المسدّس جاهز.. للاغتيال الثالث !

لم تسقط الحكومة، لا بالحوار الوطني الذي تعطّل عنادا ونكاية بين الساسة، و لا بتحريك الشارع الذي راهنت عليه بعض الأطراف التي تأكّدت بما لا يدعوا للشك بأن الشارع ليس في صفّها منذ البداية، ولذا فقد أصبح من الضروري تفجير الوضع مرّة أخرى.
ولتفجير الوضع وإسقاط الحكومة هل تنطلق الرصاصة الثالثة لاغتيال ثالث؟ اعتقد مثلما يعتقد الكثير من التونسيين بحدوث ذلك، ويبقى الخلاف في التوقيت والشخصيّة التي قد تستهدف. والمؤشرات على حدوث مثل هذا الفعل كثيرة، منها اعلامية، وميدانية وسياسيّة.
اعلاميّا، يحدث الآن مثلما حدث في عمليتي اغتيال شكري بلعيد والبراهمي، فكأنما هذا الأعلام يعمل على تحضير وتهيئة الرأي العام لعمل ارهابي قادم. فمحلّيا تعمل بعض وسائل الأعلام المحسوبة على بعض الأطراف السياسية والقوى الخفيّة المضادّة للثورة، على تركيز محتويات اخبارها الرئيسية على الإعلان عن اكتشاف شبكات ارهابية، وأسلحة وإرهابيين مفترضين في طور انجاز الفعل الأجرامي، وانخرطت معها بعض وسائل اعلام دولية وخاصّة بعض صحف تصدر بدول مجاورة في اعطاء معلومات عن تحركات الإرهابيين وعددهم ونوعية العمليات التي سيقومون بها في البلاد التونسية. وكأن هذه الوسائل الإعلامية قد اخترقت منظومة الإرهابيين وتعرف عنهم كلّ شئ، حتى نواياهم في الاغتيالات.
وميدانيا، فلا يخلو المشهد من احداث واقعيّة مفزعة، تتخطّى حدود المعتاد في الواقع التونسي، مثل عمليّتي المنستير وسوسة، اللذان اكتنفهما الكثير من الغموض، حتى ان البعض اعتبرهما عمليتين مسرحيتين وسياسيتين سيئتا الإخراج، فكيف لحامل لحزام ناسف ان يتوجّه لتفجير قبر ! وكيف لحامل لحزام ناسف ان يفجّر نفسه على شاطئ خال، ويبقى اغلب جسده وخاصة جذعه سليما !!، ربمّا انها الرسالة السياسيّة التي يجب أن تصل الى المعني بالأمر.
وليس هذا فقط، فبعد ان أعلن أحد الراعين للحوار عن تعليقه الى أجل غير مسمّى، عاد القصف مجدّدا، بعد ان توقّف لأسابيع، على جبل الشعانبي وفي نفس الليلة !!. كما انفجر هذا اليوم لغم آخر على مقربة من هذا الجبل في وجه احد المواطنات. وهذه المؤشرات الميدانية، توحي في الغالب على قرب موعد اغتيال ما، بالقياس مع ما حدث للشهيدين بلعيد والبراهمي.
وأمّا سياسيا، فراشد الغنوشي الذي قدّم الكثير من التنازلات على حساب مصداقيّة حركته و مستقبلها السياسي، من أجل استقرار الأوضاع، قد اعرب عن خشيته من حدوث اغتيال آخر قائلا، في مقال نشره مؤخرا على الجزيرة نت، “ليس هناك ما يرجّح ألاّ تنطلق من نفس المسدّس أو من غيره رصاصات تربك الأوضاع ان لم تزلزلها زلزلة”، فالرجل لا يتحدّث من فراغ، وإنما يعرف حجم القوى التي تسعى لإسقاطه وإسقاط الحكومة التي يترأسها حزبه، والوسائل التي قد تستعمل في سبيل الهدف.
وتأتي كلّ الخشية، من زلزلة الأوضاع، من جانب زعيم نداء تونس الباجي قائد السبسي، الذي قال في ندوته الصحفيّة الأخيرة، بأن “هناك طرقا اخرى غير الحوار للخروج من الأزمة ولكننا نأباها”، وليس هناك مرادفا للحوار سوى القوّة التي يلمّح لاستعمالها السبسي، كما يلمّح لها الكثير من ابناء حزبه.
وقد يكون معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، المقرّب من صناع القرار في واشنطن، قد حدّد الطرف الذي سيقع استهدافه، أي أن يكون من نداء تونس، لأن ذلك سيضمن حدوث اضطرابات شاملة، قد تسقط الحكومة بضربة قاضية، اذ حذّر في دراسة نشرها مؤخرا، من خطورة حدوث اغتيال سياسي ثالث في تونس، مؤكداً بالقول: “في حال وقوع اغتيال ثالث، لاسيما إذا استهدف حزب “نداء تونس”، فقد يؤدي إلى اندلاع اضطرابات على نطاق واسع.
ويبقى فقط تحديد التوقيت؟ المسدّس جاهز، فمتى تنطلق الرصاصة؟
د. محجوب احمد قاهري
drkahri@gmail.com