“مختبر ووهان”.. القصة الكاملة لحلم عالم صيني تحول إلى كابوس وغير مسار العالم

وطن- قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في تقرير لها إن العالم الصيني البارز، يوان تشيمينغ، قضى أكثر من عقد لبناء أول مختبر فيروسات من المستوى الرابع في الصين بمدينة ووهان. قبل أن يتحول حلمه إلى كابوس بعد تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، وسط بعض الشكوك من أن يكون الفيروس الخبيث قد تسرب من ذلك المختبر.

فيروس كورونا ومختبر ووهان

والمستوى الرابع لمختبرات دراسة الفيروسات (P4) أعلى مستوى من احتياطات السلامة الأحيائية، وهو مناسب للعمل مع الميكروبات التي يمكن أن تنتقل بسهولة إلى الهواء داخل المختبر وتتسبب في الإصابة بأمراض شديدة أو مميتة للبشر، ولا توجد لها لقاحات أو علاجات حالية.

ومن الأمثلة على الميكروبات التي تتطلب هذا المستوى، بعض الفيروسات التي تسبب الحمى النزفية الفيروسية، مثل فيروس إيبولا وفيروس نيباه وفيروس ماربورغ، ووفقا لوكالة فرانس برس فإن هناك على الأقل حوالي 30 مختبرا من المستوى الرابع في العالم، نصفها في الولايات المتحدة.

وجرى تدشين المختبر P4  التابع لمعهد ووهان للفيروسات في العام 2018 بمعاونة خبرات فرنسية، على أن يساهم في المساعدة في منع  كارثة أخرى مثل تفشي فيروس السارس في العام 2003 ، والذي أحرج بكين وأسفر عن إقالة وزير الصحة.

ولكن بعد عامين فقط من بدء أعمال ذلك مختبر P4 ، كانت الصين غارقة في وباء أكثر فتكًا، دون  أن يتمكن فريق يوان من منع انتشاره، بل أن الأمور زادت سوءا إذ وجهت بعض الاتهامات لبكين بأنها تقف وراء انتشاره وتفشيه في أنحاء العالم.

ونفى يوان بشدة أن يكون للمعهد الصيني أي دور في انتشار الجائحة، وقال في مؤتمر صحفي في يوليو: “لم يشهد مختبر ووهان P4 أي تسريبات معملية أو إصابات بشرية منذ أن بدأ العمل في عام 2018″،  موضحا أن فريقه قد سحب قاعدة بيانات الفيروسات دون اتصال بالإنترنت بسبب “العدد الكبير من الهجمات الخبيثة”، وأنهم بالتالي يتعرضون لضغط كبير من الشائعات.

الفيروس لم يكن سلاحًا بيولوجيًا

وكانت وكالات المخابرات الأميركية قد ذكرت في تقرير الشهر الماضي أن الفيروس لم يكن سلاحًا بيولوجيًا، وأنه من غير الواضح ما إذا كان نشأ بشكل طبيعي أو من حادث مرتبط بالمختبر. مشددة على أن تأكيد ذلك غير ممكن بدون تعاون الصين الذي انسحبت في يوليو من التحقيقات التي تقودها منظمة الصحة العالمية.

وفي هذا الصدد، قال باحث أجنبي عمل لسنوات مع معهد ووهان للفيروسات و تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته إن “التعاون العلمي المشترك في مجال علم الفيروسات قد انتهى، فبعد اليوم لن يرحب الصينيون بالأجانب”.

واستوحى تصميم المعهد الصيني من مختبر P4 الفرنسي في ليون، ويتكون مختبر ووهان من أربعة طوابق تشمل إدارة النفايات في الأسفل والمعامل التجريبية وغرف الحيوانات في الطابق الرئيسي،  وطابقين يحتويان أجهزة لضمان التدفق الآمن للهواء، وبحسب بوريس كليمباد، الباحث في أكاديمية العلوم السلوفاكية الذي زار المختبر خلال أعمال إنشائه في العام 2017، فقد وصفه بـ”مجمع ضخم يحتوي على أحدث التقنيات”.

وقال جان بيير دي كافيل، الخبير الفرنسي الذي أجرى تدريبًا على السلامة في معهد ووهان للفيروسات في العام 2010، إن الباحثين الصينيين  كانوا يأملون في استخدام المختبر الجديد لدراسة الأمراض شديدة العدوى مثل الإيبولا وحمى القرم وإيبولا وفيروس الجدري.

ولفت دي كافيل إلى العلماء الصينيين كانوا يحلمون أن يشكل مختبر ” بي 4″  أداة قوية لتحقيق نتائج هامة على صعيد دراسة الفيروسات.

يوان تشيمينغ

وفي مؤتمر علمي ببرشلونة في العام 1986، التقى الباحث الدنماركي أولي سكوفماند بعالم صيني شجاع في أوائل العشرينات من عمره، يدعى يوان تشيمينغ، وكان يدرس كيفية قتل البعوض الحامل للملاريا ببكتيريا Bacillus sphaericus.

ويتذكر سكوفماند، 73 عامًا ، أن أبحاث الشاب الصيني في ذلك الوقت لم تكن متطورة، لكنه أثار إعجابه بما يكفي لمساعدة يوان في الحصول على منح دراسية في فرنسا والدنمارك، مشيرا إلى أنه عمل كطاهٍ في مطعم صيني بكوبنهاغن ولعب كرة الطاولة مع نجله.

أما كريستينا نيلسن لورو، مديرة الأبحاث في المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الزراعية، التي التقت بيوان في أوروبا قبل عقدين من الزمن، فتقول إنه كان منفتحا وثرثارا للغاية وأنه كان يشعر بالانزعاج أحيانا بسبب اضطراره إلى التخلي عن أبحاثه للتركيز على إنشاء مختبر “بي 4”

أما غابرييل غرا ، خبير الأمن البيولوجي الفرنسي، الذي ساعد في الإشراف على بناء المختبر فقد أكد أن يوان تشيمينغ أراد بكل شغف ورغبة إنشاء مختبر P4 “لأنه كان مشروع حياته”، على حد قوله

شي جينجلي “المرأة الوطواط”

وفي المقابل ظهرت شخصية مصيرية أخرى في قصة معهد ووهان للفيروسات هي، شي جينجلي، زميلة يوان في المختبر والتي كانت تجري بحوثا على في كهوف الخفافيش عن للبحث عن أصول فيروس السارس.

وكانت شي أصغر من يوان بسنة ودرست أيضًا في فرنسا حيث تخصصت في الفيروسات المائية، قبل أن تتحول إلى دراسة الخفافيش في العام 2004 بالتعاون، مع عالمة الفيروسات البارزة في سنغافورة، لينفا وانغ، والتي جمع فريقها عينات من 408 خفافيش من جميع أنحاء الصين.

وبعد سبع سنوات من البحث، اكتشفت شي في العام 2011 فيروسات قريبة  من السارس في كهف في مقاطعة يونان شبه الاستوائية.

ونشرت لاحقا الورقة البحثية التي أعدها فريقها في العام 2013، لتحوز على شهرة كبيرة بلادها بعد اكتسبت لقب “المرأة الوطواط”.

وفي عام 2014 ، وفي سن الخمسين، تلقت شي منحة وطنية بقيمة 58 مليون دولار لمواصلة دراسة الفيروسات التاجية في جنوب الصين،  وعقب ثلاث سنوات، أعلن فريقها أنهم عثروا على جميع القطع الجينية لفيروس السارس في الخفافيش في كهف يونان، مما يثبت أساسًا أصل المرض.

وفي الوقت نفسه ، كانت جهود يوان التي استمرت 13 عامًا تؤتي ثمارها أخيرًا ، مع إعطاء الضوء الأخضر لمختبر P4 في العام 2018 لبدء التشغيل،  بتكلفة بلغت 42 مليون دولار للتجارب اليومية، فيما جرى تدريب عدد قليل فقط من علماء معهد ووهان للفيروسات البالغ عددهم 300 على استخدامه ، بما في ذلك شي، نائبة مدير المعهد.

وسلطت الأضواء الدولية على شي في 23 يناير 2020 ، وهو نفس اليوم الذي أغلقت فيه السلطات الصينية مدينة ووهان لاحتواء مرض جديد، بعد ما أعلن فريقها أنهم اكتشفوا فيروسًا بنسبة 96.2٪ مطابق لفيروس كورونا المستجد.

وكانت شي تخشى في الأصل أن الفيروس قد يأتي من مختبرها ، كما أخبرت مجلة” العلوم الأميركية” Scientific American،  لكنها نفت ذلك فيما بعد، مؤكدة أنها فحصت السجلات المعملية وأن جميع الموظفين أثبتوا عدم وجود أجسام مضادة لـ SARS-CoV-2.

وفي النهاية يبدو أن اليأس استبد بيوان وفريق عمله إذ أخبر ،كريستينا نيلسن لورو، في رسالة إلكترونية في مارس من العام الماضي أن المختبر في طريقه إلى الإغلاق، مردفا: “لقد واجهنا وقتًا عصيبًا في مكافحة العدوى في ووهان.. والوضع يقلقني كثيرًا. أنا واثق من أنه يمكننا أخيرًا الحد من انتشار الفيروس بجهودنا المشتركة والتي بفضلها ستعود الحياة إلى طبيعتها قريبًا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى