وطن- أثار مركز التميز الدولي لمكافحة التطرف العنيف المعروف بـ “مركز هداية “، جدلاً واسعاً، حول أهدافه والقائمين عليه وعلاقته باستهداف المسلمين المهاجرين في أوروبا، وكيف تستخدم السلطات الإماراتية مكافحة التطرف لتبرير القمع وتحسين سمعتها حول العالم.
وتمارس الأجهزة الأمنية الدعاية بكونها حقيقة، وتنشر التطرف بدعاوى مواجهته، يبرز ذلك بوضوح في مركز هداية في أبو ظبي.
“تحت خدمة أجندات أبو ظبي الأمنية”
في ديسمبر 2012، خلال اجتماع المنتدى العالمي لمكافحة التطرف، عرضت الإمارات افتتاح مشروع “مركز التميز الدولي لمكافحة التطرف العنيف”، للمساعدة في مكافحة التطرف وأطلق عليه اسم مركز هداية. يدّعي أنه مركز “محايد وغير سياسي وغير أيديولوجي، يرحب بوجهات النظر المتنوعة”.
تمكنت أبوظبي من تسويق “هداية” دولياً، من خلال إقامة ورش عمل وندوات ودراسات حول مكافحة التطرف، وأوصلته إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة كمؤسسة تبدو بعيدة عن الشك، وممارسة الدعاية للإرهاب، لكن المركز يخدم بالمقام الأول أهداف أبوظبي المعادية للإسلاميين، وتركز فعالياته وأبحاثه على الإسلام وحده، لا على باقي حركات التطرف حول العالم.
وعلى الرغم من مزاعم المركز بكونه يلتزم “بقرارات وتصورات الأمم المتحدة” إلا أنه يتعارض معها، فالإمارات ترفض خطاب الأمم المتحدة بأن الاعتقالات والشعور بالضيم أحد الأسباب التي تدفع الناس إلى التطرف، وتقول إن حقوق الإنسان تتعارض وتشريعاتها الوطنية وقوانينها سيئة السمعة، وقالت إنها تضع بالاعتبار ما يصدره “هداية” في قوانينها الخاصة بالتطرف، ما يعني أن “هداية” يقوم بالدور الذي يجيز انتهاك حقوق الإنسان، الذي أودى بعشرات النشطاء إلى السجن.
هاجم رئيس المركز علي النعيمي؛ الناشط الحقوقي المختطف أحمد منصور، واتهمه بالخيانة بسبب نضاله من أجل رفاقه المدافعين عن حقوق الإنسان في السجون، ما استهجان المنظمات الحقوقية. “النعيمي” أيضاً هاجم المعتقلين السياسيين، وجمعية دعوة الإصلاح السلمية التي تأسست في بداية اتحاد دولة الإمارات، وربطهم والجمعية بالتطرف والإرهاب؛ ضمن حملة دعاية تتجدد في وسائل الإعلام الرسمية منذ 2011م. حسب تحقيق نشره موقع الإمارات 71.
من يقوم على مركز هداية؟!
بميزانية ستة ملايين دولار سنوياً و14 موظفاً يديرون “هداية”، تجد المتطرفين الذين يماثلون سلوك أبوظبي تجاه اعتبار ما هو “إسلامي” مصدر تهديد محتمل.
فإلى جانب علي النعيمي رئيس المركز، يوجد أحمد القاسمي المدير التنفيذي للمركز، ولا يمتلك الرجلان خِبرة في مواجهة “التطرف العنيف” فالأول أحد المقربين من جهاز أمن الدولة، والثاني كان حتى قبل منصبه الجديد نائب مدير التعاون الأمني في وزارة الخارجية الإماراتية، وهو منصب لن تصل له إلا بمباركة جهاز أمن الدولة.
يبرز الهولندي “إيفو فينكامب” نائب المدير التنفيذي للمركز، وانضم إليه باكراً، وهو المسؤول عن العمليات اليومية داخل المركز، ويملك خبرة في العمل ضمن لجان مخابرات ومكافحة إرهاب خاصة في بلاده. وتحدث قبل سنوات من منصبه عن خطط مراقبة كاملة للمسلمين في دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك المنظمات ودور العبادة.
كما أنه إلى جانب باحثة في المركز تدعى “سارة زنجر” قدما مقترحات مركز هداية لمكافحة التطرف في التعليم، والذي عملت به الإمارات، ونفذت معظم تلك المقترحات خلال السنوات اللاحقة، حيث تم “ربط مؤسسات التعليم بجهاز أمن الدولة ولجان “مكافحة الإرهاب”.
أدى ذلك إلى إنشاء مخبرين وسط الطلاب والمعلمين والموظفين، وتوزيع كُتب تحرض على المطالبين بالإصلاحات، والتحذير من الحديث في السياسة أو الانتقاد..إلخ.
كما يوجد ضمن الفريق “لورنزو فيدينو” وهو زميل باحث في المركز، ألّف كتاباً يدين الجمعيات والأنشطة الإسلامية في الغرب، ويتهمها بالتعبئة للإرهاب.
ويقود كتابه “الإخوان المسلمون الجدد في الغرب” حملة ضد المسلمين المواطنين والمهاجرين في الغرب، واستخدمته الإمارات ضمن شبكة واسعة لتجريم الإخوان المسلمين في بريطانيا، وهو ما رفضته التحقيقات الرسمية.
الأمر ذاته بالنسبة لبقية الباحثين والقائمين على المركز، فجميعهم يستهدفون الإسلام، بل ويعتبرونه “التطرف” ذاته، ودائماً ما يناقشون -فقط- ما يعتبرونه تطرف الإسلاميين لدى الغرب.
شبكات تابعة لـ” مركز هداية
ليس المركز وحده ما تستخدمه الإمارات في سياستها المتطرفة تجاه “الإسلاميين”؛ حيث يبرز من “هداية” شبكة متعددة الاختصاصات والاهتمامات تخدم السياسة الإماراتية وطموحاتها ومواجهة خصومها؛ مثل “صواب”، و”المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات”، ومنصة “عين أوروبية على التطرف”، وجميعها مرتبطة ب “علي النعيمي”.
ما يشير إلى الترابط بين هذه المراكز؛ بروز عدة أسماء في مؤتمرات ومنتديات “هداية”، بينهم “سارة برزوسكيويتش” الإيطالية اليمينية المتطرفة، و”كامل الخطي” المحلل السياسي السعودي المتطرف تجاه “الإسلاميين الذين يمارسون السياسة”، وهذان الشخصان هم مجلس التحرير في موقع “عين أوروبية على التطرف” الذين يصدر بأربع لغات (عربية، وإنجليزية، وإسبانية، وفرنسية).
وهو (منصة) يديرها “جهاز الأمن” الإماراتي ويعتبر أحد أذرعه في أوروبا لتجريم المهاجرين المسلمين، والدعوة إلى تشديد مراقبتهم.
علاوة على الشخصين؛ ترتبط هذه المنصة المتطرفة بمركز هداية من خلال إدارة “النعيمي” الذي ترأس “موقع العين الإخبارية” حتى وقت قريب، وهو أحد أدوات أبوظبي لنشر الإشاعات والتغطية على القمع، والترويج للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
تدفع أبوظبي موازنة لـ”عين أوروبية” تتجاوز 1.3 مليون يورو سنويا، وتعول عليه لتعزيز وجودها في أوروبا، ومحاربة أي أنشطة لخصومها، فضلا عن تشويه منظمات الإسلام السياسي، والتحريض على المسلمين المهاجرين، ويضم فريق الموقع (28) باحثاً، معظمهم أوروبيون وأمريكيون متطرفون.
بين هؤلاء “ماغنوس نوريل” القريب في توجهاته من الاحتلال الإسرائيلي، وهو واحد من أكبر المحرضين على المنظمات الإسلامية في “السويد” والاتحاد الأوروبي، وقدّم وآخرون للسلطات السويدية تقريراً يحرض على المسلمين. لكن 22 باحثاً سويدياً فندوا تقرير “نوريل” واعتبروه “مؤامرة وحملة ممنهجة على المنظمات التي تمثل المسلمين السويديين”.
كما تحرض هذه المنصة على المسلمين في إسبانيا، وتحذر من “مأسسة الإسلام في بلاد الأندلس” بل وتحرض على المهاجرين المسلمين إلى أوروبا، وتوجه لهم اتهامات، مثل: إضعاف حقوق المرأة في أوروبا.
وتروج لفكرة “شبكات الإرهاب الأسري”، حيث تفترض أن وجود ما تصفه بـ”المتطرف” يعني أن بقية أفراد الأسرة المسلمة “متطرفون”.
ينشأ اعتقاد واسع أن الإمارات تسعى إلى استحداث منظمات إسلامية جديدة في الغرب بدلاً من المنظمات الإسلامية الموجودة؛ للسيطرة على مجتمع المهاجرين المسلمين؛ ليصبحوا أداة ضغط تمارسها على تلك الدول، حيث تستخدم مؤسسات مثل “هداية” وشبكة مراكزها لتشويه صورة المنظمات الإسلامية الحالية، والترويج للمنظمات البديلة التي تقول إنها تحمل “الفكر المعتدل”.
يبرز أيضاً مركز “صواب” الذي تأسس عام 2015م لذات الأهداف، عبر تضخيم ما توصف بالأصوات الإقليمية المعتدلة، حيث يركز على “الخطاب الدعائي” على شبكات التواصل الاجتماعي لما يعتبره مواجهة لـ”المتطرفين” معتمداً على التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب الذي يضم (63) بلداً. ويقوم بمهمة “هداية” ذاتها.
إن سعيّ الإمارات لاستخدام “التطرف والإرهاب” أدوات للقمع، ومواجهة مطالب الإصلاح الداخلية، استراتيجية خاسرة وتهدر الكثير من سمعة الإمارات وصورتها الدولية، حيث تتكشف مثل “الدعاية”، وسرعان ما ستتحول إلى غضب ضد السياسة الإماراتية بتقديم معلومات مضللة وشائعات للأجهزة الأمنية، وستفقد مصداقيتها بشكل كبير أمام نظرائها في تلك الدول، في وقت فقدت مصداقيتها فعلاً أمام مواطنيها وفي معظم الوطن العربي.