“باندورا” تُزيل علامات الاستفهام بشأن انهيار اقتصاد لبنان وتكشف فسادا بالجملة
وطن – حلت تسريبات “وثائق باندورا” اللغز وراء انهيار اقتصاد لبنان بهذا الشكل الكارثي، حيث كشفت الوثائق عن فضائح فساد بالجملة لساسة وأثرياء ومشاهير.
وتصدر اللبنانيون في وثائق “باندورا“، من حيث عدد الشركات السريّة والوهمية التي تعمل في الملاذات الضريبية لصالح الساسة والأثرياء والمشاهير، وشمل ذلك شخصيات من مختلف ألوان الطيف في البلد العربي الذي يوشك اقتصاده على الانهيار.
وبلغ عدد الشركات التي يملكها لبنانيون وظهرت أسماؤها في الوثائق المسرّبة حديثا 346 شركة، على الأقل، وفق تقرير لمنصة “درج” التي شاركت في التحقيق الاستقصائي الكبير، بقيادة الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين.
وثائق باندورا تفضح نجيب ميقاتي
وبحسب التقرير فإن المفارقة اللبنانية مزدوجة، إذ إن رئيس الحكومة الجديد في البلاد، نجيب ميقاتي، برز اسمه بشكل لافت في الوثائق، وهو الذي وعد بالعمل على إنقاذ اقتصاد البلاد المنهار، الذي تبين كذلك أن أثرياءه يملؤون الملاذات الضريبية بالشركات الوهمية لاستخدامها بصفقات سريّة.
ويبدو أن الفرقاء السياسيين في لبنان متفقون على اللجوء إلى الـ”أوف شور”، حيث شملت الوثائق أسماء شخصيات من مختلف “ألوان الطيف”.
ومن بين 14 مزودا للملفات المسربة، وعددها نحو 12 مليون وثيقة، كانت شركة “Trident Trust” الشركة الأكبر من بينها، إذ بلغ عدد الوثائق المسربة منها نحو ثلاثة ملايين وثيقة، ولبنان سبق الدول من حيث لجوء نخبته إلى هذه الشركة لتسجيل شركاتهم في الملاذات الضريبية.
فبينما حلت بريطانيا في المرتبة الثانية في قائمة زبائن الشركة بـ 151 ملفا، حل لبنان في المرتبة الأولى بـ346 ملفا، لجأ أصحابها اللبنانيون إلى “Trident Trust” لتسجيل شركاتهم في الملاذات الضريبية.
وبحسب “درج“، فقد حل العراق ثالثا بـ85 ملفا، وهو البلد الغارق بفساد طبقته السياسية، على الرغم من أن الأرقام تكشف أن الأخيرة حديثة لجهة خبرات إخفاء الثروات وتهريبها إلى الخارج، لا بل إن تبادلا للخبرات في مجال الفساد يجري على قدم وساق بين البلدين اللذين تتمتع إيران بنفوذ كبير فيهما.
خطوط تتقاطع في طهران
وقالت المنصة في تقريرها: “في سياق تقصّينا قصص سياسيين ورجال أعمال لبنانيين ممن وردت أسماؤهم في الوثائق، اكتشفنا أن عدداً منهم امتدت نشاطاته إلى العراق”.
وأوضح التقرير أن ذلك يتم “عبر تسهيلات من الفصائل المسلحة المدعومة من إيران أو عبر شراكات مع رجال أعمال عراقيين ممن أصابتهم العقوبات الدولية بسبب سجلاتهم في الفساد. فلجأوا إلى واجهات لبنانية، والعكس صحيح أيضا، ذاك أن لبنانيين صدرت بحقهم عقوبات أمريكية عثرنا على أثر لاستثمارات لهم في العراق”.
وهنا “تحضر شركات في الملاذات الضريبية لمن استهدفتهم العقوبات الأمريكية بتهم تبييض أموال لصالح حزب الله مثل قاسم حجيج وصالح عاصي”.
وكشفت الوثائق شراكات هدفها تسهيل عملية التهرب من عقوبات دولية على ما يشير الملف المرتبط بمستشار رئيس الجمهورية والنائب السابق “أمل أبو زيد”.
فيما “يأخذنا الملف المرتبط به إلى تقاطعات المصالح التي يمثّلها الرجل بين الشركات الروسيّة والتيار العوني والنظام السوري، وعمله الطويل في مجال وسائل الدفع وتحويل الأموال”.
رؤساء حكومات ومصرفيون
وفي وثائق “باندورا” أسماء لرئيسي حكومة لبنانيين، حالي وسابق، هما نجيب ميقاتي وحسان دياب، ووزير سابق ورئيس حالي لمجلس إدارة مصرف هو مروان خير الدين، وغيرهم من أصحاب محطات تلفزيونية كتحسين خياط، ومصرفيين مثل سمير حنا.
ولطالما برز اسم ميقاتي في مشاريع استقصائيّة دوليّة مبنيّة على تسريبات، إذ إنه ناشط في مجال تأسيس شركات الأوف شور. ففي وثائق بارادايس التي نُشرت عام 2017 ظهر أنه أسس شركة Corporate Jet عام 2004.
وكانت وثائق “بنما” التي نشرت عام 2008 قد كشفت عن امتلاك رئيس الحكومة الحالي، نجيب ميقاتي، شركة Hessville Investment Inc في باناما، منذ 27 أبريل 1994.
وتكشف وثائق “باندورا” الجديدة أنّه في 13 فبراير من عام 2008، وفي أحد اجتماعات مجلس إدارة الشركة، تقرّر شراء عقار في موناكو بنحو 7 ملايين يورو.
وبحسب خبراء في شركات الأوف شور، فإنّ شراء عقارات باسم شركة أوف شور يخفف كثيراً من الأعباء الضريبيّة مقارنةً بتسجيل العقار باسم شخص.
أما حسان دياب، فتكشف الوثائق أنه تولى إدارة شركة eFuturetech Services Ltd منذ شباط 2015 مع كلّ من محمد نبيل بدر وعلي حدّارة.
ويملك دياب 17 سهما في الشركة مقابل 67 سهماً لبدر و16 سهماً لحدّارة.
وبدر هو رئيس نادي الأنصار اللبناني لكرة القدم منذ شباط/ فبراير 2013، بالإضافة إلى مساهمته في شركات محلية عدة.
والمفارقة، بحسب “درج” أنه قبيل تقديم استقالته من الحكومة عقب كارثة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، أعلن حسان دياب “الحرب” على التهرّب الضريبي ولكنّه عاد بعد استقالته ليقول “مستسلما” إنّ “الفساد أكبر من الدولة”.
وعلى الرغم من أن تأسيس شركة “أوف شور” لا يعتبر غير قانوني إلا أنّه يثير التساؤلات والشبهات لأنّه في معظم الحالات يكون وسيلة إما لأعمال مشبوهة أو لتهرب ضريبي، خصوصاً عند حصول ذلك في الخفاء ومن دون أعمال معروفة ومعلنة للشركة.