الغزو الاقتصادي.. كيف تسعى الصين إلى بسط نفوذها في أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة؟
شارك الموضوع:
وطن- يُجري العملاق الآسيوي، محادثات مع حركة طالبان لاحتلال المساحة التي كانت تشغلها الولايات المتحدة في أفغانستان، حيث تشير التقديرات إلى وجود احتياطيات معدنية تقدر بتريليون دولار.
واستثمارات الصين في الخارج ليست تجارية فحسب، وفق تقرير نشرته صحيفة “أ بي ثي” الإسبانية، بل هي استراتيجية جيوستراتيجية بحتة.
وباعتبارها أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان وثاني قوة عالمية بعد أربعة عقود من النمو الديمغرافي المتواصل، فإنها تطمح أكثر للاستحواذ على المواد الخام والموارد الطبيعية لمواصلة تعزيز تقدمها.
وتقول الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته “وطن”، فإن الصين وإضافة إلى النفط والغاز الطبيعي والفحم، تحتاج إلى المعادن المستخدمة في التقنيات الجديدة، على غرار الكوبالت والنحاس، لأنها تطمح لقيادة صناعات القرن الحادي والعشرين وعدم الاعتماد على الغرب. ورغم وجود رواسب المعادن الأرضية النادرة في جميع أنحاء العالم، فإن أغلب عمليات التعدين والتكرير تحدث في الصين، فضلا عن أنها تستحوذ على أكبر احتياطي في العالم بنسبة 35 بالمئة.
يستأثر العملاق الآسيوي، على أكثر من 25 بالمئة من الإنتاج العالمي، ويستورد معادن بقيمة 100 ألف مليون يورو (84500 مليون يورو) كل عام. وتستحوذ الصين على 30 بالمئة من الإنتاج العالمي للزنك و 25 بالمئة من النحاس.
إلى جانب ذلك، تعد أكبر مستورد للكوبالت المستخدم في بطاريات الليثيوم، بما مجموعه 95 ألف طن، وذلك لتصنيع الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والسيارات الكهربائية، لتصبح أكثر الصناعات ازدهارا في هذا القرن.
وتعد موارد (المنغنيز والبلاتين و الزئبق والذهب والفضة والخشب) وفيرة في البلدان النامية، وفي القارة الأفريقية، وأمريكا اللاتينية وآسيا.
أين تمتلك بكين بالفعل مصالح اقتصادية وجغرافية استراتيجية واسعة
تحت مظلة طريق الحرير الجديد (حزام واحد طريق واحد)، يتم تطوير مئات من مشاريع إنشاء البنية التحتية، بملايين الدولارات في جميع أنحاء العالم، لتعزيز التجارة الصينية.
ومنذ بداية هذا القرن، عندما بدأت استراتيجية الشركات الصينية، بالانتشار على نطاق واسع في العالم، دائما ما كان هناك مقابل، حيث تمنح بكين هذه البلدان قروضًا للبنية التحتية، على غرار تهيئة الطرقات والسدود والمطارات، والمدارس والمستشفيات، والتي تعمل الشركات الصينية على الإشراف عليها.
حسب ما صرح به المحلل الصحفي خوان بابلو كاردينال لصالح صحيفة “أ بي ثي”، “يكمن السبب في هذه الاستراتيجية، في أن الصين لا تثق في السوق، لمواصلة تغذية نموها الاقتصادي بطريقة كلاسيكية، تقوم على عملية التحضر، ولأنها “مصنع العالم”، تفضل التوجه مباشرة إلى المصدر. ونظرًا لأن الموارد الطبيعية هي استراتيجية تتبعها، لضمان تنمية الاقتصاد الصيني، فإن شركاتها عبر العالم تضمن هذه المشاريع. علاوة على ذلك، أصبحت الشركات الصينية، تلعب دورا مهما في فسح المجال لمزيد من الإنتاج”.
الفساد في إفريقيا
وتتمركز الصين، في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، حيث تحل محل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (EU) في الصناعات الرئيسية.
وعلى الرغم من أن البيانات المتعلقة باستثماراتها ليست واضحة دائمًا، الا ان معهد أمريكان إنتربرايز (AEI)، يقدر أنه منذ عام 2005، خصصت بكين أكثر من تريليوني دولار (1.6 تريليون يورو) لمشاريع البناء في الخارج.
بالإضافة إلى ذلك، تم توثيق في ملف “China Investment Global Tracker”، والمتاح على الإنترنت، 4 آلاف عقد، في قطاع الطاقة والنقل والتكنولوجيا وقطاعات أخرى، لكن بعضها لم ينجح في النهاية. أما بالنسبة للمشاريع المعدنية، وهي إحدى أولوياتها، بلغت استثماراتها 155.300 مليون دولار (131.282 مليون يورو) منذ عام 2005.
وتجدر الإشارة بشكل خاص، إلى عملياتها الإقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث خصصت، وفقًا لمركز أبحاث AidData، أكثر من 16 مليار دولار (13.5 مليار يورو) لقطاع الطاقة بين عامي 2000 و 2012.
ومع استحواذها على 41 بالمئة من المشاريع، أصبحت متقدمة على الاتحاد الأوروبي، الذي بلغت نسبة مشاريعه (18 بالمئة أي ما يعادل 7 مليار دولار / 5.9 مليار يورو)، أما الولايات المتحدة قدرت مجموع أرباحها ب (500 مليون دولار / 422 مليون يورو).
من خلال الشركات الكبيرة المملوكة للدولة، لا يتردد النظام الاستبدادي في بكين في توقيع عقود، يمكن لعمليات التدقيق الغربية أن تخترقها، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى نشر مزاعم، تؤكد على الفساد والتأثير البيئي للصين، فضلا عن استغلال العمال والأطفال.
وفي هذا السياق، يقول المحلل كاردينال: “في الأماكن التي لا تجرؤ فيها الشركات الغربية، على الاستثمار لأنها خطرة، تدخل الصين بنظامها القائم على الاقتصاد الرأسمالي، للاستحواذ أكثر على الثروات العالمية مهما كلفها الأمر”.
قروض لأمريكا الجنوبية
بدأت الصين علاقتها الجديدة مع أمريكا اللاتينية، من خلال التجارة والائتمان العام. في الوقت الحاضر، هي الشريك التجاري الأول لكل أمريكا الجنوبية تقريبًا، بالإضافة إلى بنما وكوبا. في المقابل، مازالت الولايات المتحدة تحتفظ بالأولوية التجارية مع أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي.
وفي السنوات الأخيرة قطعت عدة دول في المنطقة علاقاتها مع تايوان، لفتح سفارة في بكين، ما يثبت أن هناك المزيد من الجهود لتوطيد العلاقات مع العملاق الاسيوي.
منذ عام 2005، أقرضت البنوك الحكومية الصينية الرئيسية، لأمريكا اللاتينية حوالي 140 ألف مليون دولار، وهي نسبة أعلى بكثير من قروض المنظمات الدولية. وذهب ما يقارب من نصف المبلغ، أي ما يعادل 62.2 مليار دولار، إلى فنزويلا والبرازيل والإكوادور والأرجنتين، وهؤلاء على رأس قائمة المستفيدين الرئيسيين.
الجدير ذكره أن هذه الاعتمادات، ستٌغطي تكاليف شراء النفط في المستقبل، وستعمل على تسهيل دخول شركات النفط الصينية الكبرى، في البلدان المنتجة للهيدروكربونات، بالإضافة إلى بناء البنى التحتية للطرقات وتوسيع الموانئ. وهذه الأعمال عادة ما تُشرف عليها الشركات الصينية وغالبا ما يكونوا الموظفين صينيين.
هذا و أدت زيادة التجارة والبنية التحتية للموانئ، إلى قيام الصين أيضًا بإدارة الموانئ أو المحطات بالكامل. وهكذا، فإنها تدير الموانئ في بنما والبرازيل وبيرو وكوبا وجامايكا وجزر البهاما.
في سباق متصل، توقفت الصين عن منح القروض للحكومات منذ عام 2017, وفضلت التواجد المباشر لشركاتها الكبيرة، من أجل الاستئثار على الشركات المحلية، من خلال الإستثمار، وبالتالي الوصول إلى امتلاك المزيد من ثروات التعدين, أو الدخول في خدمات مثل توزيع الكهرباء والغاز والمياه.
وبهذه الطريقة، تمكنت من الاستحواذ على العديد من محطات الطاقة الكهرومائية في البرازيل وتجارة الكهرباء في تشيلي وبيرو. كما اشترت شركات تعدين للنيوبيوم، والفوسفات والحديد في البرازيل، والنحاس في بيرو، والذهب والفضة في الأرجنتين، وتبحث الآن عن كيفية السيطرة على الليثيوم في شيلي.
أثار استغلال الصين، للمواد الخام في أمريكا اللاتينية انتقادات حول العالم، بسبب الإضرار بالبيئة، على غرار استغلال النفط في منطقة الأمازون، وبالتحديد في الإكوادور أو الصيد غير القانوني، الذي تقوم به أساطيل الصيد الصينية في منطقة جزر غالاباغوس. بالإضافة إلى سعيها لاصطياد الحبار العملاق في مياه الأرجنتين.
الموانئ الأوروبية
على الصعيد الأوروبي، تسعى الصين إلى السيطرة على الموانئ البحرية. حيث تحكم سيطرتها على ميناء بيرايوس اليوناني، الذي اشترته السفينة العملاقة كوسكو في عام 2016، والمملوكة لبكين. كما أنها تمتلك 90 بالمئة من إدارة الحاويات الوحيد، لميناء “Zeebrugge” البلجيكي، الذي يقع في موقع استراتيجي بجوار الموانئ العملاقة في أنتويرب وروتردام. هناك تمتلك شركات الشحن الصينية حصص ملكية للمشغلين الرئيسيين، حيث تصل إلى 25 بالمئة في أنتويرب و 35 بالمئة في روتردام، بالإضافة إلى أنها تمثل اقلية مساهمة في مناطق على غرار بلباو وفالنسيا ولاس بالماس وغيرها.
على الرغم من ذلك، عانت الاستثمارات الصينية في أوروبا في السنوات الأخيرة من تباطؤ مفاجئ وعادت إلى المستويات، التي كانت عليها قبل عشر سنوات، عند حوالي 6.5 مليار.
ناهيك أنه كان هناك مخاوف من أن شركاتها ستستغل ظروف انتشار الوباء لشراء الشركات الأوروبية المتعثرة.
لكن لم يحدث ذلك لسببين، أولا، لقد أثر الوضع الصحي أيضا على الشركات الصينية وعلى استثمارات العملاق الآسيوي، التي أصبحت تخضع لتدقيق أكبر بكثير من الحكومات الأوروبية.
وثانيا، وافقت المفوضية الأوروبية على قرار يحد من تدفق رأس المال غير الأوروبي إلى الأصول الهامة.
علاوة على ذلك، زادت 14 دولة من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، من آليات التمييز ضد الاستثمارات الصينية، مما أعاق العديد من عمليات الاستحواذ الكبرى.