدفق اللاجئين الأفغان على تركيا.
أما بالنسبة لقطر، فإن المسؤولين يأملون في أن يعمل دورها كوسيط على تقليل سنوات الاضطرابات في الخليج بدلاً من أن يفاقمها.
فقد توسطت الدوحة في عقد مفاوضات بين الفصائل المتناحرة في العديد من الصراعات الرئيسية في الشرق الأوسط. لكن في أعقاب الربيع العربي، اتهمها خصومها الخليجيون بالاصطفاف إلى جانب الإسلاميين.
وفي العام 2017، قطعت السعودية والإمارات ومصر والبحرين علاقاتها مع قطر، مُتهمة إياها بالتقرب كثيراً من إيران وتأجيج عدم الاستقرار من خلال قناة الجزيرة التي تملكها، وهي مزاعم رفضتها قطر.
وفي الوقت الراهن، وفي ظل وضع مجهول بالنسبة لشعب أفغانستان، فإن قطر وتركيا تعتبران من بين أولئك الذين يتحدثون إلى طالبان نيابة عن كثيرين في العالم الخارجي، بينما تنافس الصين وروسيا أيضاً من أجل الوصول إلى كابل مستقبلاً.
ويقول البروفيسور هان إن هذا يرقى إلى مستوى الخيار الأقل سوءاً، والذي يصفه بأنه أكثر “نهج تعاوني”.
ويضيف قائلاً إن “تركيا، بصفتها عضواً في الغرب، عرضة أكثر من غيرها لضغط الغرب نفسه بشأن قضايا (حقوق الإنسان)”.