وطن- سلط الباحث والناشط الحقوقي المغربي محمد طيفوري، في تقرير له نشره بموقع “القنطرة” التابع التابع لمؤسسة “دويتشه فيله”، الضوء على الأسباب التي وقفت وراء انهيار حزب العدالة والتنمية المغربي والسقوط المدوي لإسلاميي المغرب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
ويقول “طيفوري” إن حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) أمضى عشر سنوات في رئاسة الحكومة بالمغرب، بعد تصدّره نتائج استحقاقين انتخابيين متتابعين؛ عامي 2011 (107 مقاعد) و2016 (125 مقعدا).
ورأى أن أداء الحزب لم ينجح في إقناع الرأي العام، فأداء حكومة سعد الدين العثماني كان هزيلا، بالمقارنة مع حكومة سلفه عبد الإله بنكيران.
كما أنه ـ وحسب وصف الكاتب ـ فإن شهوة السلطة وحلاوة المنصب دفعتا الإسلاميين نحو الاستسلام عند أول اختبار، فارتكبوا أخطاء قاتلة، هزّت بنيان الحزب، بعد تحوّل الأزمة التنظيمية إلى أزمةٍ سياسية، فقد على أثرها الحزب البوصلة، وفقد معها قاعدة شعبية من المساندين؛ (القوى والفاعلين الديمقراطيين) بعيدا عن الصف الإسلامي.
حزب العدالة والتنمية والتفريط في الهوية الإسلامية
أولا؛ التفريط في الهوية الإسلامية، بعدما كان الحزب يُميّز نفسه بها، منذ دخوله المشهد السياسي، في سياق المقارنة مع باقي الأحزاب السياسية، ويحض الأعضاء والمناضلين على التمسك بقواعدها، من أجل تقديم نموذج يصنع الفارق في مشهد سياسي معطوب.
وكانت هذه المرجعية إحدى الركائز التي قدمها الأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، خلال المؤتمر الاستثنائي، لتصحيح مسار الحزب. فبعد توقيع رئيس الحكومة السابق، سعد الدين العثماني، على اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني، جاءت مصادقة المجلس الحكومي على مشروع قانون لتقنين زراعة القنّب الهندي (مخدّر الحشيش).
وقبلها كانت واقعة قانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين التي أوجبت فرنسة التعليم بديلا عن اللغة العربية، ذلك كله في تناقض صارخ مع مرجعية الحزب وهويته.
الانقلاب على المبادئ
ثانيا؛ الانقلاب على المبادئ، فقد انقلب الشعار الراسخ لحزب المصباح “صوتك فرصة ضد الفساد والاستبداد”، مع مرور الوقت، داخل المكاتب الحكومية إلى النقيض تماما، فواجه الإسلاميون مختلف صور الفساد من ريع وزواج السلطة بالمال .. بسياسة “عفا الله عما سلف”.
ووفق الكاتب وبدل التصدّي للاستبداد، عمد إخوان بنكيران إلى التطبيع مع هذا الاستبداد، بالبحث في أدبيات التراث الإسلامي عن حيل تبريرية غير مقنعة لهم، فكيف تقنع الآخرين؟ ألم تناصر قيادة “العدالة والتنمية” الاستبداد، حين عمدت، بمعية أحزاب أخرى، إلى التوقيع على بيان تخوين قادة حراك الريف، ثم تبرير ما حدث من عنف ومحاكمات لنشطاء الحراك.
ما هي أسباب هزيمة حزب العدالة والتنمية؟
ويقول طيفوري إن حزب العدالة والتنمية حصل على 13 مقعدا برلمانيا مقارنة بـ 125 مقعدا في الانتخابات التشريعية السابقة. كما فشل أمينه العام ورئيس الحكومة السابق، سعد الدين العثماني، في تأمين مقعد نيابي له.
الآراء تباينت فيما يتعلق بأسباب هزيمة الحزب، فبعض المراقبين أعاد ذلك إلى ارتفاع معدل البطالة وارتفاع معدلات الفقر وتراجع شعبية الإسلاميين في العالم العربي بعد نجاح الثورات المضادة، وهو ما أثر على شعبية الحزب لدى قواعده الشعبية.
لكنّ عددا آخر من الكُتاب أرجع الهزيمة إلى اتفاق تطبيع العلاقات الذي وقعه المغرب مع إسرائيل مقابل اعتراف أمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
الأزمة الديمقراطية
ثالثا؛ الأزمة الديمقراطية. على مدار ولايتين حكوميتين، لم يتمكن الحزب من مراجعة مساطر داخلية كثيرة، في ما يتعلق بقواعد الترشيح للمناصب والمسؤوليات. فلدى هياكل الحزب مطلق الصلاحية، إلى درجة أن العضو في الحزب لا يرشّح نفسه، وإنما تختاره هياكل الحزب.
ما ولّد مشكلة تكريس الزعامات، بتزكية أسماء، للمرة الثالثة والرابعة والخامسة، لتُسقط بذلك فكرة التداول أحد مطالب الحزب زمن المعارضة. ويحدُث أن تكون التزكية ضدا على إرادة القواعد الحزبية، ما تسبّب في استقالات جماعية في عدّة مواقع (تمارة، آسفي، أكادير ..).
رابعا؛ ضمور ثقافة النقد الذاتي، إذ لا وجود في أرشيف الحزب لوثائق، خلال توليه قيادة الحكومة، تقدّم مراجعة نقدية أو تقييما موضوعيا لتقلبات الحزب من صفوف المعارضة إلى مواقع التسيير.
فك الارتباط بحزب التقدم والاشتراكية
وحتى ما أعقب واقعة إعفاء الأمين العام، عبد الإله بنكيران، التي مثّلت أخطر منعطفٍ في مسار الحزب، كان أقرب إلى جلسات استماع ومكاشفة بين الإخوان، بعد فقدان القيادة، منه إلى حوار داخلي للنقد والتقييم والتصويب، يقول الكاتب.
خامسا؛ الفشل في إدارة التحالفات الحزبية، وهذا ما تكشف عنه تفاصيل واقعة تمسّك بنكيران بمشاركة حزب الاستقلال في الحكومة، ورفضه، في المقابل، دخول حزب الاتحاد الاشتراكي.
وكان ذلك أحد أسباب عرقلة ولادة حكومته الثانية، قبل أن يأتي سعد الدين العثماني فيقبل شروط زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار بدون مناقشة أو تعديل.
ثم جاءت واقعة فك الارتباط بحزب التقدم والاشتراكية، صاحب التحالف الاستراتيجي مع حزب المصباح منذ بداية الربيع العربي، لتُظهر وهن الحزب في صناعة الأحلاف وإدارتها.
يمزج الحزب بين خطاب المظلومية في الحملات الانتخابية، مقابل خطاب التبرير للسلطة من موقع المسؤولية
خطيئة “الأصالة والمعاصرة”
سادسا؛ خطيئة “الأصالة والمعاصرة”. كان هذا الحزب، منذ تأسيسه إلى وقت قريب، في مرمى نيران الإسلاميين قيادة وقواعد، حتى قيل إن تأسيس حزب الجرّار، عام 2008، كان أفضل هدية قدّمها المخزن لبنكيران لمضاعفة شعبيته.
كل هذا التراشق والتنابز، أزيد من عشر سنوات، انتهى قبل أسابيع، بعد إقدام قيادة الحزبين على التحاور والتشاور في أفق التحالف مستقبلا. هكذا يصبح الاشتغال مع حزبٍ بنى الإسلاميون جزءا من شرعيتهم على مواجهته مقبولا ومباحا، بعد أن كان ممنوعا ومحظورا في الماضي.
سابعا؛ العناية بالتدبير (الإدارة والتسيير) على حساب التنظيم، إلى درجة يمكن معها القول إن إسلاميي حزب العدالة والتنمية استغرقتهم المهام التدبيرية والمسؤوليات؛ مركزيا في الوزارات، ومحليا في الجماعات والبلديات.
وأغفلوا البناء التنظيمي وتجديد الدماء بواسطة خطط الاستقطاب المألوفة وأساليبها، وإنعاش الحواضن الاجتماعية، وفي مقدمتها حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية، لمزيد من العمل. يكاد يقترب حزب العدالة والتنمية، في هذه الحالة بالضبط، من جل الدكاكين السياسية التي تؤثث المشهد المغربي، ولا تنفث الغبار عن نفسها حتى تقترب الانتخابات.
ازدواجية الخطاب
ثامنا؛ ازدواجية الخطاب. يقول طيفوري إن العدالة والتنمية يمزج بين خطاب المظلومية في الحملات الانتخابية، مقابل خطاب التبرير للسلطة من موقع المسؤولية، فأنصاره لا يتوقفون، طوال أيام الحملة الانتخابية، عن الجهر أمام المواطنين، إن السلطة تخشى حزب المصباح، لذلك مثلا فرضت القاسم الانتخابي، وكل ما قبله وبعده، من قراراتٍ لإرباك شعبية حزب العدالة والتنمية واستهدافه.
ولكن سرعان ما ينقلب إلى الضد بالدفاع عن أخطاء السلطوية، وكأنه يحاول تقديم قرابين لها نظير إناطة المسؤولية به، حتى إن الحزبيين فيه صاروا، في بعض المواقف، مخزنيين أكثر من المخزن نفسه، من شدّة دفاعهم عن خطاياه (حراك الريف مثلا).
يحاول الإسلاميون، عند كل مناسبة وأحياناً بدونها، بثّ رسائل إلى النظام تعبيراً عن حسن النيات.
التماهي مع السلطة
تاسعا؛ التماهي مع السلطة. منذ دخولهم المشهد السياسي، عام 1996، باسم حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، يحاول الإسلاميون، عند كل مناسبة وأحيانا بدونها، بثّ رسائل إلى النظام تعبيرا عن حسن النيات.
وجاء تولّيهم رئاسة الحكومة مناسبةً مُثلى لإسقاط فزّاعة “الإسلاميين”، من خلال تزكيتهم شعار “المشاركة لا المغالبة”، فمجرّد حضور الحزب في المشهد السياسي بذاته إنجازٌ يستحق الإشادة.
جعلهم ذلك كله ينبطحون، المرّة تلو الأخرى، أمام المخزن، قصد إبعاد الشكوك والظنون. فيما القاعدة تفرض على الحزب مسافة أمان، تمكّنه من الانفصال عن السلطة، والحفاظ على كيانه الحزبي بعيدا عن أخطاء السلطة.
التفريط في قيادة الحزب
عاشرا؛ التفريط في قيادة الحزب، بقبول تنحية عبد الإله بنكيران من تشكيل الحكومة الثانية، بعد انتظار دام عدة أشهر، وإسناد الأمر إلى العثماني الذي أخرجها إلى حيز الوجود في زمن قياسي.
ارتكبوا هنا خطأ مزدوجا، فالأمين العام للحزب، وهو يفاوض مجرّد معبر عن مواقف ومنفذ لقرارات الأمانة العامة؛ فالتخلي عنه تخل عن المؤسسة صاحبة القرار.
كما أنه يبقى في هذه المعركة مجرّد مدافع عن الإرادة الشعبية التي ساهم فيها تحقيقها بنصيب كبير، فهو صانع ألعابٍ ماهر نجح في مصالحة المغاربة بالسياسة.
ومثّل التفريط فيه رسالة سلبية من الحزب إلى هذه الجماهير، مضمونها أن الخضوع لرغبات مربع الحكم أهم من الانتصار للقواعد الشعبية.
الجامع للأسباب كلها هو أن الحزب ابتلي عام 2016م برئيس خنوع مذلول مهزوز منهزم وصل به الانبطاح الى درجة تقديس نظام المخزن… رب نعمته فهو لم يكن يحلم يوما بأن يصبح في ذلك المنصب الذي سقط عليه من خصومه السياسيين لكي يتخذونه أداة لإذلال الحزب والقضاء عليه فكان هذا الرئيس الخاتم في أيديهم لأجل تنفير الناس من التصويت للعدالة والتنمية وبئس ما فعل